في استقبال شهر رمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4955 - عددالزوار : 2058363 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4531 - عددالزوار : 1326854 )           »          How can we prepare for the arrival of Ramadaan? (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الأسباب المعينـــــــة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          تريد لبس الحجاب وأهلها يرفضون فهل تطيعهم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          ما هي سنن الصوم ؟ . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم قول بحق جاه النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ليلة النصف من شعبان ..... الواجب والممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2020, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي في استقبال شهر رمضان

في استقبال شهر رمضان (1)














الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر



الحمد لله رب البريات، عالم الخفيَّات، المطَّلع على الضمائر والنيِّات، أحمده سبحانه على ما خصنا به من جلائل النعم، وأشكره على ما حبانا به من ألوان الجود والكرم.






وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.






أما بعد:


فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى في سائر الأوقات، واغتنموا لحظات العمر ومواسم الخير في التوبة إلى الله تعالى من الخطيئات، والمسارعة إلى جليل القربات؛ فإن مواسم الخير تمرُّ مرَّ السحاب، وإن العمر إلى نفاد، والعمل الصالح إلى انقطاع، والإنسان ظلوم جهول تقوده الشهوة العارضة إلى الخطيئة، ويشغله المتاع ومحبة الأهل والأموال والأولاد عن الطاعة، ويلهيه الأمل المديد عن التوبة؛ حتى يفجؤه الموت وهو على غير استعداد، وينقله المنون إلى لَحْده دون كفاية من مهاد، فيكون عرضةً للعذاب من خلل العمل، أو ينفذ إليه لهب النار لخرقه جنة التقوى بالمعاصي.






أيها المسلمون، إن في اغتنام مواسم الخير بالجد في العمل الصالح، والتوبة إلى الله تعالى مما سلف من القبائح؛ ما يُعوِّضُ الله به العاملين عما مضى من نقص العمل، ويصرف به عقوبة ما اقترف المرء من الزلل، ويتجدَّدُ به النشاط في الخير، ويزيل به مظهر السآمة والملل، فيتبارى المتنافسون في مضمار السباق، مقبلين على الله تعالى من شتى الآفاق، ينشدون مغفرة الزلات، ويَؤُمُّون جنة عرضها الأرض والسموات؛ عسى أن يكونوا ممن: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة: 21، 22] .






أيها المسلمون، إن الله تعالى قد امتن عليكم بشهر عظيم، ووافد كريم، كله خيرٌ وأفضال، وفرصة للتنافس فيه بصالح الأعمال، قد أظلَّكم زمانُه، وأدرككم أوانُه؛ فقد رُوِي أن نبيكم محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يُوجِّهُ الأنظار إلى فضيلته، ويحث المخاطبين واللاحقين على اغتنام فرصته، فيقول: ((أتاكم رمضان؛ شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مُن حُرِمَ فيه رحمة الله عز وجل)).






فخذوا - عباد الله - من هذا التوجيه الكريم حافزًا إلى الطاعة والأخذ بسبل الخير، والتنافس في عمل البر؛ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 110].






فرحم الله عبدًا سارع إلى طاعة مولاه، وطرح شهوته وهواه، فكان له من الأجر العظيم والنعيم المقيم ما تقرُّ به عيناه؛ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].





أيها المسلمون، تذكروا أن للربح في التجارة إبان مواسمها أسبابًا هي محل إجماع العقلاء من المكلفين؛ منها: الاستعداد لها بعرض شريف البضاعة ونفيسها، وصيانتها مما يصرف النظر وينفر المشتري منها، مع الصدق والبر في البيع، واستكمال الوقت في العرض، وحسن الخلق من صاحب البضاعة، فإذا كان هذا ونحوه لازمًا للربح في التجارة مع المخلوقين، فما ظنُّكم بما ينبغي من الآداب في التجارة مع رب العالمين؟! فإنه تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، ولا يرضى من العمل إلا ما ابتُغِيَ به وجهه، وكان متوافقًا لما شرع على لسان صفيِّه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين؛ عليهم جميعًا من ربهم أكمل الصلوات، وأزكى التسليم.






وإن لنبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم في رمضان سيرةً يتعيَّنُ عليكم أن تترسموها، وآدابًا ينبغي أن تقتفوها؛ منها: أن تصدر أعمالكم عن إيمان بمشروعيتها، واحتساب لثوابها؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))، وقال: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه)).






ومنها: الاجتماع على ما شرع الله الاجتماع عليه من العمل؛ لما في الاجتماع عليه من الحزم والنشاط ودفع السآمة والملل، مع شد أَزْرِ الإخوان على طاعة الرحيم الرحمن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة)).






ومنها: الإحسان إلى عباد الله تعالى فيه؛ إعانةً لهم على الطاعة، وطلبًا لجزيل المثوبة؛ كتفطير الصائمين، وإعانتهم على كل ما من شأنه التفرغ للصيام والقيام، وسائر خصال الإسلام؛ كقوله صلى الله عليه وسلم عن رمضان إنه: ((شهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، مَن فطَّر فيه صائمًا، كان مغفرة لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيءٌ)).






ومنها: كفُّ الأذى القولي والفعلي عن الناس؛ فإنه صدقة منك على نفسك، وإحسان إلى إخوانك؛ قال جابر رضي الله عنه: إذا صمتَ فليصم سمعُك وبصرُك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومِك، ولا تجعل يومَ فطرك ويومَ صومك سواء.






وهذا النصح من هذا الصحابي الجليل للأمة هو تحقيقٌ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصيام جُنَّة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفثْ ولا يصخَبْ، فإن سابه أحدٌ، أو شاتمه، فليقل: إني صائمٌ)).






وشدد صلوات الله تعالى وسلامه عليه في ذلك، حتى قال: ((مَن لم يدعْ قولَ الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).






فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بمقتضى الإيمان من الاجتهاد في الطاعة مع الإحسان، وترك الفسوق والعصيان، وتعرضوا لأسباب رحمة الله في هذا الشهر فإنها كثيرةٌ لا يحصرها بيانٌ، ألا وإن الله تعالى يعطي فيه الكثير من الأجر على قليل العمل، ويتجاوز فيه سبحانه عن عظيم الذنب وكثير الزلل، وهذا كله من فضله وجوده وكرمه عز وجل؛ فهنيئا للصائمين المتقين، والعاملين المحسنين، بالتجارة الرابحة، وعظيم العفو والصفح والمسامحة، فأعدوا العدة لصيام هذا الشهر وقيام لياليه، والتنافس في عمل البر وأنواع الخير فيه، وتعرضوا لنفحات الرب الكريم في سائر أوقاته، بالتماس مرضاته، فرب ساعة وُفِّق فيها العبد فاغتنمها في رضوان رب العالمين، فارتفع بها إلى منازل المقربين؛ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة: 4].






بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.






أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-04-2020, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي رد: في استقبال شهر رمضان

في استقبال شهر رمضان (2)



الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر


الحمد لله الذي منَّ على عباده بمواسم الخيرات، وتابع لهم بين مواسم مضاعفة الأجور وتكفير السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الكبير المتعال، المتفرِّد بالأسماء الحسنى وصفات الكمال.


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أعظم الناس عبادة، وأكملهم لله خشيةً، وأكرمهم خلقًا؛ فأَعْظِمْ به من نبيٍّ حميد الخصال، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم خير صحب وأكرم آل!


أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله ربَّكم في سائر الأوقات، واشكروه على ما أنعم عليكم به من مواسم الخير والبركات، وما خصَّكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات، وترك المحرمات، تفوزوا بطيب الحياة، وتسعدوا بعد الممات.


عباد الله، لقد أظلَّكم شهرٌ عظيم، وموسمٌ كريم، شهر رمضان المبارك، شهر تُضاعَفُ فيه الحسنات، وتَعظُمُ فيه السيئات، وتُفتَحُ فيه أبواب الجنات، وتُقبَلُ فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتقٌ من النار، فأبعد اللهُ مَن أدركه شهر رمضان فلم يُغفَرْ له، ما أعظم ما باء به من الخسران! اللهم إنا نعوذ بك من الخسران يا رحيم يا رحمن، اللهم بارك لنا في بقية شعبان، وبلغنا رمضان، واجعلنا ممن يصومُه ويقومه عن احتساب وإيمان، ويقوم ليلة القدر؛ فتغفر له ذنوبه، وتصرف عنه عذاب جهنم، وتجعله من الفائزين بأعالي الجنان، وتحلُّ عليه عظيم الرضوان.


أيها المسلمون، حدَّث سلمان الفارسي رضي الله عنه مرة فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان، فقال: ((يا أيها الناس، قد أظلكم شهرٌ عظيم مبارك، شهرٌ فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، مَن تطوَّع فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمَن أدَّى فريضة فيما سواه، ومَن أدَّى فيه فريضة، كان كمن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر يُزادُ فيه رزق المؤمن، مَن فطَّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيءٌ))، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطرُ به الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُعطي الله هذا الثواب مَن فطَّر صائمًا على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار)).


أيها المسلمون، انظروا - رحمني الله وإياكم - كم تضمنت هذه الخطبة النبوية الجليلة التي هي من جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم؛ حيث نبَّه المؤمنين على فضائل هذا الشهر المبارك، وندبهم فيها إلى العمل الصالح المبرور، الذي وعد الله عليه بكريم الجزاء وأفضل الأجور، فكم اشتملتْ عليه من البِشارة العظيمة، بالعطايا الكريمة:
الأولى: أن العمل الصالح في ليلة القدر يُثاب عليه الإنسان ثوابًا لا يناله بعبادة عمر طويل من أطول أعمار الرجال؛ إذ يجاوز ثمانين سنة فضلاً من ذي الكرم والجلال.


الثانية: أن ثواب خصلة الخير فيه من نوافل الطاعات، يعدِلُ ثواب الفريضة فيما سواه من الأوقات؛ فهنيئًا لذوي الهمم العاليات، المتسابقين إلى الخيرات.


الثالثة: أن ثواب الفريضة فيه يضاعف؛ حتى إن الإنسان يُثاب على الفريضة فيه ثواب سبعين فريضة فيما سواه، فأبشروا يا عباد الله!


الرابعة: أنه شهر الصبر، يتحقق فيه للمؤمن الصبر بأنواعه الثلاثة: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على الأقدار المؤلمة، والصبر عن الأهواء المضلة، والصبر ثوابه الجنة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10].


فإذا كان المحسنُ يُثاب على إحسانه في سائر الأوقات؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فإن المحسن في رمضان يُثاب على إحسانه بغير حساب، فما يُعطيه الله فيه من الخير لا يدخل تحت عدٍّ ولا حساب؛ ولذا ثبت في الحديث القدسي الصحيح بقول الله تعالى: ((كلُّ عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به)).


والمعنى - والله أعلم - أن الله تعالى يجزي على الصيام جزاء خاصًّا، يليق بشرف عبادة الصيام، وفضل شهر رمضان، وكرم الكريم المنان، فلا يعلم إلا الله ما ادَّخر للصُّوَّام من الثواب الكريم، والنعيم المقيم؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مرَّ بالمسلمين شهرٌ خير لهم منه))، ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُبشِّرُ أصحابَه بقدوم رمضان، فيقول: ((جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتَّحُ أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرها، فقد حرم)).


فاشكروا الله - أيها المسلمون - على ما أودع رمضان لكم من عظيم الخصال، واستقبلوه أحسن استقبال، وعظِّموه بالصيام والقيام، والتنافس في صالح الأعمال، وادخلوا دار الصوم راشدين، وعظموا أوامر رب العالمين، وإياكم أن تتسحروا للصيام أو تفطروا منه من كَسْبٍ حرام؛ فإن ذلكم من دواعي ردِّ الأعمال، وموجبات الآثام، واعلموا أن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، فلا يقبل صدقة من حرام، ولا يستجيب دعاء آكله أو الداعي بإثم أو بقطيعة الأرحام.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.


أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطتَ، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضلَلْتَ، ولا مضلَّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك، وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم الغلبة، والأمن يوم الخوف، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أعطيتنا، وشر ما منعتنا، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.


أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله؛ فإن تقوى الله تَقِي مقتَه، وتقي عقوبتَه، وتقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وتُرضي الرب، وترفع الدرجة، فاتخذوا تقوى الله تجارة، يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة؛ ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].


رُوِي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الجنة لتُزيَّن من السنة إلى السنة لشهر رمضان، فإذا دخل رمضان، قالت الجنة: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك سُكَّانًا، ويَقلْنَ الحور العين: اللهم اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجًا)).


ورُوِي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فمن صان نفسه في شهر رمضان، فلم يشرب فيه مسكرًا، ولم يرمِ فيه مؤمنًا بالبهتان، ولم يعمل فيه خطيئة، زوَّجه الله كلَّ ليلة مائةَ حوراء، وبنى له قصرًا في الجنة من ذهب وفضة، وياقوت وزَبَرْجَدٍ، لو أن الدنيا جمعت فجعلت في ذلك القصر، لم تكن فيه إلا كمربط عنزِ في الدنيا، ومن شرب فيه مسكرًا، ورمى فيه مؤمنًا ببهتان، وعمل فيه خطيئة، أحبط الله عمله سنة؛ فاتقوا شهر رمضان؛ فإنه شهر الله، أن تفرطوا فيه، فقد جعل الله لكم أحدَ عشرَ شهرًا تَنعمون فيها، وجعل لنفسه شهر رمضان))؛ يعني - والله أعلم -: فعظِّموه بما يليق به، واجتهدوا فيه بما شرع، واغتنموا فضائله، واحذروا المعصية فيه؛ فإن وزرها عظيم، وإثمها كبير.


فافرحوا بقدوم شهر رمضان، واستقبلوه بالتوبة والإحسان، تُوفَّقوا للخير فيه، وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك مولاكم؛ إذ خاطبكم بذلك خطابًا كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].


﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].


﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].


فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.43 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]