|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبو إسحاق الإلبيري.. حارس على حدود الشريعة أحمد الجوهري عبد الجواد ملوك بلا تيجان أبو إسحاق الإلبيري.. حارس على حدود الشريعة أَكْرِمْ بالمؤمن يُعطَى قلبًا حيًّا، وسلوكًا نقيًّا! فإذا رُزق إلى هذين بيانًا عليًّا، كان نِعم الرجل هو، فتلك نعمة كُبرى من الله على المرء المؤمن. ومن هؤلاء المؤمنين الذين حبَاهم الله القلبَ الحيَّ، والسلوك النَّقي، والبيانَ العلي: الفقيهُ الزَّاهد الورِع، والمحدِّث البارع النبيل، والشاعر الأندلسيُّ المجيد إبراهيمُ بن مسعود بن سعد، المعروف بأبي إسحاق الإلبيري، وهو أحد شُعراء قبيلة تجيب الكندية. عاش أبو إسحاق في مدينة غرناطة، وتوفِّي بإلبيرة، وكلاهما من مدن الأندلس[1]. وأبو إسحاق رحمه الله من الشُّعراء المبرَّزين، ولئن كان الشُّعراء يهيمون بشِعرهم في كلِّ وادٍ، ويقولون ما لا يفعلونه، فإنَّ أبا إسحاق كان ممَّن سَخَّروا شعرهم لدعوة الإسلام، وبيان أهدافه، وخدمة قضاياه العظيمة. فقد نظم رحمه الله في الزُّهد والرقائق، والحكمة والنَّصائح، والعظات المتنوعة، ويلمس القارئ لشعره أنَّه كان وجدانيًّا محسنًا، من ذلك قوله في قصيدة في الزهد: أتيتُك راجيًا يا ذا الجلالِ ![]() ففرِّجْ ما ترى من سُوء حالي ![]() عصيتُك سيِّدي وَيْلي بجَهْلي ![]() وعيبُ الذَّنب لم يَخطُرْ ببالي ![]() ألفاظ سَهلة ليِّنة، تَحمل معانيَ راقية عالية، تُرقي الهِمَم، وتدفع العزائمَ، تلك معالم بعض أشعار أبي إسحاق. ومن قصيدةٍ له شهيرة جدًّا في ذِكر العلم وفضله، والحثِّ عليه والعناية به، ضمَّنها حِكمًا غالية، ونسجها في ثوبِ نُصْحٍ لولده أبي بكر، تُسمَّى بـ منظومة أبي إسحاق الإلبيري أو تائيَّة الإلبيري، يقول في مطلعها: تفتُّ فؤادَك الأيامُ فتَّا ![]() وتَنحِتُ جِسمَك السَّاعاتُ نَحْتَا ![]() وتدعوك المنونُ دعاءَ صِدقٍ ![]() ألَا يا صاحِ أنت أُريدُ أنتَا ![]() إلى آخر أبيات تلك القصيدة، وهي مَليئةٌ بالمعاني الجميلة، زاخِرةٌ بخُلاصة تجارِب الحياة، توفِّر العمرَ والجهدَ، وتَختصر الوقتَ على مَن تأمَّلَها، وعمل بما فيها. لقد أوقف أبو إسحاق الإلبيري شِعرَه على خِدمة قضايا الإسلام إذا عرضَتْ، وتجلية أحكامه إذا صدرَتْ، وجعله لسان المسلمين الذي يَنطق عمَّا في قلوبهم، ويعبِّر عن مَكنون صدورهم، ويشرح أحوالَهم. ومن ذلك: القضيَّة التي بين أيدينا الساعة؛ اتَّخذ باديس بن حبوس - صاحب غرناطة - رجلًا يُقال له: إسماعيل بن نَغْرَالَّة[2] وزيرًا له، وكان إسماعيل هذا يهوديًّا، ووضعه على جَمْع الأموال ورقابة التصرُّفات الماليَّة في الدولة، ليس هذا فحسب؛ فقد صار ذلك اليهودي أثيرًا عند باديس، فهو ناصحه الأوَّل الذي لا يبرم باديس أمرًا من الأمور إلَّا برأيه! واستغلَّ الوزير اليهوديُّ منصبَه في طريقين: 1- العمل على إرضاء حاكمِه رضًا يَكسِب به ثقتَه، ويُعمي به عينَه، وكان ذلك الأمر ميسورًا لمثله؛ إذ شرع الوزير اليهوديُّ يثمر المال، وينمِّي موارد الخزانة حتى امتلأَتْ، وهذا هو عينُ ما يُرضي الحكَّامَ عن موظَّفيهم، ويجلب ثقتَهم حد العمى فيهم. 2- العمل لصالح دينه وبَني جلدته، راح الوزيرُ اليهودي يعمل على تعيين اليهود في كثيرٍ من المناصب الهامَّة في الدولة. قال ابن عذاري المراكشي في كتابه المسمَّى بالبيان المغرب: أمضى باديس كاتب أبيه ووزيره ابن نغرالة اليهودي، وعمالًا متصرفين من أهل ملَّته، فاكتسبوا الجاهَ في أيامه واستطالوا على المسلمين[3]. وقد ساعدَتِ اليهوديَّ على إخفاء أفعاله الخبيثة، وحقيقة مآربه البعيدة - صفاتٌ كان يصبغ بها وجهَه الخارجي؛ فقد كان كما يقول عنه معاصرُه ابن حيَّان - المؤرِّخ الأندلسي الشهير -: "وكان هذا اللَّعين في ذاته، على ما زوى الله عنه من هدايته، من أكمل الرجال علمًا وحِلمًا، وفهمًا وذكاء، ودماثة وركانة، ودهاء ومكرًا، وملكًا لنفسه، وبسطًا من خلقه، ومعرفةً بزمانه، ومداراة لعدوه، واستسلالًا لحقودهم بحلمه، ناهيك من رجل كتَب بالقلمين، واعتنى بالعلمين، وشغف باللِّسان العربي، ونظر فيه، وقرأ كتبه، وطالع أصولَه، فانطلقت يدُه ولسانه، وصار يكتب عنه وعن صاحبه بالعربي، فيما احتاج إليه من فصول التحميد لله تعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، والتزكية لدين الإسلام، وذكر فضائله - ما يريده، ولا يقصِّر فيما ينشئه عن أوسط كتَّاب الإسلام، فجمع لذلك السجيج في علوم الأوائل الرياضية، وتقدَّم منتحليها بالتدقيق للمعرفة النجومية، ويشارك في الهندسة والمنطق، ويفوق في الجدَل كلَّ مستولٍ منه على غاية، قليل الكلام مع ذكائه، ماقتًا للسباب، دائم التفكُّر، جمَّاعة للكتب"[4]. مضى إسماعيلُ هذا طيلة حياته يؤسِّس لكيانٍ يهوديٍّ في غرناطة، يحكر عليهم المناصبَ العليَّة، ويملكهم المقدرات الكبيرة، ثم إنَّه هلَك، فهل يكتفي باديس بذلك؟ كلا، لقد ندب باديس ابنَ وزيره الهالِك هذا، وكان اسمه يوسف، فولَّاه ما كان لأبيه من أعمال، وكان الابن صنو أبيه عملًا وحيلة، يتمتَّع بذكاء ودَهاء كبيرين مثل أبيه، وقد مكَّنتْه هذه الصِّفات لدى باديس، وساعدَتْه يدُ أبيه السابقة عند باديس، إضافة إلى خبرته بتجربة أبيه التي كانت تهديه طريقَه، فغدا أوَّل رجل في الدولة، وأمضاهم تصرُّفًا في شؤونها. وقد مضى مع ذلك في استكمال أعمال أبيه القَذِرة، لكن في شيء من العلن، يؤزُّه عليه ذلك التمكُّنُ الذي صار له، مع وراثته الأمر كابرًا عن كابر؛ ذلك كله مع غروره بالنَّجاح الذي حصَّله والده في نفس الطَّريق، فجعله يسعى بنشاط في سبيله. وسرعان ما ظهر ذلك كله للناس، وكان موضع حديثهم في أيامهم صبحَ مساء، وساءت هذه الأفعالُ جموعَ المسلمين، وأصبح أثرها في نفوسهم شديدًا؛ إذ كيف يقبلون أن يرفع ذلك اليهوديُّ من شأن طائفته وأهلِ ديانته ويعزَّهم على حساب المسلمين؟! ثم لا يكتفي بما كان من عمل أبيه في الخفاء، لقد صبروا مع مضض على عمل ذلك مع جيلهم وجيلٍ آخر سبقهم، حتى يستعلن عمله ويظهر، وتفشو رائحته وتنتشر، ماذا عساه يفعل إن طالت به الحياة، أو جاء ابنه من بعده في موضعه؟! كانت كل هذه الأسئلة - ومعها الحيرة والقلق والغضب - تعتمل في نفوس المسلمين، وتحنقهم على ذلك اليهوديِّ وطائفته، وساءهم أنَّ السلطة يومئذٍ - ممثلةً في باديس بن حبوس وملئه - لا تسمع لشكواهم، ولا تحسُّ بحالهم! "وكان على رأس هؤلاء الغاضبين من نفوذ اليهود: الأمير بلقين؛ ولد باديس الأكبر، ووليُّ العهد من بعده؛ حيث كان يجاهر ابن نغرالة هذا بالعداوة ويسعى لإسقاطه وقتلِه، وكان يتضامن مع بلقين بعضٌ من رجال الدولة وشيوخ صنهاجة الكبار. وكان يوسف اليهودي من جانبه يضع عيونَه وجواسيسه من خاصَّة باديس في القصر وفي الحريم، فلا يكاد باديس يأتي بحركة، أو تَصدر عنه كلمة، حتى يقف عليها لفوره، وكذلك بالنِّسبة لبقلين، وعرف يوسف من جواسيسه بنيَّة بلقين في التخلُّص منه، فأسرع هو ودسَّ على بلقين مَن وضَع له السُّمَّ في شرابه، فمات بلقين مسمومًا، وكانت صدمةً كبيرة على باديس، وأفهمه يوسف اليهودي أنَّ بعض فتيان ولده بلقين وجواريه هم السَّبب في ذلك، فقَتَل منهم عدَّةً، وفرَّ الباقون، وكان ذلك سنة 456هـ. بعد مَقتل بلقين، ازداد باديس انطواءً على نفسه، وفوَّض الأمورَ كلها لليهودي، الذي زاد في طغيانه المرهِق لأهل غرناطة؛ بغيةَ جمع الأموال، واستسلم لذلك الطُّغيان والجبروت الجميعُ عدا رجل واحد اسمه الناية، وهو رجلٌ خدم باديس وقام له ببعض المهام الخطيرة، حتى ارتفعَتْ مكانتُه عند باديس، ووقع التنافس بينه وبين يوسف اليهودي، وكان الناية يحرِّض باديس على وزيره اليهودي ويكشف له عيوبَه كلَّما سنحَتِ الفرصة"[5]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |