من أوجه الفساد المالي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055812 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323627 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-09-2019, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي من أوجه الفساد المالي

من أوجه الفساد المالي (1)

الرشوة


د. محمد ويلالي
الخطبة الأولى
كنا تناولنا سلسلة الدفاع عن الصحابة الكرام، في وجه هذه الموجة الشرسة ضدهم، التي تغذيها جهات انسلخت عن مبادئ الشرع الحنيف، وتاهت وراء دوافع فكرية شاذة، ونوازع طائفية مقيتة، وربما حسابات سياسية ضيقة.

ووقف بنا المطاف عند الخليفة الراشد الثاني: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، الذي كان مضرب الأمثال - عند المؤيدين وعند المخالفين - في حسن سياسة الرعية، وتحقيق آمالها بكل ما استطاع منعدل، وحزم، وصرامة، وبخاصة في الجانب المالي، الذي اعتنى به أيما اعتناء، مركزا على كثير من المبادئ التي فطنت لها بعض الحكومات والأنظمة اليوم، كمبدأ: "من أين لك هذا؟"، ومبدأ: "ابدأ بنفسك، وكن موضع القدوة من غيرك"، ومبدأ: "تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة"، ومبدأ الكفاءة في تولي المهمة"، ومبدأ: "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، ومبدأ: "المواجهة المباشِرة في مراقبة المسؤولين"، وغير ذلك من الضوابط التي ضمنت للدولة حسن التسيير، وسلامة التدبير، وهيأتها لِتُوَسِّع رقعتها الجغرافية، وتنشرَ الإسلام في نواحي الكرة الأرضية، بما في ذلك الإمبراطوريتان: الفارسيةُ، والرومانية. فكان شعار العامل ما قاله عياض بن غَنْم - رضي الله عنه، وكان واليا لعمر بن الخطاب على حمص -:"فوالله، لَأَن أُشَقَّ بالمنشار، أَحبُّ إليَّ من أن أخون فلساً أو أتعدَّى".

فما الأسباب - إذن - التي نخرت في المجتمعات المالية المعاصرة، حتى أهدرت الملايير، واختلست الملايير، ونهبت الملايير؟ حتى رأينا بعض صغار اللصصة تبلغ بهم الجراءة أن يعرضوا مسروقاتهم، ومنهوباتهم، وغنائمهم على بعض المواقع التواصلية، متبجحين بفعلتهم، مفتخرين بشناءة تصرفاتهم.

لا شك أن مثل هؤلاء لا يعرفون مراقبة الله تعالى في أفعالهم، وأنهم محاسبون يوم القيامة على كل صغيرة وكبيرة. قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. وقال محمد البلخي: "ما خطوت - منذ أربعين سنة - لغير الله عز وجل". وقال الحسن: "ما نظرت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بَطَشت بيدي، ولا نهضت على قدمي، حتى أنظر على طاعة أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت".

إن غياب هذا الفهم السليم للمسؤولية، هو الذي جعل العالم - اليوم - يتحدث عن 1500 مليار دولار قيمة ما يسمى بالأموال المغسولة، وهي الأموال المجتناة بالطرق الحرام، كالمخدرات التي بلغ حجم مداخيلها السنوي قرابة 700 مليار دولار، ومداخيل الدعارة، والتربح من الوظيفة واستغلال المناصب، والاختلاس، والابتزاز، والسرقات، والاتجار في السلع الفاسدة، والمقامرات في أسواق البضاعة، والتزوير في النقود والمستندات.. وغيرها.

ونود اليوم أن نشرع في الحديث عن أولى حلقات سلسلة الفساد، المدمرة للأخلاق، وهي "الرشوة"، التي أهلكت اقتصاد المجتمعات، وأرقت العالم الذي جعل لها مؤتمرا دوليا ينعقد مرة كل سنتين، ينخرط فيه 150 دولة، وجعلوا لها يوما عالميا، وأياما وطنية، دون أن يستطيعوا الحد من سلطانها، أو يوقفوا زحفها. الرشوة - التي يعاني منها اقتصاد بلدنا أ أيضا - على الرغم من إنشاء رقم أخضر للتبليغ عن المفسدين - كانت أحد الأسباب القوية، التي جعلتنا نحتل في السنة الماضية المرتبة 88 ضمن مؤشر الشفافية العالمي من بين 174 دولة، ويكفي أن نعلم أن حجم أموال قضايا الفساد الرائجة أمام المحاكم اليوم عندنا، تقارب 216 مليار درهم.

وعرفت الرشوة بأنها: مبلغ من المال، يتقاضاه الموظف العام نظير تسهيلات غير مشروعة، للاستفادة من الخدمة العامة، أو الأموال العامة، بوجه غير قانوني. وقال الجرجانيّ: "الرّشوة: ما يعطى لإبطال حقّ أو إحقاق باطل". وهذه خيانة للأمانة، وأكل للمال بالباطل، الذي سماه الله تعالى سحتا. قال تعالى: "وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ ﴿ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ... ﴾ [المائدة: 41- 42]. وقال تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 62]، والرشوة من أعظم أنواع السحت. قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "الرشوة في الحكم كفر، وهي بين الناس سحت" صحيح الترغيب. وقال ابن سيرين: "السحت: الرشوة في الحكم" البخاري. واستوجب صاحبها اللعنة من الله تعالى، سواء كان صاحبها معطيا، أم قابضا، أم وسيطا. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لعنة الله على الراشي والمرتشي" صحيح سنن ابن ماجة. وحتى الساكت عن واقع الرشوة، الذي يستطيع التغيير بقلمه، أو نصحه، أو تذكيره داخل في هذا الوعيد الخطير. يقول تعالى: ﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 63].

الرشوة تحيل الحق باطلا، والباطل حقا، بها يصير المظلوم ظالما، والظالم مظلوما، بها يبرأ المجرم، ويجرم البريء، وبها تضيع الحقوق، وتنقض العهود، وتخترم الأمانات، وبها يعتلي المناصب الجهال، ويحرم أصحاب الكفاءات، فتوسد الأمور إلى غير أهلها، وبها يغتني البطالون الخاملون، ويفتقر النزهاء النشطاء المتدينون، وبها تفقد الثقة بين الناس، ويقل الأمن والأمان، ويفسد ميزان العدل الذي قامت به السموات والأرض، وقام عليه عمران المجتمع، ثم هي بعد ذلك هدم للدين والخلق.

كم من حقوق طمست، وكم من مظالم انتهكت، وكم من دماء أريقت، كانت وراءها الأيادي الآثمة للراشين والمرتشين والساعين بينهم.

جعلوا لها أسماء لتسهيل ارتكابها، وتمنية النفس بمقارفتها، وما علموا أن الحكم لا يتغير وإن تغيرت الأسماء، فتارة يجعلونها هدية، وتارة يسمونها إكرامية، وتارة يرونها حلاوة، وتارة يجعلونها مقابلا لعمل إضافي. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قطع كل لَبس في التعامل مع الرشوة، وجعل صورتها واضحة لا غموض فيها إلا عند أصحاب الشبه المكشوفة، والتأويلات الزائغة. فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على صدقات (زكوات) بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حَاسَبَهُ، قال: هذا مالكم، وهذا هدية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا". ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولَّانِيَ الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئا بغير حقه، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر"، ثم رفع يده حتى رُئي بياض إبطه يقول: اللهم هل بلغت ثلاثا". ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ" صحيح سنن أبي داود.

الخطبة الثانية

إن شرعنا الحنيف حذرنا من أن يعامل بعضنا بعضا معاملة العدو لعدوه، فلا أقضي له حاجة إلا بمقابل، ولا أعينه على خير إلا بهدية، فاشتراط ذلك تحقير له وخذلان، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، ولا يخذله. وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" متفق عليه.

وحذرنا شرعنا أن نقتات على الحرام، أو ندخل جوفنا حراما. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنه، فمَن استطاع أن لا يأكل إلاَّ طيباً فليفعل" البخاري.

قال بعض السلف: "لو قمت (أي لصلاة الليل) قيام السارية، ما نفعك حتى تعلم ما يدخل بطنك، أحلال أم حرام؟".

ويقول يوسف بن أسباط: "إن الرجل إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمَ سوء قال: دعوه يتعب ويجتهد، فقد كفاكم نفسه".

ولقد حاول اليهود رَشْوَ عبدالله بن رواحة، حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر لِيَخْرِصَ (يقدر) نخلهم. فجمعوا له حُليا من حُلي نسائهم فقالوا له: "هذا لك وخفف عنا، وتجاوز في القسم". فقال عبدالله بن رواحة: "يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف (أجور) عليكم؛ فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت، وإنا لا نأكلها". فقالوا: "بهذا قامت السماوات والأرض" رواه مالك في الموطأ، وصححه في غاية المرام.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-09-2019, 10:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أوجه الفساد المالي

من أوجه الفساد المالي (2)
د. محمد ويلالي


المتاجرة في الخمر




الخطبة الأولى


تحدثنا فيما مضى عن بعض المسببات في اختلال اقتصاديات كثير من الدول الغربية، وبعض الدول الإسلامية، وكيف أن معها أعظم المبادئ لتحقيق الربح المشروع، واكتساب المال الحلال، من خلال التوجيهات الربانية، المبثوثة في كتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اللذان هما صمام الأمان، الذي يحجز عن التردي، ويعصم من السقوط.



فعرفنا - في جزأين - شيئاً يتعلق بمرض الرشوة، التي سرت في أوساط المجتمعات والأفراد - إلا من رحم الله ـ، وكيف صارت لها آثار وخيمة على الاقتصاد، والنفس، والمجتمع.



وسنحاول - اليوم إن شاء الله - معالجة وجه آخر من أوجه الفساد المالي، المتعلق بالتجارة الحرام، التي تخرب البيوت، وتعود بالضرر المادي والمعنوي والصحي على كل من كانت له علاقة بها، إنها المتاجرة في الخمر، التي هي "مفتاح كل شر" كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. إنها الخمر التي قال فيها المصطفى- صلى الله عليه وسلم -: "الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَمَنْ شَرِبَهَا لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنْ مَاتَ وَهِي فِي بَطْنِهِ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" صحيح الجامع. إنها الخمر، سبب كل فساد، ورأس كل دمار، التي جعلها الله تعالى من مستقبحات ومستقذرات أعمال الشيطان فقال: ï´؟ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [المائدة: 90]. ثم بين بعض مخاطرها فقال: ï´؟ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ï´¾ [المائدة: 91].



قال الطيبي:

"نزلت هذه الآيةُ وفيهما دلائل سبعة على تحريم الخمر: أحدها قوله: ï´؟ رِجْسٌ ï´¾، والرجس هو النَّجِس، وكل نجس حرام. والثاني قوله: ï´؟ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ï´¾، وما هو من عمله حرام. والثالث قوله: ï´؟ فَاجْتَنِبُوهُ ï´¾، وما أمر الله تعالى باجتنابه فهو حرام. والرابع قوله: ï´؟ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾، وما عُلِّقَ رجاءُ الفلاح باجتنابه فالإتيان به حرام. والخامس قوله: ï´؟ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ï´¾، وما هو سبب وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين فهو حرام. والسادس قوله: ï´؟ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ï´¾، وما يَصُد به الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة فهو حرام. والسابع قوله: ï´؟ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ï´¾، معناه: انتهوا، وما أمر الله عباده بالانتهاء عنه فالإتيان به حرام".



وقال - صلى الله عليه وسلم - تعميقاً لتحريمها وتبغيضها: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. إِنَّ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ" مسلم.



وكانا أمراً طبعياً أن يمتنع المسلم عن كل ما له صلة بالخمر. فقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: "عاصرَها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وساقيَها، وبائعَها، وآكلَ ثمنها، والمشتريَ لها، والمشتراةَ له" صحيح سنن الترمذي.



وقد يرتقي الأمر بشارب الخمر إلى درجة الإدمان، فيحرم - بذلك - من الجنة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث" أحمد وهو في صحيح الجامع. وذلك أن الخمرة تستهوي صاحبها حتى يصير عبدا لها، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مدمن الخمر كعابد وثن، وشارب الخمر كعابد اللات والعزى" صحيح الجامع.



قال عبدالله بن أبي أوفى: "من مات مدمنا للخمر، مات كعابد اللات والعزى". قيل: "أرأيت مدمن الخمر، هو الذي لا يستفيق من شربها؟ قال: لا، و لكن هو الذي يشربها إذا وجدها و لو بعد سنين".



وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "اجتنبوا الخمر، فإنه - والله - لا يجتمع والإيمانَ أبدا إلا يوشك أحدهما أن يخرج صاحبه" صحيح سنن النسائي.



هذه هي الخمر التي تجرئ صاحبها على السرقة، وعلى الغش، وعلى الكذب، بل وتحمله على الزنا، والخيانة الزوجية، وربما ارتقت به حتى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، كما حصل في أرجاء متفرقة من بلدنا، الذي يجرم قانونه شرب الخمر وبيعه للمسلمين، ويعاقب على ذلك بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد و6 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 300 و1500 درهم، مع مضاعفة هذه العقوبة عند العودة إليها مرة ثانية. كما يمنع بيعها بجوار الأماكن الدينية، أو المقابر، أو المؤسسات العسكرية، أو الاستشفائية، أو المدرسية، وفي كل مكان تجب فيه مراعاة الحشمة والوقار.



ومع ذلك وجدنا من مثقفينا من يستهجن العقوبة الشرعية والقانونية، ويرى ذلك مساساً بحق تمتع الأشخاص بالحريات الفردية، التي تبيح لهم كل التصرفات، وتبيح لهم شرب الخمر مع تغيير اسمها بالمشروبات الروحية، تحقيقاً لنبوءة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: "لاَ تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ حَتَّى تَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا" صحيح سنن ابن ماجة. مع أن الدستور المغربي نفسه ينص في فصله السادس بعد المائة على أن النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي، لا يمكن أن تتناولها المراجعة.



هذه الصيحات المشبوهة، هي التي ثبطت محاربة الخمر في بلدنا، أو - على الأقل - التقليلَ منه، وحصرَه في زاوية ضيقة، تمنع المغاربة المسلمين أن تمتد أيديهم إليها، بتفعيل آلة الزجر، وتحريك المساطر القانونية، في أفق التخلص منها بشكل نهائي.



الخطبة الثانية


لقد أثبت الطب أن للخمر أضراراً خطيرة، لو علمها شاربها لاستقذرها وأقلع عنها فوراً. فهي تؤثر على خلايا الدماغ، وتسبب آلام مفاصل الجسم، وتسبب سرطان الكبد، وتؤدي إلى الهذيان والارتعاش، وتفاقم التهاب العصب البصري الذي قد ينتهي بالعمى، وتسبب ارتفاع ضغط الدم الذي قد ينتهي بالإصابة بالشلل، كما تسبب في احتقان الجهاز التناسلي، مما قد يؤدي إلى العقم، وتسبب في التهابات الجهاز الهضمي، والإصابة بقرحة المعدة، كما تسهم في سرطان الحنجرة، وهبوط في عملية التنفس، وبخاصة عند النوم، كما أثبت الطب أن للخمر تأثيرا خطيرا على الكليتين، وأنها تشجع نقص الأكسجين في الدم.



أما اجتماعياً، فهي تنمي عند صاحبها الشعور العدائي تجاه الآخرين، مما يجعله في وضع غير كريم في المجتمع، فتنعدم ثقة الناس والأهل به، ويقل احترامهم له. قال أحد الفرنسيين الحائزين على جائزة نوبل للفسيولوجيا: "وأبشع ما في الوجود هو السكير، فهو كائن منفِّر، تجعل رؤيتُه المرءَ يخجل من انتمائه لنفس النوع من الأحياء".



كما أن أولاد شاربي الخمر، يصيرون - عادةً - ضعيفي الجسم، ومعرضين للأمراض الجسدية والأخلاقية، بسبب ارتفاع نسبة الطلاق عند هؤلاء المخمرين.



فكيف إذا علمنا - بعد هذا - أن الخمر تعتبر السبب الثاني في وقوع حوادث السير بالبلاد، وأن سيارة السكران تصير - في كثير من الأحيان - نعشا له وهو لا يدري؟.



لقد نزل تحريم الخمر على الصحابة الكرام، فلما سمعوا قوله تعالى: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" قال عمر - رضي الله عنه -: "انتهينا، انتهينا".



عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَسْقِى أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ - وَهُوَ تَمْرٌ -، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ، قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا. قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا، فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ" متفق عليه. وفي لفظ: "فَمَا قَالُوا: حَتَّى نَنْظُرَ وَنَسْأَلَ".



فهل آن لنا أن نقول كما قالوا: "انتهينا، انتهينا"؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.71 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]