الهدي النبوي في النوم
لقد كان للرسول صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأساليب في النّوم، فقد قال ابن القيم رحمه الله: (مَنْ تَدَبَّرَ نَوْمَهُ وَيَقَظَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ أَعْدَلَ نَوْمٍ، وَأَنْفَعَهُ لِلْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى، فَإِنَّهُ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيَسْتَيْقِظُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي، فَيَقُومُ وَيَسْتَاكُ، وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، فَيَأْخُذُ الْبَدَنُ وَالْأَعْضَاءُ، وَالْقُوَى حَظَّهَا مِنَ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَحَظَّهَا مِنَ الرِّيَاضَةِ مَعَ وُفُورِ الْأَجْرِ، وَهَذَا غَايَةُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).
اقرا ايضا (
اذكار النوم )
وكان الرسول صلى الله عليه وسلّم ينام بعد العشاء في أول الليل، ويستيقظ أول النصف الثاني منه فيقوم ثلثه وينام سدس الليل الباقي، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلى اللهِ، صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ إلى اللهِ، صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَام، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، ويقومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا).
واعتاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينام وقت القيلولة، ويحث الصحابة على ذلك، وهناك بعض الأوقات التي يُكره فيها النوم، مثل النوم بين المغرب والعشاء، ونوم النهار ما عدا القيلولة، فقد قال ابن القيم في ذلك: (وَنَوْمُ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ، وَيُورِثُ الطِّحَالَ، وَيُرْخِي الْعَصَبَ، وَيُكْسِلُ، وَيُضْعِفُ الشَّهْوَةَ إِلَّا فِي الصَّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ، وَأَرْدَؤُهُ نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ آخِرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنًا لَهُ نَائِمًا نَوْمَةَ الصُّبْحَةِ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ، أَتَنَامُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُقَسَّمُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ؟ وَقِيلَ: نَوْمُ النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ: خُلُقٌ، وَحُرَقٌ، وَحُمْقٌ، فَالْخُلُقُ: نَوْمَةُ الْهَاجِرَةِ، وَهِيَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحُرَقُ: نَوْمَةُ الضُّحَى، تَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْحُمْقُ: نَوْمَةُ الْعَصْرِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا إِنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى ... خَبَالًا وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْرِ جُنُونُ ـ وَنَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ تَطْلُبُ فِيهِ الْخَلِيقَةُ أَرْزَاقَهَا، وَهُوَ وَقْتُ قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ، فَنَوْمُهُ حِرْمَانٌ إِلَّا لِعَارِضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ مُضِرٌّ جِدًّا بِالْبَدَنِ لِإِرْخَائِهِ الْبَدَنَ، وَإِفْسَادِهِ لِلْفَضَلَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرِّيَاضَةِ، فَيُحْدِثُ تَكَسُّرًا وَعِيًّا وَضَعْفًا).