أسرار العشر الأواخر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4947 - عددالزوار : 2048666 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4523 - عددالزوار : 1317073 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 3117 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من الندبات بخطوات بسيطة.. من جل الصبار لزيت اللافندر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          4 نصائح لحديثى التخرج تساعدهم على اقتحام سوق العمل من غير تشتت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          5 حيل تمنع تكتل الكونسيلر أسفل العينين.. لإطلالة ناعمة من غير تجاعيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          طرق تخزين الخضراوات فى الصيف.. دليلك لحفظها بأفضل جودة لأطول وقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          طريقة عمل موس الشوكولاتة بثلاثة مكونات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح منطقة الذقن.. تخلصى من المناطق الداكنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          5 أسرار للحفاظ على نضارة البشرة بعد الخمسين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-05-2020, 02:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,269
الدولة : Egypt
افتراضي أسرار العشر الأواخر

أسرار العشر الأواخر


أحمد بن عبد الله الحزيمي










الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالْعِزَّةِ وَالْمُلْكِ وَالْجَلاَلِ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ بُكْرةً وَعَشِيًّا وَفِي الْغُدُوِّ وَالْآصالِ، وَأُثْنِي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى جَزِيلِ الْعَطَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَرِيمُ الْخِصَالِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَآلٍ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...



أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللَّهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَاغْتِنَامِ شَهْرِ التَّقْوَى بِتَحْصِيلِ أَعَلَى دَرَجَاتِهَا وَنِيلِ أَسْمَى مَرَاتِبِهَا؛ فَإِنَّهَا خَيْرُ زَادٍ وَأَرْجَى ذُخْرٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].



عِبَادَ اللَّهِ... هَاهِيَ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضانَ قَدْ أَطَلَّتْ عَلَينَا إِيذَانًا بِخِتَامِ شَهْرِ رَمَضانَ الْمُبَارَكِ، تَسْتَحِثُّ هِمَمَ الْمُتَّقِينَ وَتَشْحَذُ عَزَائِمَ الْعَابِدِينَ لِلْاِقْتِداءِ بِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، هَاهِيَ عَشْرُكُمْ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- قَدْ حَضَرَتْ، وهَاهُوَ ثُلُثُ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ قَدْ بَدَأَ، وَهَذَا مَوْسِمُ الْمُتَسَابِقِينَ، وَسُوقُ الْعَابِدِينَ، وَفُرْصَةُ الْمُجْتَهِدِينَ، هَذِهِ الْعَشْرُ الَّتِي كَانَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشِدُّ مِئْزَرَهُ إِذَا دَخَلَتْ، وَيَعْتَزِلُ نِسَاءَهُ لِلْعِبَادَةِ إِذَا هَبَّتْ؛ لَقَدْ حَظِيَتْ هَذِهِ اللَّيَالِي الْعَشْرُ بِالْفَضْلِ وَالشَّرَفِ، وَلِمَ لاَ؟! وَقَدْ خَصَّهَا اللهُ جَلَّ وَعَلا بِلَيْلَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، لِمَ لاَ؟! وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ فِيهَا مَا لَا يَجْتَهِدُهُ فِي غَيْرِهَا.



نَعَمْ.. لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَفِي بِهَا أَيَّمَا احْتِفَاءٍ، يَزِيدُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لَا يَزِيدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أيَّامِ وَلَيَالِي الشَّهْرِ.

وَاللهِ إِنَّنَا لَنَتَعَجَّبُ مِنْ هِمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا نَسْمَعُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَاعِفُ الْعَمَلَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ وَيَجْتَهِدُ فِيهَا مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ"، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرِهِمَا عَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ".



هَكَذَا كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلِيلُهُ وَصَفْوَةُ خَلْقِهِ، هَكَذَا كَانَ إمَامُ المُتَّقِينَ وَسَيِّدُ الْعَابِدِينَ، هَكَذَا كَانَ الْمَغْفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، هَكَذَا كَانَ الْقَائِدُ وَالْمُعَلِّمُ وَالْقَاضِي وَالزَّوْجُ، وَبِالْرَّغْمِ مِنْ ضَخَامَةِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ وَكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ وَتَزَاحُمِهَا إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ.



كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغْمَ مَا هُوَ مُحَمَّلٌ بِهِ مِنْ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ، وَتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ يَنْقَطِعُ فِيهَا عَنِ النَّاسِ، وَيُفَرِّغُ نَفْسَهُ فَكَانَ لِعِلْمِهِ بِمَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مِنَ الْأُجُورِ الْمُضَاعَفَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمُتَكَاثِرَةِ = يَجْتَهِدُ اجْتِهَادًا عَظِيمًا وَيَتَفَرَّغُ لِلطَّاعَةِ تَفَرُّغًا تَامًّا، حَتى إِنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهَا فَيَلْزَمُ الْمَسْجِدَ وَيَقْطَعُ الْعَلاَئِقَ بِالْخَلائِقِ.



أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ... لَقَدْ كَانَ الصَّالِحُونَ يَعُدُّونَ الْأيَّامَ عَدًّا شَوْقًا لِهَذِهِ الْعَشْرِ الْفَاضِلَةِ، يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: "الْمُحِبُّونَ تَطُولُ عَلَيْهِمُ اللَّيَالِي فَيَعُدُّونَهَا عَدًّا لاِنْتِظَارِ اللَّيَالِي الْعَشْرِ فِي كُلِّ عَامٍ، فَإِذَا ظَفِرُوا بِهَا نَالُوا مَطْلُوبَهُمْ، وَخَدَمُوا مَحْبُوبَهُمْ.. رِيَاحُ هذهِ الأَسْحَارِ تَحْمِلُ أَنِينَ الْمُذْنِبِينَ وأَنْفَاسَ الْمُحِبِّينَ وقَصَصَ التَّائِبِينَ، ثُمَّ تَعُودُ بَرَدِّ الْجَوَابِ بِلاَ كِتَابٍ".



وواللهِ عِنْدَمَا نَعْلَمُ -أيضًا- أَنَّ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي لَيْلَةً هِيَ خَيْرُ لَيَالِ الْعَامِ، الْعِبَادَةُ فِيهَا تَفْضُلُ عِبَادَةَ ألْفِ شَهْرٍ، لَيْلَةٌ عَظِيمَةُ الْبَرَكَاتِ، كَثِيرَةُ الْخَيْرَاتِ، لِمَا يَتَنَزَّلُ فِيهَا عَلَى الْعِبَادِ مِنْ عَظِيمِ الْمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَجَلِيلِ النَّفَحَاتِ الإِلَهِيَّةِ.. عِنْدَمَا نعْلَمُ ذلك لَتَعْجَبُ أَشَدَّ الْعَجَبِ مِنْ بَعْضِ النُّفُوسِ الَّتِي لَا تَسْتَحِثُّهَا تِلْكَ الْخَيْرَاتُ لِإعْطَاءِ الْمَزِيدِ مِنَ الْعَمَلِ وَالْجِدِّ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي، وكَأَنَّهُ قَنَعَ بِمَا حَصَّلَ وَاكْتَفَى بِمَا أَوْدَعَ.



فَاجْتَهِدُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- فِيهَا بِكُلِّ طَاعَةٍ وَكُلِّ عِبَادَةٍ تُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلا بِالتَّبْكِيرِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالصَّلاَةِ وَالْاِعْتِكافِ وَالصَّدَقَةِ، وَبَذْلِ الْخَيْرِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَالْإحْسَانِ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَالطَّاعَاتِ الْمُقَرِّبَةِ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلا وَلَا تُفْسِدُوا صَفْوَ هَذِهِ اللَّيَالِي بِالصَّفَقِ فِي الْأَسْواقِ وَالْجَلَسَاتِ وَاللِّقَاءَاتِ، وَمُتَابَعَةِ الْبَرَامِجِ والْقَنَوَاتِ، وَاللَّهَثِ وَراءَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْدَاثِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الغَبْنِ الْوَاضِحِ أَنْ يَنْصَرِفَ الْبَعْضُ عَنِ الْعِبَادَةِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ بِأَيِّ شَيْءٍ.



عِبَادَ اللَّهِ.. مَا أَعْظَمَ هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُتَبَقِّيَةِ فَإِنَّ مِنْهَا الليلةَ الَّتِي يُرْجَى أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، هَذِهِ اللَّيْلَةُ الْعَظِيمَةُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنَ اللَّيَالِي الْعَظِيمَةِ الْمُبَارَكَةِ، فَهِي فُرْصَةُ الْعُمُرِ، وغُرَّةُ الشَّهْرِ، وَهِي مِنْ أَعْظَمِ اللَّيَالِي وَأَزْكَاهَا، مَا أَعَظْمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ، يَتَسَابَقُ الصَّالِحُونَ وَالْأَخْيَارُ فِي طَلَبِهَا، وَكَلُّهُمْ طَمَعٌ فِي إِدْرَاكِهَا، وَشَوْقٌ إِلَى نَيْلِهَا، لَا يَجْدُرْ بِأَيِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُفَوِّتَهَا وَيَتَهَاوَنَ بِهَا.. فَلَعَلَّهُ لَا يُكْتَبُ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ أَنْ يَعِيشَهَا مَرَّةً أُخْرَى.

لَقَدْ أُعْطِيَتِ الْأُمَمُ قَبْلَنَا طُولَ الْأَعْمَارِ، وَلَكِنْ عَوَّضَ اللهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ قِصَرَ الْعُمُرِ بالزِّيَادَةِ فِي الْأَجْرِ فِي الْعَمَلِ.



ومِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الليلَةِ أَنَّ قِيَامَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا لَيْسَ كَألْفِ شَهْرٍ، بَلْ أَفْضَلُ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ هَكَذَا وَصَفَهَا رَبُّنَا بِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ﴾ مَا أَعْظَمَهَا مِنْ لَيْلَةٍ، وَمَا أَجَلَّهَا وَمَا أَكْرَمَهَا، وَمَا أَوْفَرَ بَرَكَتَهَا، لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَأَلْفُ شَهْرٍ -عِبَادَ اللَّهِ- تَزِيدُ عَلَى ثَلاثَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا، فَهِيَ عُمُرٌ طَوِيلٌ لَوْ قَضَاهُ الْمُسْلِمُ كُلَّهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِي لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهَذَا فَضْلٌ عَظِيمٌ وَإِنْعَامٌ كَرِيمٌ؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: "لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.



أَيُّهَا الإِخْوَةُ... لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ مُبْتَدَأُهَا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمُنْتَهَاهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ.. خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةٍ. هَذَا وَاَللَّهِ مِمَّا تَتَحَيَّرُ فِيهِ الْأَلْبَابُ، وَتَنْدَهِشُ لَهُ الْعُقُولُ، فَأَيْنَ الْمُشَمِّرُونَ؟!



أَيُّهَا الْآبَاءُ.. ذَكِّرُوا أَبْنَاءَكُمْ وَزَوْجَاتِكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، ذَكِّرُوهُمْ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيَالِي، حَفِّزُوهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَشْعِرُوا عَظَمَةَ هَذِهِ الْأيَّامِ وَهَيِّئُوا لَهُمْ سُبُلَ تَحْقِيقِ ذَلِكَ؛ فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ غَيْرُ عَادِيَّةٍ أَبَدًا.



بَعْدَ كُلِّ هَذَا الْفَضْلِ وَهَذَا التَّقْدِيرِ الْكَبِيرِ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ هَلْ يَحْسُنُ بِكَ أَنْ تَجْلِسَ فِي بَيْتِكَ أَوْ مَعَ صَحْبِكَ وَتَتَرُكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَهِي لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَط؟!



أَيُّهَا الْأَخُ الْحَبِيبُ.. لَوْ قِيلَ لَكَ إِنَّكَ بَعْدَ لَحَظَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنْ بَقائِكَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ سَتَحْصُلُ بَعْدَهَا عَلَى مِلْيُونِ رِيالٍ، هَلْ تَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَتَخَلَّفَ أحَدٌ؟ لَا وَاَللَّهِ، وَلَرَأَيْنَا الأَبْوَابَ وَهِي كَظِيظَةٌ مِنَ الزِّحَامِ! وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَصِفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.. فَأَيْنَ الْأَذْكِياءُ؟ أَيْنَ الْعُقَلاَءُ؟ أَيْنَ مَنْ يُحْسِنُونَ اقْتِنَاصَ الْفُرَصِ؟



وَاللهِ لَا يَجْتَهِدُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي إلَّا مُوَفَّقٌ. أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِقِيَامِهَا وَإِدْرَاكِهَا وَكَثْرَةِ الطَّاعَاتِ فِيهَا وَيُلْهِمَنَا حُسْنَ الدُّعَاءِ، كَمَا نَسْأَلُهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَقْبُولِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِالصَّالِحَاتِ وَالْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ، وَأَنْ يَجْعَلَ خَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَأَنْ يَجْعَلَ أَبْرَكَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاهُ، إِنَّهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

بارك الله لي ولكم...



الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَعَرَفُوا قَدْرَ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَعَمَّرُوهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَخَذَلَ مَنْ شَاءَ بِحِكْمَتِهِ فَعُمِّيَتْ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ وَالْبَصائِرُ، وَفَرَّطُوا فِي تِلْكَ الْمَوَاسِمِ فَبَاؤُوا بِالْخَسَائِرِ، وَأَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَقْوَمُ النَّاسِ بِطَاعَةِ رَبِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.



عِبَادَ اللهِ... الاِعْتِكَافُ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَتَأَكَّدُ فِي رَمَضَانَ، وَمِنَ السُّنَنِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ، وآكَدُهُ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْهُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ حَديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:"كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ أَزْوَاجُهُ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.



فَمَنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ في هَذِهِ السَّنَةِ فَلَا يَحْرِمُ نَفْسَهُ هَذِهِ السُّنَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ، فَمَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ فَلْيَعْتَكِفْ بَعْضَ اللَّيَالِي، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَلْيَعْتَكِفْ لَيْلَةً وَاحِدَةً؛ فَإِنَّهُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَخَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ بِنِيَّةِ الاعْتِكَافِ كُتِبَ لَهُ اعْتِكَافُ لَيْلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الاِعْتِكافُ فَلْيَتَشَبَّهْ بِالْمُعْتَكِفِينَ فَيُكْثِرَ الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَلْيَشْهَدْ صَلاَةَ الْقِيَامِ وَيَقْطَعْ عَلاَقَتَهُ بِفُضُولِ الدُّنْيَا، وَيُؤَجِّلْ كُلَّ مَا يُمْكِنُ تَأْجِيلُهُ مِنَ الْحَاجَاتِ وَالْمَصَالِحِ؛ لِيَعِشْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي خَلْوَةٍ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَمَتْجَرِهِ.



عَجِيبٌ هَذَا الاِعْتِكَافُ فِي أَسْرَارِهِ وَدُرُوسِهِ؛ ذِكْرُ اللهِ أَنِيسُهُ، وَالْقُرْآنُ جَلِيسُهُ، وَالصَّلاَةُ رَاحَتُهُ، وَمُنَاجَاتُ الْكَرِيمِ مُتْعَتُهُ، وَالدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ لَذَّتُهُ. إِذَا أَوَى النَّاسُ إِلَى بُيُوتِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ لَزِمَ هُوَ بَيْتَ رَبِّهِ وَحَبَسَ مِنْ أَجْلِهِ نَفْسَهُ، وَوَقَفَ عِنَدَ أَعْتَابِ بَابِ رَبِّهِ يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخْشَى عَذَابَهُ، لَا يُطْلِقُ لِسَانَهُ فِي لَغْوٍ، وَلَا يَفْتَحُ عَيْنَهُ عَلَى فُحْشٍ، وَلَا تُنْصِتُ أُذُنَهُ لِبَذَاءَةٍ، قَدْ سَلِمَ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْقَدْحِ فِي الْأَعْرَاضِ وَتَفَرَّغَ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ.



وَالاِعْتِكَافُ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَجِهَادِ الْهَوَى، وَالْبُعْدِ عَنِ الشَّوَاغِلِ والصَّوَارِفِ، وَكَثْرَةِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَآكِلِ، وَالتَّفَرُّغِ لِطَاعَةِ مَوْلَاهُ.



وَعَلَى مَنْ أَرَادَ الاِعْتِكَافَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَأَنْ يُشْغِلَ نَفْسَهُ بِالصَّلاَةِ وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالاِسْتِغْفَارِ وَالصَّلاَةِ وَالسَّلامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُقَرِّبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَتَصِلُ الْمَرْءَ بِخَالِقِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، كَمَا َعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ هَذِهِ الطَّاعَاتِ.



اللَّهُمَّ يا ذا الجلال والإكرام أَكْرِمْنَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ وَأَسْعِدْنَا بِالْفَوْزِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهَا، فَضَلَهَا، خَيْرَهَا.



اللَّهُمَّ اكْتُبْ لَنَا فِيهَا أَوْسَعَ الْحَظِّ مِنَ الرِّزْقِ وَالنَّصِيبِ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا آتَيْتَنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ أهْلِ كِتَابِكَ يا رَحْمَنُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدِينَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنَّا.



اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَصَابَ فَضْلَ رَمَضَانَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُخْرِجَنَا مِنْهُ كَيَوْمِ وَلَدَتْنَا أُمَّهَاتِنَا، يا ربنا يا مولانا أحفظ حدودَ بلادِنَا وأمِّنَّا في أوطانِنَا وأحفظ جميعَ بلادِ المسلمينَ ومَنْ أرادَ بهِمْ سُوءا فأَشْغِلْهُ في نفْسِهِ ومَزِّقْ كَلِمَتَهُ.



اللهمَّ اكشِفِ الغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الأمَّةِ،اللهم اجمع شملنا بِأهلِنا وإخْوانِنا في كُلِّ مَكَانٍ.اللهم وحِّدْ صُفُوفَنا واجمع كلِمتَنا في خَليجِنَا وفي كُلِّ مَكَانٍ على الهُدى والدِّينِ،اكفِنا شَرَّ الأشرارِ،وَكيدَ الفُجَّارِ. اللهم وفَّق ولاةَ أمورنا لما تُحبُ وترضى، وأصلح لهم البطانة، ووفقهم لكل خير.



اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَاعَتِنَا هَذِهِ رَحْمَةً تُلِمُّ بِهَا شَعثَنَا، وَتُغْنِي بِهَا فَقْرَنَا، وَتُجْبِرُ بِهَا كَسْرَنَا، وَتَقْضِي بِهَا دَيْنَنَا، وَتَشْفِي بِهَا مَرِيضَنَا، وَتَرْحَمُ بِهَا مَيِّتَنَا، وَتَهْدِي بِهَا ضَالَّنَا، يا رَبَّ الْعَالَمِينَ، يا سَمِيعَ الدُّعَاءِ، يا رَحِيمُ يا غَفُورُ، اللَّهُمَّ صَلِّعَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.. وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.55 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]