متى توفي القاضي أبو شجاع الأصبهاني البصري؟

[ابوالوليد المسلم]

متى توفي القاضي أبو شجاع الأصبهاني البصري؟


د. عبدالحكيم الأنيس







القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن الأصبهاني البصري من شيوخ الشافعية المشهورين، وهو مِنْ شيوخ الحافظ أبي طاهر السِّلفي، وقد لقيه السِّلفي في البصرة سنة (500هـ) وروى عنه وقال معرِّفاً به:

"القاضي أبو شجاع هذا من أفراد الدهر، درَّس بالبصرة أزيدَ من أربعين سنة مذهب الشافعي، ذَكَرَ[1] لي هذا سنة خمس مئة، وعاش بعد ذلك مدة لا أتحققها، وسألته عن مولده فقال: سنة أربع وثلاثين وأربع مئة بالبصرة، ووالدي مولده بعبادان، وجدي الأعلى أصبهاني"[2].



وفي سنة (500هـ) يكون له من العمر ستٌّ وستون سنة.



وقول السِّلفي: "عاش بعد ذلك مدة لا أتحققها" يدلُّ على أنه مات في حياته، وكانت وفاة السِّلفي سنة (576هـ)، وفي هذه السنة يكون لأبي شجاع -لو كان ظلَّ في الحياة- (142) سنة، وهذا مستبعدٌ جداً.



ولو قلنا أيضاً بأنه عاش قرناً كاملاً فتكون وفاته سنة (534) على أبعد تقدير.



على أننا نستشفُ من قول السِّلفي: "عاش مدة" أنها ليستْ طويلة جداً.



وقد رأينا الزركلي في "الأعلام" (1 /116-117) يؤرِّخ ولادته ووفاته هكذا: (533- 593هـ).



وكلاهما خطأٌ فادحٌ كما ترى، فمِنْ أين جاء بهذين التاريخين؟

الجواب: جاء بهما من يوسف إليان سركيس مؤلف "معجم المطبوعات العربية والمعربة"



ومن أين جاء بهما سركيس؟

للجواب على هذا أقول:

إنَّ البجيرمي المتوفى سنة (1221هـ) صاحب "الحاشية" على "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للشربيني، قال في "حاشيته" هذه:

"فائدة: قال الديربي: عاش القاضي أبو شجاع مئة وستين سنة ولم يختل عضوٌ من أعضائه، فقيل له في ذلك، فقال: ما عصيتُ الله بعضوٍ منها، فلما حفظتُها في الصغر عن معاصي الله حفظها الله في الكبر.



وفي كلام البولاقي ما يُخالِف ذلك فراجعه.

وولد سنة 433".



والديربي هذا توفي سنة (1151هـ)، وله حاشيتان على آخر شرحين من شروح أبي شجاع، وقولُه مستغرب، ولم يُعرف فيما سبق، وهو أشبه بالأسمار!



ولم يَذكر البجيرمي تاريخَ الوفاة، وقد أضافه مصحِّحُ الحاشية هذه مِنْ عنده فقال ملفِّقاً بين حكايةِ الديربي وتاريخِ الولادة الذي ذكره البجيرمي: "يُؤخذ من تاريخ ولادته رضي الله عنه أن وفاته كانت سنة 593".



ومِنْ هنا نشأ هذا التاريخُ الموهومُ المغلوطُ نتيجةَ هذا التلفيق، ولا قائلَ به من قبل، ولا صحةَ له أصلاً، والغريب أنَّ هذا الزاعم لم يلتفتْ لقول البجيرمي: "وفي كلام البولاقي ما يُخالِف ذلك فراجعه".



وقد تلقّف سركيس ما زعمه مصحِّحُ حاشية البجيرمي، وزاد عليه خطأً آخر إذ جعل تاريخَ الولادة سنة (533)، وهو بعد (99) سنة من التاريخ الصحيح!



وتابعه الزركلي في الخطأين.



والصوابُ أنَّ أبا شجاع ولد سنة (434) كما صرّح هو عن نفسه، وتوفي بعد سنة (500) بمدة، كما في قول تلميذه السِّلفي.



وقد تعقّب الأستاذ محمد الرشيد خطأ تاريخ الولادة في كتابه "الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام" ص 28، وبقي خطأ تاريخ الوفاة يشق طريقه بين الباحثين والدارسين والمحقِّقين.



وكنتُ كتبتُ بحثاً بعنوان (مَنْ مؤلِّفُ كتاب الغاية والتقريب؟) بينتُ فيه ترجمته الصحيحة، وكشفتُ الأخطاء الكثيرة التي حصلتْ في التعريف به، والخلطَ الفاحش الذي وقع بينه وبين عصريه الوزير أبي شجاع الروذاوردي (437-488هـ)[3].



ومع ذلك ما زال عددٌ من الباحثين يتابعون الزركلي في طبعاتهم لهذا الكتاب (المتن)، ومن ذلك:

1- طبعة دار الخير بدمشق سنة (1423هـ-2003م) التي عُنِي بها رياض منسي العيسى، وقدَّم لها د. مصطفى الخن، فقد جاء على الغلاف:

"متن غاية الاختصار للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني العباداني الشافعي 533-593هـ".



2- طبعة دار المنهاج، وتحت يدي طبعتها الثانية المؤرخة بـ (1432هـ - 2011م) فقد جاء على غلافها: "مختصر أبي شجاع... تأليف الإمام العالم العلامة أحمد بن الحسين الأصفهاني الشافعي رحمه الله تعالى (433-593هـ)".



ويُذكرُ أنَّ الأخ الكريم الفاضل المُعتني بهذه الطبعة جَمَعَ في ترجمته بين الترجمة الصحيحة وترجمة الوزير أبي شجاع أيضاً. انظرْ ص 25-27.



3- طبعة مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في عمّان سنة (2013م) وفيها الجمعُ بينه وبين الوزير أيضاً. انظر ص17.



تتمات:

1- جاء في كتاب "الإمام السيد الرفاعي" لمصطفى الرفاعي الندوي ص199: "وعن الرفاعي قال الشيخ أبو شجاع الشافعي، صاحب كتاب "متن الغاية والتقريب" في الفقه الشافعي: كان السيد أحمد الرفاعي - رضي الله عنه- ذا روايات عاليات، وإجازات رفيعات. أعلم أهل عصره بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعملهم بهما. بحراً من بحار الشرع، سيفاً من سيوف الله، وارثاً أخلاق جدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم".



وعزا المؤلفُ إلى "سواد العينين في مناقب أبي العلمين" المنسوب إلى الإمام الرافعي (557- 623هـ) ص55.



والذي في "سواد العينين" ص6: "حدّثني الشيخ الإمام أبو شجاع الشافعي فيما رواه قائلاً"، من غير إضافة كتاب "الغاية والتقريب" إليه.



ومن أين للرافعي -لو كان هو المؤلف حقاً- أن يروي عن القاضي أبي شجاع؟



ولا يمكن أن يكون القائلُ أبا شجاع القاضي لأنه تُوفي بعد سنة (500) بمدة، وولد الرفاعي سنة (500) أو(512).



والذي ورَّط المؤلِّفَ الندوي بهذا القول -فيما يبدو- خطأُ تاريخِ وفاته الموهوم المزعوم وأنه (593)!

♦ ♦ ♦




2-جاء في "أسانيد المصريين" ص 621-622:

"قال الشيخ عبد القادر القصاب عن شيخه الشيخ محمد عليش (ت:1299هـ): قاربَ سنه التسعين، وهو يمص القصب، ويكسر الجوز بأسنانه، ولم يختل عضو من أعضائه، لحفظه لها في الصغر، فحفظها الله تعالى له في الكبر، كما حُكي مثل ذلك عن أبي شجاع من أئمة مذهبنا".



وهذا متابعة لحكاية الديربي المستغربة التي نقلتُها قبل قليل، والثابت في القصة ما جاء عن الإمام أبي الطيب الطبري كما في ترجمته في "صفة الصفوة" (2/ 492-493).

♦ ♦ ♦




3-جاء في "المقالات الدينية" لمحمد سعيد العرفي" ط1 (1403هـ-1982م) ص42:

"إن للمبتدئيين متناً صغيراً يُدعى الغاية لأبي شجاع الوزير".

وهذا خطأ، فلم يكن أبو شجاع وزيراً.

♦ ♦ ♦




4-جاء على غلاف "الغاية" من طبعة مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت سنة (1414هـ -1992م٢): "المتوفى سنة 500هـ".



وهذا خطأ، وقد تُوفي بعد هذه السنة بمدةٍ كما بينتُ.

♦ ♦ ♦




5-صدر "تحفة اللبيب في شرح التقريب" لابن دقيق العيد، بدراسة الدكتور عبدالستار عايش الكبيسي وتحقيقه، صدر عن دار ابن حزم، ط1 (1429هـ - 2008م)



ولم يتعرض المحققُ لما حصلَ مِن اختلاط في ترجمة القاضي أبي شجاع.

♦ ♦ ♦




الخلاصة:

♦ القاضي أبو شجاع ولد سنة 434هـ وتوفي بعد سنة 500هـ بمدة.

♦ كان قاضياً، ولم يكن وزيراً.

[1] ضبط محقِّقُ طبعة دار الخير من هذا الكتاب: (الغاية والتقريب) رياضُ العيسى هذا الفعلَ: (ذُكِرَ) وهذا خطأ واضح.



[2] معجم السفر (1 /135) من طبعة بغداد، وص 13 من طبعة باكستان.



[3] نشر البحث في مجلة معهد المخطوطات العربية في المجلد (51) الجزأين (1-2) سنة (1428هـ-2007م).