إنما هي ساعة في رمضان فصبرا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4954 - عددالزوار : 2057056 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4529 - عددالزوار : 1325116 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52102 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45885 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64242 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155302 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2020, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي إنما هي ساعة في رمضان فصبرا

إنما هي ساعة في رمضان فصبرا
عبد الله بن محمد البصري


الخطبة الأولى
أَمَّا بَعدُ، فَـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في شَهرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، جَوَائِزُ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، وَكُلُّهَا بِفَضلِ اللهِ غَالِيَةٌ وَقَيِّمَةٌ، وَكُلُّ لَحظَةٍ في هَذَا الشَّهرِ مُنذُ دُخُولِهِ إِلى أَن يُعلَنَ هِلالُ العِيدِ، فَإِنَّمَا هِيَ فُرصَةٌ لِلجَادِّينَ المُشَمِّرِينَ، إِنِ اغتَنَمُوهَا رَبِحُوا وَفَازُوا، وَإِلاَّ فَلا عِوَضَ لَهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ. أَلا وَإِنَّ مِن مَوَاهِبِ الرَّحمَنِ في شَهرِ رَمَضَانَ، صَلاةَ القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ، حَيثُ تُصَفُّ الأَقدَامُ مَعَ المُسلِمِينَ في بُيُوتِ اللهِ سَاعَةً أَو تَزِيدُ قَلِيلاً، يُصغَى فِيهَا لِكَلامِ الرَّحمَنِ، وَتُحَرَّكُ القُلُوبُ بِمَوَاعِظِ القُرآنِ، وَتُستَنزَلُ الرَّحَمَاتُ بِالإِنصَاتِ لآيَاتِهِ، وَيَزدَادُ الإِيمَانُ وَيَعظُمُ في اللهِ الرَّجَاءُ، وَيَكثُرُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَيُؤَمَّنُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَيُكتَبُ لِلعَبدِ قِيَامُ لَيلَةٍ كَامِلَةٍ بِصَبرِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً.
قِيَامُ اللَّيلِ وَمَا أَدرَاكَ مَا قِيَامُ اللَّيلِ؟! وَصَلاةُ التَّرَاوِيحِ وَمَا أَدرَاكَ مَا صَلاةُ التَّرَاوِيحِ؟!
إِنَّ قِيَامَ اللَّيلِ هُوَ أَفضَلُ النَّوَافِلِ بَعدَ الفَرِيضَةِ، فِيهِ رِفعَةُ المُؤمِنِ وَشَرَفُ قَدرِهِ، وَبِهِ تَقَرُّ عَينُهُ عِندَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَبِهِ يَدخُلُ الجَنَّةَ بِأَمنٍ وَسَلامٍ، وَأَمَّا صَلاةُ التَّرَاوِيحِ في جَمَاعَةٍ، فَهِيَ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ وَقُربَةٌ رَمَضَانِيَّةٌ، وَبِهَا تُغفَرُ الذُّنُوبُ المُتَقَدِّمَةُ وَتُمحَى الخَطَايَا السَّالِفَةُ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (( أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفضَلُ الصَّلاةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيلِ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ، وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: (( جَاءَ جِبرِيلُ إِلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ، وَأَحبِبْ مَن شِئتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ، وَعِزَّهُ استِغنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ)) رَوَاهُ الطَّبَرانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
وَقَالَ - عليه الصلاة والسلام - في الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، أَفشُوا السَّلامَ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسلامٍ))، وَقَالَ - عليه الصلاة والسلام -: (( إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَن أَطعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)) رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيرِهِ، وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم -: (( مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ، وَعَن أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: صُمنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ رَمَضَانَ، فَلَم يَقُمْ بِنَا شَيئًا مِنَ الشَّهرِ حَتَّى بَقِيَ سَبعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لم يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطرُ اللَّيلِ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَو نَفَّلتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيلَةِ، فَقَالَ: (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ)) فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لم يَقُمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَن يَفُوتَنَا الفَلاحُ. قَالَ: قُلتُ: مَا الفَلاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. ثُمَّ لم يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهرِ)). رَوَاهُ أَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَإِنَّمَا تَرَكَ - عليه الصلاة والسلام - القِيَامَ بِأَصحَابِهِ بَقِيَّةَ الشَّهرِ، خَشيَةً مِن أَن تُفرَضَ عَلَيهِم صَلاةُ اللَّيلِ في رَمَضَانَ فَيَعجَزُوا عَنهَا، فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم - بَقِيَت إِقَامَةُ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ في جَمَاعَةٍ سُنَّةً نَبَوِيَّةً؛ وَلِذَلِكَ أَحيَاهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَيهَا، فَلَم يَزَلِ المُسلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ طُوَالَ قُرُونِ الإِسلامِ إِلى اليَومِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد أَوقَنَ المُوَفَّقُونَ أَنَّ الجَنَّةَ تُزَيَّنُ فَوقَهُم لِلصَّالِحِينَ، وَأَنَّ النَّارَ تُسَعَّرُ تَحتَهُم لِلكَافِرِينَ، فَخَافُوا لِذَلِكَ وَطَمِعُوا، فَتَجَافَت جَنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ، وَغَضُّوا الطَّرفَ عَنِ المَطَامِعِ، وَمَالُوا عَنِ المَراقِدِ إِلى المَسَاجِدِ، آخِذِينَ أَنفُسَهُم بِالجِدِّ وَالعَزِيمَةِ، وَاضِعِينَ سِلعَةَ الرَّحمَنِ نُصبَ أَعيُنِهِم، مُتَمَثِّلِينَ بِوُقُوفِهِم مَعَ المُصَلِّينَ وُقُوفَهُم أَمَامَ رَبِّ العَالَمِينَ، حَتَّى لَكَأَنَّمَا يَرَونَهُ - تعالى - عِيَانًا، فَبَاتُوا لِذَلِكَ سُجَّدًا وَقِيَامًا، يَرجُونَ أَن يَكُونُوا بِذَلِكَ مِمَّن قَالَ - تعالى - فِيهِم: ( إِنَّمَا يُؤمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمدِ رَبِّهِم وَهُم لا يَستَكبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ * فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ).
إِنَّ قِيَامَ المُسلِمِ مَعَ الإمَامِ في رَمَضَانَ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ، لا يُوَفَّقُ إِلَيهَا إِلاَّ مَن عَلِمَ شَرَفَهَا وَوَعَى قَدرَهَا، وَتَذَكَّرَ ثَوَابَهَا وَاحتَسَبَ أَجرَهَا، وَاستَحضَرَ مَا هُوَ فِيهِ في ذَلِكَ القِيَامِ مِن أَلطَافِ رَبِّهِ وَبِرِّهِ بِهِ، وَإِحسَانِهِ إِلَيهِ وَإِقبَالِهِ عَلَيهِ، وَنَظَرِهِ إِلَيهِ بِعَينِ الرِّضَا وَالمَحَبَّةِ، وَمَا يَحصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِن حَيَاةٍ لِرُوحِهِ وَنَعِيمٍ لِقَلبِهِ، وَصَفَاءٍ لِنَفسِهِ وَانشِرَاحٍ لِصَدرِهِ، وَنُورٍ وَبَهجَةٍ في وَجهِهِ، أَجَلْ أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ القَائِمَ وَهُوَ في صَلاتِهِ، وَاقِفٌ بِحَضرَةِ مَلِكِ المُلُوكِ، يُنَاجِي رَبَّهُ وَرَبُّهُ يُنَاجِيهِ، وَيَذكُرُ خَالِقَهُ وَخَالِقُهُ يَذكُرُهُ، فَأَيُّ نَعِيمٍ أكبَرُ مِن هَذَا النَّعِيمِ؟! وَأَيُّ شَرَفٍ أَجَلُّ مِن هَذَا الشَّرَفِ؟!
عَن أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( قَالَ اللهُ - تعالى -: قَسَمتُ الصَّلاةَ بَيني وَبَينَ عَبدِي نِصفَينِ وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبدُ: (الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) قَالَ اللهُ - تعالى -: حَمِدَني عَبدِي، وَإِذَا قَالَ: (الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللهُ - تعالى -: أَثنَى عَلَيَّ عَبدِي. وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَومِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَني عَبدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبدِي - فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيني وَبَينَ عَبدِي وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ) قَالَ: هَذَا لِعَبدِي وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَّاهُ الشَّيخَانِ، يَقُولُ اللهُ - تعالى -: (( أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي، وَإِنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم...)) الحَدِيثَ. وَقَالَ - عليه الصلاة والسلام -: (( أَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ - عز وجل - وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكثِرُوا الدُّعَاءَ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
فَأَيُّ مَقَامٍ لِلقُربِ هُوَ خَيرٌ مِن هَذَا؟! وَأَيُّ رَحمَاتٍ وَبَرَكَاتٍ تَتَنَزَّلُ عَلَى عَبدٍ هَذَا شَأنُهُ؟! وَأَيُّ سَعَادَةٍ وَفَرَحٍ لِمَنِ استَشعَرَ هَذَا الشُّعُورَ وَهُوَ قَائِمٌ يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ؟! وَلَيسَ هَذَا فَحَسبُ هُوَ كُلَّ فَضلٍ لِمَن حَبَسَ نَفسَهُ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَتَحَمَّلَ مَا فِيهَا مِن مَشَقَّةٍ أَو تَعَبٍ أَو نَصَبٍ، فَالقَائِمُ الصَّابِرُ مَعَ مَا يُعَانِيهِ مِن مُجَاهَدَةِ نَفسِهِ وَاحتِمَالِ مَا قَد يُصِيبُهُ، هُوَ في الوَاقِعِ شَاكِرٌ لِرَبِّهِ مُثنٍ عَلَيهِ بِمَا أَنَعمَ بِهِ عَلَيهِ، مُقتَدٍ في ذَلِكَ بِأَعبَدِ النَّاسِ لِرَبِّهِ وَأَتقَاهُم لَهُ وَأَعلَمِهِم بِهِ، فَعَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَرَّمَت قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: قَد غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: (( أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا )) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَمِمَّا يُرَغِّبُ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ أَنَّ العَبدَ مِن حِينِ دُخُولِهِ المَسجِدَ وَهُوَ في عِبَادَةٍ، وَالمَلائِكَةُ تَستَغفِرُ لَهُ، وَكُلُّ سَجدَةٍ يَسجُدُهَا فَهِيَ لَهُ بِدَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، قَالَ - عليه الصلاة والسلام -: (( المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُم مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لم يُحدِثْ أَو يُقَم: اللَّهُمَّ اغفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ )) رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيُّ وَهُوَ في الصَّحِيحَينِ. وَقَالَ - عليه الصلاة والسلام - لِمَولاهُ ثَوبَانَ - رضي الله عنه -: (( عَلَيكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ للهِ؛ فَإِنَّكَ لا تَسجُدُ للهِ سَجدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئَةً )) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
إِنَّ وَاحِدَةً مِمَّا سَلَفَ مِن فَضَائِلِ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَالقِيَامِ، لَكَافِيَةٌ أَن تُثِيرَ شَوقَ المُؤمِنِ إِلى بُيُوتِ رَبِّهِ، وَتُرَغِّبَهُ في طُولِ القِيَامِ، فَعَجَبًا مِمَّن يَعلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ زَادُهُ لِيَومِ مَعَادِهِ، كَيفَ يَنَامُ أَو يَتَكَاسَلُ؟! أَو يَتَبَاطَأُ أَو يَتَوَانى؟! أَو يَتَتَبَّعُ المَسَاجِدَ الَّتي تُخَفَّفُ فِيهَا التَّرَاوِيحُ وَتُنقَرُ نَقرًا، حَتَّى لا يَكَادُ المُصَلِّي يَسمَعُ فِيهَا مَوَاعِظَ الرَّحمَنِ في كِتَابِهِ، وَلا يَخشَعُ قَلبُهُ بَينَ يَدَي مَولاهُ، وَلا يَذُوقُ لَذَّةَ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ، وَلا يَنعَمُ بِطَولِ تَبَتُّلٍ وَسُجُودٍ!!! أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا الإِخوَةُ وَلْنَصبِرْ أَنَفُسَنَا مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ، وَلْنَحضُرْ إِلى المَسَاجِدِ بِقُلُوبِنَا قَبلَ أَجَسَادِنَا، وَلْنَتَفَكَّرْ فِيمَا يُقرَأُ بَينَ أَيدِينَا وَيُتلَى عَلَى أَسمَاعِنَا، وَلْنَتَدَبَّرْ كَلامَ رَبِّنَا، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِنَا مَتَى يَركَعُ الإِمَامُ أَو يَنصَرِفُ، لِنَعِشْ مَعَ القُرآنِ، وَلْنَحْيَ مَعَ القُرآنِ، وَإِذَا دَخَلَ أَحَدُنَا المَسجِدَ فَلْيُفَرِّغْ قَلبَهُ مِنَ الدُّنيَا، وَلْيَعُدَّ نَفسَهُ مِن أَهلِ الآخِرَةِ، وَلْيَستَشعِرْ أَنَّهَا لَيَالٍ مَعدُودَةٌ، وَفِيهَا لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، فَمَا أَعَظَمَ الفَضلَ وَأَكرِمْ بِالمُتَفَضِّلَ! وَهَنِيئًا لِلقَائِمِينَ القَانِتِينَ الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ ( أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلَ يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ * قُل يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَأَرضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ.
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، وَاقتَدُوا بِالأَتقِيَاءِ وَتَشَبَّهُوا بِالصَّالِحِينَ، وَجَانِبُوا الكُسَالى وَالخَامِلِينَ وَالمُفَرِّطِينَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَدِ انتَصَفَ شَهرُ الخَيرِ وَمَا أَنصَفَ بَعضُ النَّاسِ مِن نَفسِهِ، يُرِيدُ الجَنَّةَ وَهُوَ لم يَعمَلْ، وَيَطلُبُ الفِردَوسَ وَلم يَنصَبْ، وَيَرجُو الدَّرَجَاتِ العَالِيَةَ وَلم يَسِرْ وَيُدلِجْ، نَسِيَ أَنَّ الرَّاحَةَ في الآخِرَةِ، لا تُنَالُ بِالرَّاحَةِ في الدُّنيَا، وَأَنَّ الجَنَّةَ قَد حُفَّت بِالمَكَارِهِ.
وَإِنَّهُ وَإِنْ كَثُرَ الكَسَلُ في زَمَانِنَا وَانتَشَرَ التَّوَاني، فَإِنَّهُ لَيَنبَغِي لِلعَاقِلِ الحَصِيفِ، أَلاَّ يَزِيدَهُ مَا يَرَاهُ إِلاَّ صَبرًا وَمُصابَرَةً، وَمُرَابَطَةً وَمُثَابَرَةً، وَقَد أَمَرَ اللهُ خَيرَ الخَلقِ - صلى الله عليه وسلم - بِصُحبَةِ المُجِدِّينَ في السَّيرِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ المُنِيبِينَ، وَتَركِ مُتَّبِعِي الهَوَى وَالغَافِلِينَ المُفَرِّطِينَ، فَقَالَ - عز وجل -: ( وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِعْ مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا)، وَقَالَ - عز وجل -: ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَن أَنَابَ إِلَيَّ)، وَقَالَ - سبحانه -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - إِخوَةَ الإِيمَانِ - وَمَن وَجَدَ مَن نَفسِهِ كَسَلاً أَو تَوَانِيًا، فَلْيُذَكِّرْهَا أَنَّ ثَمَّةَ رَمَضَانَ سَيَكُونُ هُوَ الأَخِيرَ في حِيَاتِهِ، وَصَلاةً سَتَكُونُ هِيَ الأَخِيرَةَ، فَلْنَصُمْ صِيَامَ مُوَدِّعِينَ، وَلْنُصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعِينَ، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّهُ (مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.64 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]