من موانع محبة الله عبدا (جملة أخلاق يكرهها الله تعالى) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4515 - عددالزوار : 1307677 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1059 - عددالزوار : 126039 )           »          طريقة عمل ساندوتش دجاج سبايسى.. ينفع للأطفال وللشغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بخطوات بسيطة.. من العسل لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          طريقة عمل لفائف الكوسة بالجبنة فى الفرن.. وجبة خفيفة وصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          وصفات طبيعية لتقشير البشرة.. تخلصى من الجلد الميت بسهولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          هل تظل بشرتك جافة حتى بعد الترطيب؟.. اعرفى السبب وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          استعد لدخول الحضانة.. 6 نصائح يجب تنفيذها قبل إلحاق طفلك بروضة الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          سنة أولى جواز.. 5 نصائح للتفاهم وتجنب المشاكل والخلافات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          طريقة عمل العاشوراء بخطوات بسيطة.. زى المحلات بالظبط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-09-2020, 02:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي من موانع محبة الله عبدا (جملة أخلاق يكرهها الله تعالى)

من موانع محبة الله عبدا (جملة أخلاق يكرهها الله تعالى)
محمد محمود صقر




من موانع محبة الله تعالى عبدًا

جملة أخلاق يكرهها الله تعالى

[اللدد في الخصام، مناقضة القولِ الفعلَ، كره لقاء الله تعالى عند الموت، التخلق والاشتغال بسفساف الأخلاق، الفحش والتفحش والبذاءة، الجهر بالسوء، الإلحاف في السؤال، قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، التثاؤب، الاضطجاع على البطن]



1-اللدد في الخصام:
عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِم"[1].

قال الحافظ - في "الفتح" -: قوله "الألد الخصم" هو الدائم الخصومة، والاسم اللدد مأخوذ من لديدَيْ الوادي، وهما جانباه[2]. وقال النووي - في "شرح مسلم" -: "أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصِم" هو بفتح الخاء وكسر الصاد، والألدّ شديد الخصومة، مأخوذ من لديديْ الوادي، وهما جانباه؛ لأنه كلّما احتجّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما "الخصم" فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع[3] حقٍّ أو إثبات باطل[4].

وقال المناوي: "كفى بك إثمًا أن لا تزال مخاصما"؛ لأن كثرة المخاصمة تفضي غالبا فيما يذم صاحبه، وقد ورد الترغيب في ترك المخاصمة؛ ففي أبي داود عن أبي أمامة رفَعَه "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّا"[5]، و"أبغض العباد إلى الله تعالى الألدّ الخصم" كما في الصحيحين... قال بعضهم: ما رأيت شيئًا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ولا أضيع للذة ولا أشغل للقلب من المخاصمة. فإن قيل لابد من الخصومة لاستيفاء الحقوق، فالجواب ما قال الغزالي: أن الذمّ المتأكد إنما هو خاصٌّ بباطل أو بغير علم؛ كوكلاء القاضي. وقال بعض العارفين: إذا رأيت الرجل لجوجًا مرائيًا معجبًا برأيه فقد تمت خسارته[6].

اللدد في الخصام من صفات المنافقين:
عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلَةٌ منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدَعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"[7].

قال العظيم آبادي: "وإذا خاصم فجر"؛ أي مال عن الحق، وقال الباطل والكذب. قال أهل اللغة: أصل الفجور الميلُ عن القصد.. قاله النووي[8]. وقال المناوي: "وإذا خاصم فجر"؛ مال في الخصومة عن الحق، وقال الباطل[9]. وقال النووي: هذا الحديث مما عدّه جماعة من العلماء مشكلاً؛ من حيث إنَّ هذه الخصال توجد فى المسلم المصدّق الذى ليس فيه شكٌّ، وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدِّقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفرٍ، ولا هو منافق يخلد في النار؛ فإن إخوة يوسف - صلى الله عليه وسلم - جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كلّه، وهذا الحديث ليس فيه - بحمد الله تعالى - إشكال؛ ولكن اختلف العلماء في معناه؛ فالذي قاله المحققون والأكثرون، وهو الصحيح المختار: أن معناه أنّ هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم؛ فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافَه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقُه في حقّ من حدَّثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنّه منافق في الإسلام، فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا أنّه منافق نفاق الكفار المخلَّدين في الدرك الأسفل من النار، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "كان منافِقًا خالصًا" معناه شديد الشبه بالمنافقين؛ بسبب هذه الخصال.

وقال: قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبةً عليه، فأما من يندُر ذلك منه فليس داخلاً فيه، فهذا هو المختار في معنى الحديث، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي - رضى الله عنه - معناه عن العلماء مطلقًا، فقال: إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل، وقال جماعة من العلماء: المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدّثوا بإيمانهم وكذَبوا، واؤتُمِنوا على دينهم فخانوا، ووعدوا في أمر الدين ونصرِه فأخلفوا، وفجَروا في خصوماتهم، وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، ورجع إليه الحسن البصري - رحمه الله تعالى - بعد أن كان على خلافه، وهو مرويٌّ عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما - ورويَاه أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.. قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى -: وإليه مال كثير من أئمّتنا، وحكى الخطابى - رحمه الله تعالى - قولا آخر أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يُخاف عليه أن تُفضِي به إلى حقيقة النفاق، وحكى الخطابى - رحمه الله تعالى - أيضًا عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يواجِهُهم بصريح القول فيقول فلان منافق، وإنما كان يشير إشارةً؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - "ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا"[10] والله أعلم، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأولى: "أربع من كنّ فيه كان منافقًا" وفي الرواية الأخرى "آيةُ المنافق ثلاث" فلا منافاة بينهما؛ فإن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحدة منهن تحصل بها صفته ثم قد تكون تلك العلامة شيئًا واحدًا، وقد تكون أشياء والله أعلم... وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن خاصمَ فجَر"؛ أي مال عن الحقّ وقال الباطل والكذب، قال أهلُ اللغة: وأصلُ الفجور الميلُ عن القصد، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "آيةُ المنافق"؛ أي علامته ودلالته، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "خلة" و"خصلة" هو بفتح الخاء فيهما وإحداهما بمعنى الأخرى[11].

2- مناقضةُ القولِ الفعلَ:
يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2-3].. جاء في "تتمة أضواء البيان" ما يلي: في الآية الأولى إنكارٌ على الذين يقولون ما لا يفعلون، وفي الآية الثانية بيانٌ لشدّة غضب الله ومقته على من يكون كذلك، ولكن لم يبيّن هنا القول المغاير للفعل المنهيّ عنه، والمعاتبون عليه والمستوجب لشدّة الغضب؛ إلا أن مجيء الآية الثالثة؛ أي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4] بعدهما يشعر بموضوع القول والفعل، وهو الجهاد في سبيل الله. وقد اتفقت كلمةُ علماء التفسير على أن سبب النـزول -مع تعدُّده عندهم- أنه حول الجهاد في سبيل الله من رغبة في الإذن لهم في الجهاد ومعرفة أحبّ الأعمال إلى الله ونحو ذلك. وقد بيّن القرآن في عدة مواضع أن موضوع الآيتين الأولى والثانية فيما يتعلق بالجهاد وتمنيهم إيّاه.. من ذلك قوله تعالى عنهم: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ ﴾ [محمد: 20]، ومنها قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ [النساء: 77]، ومنها قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا الله مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولاً ﴾ [الأحزاب: 15][12].

فمثل هذه الآيات جاءت في سياق الحديث عن الجهاد، وأكثر من ذلك جاء في سياق الردّ على السائلين عنه، والله أعلم.

3-كره لقاء الله عند الموت:
وفي الصحيحين أحدهما عن عبادة بن الصامت والآخر عن عائشة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كرِه لقاء الله كره الله لقاءه"، قالت عائشة -أو بعض أزواجه - صلى الله عليه وسلم -: إنا لنكره الموت، قال: "ليس ذاك؛ ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحبّ إليه مما أمامه فأحبّ لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكرِه لقاء الله وكره الله لقاءه"[13].

قال الحافظ - في شرح حديث البخاري -:
قال الخطابي: تضمّن حديث الباب من التفسير ما فيه غنية عن غيره، واللقاء يقع على أوجه؛ منها المعاينة، ومنها البعث؛ كقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ ﴾ [الأنعام: 31]، ومنها الموت؛ كقوله ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ ﴾ [العنكبوت: 5]، وقوله ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ﴾ [الجمعة: 8].

وقال ابن الأثير - في "النهاية":
المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلبُ ما عند الله، وليس الغرض به الموت؛ لأن كلاًّ يكرهه؛ فمن ترك الدنيا وأبغضها أحبَّ لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله؛ لأنه إنما يصل إليه بالموت، وقول عائشة: والموت دون لقاء الله، يبيّن أن الموت غير اللقاء؛ ولكنّه معترض دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه ويحتمل مشاقّه حتى يصل إلى الفوز باللقاء.

قال الطيبي:
يريد أن قول عائشة "إنا لنكره الموت" يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت، وليس كذلك لأن لقاء الله غير الموت؛ بدليل قولِه في الرواية الأخرى "والموت دون لقاء الله"؛ لكنْ لما كان الموتُ وسيلةً إلى لقاء الله عبّر عنه بلقاء الله.

وقد سبق ابنَ الأثير إلى تأويل لقاء الله بغير الموت الإمامُ أبو عبيد القاسم بنُ سلام فقال: ليس وجهَه عندي كراهةُ الموت وشدتُه؛ لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة، قال: ومما يبيّن ذلك أن الله تعالى عاب قومًا بحبِّ الحياة فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ﴾ [يونس: 7].

وقال الخطابي: معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا؛ فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهة بضد ذلك.

قال الحافظ:
البداءة بأهل الخير في الذكر لشرفِهم، وإن كان أهل الشرّ أكثر، وفيه أن المجازاة من جنس العمل؛ فإنه قابَل المحبّة بالمحبة والكراهة بالكراهة، وفيه أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، وفيه نظر؛ فإن اللقاء أعمّ من الرؤية، ويحتمل -على بُعدٍ- أن يكون في قوله "لقاء الله" حذفٌ تقديره لقاء ثواب الله ونحو ذلك، ووجهُ البعد فيه الإتيان بمقابِله؛ لأن أحدًا من العقلاء لا يكره لقاء ثواب الله، بل كل من يكره الموت إنما يكرهه خشية أن لا يلقى ثوابَ الله؛ إما لإبطائه عن دخول الجنة بالشغل بالتبعات، وإما لعدم دخولها أصلا كالكافر، وفيه أن المحتضر إذا ظهرت عليه علامات السرور كان ذلك دليلاً على أنّه بُشِّر بالخير، وكذا بالعكس، وفيه أن محبّة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمنّي الموت؛ لأنها ممكنةٌ مع عدم تمنّي الموت؛ كأن تكون المحبةُ حاصلةً لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخُّره، وأن النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة المستمرة[14].

وقال الإمام النووي - في شرح حديث مسلم -:
هذا الحديث يفسّر آخرُه أولَّه، ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحبّ لقاء الله ومن كره لقاء الله، ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النـزْع في حالة لا تقبلُ توبته ولا غيرها؛ فحينئذٍ يبشَّر كلّ إنسانٍ بما هو صائرٌ إليه وما أُعِدّ له ويكشف له عن ذلك؛ فأهل السعادة يحبّون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعدّ لهم، ويحبّ الله لقاءهم؛ أي فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم؛ أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم[15]، وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم، وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك، ولا أن حبه لقاء الآخرين حبهم ذلك؛ بل هو صفة لهم[16].

وهذا الكلام الأخير، لو صحَّ، يوهم أن اعتبارَنا حبّ لقاء الله سببًا لمحبّته تعالى خطأ؛ لكن كلام النووي هذا ليس بصحيح بل هو وجهٌ رآه الإمام.. وما المانع أن يحبّ الله لقاء عبدٍ لحبّ العبد لقاءَه، بعد أن أحبّه تعالى أوّلاً لفعلِه الطاعات التي أدت لتبشيره بنجاةٍ ونعيم؟ في رأيِي أنّه لا شيء يمنع من ذلك.

لكن هذا الحديث يُعمل به قبلَ الموتِ لا عندَه، وكيفيّة العمل به هي تقديم العمل الصالح في الرخاء والصحة والفراغ لا حالَ الاحتضار، والأول مذهبُ الصالحين والآخر مذهب أبي لهبٍ وأتباعه من المسوِّفين الذين يظنون أن بإمكانهم نطق الشهادة عند الموتِ، وليس بمستطاعٍ إلا أن يوفِّقَ اللهُ إليه.

ومما يدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسُق أوّل الحديث لحكاية الموقف حال الموت بقدْر ما ساقَه للحثّ على الاستعداد له، وكذلك ردُّه - صلى الله عليه وسلم - على عائشة - رضي الله عنها - جاء لدفع القنوط واليأس، وهما لا يندفعان عمّن رأى مقعدَه من النار وملك الموت في أبشع صورة وروحُه تُنـزع منه كغصنٍ ينـزع من صوفٍ مبلول، بل يندفعان عمّن يأخذ حذرَه ويستعدّ من الآن.

4- الاشتغال والتخلّق بسفساف الأمور والأخلاق:
قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى جميلٌ يحبّ الجمال، ويحبّ معالي الأخلاق ويكره سفسافها"[17]، وقال: "إن الله تعالى يحب معاليَ الأمور وأشرافَها ويكره سفسافَها"[18].

"سفسافها" - بفتح أوَّله المهمل - أي رديئها. قال ابن عبد السلام: الصفاتُ الإلهية ضربان.. أحدهما يختص به كالأزلية والأبدية والغنى عن الأكوان، والثاني يمكن التخلّق به وهو ضربان.. أحدهما لا يجوز التخلّق بها كالعظمة والكبرياء، والثاني ورد الشرع بالتخلّق به كالكرم والحلم والحياء والوفاء؛ فالتخلّق به بقدر الإمكان مُرضٍ للرحمن مرغم للشيطان. قال - في "الصحاح" -: السفساف الرديء من الشيء كلّه والأمر الحقير، وقال الزمخشري: تقول العرب شِعرٌ سفساف، وكل عمل لم يُحْكِمه عامله فقد سفسفه، وكل رجل مسفسف لئيم العطية، ومن المجاز قولهم: تحفظ من العمل السفساف ولا تسف له بعض الإسفاف..

وسام جسيمات الأمور ولا تكن
مسفًّا إلى ما دق منهن دانيا[19]



"إن الله تعالى يحبّ معالي الأمور وأشرافها"، وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية؛ فإن العلوّ فيها نزول، "ويكره" - في رواية البيهقي "ويبغض" - "سفسافها" - بفتح أوّله - أي حقيرها ورديئها، فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبّه، ومن تحلّى بالأوصاف الرديئة كرهه[20].

ويؤخذ من هذا الحديث أن الله تعالى يحب الخُلُق الفاضل والانشغال بالأمور الكبار، كما أن من معالي الأخلاق الجود والكرم، ولِذا ذكرا في أوّل الحديث الأول في بعض رواياته، ولكن - يا للحسرة - يخالف أغلب المسلمين اليوم هذين الحديثين، فهم وضعاء الأخلاق أدنياء الطموح إلا من رحم الله من قلّة نرجو أن نكون منهم بفضله ومنّه سبحانه.

5-الفحش والتفحّش:
فعَنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: رَأَيْتُ أُسَامَةَ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَقَالَ: تُصَلِّي عِنْدَ قَبْرِهِ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهُ، فَقَالَ لَهُ قَوْلاً قَبِيحًا ثُمَّ أَدْبَرَ، فَانْصَرَفَ أُسَامَةُ فَقَالَ لِمَرْوَانَ: إِنَّكَ آذَيْتَنِي، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الله يبْغضُ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ"، وَإِنَّكَ فَاحِشٌ مُتَفَحِّشٌ[21]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ الله يبْغض الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ"[22]. وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء -رضى الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما شيء أثقل من ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"[23]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مه يا عائشة فإنّ الله لا يحبّ الفحش والتفحش"، وزاد: فأنزل الله - عز وجل- : ﴿ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ ﴾ [المجادلة: 8] إلى آخر الآية[24]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش والتفحش"[25].

والفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل والجمع الفواحش.. ورجل فاحش ذو فحش.. فالفاحش ذو الفحش والخنا من قول وفعل، والمتفحِّش: الذي يتكلف سب الناس ويتعمده[26]. وقِيلَ: كُلُّ ما نَهَى اللهُ - عز وجل- عَنْهُ فَاحِشَةٌ، وقيلَ: كُلُّ خَصْلَةٍ قَبيحَةٍ فهيَ فَاحِشَةٌ مِنَ الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ، وقِيلَ: كُلُّ أَمْرٍ لا يَكُونُ مُوَافِقاً للْحَقِّ والقَدْرِ فهو فَاحِشٌ.. والمُتَفَحِّشُ: الَّذِي يَتَكَلَّفُ سَبَّ الناسِ ويَتَعَّمُده، والَّذِي يَأْتِي بالفَاحِشَةِ المَنْهِيِّ عَنْهَا[27].

وفي حديث أبي الدرداء -رضى الله عنه- "ما شيء"؛ أي ثوابه، أو صحيفته، أو عينه المجسد.. "من خلق حسن"؛ فإنه تعالى يحبه ويرضى عن صاحبه.. "فإن الله يبغض" - وفي نسخة "ليبغض" - "الفاحش" الذي يتكلم بما يُكْره سماعه، أو من يرسل لسانه بما لا ينبغي.. "البذيء".. قال المنذري في "الترغيب": البذي - بالذال المعجمة ممدودًا -: هو المتكلم بالفحش... وقال في "النهاية" البذاء - بالمد -: الفحش في القول؛ بذا يبذو وأبذي يبذي فهو بذي اللسان، وقد يقال بالهمز وليس بالكثير. انتهى[28].

وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - "مه" كلمة زجر عن الشيء، وأما الفحش فهو القبيح من القول والفعل، وقيل الفحش مجاوزة الحدّ، وفي هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفَه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة، قال الشافعى -رحمه الله تعالى-: الكَيّس العاقل هو الفطن المتغافل[29].

قال - في "النهاية" -:
الفحش هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرًا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنى، وكل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال، وقال -في "القاموس"-: الفاحشة الزنى وما يشتد قبحه من الذنوب، وكل ما نهى الله - عز وجل- عنه، وقد فحُش ككرم فُحشًا، والفحش عدوان الجواب، ومنه: "لا تكوني فاحشة" لعائشة -رضي الله تعالى عنها-. قوله: "ما كان الفحش"؛ أي ما اشتد قبحه من الكلام "إلا شانه"؛ أي عيبه الفحش، وقيل: المراد بالفحش العنف لما في رواية عبد بن حميد والضياء عن أنس أيضًا "ما كان الرفقُ في شيء إلا زانه ولا نُزِع من شيء إلا شانه"[30]، "وما كان الحياء في شيء إلا زانه"[31] أي زيّنه[32].

وتدل هذه الأحاديث مجتمعةً على أن الله تعالى يبغض الفحش والفاحش؛ أي يبغض إتيان الفحش كان قولاً أو عملاً، وآتيه من قائل وفاعل.

6-الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم:
قال الله تعالى: ﴿ لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً * إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً ﴾ [النساء: 148-149].

قال بعضهم: معنى ذلك لا يحبّ الله - تعالى ذكره - أن يجهر أحدُنا بالدعاء على أحدٍ، وذلك عندهم هو الجهر بالسوء؛ ﴿ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾، يقول: إلا من ظُلِم فيدعو على ظالمِه فإن الله - جل ثناؤه - لا يكره له ذلك؛ لأنه قد رخص له في ذلك، عن ابن عباس، وإن صبر فهو خيرٌ له، وعن قتادة والحسن قال: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدعُ عليه؛ ولكن ليقل: اللهم أعنِّي عليه.. اللهم استخرج لي حقّي.. اللهم حُلْ بينه وبين ما يريد، ونحوه من الدعاء. وقال آخرون: بل معنى ذلك لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم فيخبر بما نِيل منه، عن مجاهد قال: هو الرجل يَنـزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج من عنده فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن! وقال آخرون: عُني بذلك الرجل ينـزل بالرجل فلا يقريه فينال من الذي لم يقْرِه، عن مجاهد: إلا في ظلم فانتصر يجهر بالسوء، وعن ابن أبي نجيح مثله. وقال آخرون: معنى ذلك إلا من ظلم فانتصر من ظالمه فإن الله قد أذن له في ذلك، عن السدي. وقرأ ذلك آخرون بفتح الظاء: ﴿ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾، وتأوَّلوه لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظَلم فلا بأس أن يُجهر له بالسوء من القول، قال ابن زيد كان أُبيٌّ يقرأ: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، يقول: إلا من أقام على ذلك النفاق فيُجهر له بالسوء حتى ينـزع، قال: وهذه مثل ﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ ﴾ [الحجرات: 11]، أن تسميه بالفسق ﴿ بَعْدَ الإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11]، بعد إذ كان مؤمنًا ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ ﴾ [الحجرات: 11]، من ذلك العمل الذي قيل له ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11] قال: هو شرٌ ممن قال ذلك[33].

7- الإلحاف في السؤال:
قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله - عز وجل- إذا أنعم على عبدٍ نعمة يحب أن يرى أثرَ النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس، ويبغض السائل الملحف، ويحب الحيي العفيف المتعفف"[34]. قال المناوي -في "فيض القدير"-: "ويبغض السائل الملحف"؛ أي الملازم الملحّ[35]. وقال: "إن الله تعالى يبغض السائل الملحف"؛ أي الملحّ الملازم، أخذًا من اللحاف؛ الذي يشتمل به الإنسان ويتغطى به؛ للزومه ما يغطيه، ومنه لاحَفَه؛ أي لازمه.. قال الحرالي: هو لزوم ومدافعة في الشيء من حروف الحلق الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية، كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية، انتهى. وفي "الفردوس" قيل: المراد هنا بالملحف من عنده غداء وهو يسأل العشاء، وقد ذمّ الله تعالى السائل إلحافًا في ضمن ثنائه على ضده بقوله ﴿ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ﴾ [البقرة: 273][36].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 140.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 138.85 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]