مخالفة القول العمل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4522 - عددالزوار : 1315199 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1430 - عددالزوار : 142041 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-07-2020, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,204
الدولة : Egypt
افتراضي مخالفة القول العمل

مخالفة القول العمل


الشيخ عبدالله بن محمد البصري





أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
مِنَ الأَزَمَاتِ الَّتي يَمُرُّ بها مُجتَمَعُنَا اليَومَ، مُخَالَفَةُ عَمَلِ المَرءِ قَولَهُ، وَأَمرُهُ النَّاسَ بِالبِرِّ وَنِسيَانُهُ نَفسَهُ، وَلَعَمرُ اللهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِن أَشَدِّ المَقتِ لِلنَّفسِ، بَل هُوَ خِفَّةٌ في العَقلِ وَسَفَهٌ في الرَّأيِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44] وَقَالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: " إِنَّ النَّاسَ قَد أَحسَنُوا القَولَ كُلُّهُم، فَمَن وَافَقَ قَولُهُ فِعلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ، وَمَن خَالَفَ قَولُهُ فِعلَهُ فَإِنَّمَا يُوبِّخُ نَفسَهُ. أَجَلْ أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّهَا لَمُصِيبَةٌ عَلَى المَرءِ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ، أَن يَقُولَ الخَيرَ بِلِسَانِهِ، وَيَحُثَّ عَلَيهِ بِقَلَمِهِ، وَرُبَّمَا تَمَدَّحَ بِهِ في المَجَالِسِ وَالنَّوَادِي، ثم هُوَ بَعدَ ذَلِكَ لا يَفعَلُهُ، وَتَرَاهُ يَنهَى عَنِ الشَّرِّ وَيُظهِرُ مَقتَهُ، وَرُبَّمَا ادَّعَى التَّنَزُّهَ عَنهُ وَمُجَانَبَتَهُ، وَهُوَ في الوَاقِعِ مُتَلَوِّثٌ بِهِ غَارِقٌ في أَوحَالِهِ. وَلَكَ أَن تُحَدِّثَ امرَأً في عِظَمِ شَأنِ الصَّلاةِ وَأَهَمِّيَّةِ أَدَائِهَا جَمَاعَةً في المَسجِدِ، أَو تُبَاحِثَهُ في بِرِّ الوَالِدَينِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ، أَو تُنَاقِشَهُ في أَدَاءِ الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَتَحَرِّي الحَلالِ، أَو تُكَلِّمَهُ عَن حَقِّ الجَارِ وَحِفظِ وُدِّ الصَّاحِبِ وَرِعَايَةِ عَهدِ العَشِيرِ، لِتَجِدَهُ عَالِمًا بِكُلِّ هَذَا، مُتَحَدِّثًا فِيهِ حَدِيثَ الوَاثِقِ مِن نَفسِهِ اللاَّئِمِ لِمَن حَولَهُ، الشَّاكِي تَقصِيرَ الآخَرِينَ وَمُخَالَفَتَهُم، فَإِذَا تَأَمَّلتَ وَاقِعَهُ وَتَابَعتَ تَصَرُّفَهُ في حَيَاتِهِ، وَجَدتَ شَخصًا آخَرَ، يَجمَعُ مَعَ التَّقصِيرِ في الصَّلَوَاتِ سُوءَ الخُلُقِ في التَّعَامُلِ، وَيُضِيفُ إِلى إِخلالِهِ بِالأَمَانَةِ تَسَاهُلَهُ في العَمَلِ، وَرُبَّمَا كَانَ مِن أَهلِ العُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ، وَقَد تَرَى جِيرَانَهُ وَأَصدِقَاءَهُ مِنهُ في مِحنَةٍ وَبَلاءٍ، فَهَل تَلِيقُ هَذِهِ الحَالُ بِالمُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ؟ هَل تُنَاسِبُ العُقَلاءَ وَذَوِي الرَّأيِ وَالحِجَى؟ لا وَاللهِ لا تَلِيقُ هَذِهِ الحَالُ وَلا تَنبَغِي، لِمُؤمِنٍ يَدعُو رَبَّهُ في كُلِّ رَكعَةٍ مِن صَلاتِهِ أَن يَهدِيَهُ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، ذَلِكُم أَنَّ الصَّرَاطَ المُستَقِيمَ الَّذِي نَدعُو اللهَ جَمِيعًا أَن يَجعَلَنَا مِن أَهلِهِ وَيَهدِيَنَا سَبِيلَهُ، صِرَاطُ عِلمٍ وَعَمَلٍ، وَدَعوَةٍ صَادِقَةٍ وَأُسوَةٍ حَسَنَةٍ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِن أَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، أَسبَقَ النَّاسِ إِلى فِعلِ مَا يَأمُرُونَ بِهِ، وَأَعجَلَهُم إِلى تَركِ مَا يَنهَونَ عَنهُ، بِذَلِكَ امتَدَحَهُمُ اللهُ وَأَثنَى عَلَيهِم، وَأَمرَ بِالاقتِدَاءِ بِهِم، قَالَ سُبحَانَهُ عَن نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] وَقَالَ تَعَالى عَن إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ وَمَن آمَنَ مَعَهُ: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة: 4] وَقَالَ تَعَالى عَنِ الأَنبِيَاءِ عُمُومًا: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90] وَقَالَ شُعَيبٌ عَلَيهِ السَّلامُ لِقَومِهِ: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].

وَإِنَّ مِمَّا يُحزِنُ القَلبَ وَيَحُزُّ في النَّفسِ في زَمَانِنَا، أَنَّ فِئَامًا مِنَ الآبَاءِ وَالمُرَبِّينَ وَالكِبَارِ، صَارُوا لا يَتَوَرَّعُونَ أَن يَقُولُوا مَا لا يَفعَلُونَ، وَلا يَستَحيُونَ أَن يَنهَوا عَمَا فِيهِ يَقَعُونَ، بَل وُجِدَ مِنهُم قُدُوَاتٍ سَيِّئَةً لِمَن تَحتَ أَيدِيهِم مِن أَبنَاءٍ وَطُلاَّبٍ، وَصَارَ الصِّغَارُ يَرَونَ التَّنَاقُضَ الوَاضِحَ عَلَى الكِبَارِ، مِمَّا أَوقَعَهُم في حَيرَةٍ وَاضطِرَابٍ، وَجَعَلَهُم لا يَستَقِرُّونَ عَلَى حَالٍ، وَصَارَ أَحَدُهُم يَسأَلُ نَفسَهُ: مَاذَا أَفعَلُ وَهَذَا أَبي؟! وَكَيفَ أَتصَرَّفُ وذَاكَ مُعَلِّمِي، أَأُصَدِّقُ حَسَنَ أَقوَالِهِمَا أَم أَقتَدِي بِسَيِّئِ فِعَالِهِمَا؟

فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ آبَاءً وَمُعَلِّمِينَ، يَا مَن جَعَلَكُمُ اللهُ قُدوَةً لِصِغَارِكِم وَطُلاَّبِكُم، أَلا تَتَّقُونَ اللهَ في أَنفُسِكُم وَفَلَذَاتِ أَكبَادِكُم وَمَن وَلاَّكُمُ اللهُ أَمرَهُم، إِنَّهُم أَمَانَةٌ في أَعنَاقِكُم، وَسَتُسأَلُونَ عَنهَا حَفِظتُم أَم ضَيَّعتُم، وَمَا لم تَكُونُوا أَنتُم في أَنفُسِكُم قُدُوَاتٍ حَسَنَةً، صَادِقِينَ في تَعَامُلِكُم، تُطَابِقُ الأَفعَالُ مِنكُمُ الأَقوَالَ، فَلا وَاللهِ لن تَستَفِيدَ مِنكُم الأَجيَالُ، وَلَن تَنتَفِعَ بِتَعلِيمِكُم وَنُصحِكُم وَتَوجِيهِكُم، قَالَ الإِماَم ُالغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مُتَحَدِّثًا عَنِ المُعَلِّمِ: أَن يَكُونَ المُعَلِّمُ عَامِلاً بِعِلمِهِ؛ فَلا يُكَذِّبُ قَولُهُ فِعلَهُ؛ لأَنَّ العِلمَ يُدرَكُ بِالبَصَائِرِ، وَالعَمَلَ يُدرَكُ بِالأَبصَارِ، وَأَربَابُ الأَبصَارِ أَكثَرُ، فَإِذَا خَالَفَ العَمَلُ العِلمَ مَنَعَ الرُّشدَ...

وَقَالَ أَبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ
هَلاَّ لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعلِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَا
كِيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ

وَأَرَاكَ تُلقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا
نُصحًا وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثلَهُ
عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ

اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا
فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ تُقبَلُ إِنْ وَعَظتَ وَيُقتَدَى
بِالقَولِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ


لَقَد جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ في مُخَالَفَةِ العَمَلِ لِلقَولِ بما يُحَرِّكُ القُلُوبَ وَيُوقِظُ الأَفئِدَةَ، وَيُشعِرُ كُلَّ أَبٍ وَمُرَبٍّ وَمُعَلِّمٍ بَل وَكُلَّ أَخٍ كَبِيرٍ، بِعِظَمِ أَمَانَةِ الآبَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ، وَشَدِيدِ مَسؤُولِيَّةِ الكِبَارِ وَالمُرَبِّينَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " يُؤتَى بِالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُلقَي في النَّارِ، فَتَندَلِقُ أَقتَابُ بَطنِهِ، فَيَدُورُ بها كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحَا، فَيَجتَمِعُ إِلَيهِ أَهلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ مَالَكَ؟ أَلَم تَكُنَ تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَى عَنِ المُنكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، كُنتُ آمُرُ بِالمَعرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنهَى عَنِ المُنكَرِ وَآتِيهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ العَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الخَيرَ وَيَنسَى نَفسَهُ، كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيُحرِقُ نَفسَهُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ فَقَد قَالَ رَبُّكُم جَلَّ وَعَلا: " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ " فَيَا لها مِن شَهَادَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ اللهِ لِمَن دَعَا إِلى سَبِيلِهِ وَعَلَّمَ النَّاسَ الخَيرَ، غَيرَ أَنَّ ذَلِكُمُ القَولَ الحَسَنَ المَمدُوحَ أَهلُهُ، لا يَكُونُ حَسَنًا، مَا لم يَصحَبْهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، يَكُونُ لَهُ كَالشَّاهِدِ وَالمُصَدِّقِ وَالمُؤَيِّدِ. فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ. وَمِن نَفسِ لا تَشبَعُ. وَمِن دَعوَةٍ لا يُستَجَابُ لها.

أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ، تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، كَثِيرًا مَا يُلقِي العُقَلاءُ اللَّومَ عَلَى الجُهَّالِ وَالسُّفَهَاءِ، فِيمَا يَأتُونَهُ مِن مَعَاصٍ وَسَيِّئَاتٍ، وَمَا يَقعُونَ فِيهِ مِن مُنَكَرَاتٍ وَمُخَالَفَاتٍ، وَقَد يَتَّهِمُونَهُم بِقِلَّةِ الأَدَبِ، أَو أَنَّهُم يَنتَهِكُونَ مَكَانَةَ الكِبَارِ وَلا يُقَدِّرُونَهُم، أَو لا يَسمَعُونَ لِقَولِهِم وَلا يَستَجِيبُونَ لِنُصحِهِم، وَهَذَا وَإِن كَانَ صَحِيحًا في مُجمَلِهِ، إِلاَّ أَنَّ فِيهِ هُرُوبًا مِنَ الوَاقِعِ وَتَزكِيَةً لِلنَّفسِ وَبُعدًا عَن حَقِيقَةِ الأَمرِ. إِذْ كَثِيرًا مَا كَانَ وَاقِعُ الصِّغَارِ نِتَاجًا لما بَذَرَهُ الكِبَارُ، وَلَو كَانَت كُلُّ البُيُوتِ وَالمَدَارِسِ مَحَاضِنَ تَربَوِيَّةً سَلِيمَةً، وَبِيئَاتٍ صَالِحَةً مُصلِحَةً، لَأُسِّسَت فِيهَا المَبَادِئُ الإِسلامِيَّةُ في قُلُوبِ الصِّغَارِ تَأسِيسًا، وَلَغُرِسَت فِيهَا القِيَمُ في نُفُوسِهِم غَرسًا، وَلَكِنَّ بُيُوتًا كَثِيرَةً وَمَدَارِسَ عَدِيدَةً، صَارَت تَخلُو مِنَ القُدُوَاتِ الصَّالِحِينَ، وَتَفتَقِرُ إِلى الدُّعَاةِ المُصلِحِينَ، وَجَعَلَ الصِّغَارُ وَالأَبنَاءُ وَالطُّلاَّبُ، لا يَرَونَ فِيمَن حَولَهُم إِلاَّ انكِبَابًا عَلَى الدُّنيَا وَتَنَافُسًا عَلَى الحُطَامِ، مَعَ فَسَادِ ذَاتِ البَينِ وَكَثرَةِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ، وَانتِشَارِ التَّجَادُلِ وَالتَّفَرُّقِ وَالانتِصَارِ لِلنَّفُوسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَتِيجَةُ ضَعفِ التَّعَبُّدِ وَالتَّأَلُّهِ، وَضُمُورِ الغَيرَةِ عَلَى الدِّينِ وَالحُرُمَاتِ، وَالتَّوَسُّعِ في المُبَاحَاتِ وَاللَّذَائِذِ وَالمُشتَبَهَاتِ، وَالسَّعيِ في طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالزَّعَامَةِ وَالمَكَانَةِ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ آبَاءً وَمُعَلِّمِينَ، وَاحفَظُوا لِلعِلمِ مَكَانَتَهُ، وَثَبِّتُوهُ بِالعَمَلِ بِهِ، وَكُونُوا قُدُوَاتٍ صَالِحَةً لِمَن تَحتَ أَيدِيكُم، فَإِنَّمَا لأَبنَائِكُم وَطُلاَّبِكُم مِن عِلمِكُم وَتَوجِيهِكُم، مَا رَأَوكُم عَلَيهِ دَائِمِينَ وَبِهِ مُستَمسِكِينَ، قَالَ الإِمَامُ ابنُ الجَوزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: إِخوَاني، اِسمَعُوا نَصِيحَةَ مَن قَد جَرَّبَ وَخَبَرَ، إِنَّهُ بِقَدرِ إِجلالِكُم للهِ عَزَّ وَجَلَّ يُجِلُّكُم، وَبِمِقدَارِ تَعظِيمِ قَدرِهِ وَاحتَرَامِهِ، يُعَظِّمْ أَقدَارَكُم وَحُرمَتَكُم. وَلَقَد رَأَيتُ وَاللهِ مَن أَنفَقَ عُمُرَهُ في العِلمِ إِلى أَن كَبُرَت سِنُّهُ، ثم تَعَدَّى الحُدُودَ فَهَانَ عِندَ الخَلقِ، وَكَانُوا لا يَلتَفِتُونَ إِلَيهِ مَعَ غَزَارَةِ عِلمِهِ وَقُوَّةِ مُجَاهَدَتِهِ. وَلَقَد رَأَيتُ مَن كَانَ يُرَاقِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في صَبوَتِهِ مَعَ قُصُورِهِ بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلِكَ العَالِمِ فَعَظَّمَ اللهُ قَدرَهُ في القُلُوبِ، حَتى عَلِقَتهُ النُّفُوسُ وَوَصَفَتهُ بما يَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الخَيرِ... انتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.

اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ، اهدِنَا لما اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِكَ، إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ، اللَّهُمَّ انفَعْنَا بما عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا، وَارزُقْنَا عِلمًا تَنفَعُنَا بِهِ، سُبحَانَكَ لا عِلمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمتَنَا، إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.15 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]