|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التوبة ( حكمها وفضلها وشروطها ) الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، فقد أمركم بذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [1]. واعلموا: أن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: إن التوبة قد أوجبها الله تعالى على جميع المؤمنين من كل ذنب فقال سبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[2]. فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة والرجوع مما يكرهه الله: ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه: ظاهراً وباطناً، ودلت هذه الآية على أن كل مؤمن محتاج إلى توبة؛ لأن الله خاطب المؤمنين جميعاً. وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [3]. والمراد بها: التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها التي عقدها العبد لله لا يريد بتوبته إلا وجه الله والتقرب منه، ويستمر على توبته في جميع أحواله. ورحمة الله واسعة على عباده المسرفين بالذنوب والمتجاوزين لحدوده، فقد رغَّبهم في التوبة فقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾‹[4]. وقد عاتب الله المؤمنين على عدم المسارعة في الخشوع له والإنابة، ورغَّبهم وحثَّهم على خشوع القلوب لله تعالى وحذرهم من صفات أهل الكتاب وأهل القسوة والغفلة، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾[5]. وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة، فقال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوبُ في اليوم إليه مائة مرة". وفي رواية: "إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"[6]. والمراد ما يتغشَّى القلب من الغفلات والفترات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عدّ ذلك ذنباً واستغفر منه[7]. ولفظ الإمام أحمد: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة"[8]. وقال عليه الصلاة والسلام: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"[9]. وظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة[10]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إنا كنا لنعدُّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة "رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم". وفي رواية: "رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور"[11]. ومن رحمة الله تعالى بعبده وإحسانه وجوده وكرمه أنه يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه فرحاً يليق بجلاله وعظمته؛ فعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابُه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأمن شدة الفرح"[12]. ومن كرمه على عباده: أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها[13]. ومن رحمته سبحانه بعباده أنه: "لما خلق الخلق كتب في كتابٍ فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلِبُ غضبي"[14]. وخلق الله تعالى مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين ليوم القيامة، وأنزل في الأرض رحمة واحدةً فبها تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابةُ حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه"[15]. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قُدِمَ علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبيْ فإذا امرأة من السبي تبتغي [أي تطلب وتسعى] إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لله أرحمُ بعباده من هذه بولدها"[16]. ولكن لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنِط من جنته أحد[17]. والله تعالى يغفر الذنوب وإن عظمت بالتوبة الصادقة التي اشتملت على الندم على ما فعل المذنب، والعزيمة على أن لا يعود إليها، والإقلاع عنها، ورد الحقوق إلى أهلها، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [18]. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من أهل الشرك قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفَّارة، فنزل: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ﴾ ونزل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [19]. وقال سبحانه: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾[20]. وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [21]. وقال: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾[22]. وقال سبحانه: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾[23]. وقال جل وعلا: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [24]. وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [25]. وقد جاءت امرأة حبلى من الزنى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله أصبت حدّاً فأقمه عليَّ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها، ففعل ثم أمر بها فرُجِمت ثم صلَّى عليها فقال عمر رضي الله عنه: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال: "لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدْتَ توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى"[26]. وقَتَل رجل مائة نفسٍ ثم تاب فتاب الله تعالى عليه[27]. ولكن عند الغرغرة أو عند طلوع الشمس من مغربها لا تقبل التوبة؛ لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ *[28]. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"[29]. وقال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [30]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"[31]. ذُكر أن رجلاً أطاع الله عشرين سنة ثم عصى الله عشرين سنة، وفي وقت من الأوقات نظر في المرآة فرأى الشيب قد اشتعل في رأسه فحزن على تفريطه، فسمع منادياً ينادي: يا هذا أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك[32]. ولا شك أن المكفِّرات للذنوب كثيرة هي: التوبة الصادقة والاستغفار، والمصائب، والحسنات، وعذاب القبر، نعوذ بالله من عذاب القبر، واستغفار المؤمنين للإنسان المسلم في حياته وبعد مماته، وما يُهدى إليه بعد الموت، وأهوال يوم القيامة، وتهذيب المؤمنين على القنطرة بعد مجاوزة الصراط، وشفاعة الشافعين، وعفو أرحم الراحمين من غير شفاعة. عباد الله: توبوا إلى الله واستغفروه قبل أن يهجِمَ عليكم هاذم اللذات، وقبل أن يقول المجرم: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ﴾[33]، قبل أن لا ينفع الندم، قبل أن تقول نفس: يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله، وإن كنت لمن الخاسرين. أو تقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب: لو أن لي كرة فأكون من المحسنين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور التواب الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، الإله الحق المبين، والعاقبة للمتقين التائبين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله التواب الغفور الرحيم، ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾[34]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله وتوبوا إليه، فقد قال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ﴾ [35]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بِقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرة"[36]. والتوبة تهدم ما كان قبلها من الذنوب إذا كملت شروطها: من الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزيمة على عدم العودة، ورد المظالم لأهلها، وكانت التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل الغرغرة، وفي الحديث: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"[37]. هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، ورضي عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر أصحاب نبينا أجمعين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واغفر لأمواتنا وأموات المؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. [1] سورة آل عمران، الآية: 102. [2] سورة النور، الآية: 31. [3] سورة التحريم، الآية: 8. [4] سورة الزمر، الآيات: 53 - 59. [5] سورة الحديد، الآية: 16. [6] مسلم برقم (2702). [7] شرح النووي على مسلم (17/22)، فتح الباري (11/101). [8] أحمد (4/260) وصححه الألباني في الصحيحة (3/435). [9] البخاري برقم (6307). [10] فتح الباري لابن حجر (11/101). [11] أبو داود برقم (1516) والترمذي برقم (2434) وصححه الألباني في الصحية (556). [12] البخاري برقم (6309)، ومسلم برقم (2747). [13] مسلم برقم (2759). [14] مسلم برقم (2751). [15] مسلم برقم (2752). [16] البخاري (5999)، ومسلم برقم (2754). [17] مسلم برقم (2755). [18] سورة الفرقان: الآيات: 68 - 70. [19] البخاري برقم (4810) وغيره. [20] سورة طه، الآية: 82. [21] سورة الشورى، الآية: 25. [22] سورة التوبة، الآية: 104. [23] سورة النساء، الآية: 110. [24] سورة المائدة، الآية: 74. [25] سورة آل عمران، الآيتان: 135، 136. [26] مسلم برقم (1696) [27] مسلم برقم (2766). [28] سورة النساء، الآيتان: 17، 18. [29] الترمذي برقم (3531)، وابن ماجه برقم (4253) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/454). [30] سورة الأنعام، الآية: 158. [31] مسلم برقم (2703). [32] سمعته من عبدالله بن حميد رحمه الله وعزاه إلى فتح الباري لابن حجر. [33] سورة المؤمنون، الآيتان: 99، 100. [34] سورة غافر، الآية: 3. [35] سورة الحجر، الآيتان: 49، 50. [36] الترمذي برقم (3540)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/455). [37] ابن ماجه، برقم (2450)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/418).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() آثار الجهل بأسماء الله - تعالى - وصفاته على الفرق المبتدعة آدم عبده يحيى أثر الجهل بأسماء الله وصفاته على المشبِّهة: مِنهم الذين شبهوا الله - تعالى - بخلقه، وقاسُوا صفاتِه على صفات خلقه، فهؤلاء شرُّ الجهَّال وأقبحهم، لم يعُد لله - تعالى - في نفوسهم تعظيمٌ ولا هيبة، ولا تنزيه له من مشابهة المخلوقين، فقاسوه على خلقه، فأفرطوا أيَّما إفراط. ومنشأ هذا الغلط القبيح: أنه استولى عليهم الخيالُ، وفسروا نصوص الأسماء والصفات بعقولهم المجردة، القاصرة عن إدراك حقائقها. ومن هؤلاء المشبهة: مَن شبَّه المخلوق بالخالق، فخرجوا من الباب الآخر بثوب الغلو في المخلوق، فرفعوه إلى منزلة الله - سبحانه وتعالى - ومن هؤلاء هاتان الفرقتان: المتصوفة والشيعة. أولاً: المتصوفة: وهم أهل تعطيل وتشبيه في الوقت نفسه على خُطى منحرفي النصارى واليهود؛ حيث سلبوا الله تعالى معاني الألوهية والوحدانية، وشبَّهوا المخلوقين به - جل وعلا - فعظَّموهم وعَبَدوهم من دون الله، وإن كانوا على أصناف: فمنهم: القبوريون، الذين جعلوا من المقابر مزاراتٍ للتوسل، والاستغاثة، والاستشفاء، والتبرك بأحجارها وترابها؛ لفساد اعتقادهم في ذلك، حيث زعموا أنهم أهل لذاك. ومنهم: الغلاة، الذين شغلوا أنفسهم بمقامات وهمية، سمَّوْها: شهودًا وفناءً، والتأويلات الباطنية لظواهر النصوص الصريحة، عن مراد الله - تعالى - في مقامات العبودية الحقيقية، التي من مظاهرها تنفيذُ أوامر الله - تعالى - والقيامُ بها على الوجه المشروع، والاستكثارُ منها بحسب الإمكان والطاقة والقدرة، والأخذُ بالدِّين من جميع جوانبه، وألاَّ تحجبه عبادةٌ عن عبادة أبدًا. فهؤلاء المتصوفة عبدوا الله - تعالى - على مرادهم دون مراد الله – تعالى - وقدَّموا حظهم على محابِّ الله - تعالى - حتى حجبهم هذا الجهلُ عن تعظيم الله - تعالى - ووصلوا إلى انحراف فكري خطير، وقالوا: إن الله - تعالى - يحلُّ في مخلوقاته، وإنه في كل مكان - تعالى الله عما يقوله الجاهلون علوًّا كبيرًا. ومن الآثار السلوكية المنحرفة لهذا المنهج: 1- الانشغال بطقوس وعادات ما أنزل الله بها من سلطان؛ ظنوا أنها عبادة وقربة، حتى سئموا العباداتِ الحقيقيةَ وازدرَوها، ولم تطقها نفوسُهم؛ لبُعدها عن استشعار حق الله - تعالى - في الأمر، ومراده منه. قال ابن القيم - رحمه الله -: "وقد أخبرني مَن رأى ابنَ سبعين قاعدًا في طرف المسجد الحرام، وهو يَسخَر من الطائفين ويذمهم، ويقول: كأنهم الحُمُر حول المدار، ونحو هذا، ولا ريب أن هؤلاء مُؤثِرون لحظوظهم على حقوق ربهم، واقفون مع أذواقهم ومواجيدهم، فانين بها عن حق الله ومراده. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يحكي عن بعض العارفين أنه قال: العامة يعبدون الله، وهؤلاء - المتصوفة - يعبدون نفوسهم"[20]. وبلغ بهم الحال إلى الخروج عن حقيقة العبودية، فيرون أنهم لا يعبدون الله - تعالى - بالرجاء والرغبة؛ لأن هذا اعتراض على مراد الله وأمره، وأن مَن أحب الله لا يضره عذابُه؛ بل لا بد أن يستعذب هذا العذاب فيه، حتى قال قائلهم: أُحِبُّكَ لاَ أُحِبُّكَ لِلثَّوَابِ وَلَكِنِّي أُحِبُّكَ لِلعَذَابِ وَكُلُّ مَآرِبِي قَدْ نِلْتُ مِنْهَا سِوَى مَلْذُوذِ وُجْدِي بِالعَذَابِ وقال آخر: وَتَعْذِيبِي مَعَ الهُجْرَانِ عِنْدِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طِيبِ الوِصَالِ لأَنِّي فِي الوِصَالِ عُبَيْدُ حَظِّي وَفِي الهُجْرَانِ عَبْدٌ لِلمَوَالِي[21] وقد ابتلى الله - تعالى - أحدَهم، يقال له: سمنون، القائل: وَلَيْسَ لِي مِنْ هَوَاكَ بُدٌّ فَكَيْفَمَا شِئْتَ فَامْتَحِنِّي فامتحنه الله بعُسْر البول، فجعل يطوف على الناس وهو يقول: ادعوا لعمِّكم الكذاب![22] فأحوجه الله - تعالى - إلى رجاء العافية في الدنيا قبل الآخرة. وهذا من غرور وشطحات الصوفية المفتونين في دينهم؛ إذ حجبوا أنفسهم عن ثواب الله - تعالى - ورحمته، فلعب عليهم الشيطان، فقالوا: إن حبهم لله - تعالى - ليس لرجاء ثوابه، وإنما لعذابه؛ حتى لا يكون للنفس حظ بما عند الله - تعالى. 2- حرمان عبودية جميع الجوارح والحواس لله - تعالى - بما يتعلق بها من عبادات وطاعات؛ فمنهم مَن سجنوا أنفسهم بين الجدران، فلم يُصلُّوا مع الجماعة، ولم يشهدوا الجُمَع؛ لأن الشيطان أغراهم بأن ما هم فيه هو العبادة والطاعة، وهم خير من المجاهدين والطائفين والرُّكَّع السجود، فجهلوا مراد الله – تعالى - وعطلوا الحواس والجوارح من العمل في مرضاته؛ ففسدت قلوبهم - نعوذ بالله تعالى من هذا الحال والمآل. قال فيهم سيد الصوفية (الجنيد بن محمد) لما قيل له: أهل المعرفة يصِلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله، فقال الجنيد: إن هذا كلام قوم تكلموا بإسقاط الأعمال عن الجوارح[23]. 3- صرف أعظم الطاعات والقُرَب لغير الله – تعالى - والغلو في الأنبياء والصالحين؛ وهذا ثمرة الجهل بأسماء الله وصفاته؛ لأنهم وصفوا أصحاب القبور والأولياء والصالحين بما هو لله - تعالى - ولقَّبوهم بألقاب الألوهية والربوبية، فاستعظموهم في نفوسهم وهَوَتْ إليهم أفئدتُهم، ورجوهم من دون الله – تعالى - واستغاثوا بهم، وهتفوا بأسمائهم وألقابهم. ومنشأ الغلط عند هؤلاء: أنهم جهلوا أسماء الله - تعالى - وصفاته، وربوبيته وألوهيته، وعمدوا إلى الأولياء والصالحين فغالوا فيهم، ووصفوهم بصفات الألوهية والربوبية، واعتقدوا فيهم الاعتقادات الباطلة، فبقدر ما جهلوا من أسماء الله - تعالى - وصفاته، سلبوها من الله - تعالى - ووضعوها في الأولياء والصالحين. وحَقَّ على هؤلاء قولُه – تعالى -: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، وعاقبهم الله - تعالى - على تعطيل أسمائه وصفاته، وعدم العلم بها: أنْ عطَّل جوارحهم وقلوبهم من عبوديته الحقيقية، وشَغلهم بطقوس ومزارات وهتافات، وجَذْب ونَحْب، أضاعوا بها أوقاتهم إن لم تَضِع أعمارهم، وفاتتْ عليهم بها نَفحَاتٌ وفضائلُ، وهم في لهوهم سامدون. 4- تحكيم الأذواق والمواجيد والأهواء، والتحاكم إليها، وترك النصوص الشرعية لتأويلات ساذجة لا اعتبار لها عند أولى الأحلام والنهى. ثانيًا: الشيعة: أهل الغلو من المتشيعين لآل البيت، جمعوا كذلك بين التعطيل والتشبيه، وهم على فِرَق، منها: (الزيدية، والإمامية، والباطنية)، ولا توجد فرقة من فرق أهل البدع قد جمعتْ من الشر والضلال ما جمعه أتباع الإمامية والباطنية، فهم قد وصلوا إلى مرحلة تأليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في حياته قبل مماته - وهم السبئية - بصريح اللفظ الذي لا يحتمل التأويل، وما زال هذا دينًا يدينون به، وإن لم يذكروه بصريح العبارة، إلا أن ما تضمنته كتبهم، ورسائلهم، وقصائدهم، وطقوسهم، وحسينياتهم - يدلُّ عليه، كوَصْف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بصفات الألوهية والربوبية، والاستغاثة به، ومثل ذلك اعتقدوه في بعض آل البيت كالحسين بن علي - رضي الله عنه - وبقية الأئمة، فرفعوهم فوق منزلتهم، وفضَّلوهم على الأنبياء والمرسلين، وادَّعوا فيهم العصمة المطلقة، وأنهم يعلمون الغيب ما كان وما يكون؛ بل حتى قيل: لم يبلغ مكانتَهم لا مَلَكٌ مقرَّب ولا نبي مرسل، وهكذا. وهؤلاء سلبوا الله - تعالى - صفات الألوهية والربوبية، وجعلوها في أئمة آل البيت، فاستعظموهم في أنفسهم؛ بل قدسوهم بهذا الغلو الشنيع الذي وقر في قلوبهم ونفوسهم، فكان لهذا المعتقد المنحرف آثارٌ في حياتهم السلوكية، منها: 1- التشريع في الدين مما ليس فيه من عبادات وطقوس وأحكام؛ كالمتعة، والخُمُس، والصلاة على طِينة الحسين (كربلاء)، والطواف حول قبور أئمة آل البيت، وشدِّ الرحال إليها، وزعموا أنها أعظم من زيارة البيت الحرام. 2- تعطيل الجهاد في سبيل الله – تعالى - فلا جهاد لهم، حتى يخرج مهديُّهم المزعوم والمعصوم، فيحمل لواء الجهاد، وأي جهاد؟! إنه غزو بيت الله الحرام وخرابه، واستباحة المدينة، ونبش قبور الخلفاء وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلبهم والتمثيل بهم، وبئس ما زعموا. 3- الشرك بالله - تعالى - بكل صوره وأشكاله: بناء الأضرحة، وتقديس الأئمة الأحياء والأموات، وغير ذلك. 4- تكفير المخالفين، ومِن ثَمَّ ممارسة التنكيل بهم، واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وسبي نسائهم وأولادهم، وإسقاط أنظمتهم ودولهم، والاستعانة بالأعداء عليهم، وحرمانهم من جميع الحقوق في ديارهم، كل هذا؛ لزعمهم أن هذا حكم أئمتهم في المخالفين لهم. فكانت أقوال أئمتهم مقدسة، لا تحتمل الخطأ، ولا التأويل؛ لأنهم معصومون من الخطأ، بينما القرآن الكريم - في عقيدتهم - قد ناله التحريف والنقص! ـــــــــــــــــــ [1] "شجرة المعارف والأحوال، وصالح الأقوال والأعمال"، للعز بن عبدالسلام، ص77، نقلاً عن "الأسماء الحسنى"، لعبدالله الغصن، ص121. [2] "الفوائد"، لابن القيم: ص 159. [3] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم 310. [4] حرورية: نسبة إلى منطقة حروراء التي خرج منها الخوارج. [5] أخرجه مسلم في صحيحه، رقم 508. [6] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم 2295، ومسلم في صحيحه، رقم 86. [7] "مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة"، ص15. [8] "مدارج السالكين"، 1/318. [9] انظر: "طريق الهجرتين وباب السعادتين"، لابن القيم، ص56 - 59، ففيه كلام نفيس جدًّا في هذا الباب، و"مدارج السالكين"، 1/308، المشهد الثالث من مشاهد المعصية، و"شفاء العليل"، ص5، المقدمة. [10] "مدارج السالكين"، 1/216، بتصرف. [11] انظر: "مدارج السالكين" 1/ 308. وانظر: المصدر نفسه، 1/ 308، 309، المشهد الرابع من مشاهد المعصية. [12] انظر: "مدارج السالكين"، 1/196. [13] انظر: "مدارج السالكين"، 1/ 196. [14] "مدارج السالكين"، 1/308، 309. [15] "حلية الأولياء"، لأبي نعيم، 9/263، نقلاً عن مجلة البيان، العدد (99)، ص 93. [16] "مدارج السالكين"، 2/117، نقلاً عن مجلة البيان، العدد (99)، ص 91. [17] "مدارج السالكين"، 1/131. [18] "مدارج السالكين"، 1/ 131. [19] "مدارج السالكين"، 3/ 347، بتصرف. [20] "مدارج السالكين"، 1/202. [21] انظر: "مدارج السالكين"، 2/ 29، 30. [22] "مدارج السالكين"، 2/38، بتصرف. [23] "مدارج السالكين"، 2/76.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |