|
الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ملّة إبراهيم
ودعوة الأنبياء والمرسلين وأساليب الطغاة في تمييعها وصرف الدعاة عنها لأبي محمد عاصم بن أحمد المقدسي بـــراءة إلى الطواغيت في كل زمان ومكان... إلى الطواغيت حكاماً وأمراء وقياصرة وأكاسرة وفراعنة وملوكاً... إلى سدنتهم وعلمائهم المضلين... إلى أوليائهم وجيوشهم وشرطتهم وأجهزة مخابراتهم وحرسهم... إلى هؤلاء جميعاً.. نقول )إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله( براء من قوانينكم ومناهجكم ودساتيركم ومبادئكم النتنة.. براء من حكوماتكم ومحاكمكم وشعاراتكم وأعلامكم العفنة.. )كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده( لأجاهدن عداك ما أبقيتنــي ولأجعلن قتالهم ديـــدانِ ولأفضحنهم على رؤوس الملا ولأفرين أيديمهم بلســـانِ موتوا بغيظكم فربي عالــم بسرائر منكم وخبث جنـانِ فالله ناصر دينه وكتابـــه ورسوله بالعلم والسلطــانِ والحق ركن لا يقوم لهــدّه أحد ولو جمعت له الثقـلانِ (ابن القيم) |
#2
|
||||
|
||||
![]() مقدمة الحمد لله ولي المتقين، وخاذل أعداء الدين.. وأطيب الصلاة وأتم التسليم على نبينا وأسوتنا القائل: ".. إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم"([1]). وبعد فهذا كتابي ملة إبراهيم أقدمه إلى القراء الكرام بحلته الجديدة هذه، بعد أن انتشر وطبع وصور مراراً، وتداوله الشباب في أرجاء المعمورة، قبل أن أجهزه للطبع، وذلك أني كنت قد أهديت منه نسخة بخط يدي إلى بعض إخواننا الجزائريين في الباكستان، وكان آنذاك فصلاً من كتاب كنت أعده في (أساليب الطغاة في الكيد للدعوة والدعاة) حال تقلب الأيام والتنقل بين الديار دون إتمامه، فقام أولئك الإخوة بطبع ذلك الفصل طبعة بحسب إمكاناتهم المتواضعة، ولكنها كانت أول خروجه وسبب انتشاره. ثم لما فرج الله تعالى بمنه وكرمه بادرت إلى إعداده للطبع خصوصاً بعد أن عاينت طوال مدة اعتقالي وسجني مدى غيظ أعداء الله من هذا الكتاب، فقد كانوا كلما اعتقلوا أخاً يسألونه أول ما يسألونه عن هذا الكتاب، هل قرأه؟ وهل يعرف مؤلفه؟ وكان بعضهم يقول لمن يجيب على ذلك بالإيجاب: " يكفي هذا ليكون فكرك جهادياً وتقتني سلاحاً، ما اعتقلنا تنظيماً مسلحاً إلا ووجدنا عنده هذا الكتاب". فالحمد لله الذي جعله شوكة في حلوقهم وغصة في صدورهم وقرحة في كبودهم وأسأل الله أن يظل لنا سعداً، ومرعاه للطاغوت سعداناً([2]). هذا ولقد كنت منذ طبع الكتاب طبعته تلك إلى حين كتابة هذه السطور أنتظر أن يصلني نصح أو تنبيه، وأتحرى أن أقع على ملحوظات أو وقفات؛ من كثير ممن أطالوا ألسنتهم فينا وفي دعوتنا، وفي هذا الكتاب، ورمونا وبهتونا بما لم يصدر عنا في يوم من الأيام.. حتى خطب أحدهم خطبة جمعة في أحد مساجد الكويت فزعم أني أقول بأني وحدي على ملة إبراهيم في هذا الزمان، وزعم أننا نكفر الناس جميعهم هكذا، ووصفنا بالخوارج المعاصرين، وغير ذلك من الافتراءات التي ما عادت تنطلي إلا على مقلدتهم العميان.. أما طلبة الحق الذين استنارت بصائرهم بنور الوحي، فإنهم يعرفون أن حالنا مع هؤلاء كما قال الشاعر: وإذا أرادَ اللهُ نشْرَ فضيلةٍ طُوِيَتْ أتاح لها لسانَ حسودِ فرغم طول المدة التي نشر فيها الكتاب ورغم كثرة الخصوم والحساد، ووفرة الطاعنين والشانئين لم يصلني طول هذه المدة رد أو نقد أو ملحوظات جادة حول الكتاب، وكل الذي وصلني شقشقات عامة من بعض المخالفين نقلوها مشافهة عن شيوخهم هذا مجملها: - قالوا إن الله وصف إبراهيم بأنه أواه حليم لأنه كان يجادل عن قوم لوط الكفار، وهذا مناف لعداوتهم التي ذكرتم أنها من ثوابت هذه الملة. - وقالوا (ويا عجباً لما قالوا): إننا مأمورون باتباع طريقة محمد e وملته.. أما ملة إبراهيم فهي من شرع من قبلنا وشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.. - وقالوا إن آية الممتحنة المذكورة فيها ملة إبراهيم مدنية، فهي نزلت في مرحلة كان للمسلمين فيها دولة، وقرروا بذلك أن هذه الملة العظيمة إنما تظهر وتتبع فقط عند وجود الدولة.. - وقالوا إن حديث تكسير الأصنام في مكة حديث ضعيف، وأوضعوا بذلك يبغون رد أهم ما جاء في الكتاب بتضعيف ذلك الحديث. ولعل القارىء الفطن: ينتقد علينا تنزّلنا معهم للرد على مثل هذه الأقاويل والتي حقيقتها كما قال الشاعر: شبهٌ تهافت كالزجاج تخالُها حقّاً وكُلٌّ كاسرٌ مكسورُ ولكنني لا أرى مع ذلك مانعاً من التصدي لها مخافة أن تنطلي على البعض أو يتلقفها بعض الأغرار، خاصة وأنه لم يصلني غيرها، فأقول على وجه الاختصار.. * أولاً: أما قوله تعالى عن إبراهيم: )فلمّا ذهب عن إبراهيمَ الرَّوْعُ وجاءته البشرى يجادلُنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب ([هود: 74-75]. فليس فيه وجه دلالة يرقع به المجادلون باطلهم فقد روى أهل التفسير أن جدال إبراهيم عن قوم لوط، إنما كان لأجل لوط وليس لأجلهم فذكروا أنه لما سمع قول الملائكة: )إنا مهلكوا أهل هذه القرية ([العنكبوت: 31]. قال: أرأيتم إن كان منهم خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا قال: فأربعون؟ قالوا: لا قال: فعشرون؟ قالوا: لا ثم قال: فعشرة، فخمسة؟ قالوا: لا قال: فواحد؟ قالوا: لا )قال إن فيها لوطاً. قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله([العنكبوت: 32].. الآية، وهذا الذي ذكره المفسرون تدل عليه آيات الكتاب.. فإن من أولى أنواع التفسير تفسير القرآن بالقرآن، فآية سورة هود الأولى تفسرها آية العنكبوت المذكورة.. فهي مبينة مفسرة لها.. قال تعالى: )ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين * قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ([العنكبوت: 31-32]. ثم هب أن جدال إبراهيم كان عن قوم لوط أنفسهم، أوليس المعرفة بحقيقة دعوة الأنبياء؛ وأنهم كانوا أرحم الناس بأقوامهم، تستلزم حمل ذلك الجدال على الحرص على هدايتهم قبل إهلاكهم؟. أوليس الفقه السليم؛ يقتضي حمل مثل هذا الجدال المطلق، وفهمه على ضوء قول النبي e، لما بعث الله إليه مَلَك الجبال ليأمره بما شاء في قومه، حين ردوا دعوته، فقال e: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"، والحديث رواه الشيخان. أوليس الأدب مع الأنبياء وحسن الظن بهم يقتضي هذا الفهم، ويقتضي تنزيههم عن تلك الأفهام السقيمة، التي تضرب آيات الكتاب بعضها ببعض، وتشوّه دعوة الأنبياء وتزري بهم؛ إذ تجعلهم من المرقّعين للباطل، المجادلين عن الذين يختانون أنفسهم؟؟ وهم الذين ما بعثوا أصلاً إلاّ للبراءة من الشرك وأهله.. لكن هؤلاء لما لم يجدوا في الأدلة الصريحة ما يرقّع باطلهم صاروا إلى ما تهواه أنفسهم من النصوص المحتملة (ظنية الدلالة)، وأوّلوها بأفهامهم السقيمة، ليطعنوا بها في نحر النصوص المحكمة البينة القطعية، كقوله تعالى في سورة الممتحنة بكل وضوح: )قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ([الممتحنة: 4]... الآية وتأمل كيف صدّرها الله تعالى بأنها الأسوة الحسنة لنا.. ثم أتبعها بالتأكيد على ذلك، فقال: )لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة، لمن كان يرجوا الله... ([الممتحنة: 6] فانظر كيف أعرضوا عن هذا النص المحكم الواضح الصريح، وحاصوا إلى آية سورة هود المتقدمة، والتي يقول الله في آخرها: )يا إبراهيم أعرض عن هذا( فتدبر حال القوم كيف تلاعبت بهم الشياطين، واحمد إلهك أن هداك إلى الحق المبين. واجعل لقلبك مقلتين كلاهمــا من خشية الرحمن باكيتان لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن * ثانياً: أما قولهم، إن ملة إبراهيم من شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا، فهو من العجب العجاب، إذ أين يذهب هؤلاء بقوله تعالى الواضح الصريح: ) قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده...([الممتحنة: 4]، إلى قوله تعالى: )لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتولّ فإن الله هو الغني الحميد([الممتحنة: 6]. وأين يذهبون بقوله تعالى: )ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه([البقرة: 130]. وبقوله عز وجل: )ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ([النحل: 123]، وكم من حديث صحيح في السنة، يوصي به النبي e باتباع الحنيفية السمحة ملة أبينا إبراهيم، فالنصوص كثيرة وصريحة بأن طريقة النبي e وأصل دعوته، كانت البراءة من الكفار ومعبوداتهم الزائفة وشرائعهم الباطلة، وهي عين طريقة إبراهيم عليه السلام وملته.. وفي الحديث المتفق عليه: "الأنبياء أولاد علات" أي أن أصلهم واحد وإن اختلفت فروعهم، وأعظم ما دندنا حوله في هذا الكتاب، إنما هو أصل التوحيد ولوازمه من البراءة من الشرك والتنديد بأوليائه.. ومعلوم أن هذا الباب لا نسخ فيه ولا يقال فيه، إنه من شرع من قبلنا، لأن شريعة الأنبياء جميعهم في أصل التوحيد والبراءة من الشرك وأهله واحدة.. قال تعالى: )ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت([النحل: 36]، وقال سبحانه: )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ([الأنبياء: 25]، وقال عز وجل: ) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم (... [الشورى: 13]. * ثالثاً: أما قولهم إن آية الممتحنة مدنية نزلت لما كان للمسلمين دولة.. فنقول قد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا بذلك نعمته، فمن أراد اليوم أن يفرق بين ما أنزل الله، بحجة أن هذا مدني وذاك مكي، فليأت ببرهان من الشرع على ما يريد، وإلا كان من الكاذبين، قال تعالى: )قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (. وفتح هذا الباب دون ضابط من الشرع أو دليل يدل عليه هو في الحقيقة فتح باب عظيم من الشر على دين الله، وفيه تعطيل لكثير من أدلة الشريعة، ولو قال قائلهم: إن إظهار هذه الملة العظيمة وإعلانها منوط بالاستطاعة، لما تعرضنا له، لكنهم أرادوا إماتتها بحجة أنها مدنية، نزلت لما كان للمسلمين دولة.. مع أن إبراهيم والذين معه عندما قالوها وصدعوا بها، كانوا مستضعفين ولم تكن لهم دولة، ومع ذلك بيّن الله أن لنا فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.. ومعلوم أن النبي e سار على طريقهم، فكان أهم مهمات دعوته طوال حياته سواء المكية منها أو المدنية، الصدع بالتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد، وما يتعلق بذلك ويلزم عنه من عرى الإيمان الوثقى.. وسيرته صلوات الله وسلامه عليه شاهدة بذلك وقد ذكرنا لك أمثلة منها في هذا الكتاب.. ثم هب جدلاً أن ما قالوه في آية الممتحنة المدنية حقاً. فهل سورة البراءة من الشرك كذلك؟؟ )قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون(إلى قوله تعالى: )لكم دينكم ولي دين ([الكافرون: 1-6]. وهل قوله تعالى: )تبَّتْ يدا أبي لهب وتب ([المسد: 1].. إلى آخر الآيات كذلك؟؟ وقوله تعالى: )أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى * ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ( الآيات [النجم: 19-23]. ومثل ذلك قوله تعالى: )إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ([الأنبياء: 6]. ونحو ذلك من آيات الكتاب المكية وهي كثير.. وقد ذكرنا في هذا الكتاب قوله تعالى: واصفاً نبيه: )وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم (... [الأنبياء: 36]. فقوله: )يذكر آلهتكم (: أي برأ منها ومن عابديها ويكفر بها ويسفّهها.. فهل هذا كله لم يكن إلا في المدينة فقط..؟ كيف والآيات مكية؟؟ وأمثالها كثير.. * رابعاً: زعم بعضهم أن حديث تكسير النبي e للصنم في مكة ضعيف، وظنوا أنهم بذلك يهدمون أهم ما جاء في الكتاب من معالم هذه الملة العظيمة.. فنقول أولاً: الحديث ثابت بإسناد حسن وهو مرويّ في مسند الإمام أحمد (1/84). قال عبد الله حدثني أبي حدثنا أسباط بن محمد حدثنا نعيم بن حكيم المدائني عن أبي مريم عن علي رضي الله عنه قال: "انطلقت أنا والنبي e حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله e: "اجلس. وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفاً، فنزل وجلس لي نبي الله e وقال: اصعد على منكبي، قال: فصعدت على منكبيه قال فنهض بي قال: فإنه يخيل إليَّ أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله e: "اقذف به"، فقذفت به، فتكسّر كما تتكسّر القوارير، ثم نزلت، فانطلقت أنا ورسول الله e نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس". قلت: أسباط بن محمد: ثقة، إنما ضعف في الثوري، وهو هنا لم يروه عنه. ونعيم بن حكيم المدائني: وثقه يحيى بن معين والعجلي كما في تاريخ بغداد (13/303). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند أيضاً (1/151): حدثني نصر ابن علي، ثنا عبد الله بن داود، عن نعيم بن حكيم، عن علي رضي الله عنه قال: "كان على الكعبة أصنام فذهبت لأحمل النبي e إليها فلم أستطع فحملني فجعلت أقطعها ولو شئت لنلت السماء". وأورد الهيثمي الحديث في مجمع الزوائد (6/23) (باب تكسيره e الأصنام) وقال عقبة: (رواه أحمد وابنه أبو يعلى والبزار، زاد بعد قوله حتى استترنا بالبيوت: فلم يوضع عليها بعد؛ يعني شيئاً من تلك الأصنام) قال: (ورجال الجميع ثقات). |
#3
|
||||
|
||||
![]() وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (13/302، 303): حدثنا أبو نعيم الحافظ إملاء، حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا عبد الله بن داود الخريبي، عن نعيم بن حكيم المدائني، قال حدثني أبو مريم عن علي ابن أبي طالب، قال: "انطلق بي رسول الله e إلى الأصنام فقال: "اجلس" فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله e على منكبي ثم قال: "انهض بي إلى الصنم"، فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال: اجلس، فجلست وأنزلته عني وجلس لي رسول الله e ثم قال لي: "يا عليّ اصعد على منكبي" فصعدت على منكبيه، ثم نهض بي رسول الله e، فلما نهض خيل إلي أني لو شئت نلت السماء وصعدت على الكعبة، وتنحى رسول الله e، فألقيت صنمهم الأكبر - صنم قريش - وكان من نحاس موتداً بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال لي رسول الله e: "عالجه" فعالجته فما زلت أعالجه ورسول الله e يقول: "إيه، إيه، إيه"، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه، فقال: "دقه" فدققته وكسرته، ونزلت".
قلت: أبو مريم: هو قيس الثقفي المدائني، يروي عن علي وعنه نعيم بن حكيم، ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه النسائي، ولكنه كما قال الحافظ ابن حجر: "وهم في قوله أن أبا مريم الحنفي يسمى قيساً، والصواب أن الذي يسمى قيساً هو أبو مريم الثقفي.. إلى أن قال: على أن النسخة التي وقفت عليها من كتاب التمييز للنسائي إنما فيه أبو مريم قيس الثقفي نعم ذكره في التمييز.. وأما أبو مريم الحنفي فلم يذكره النسائي لأنه لم يذكر إلا من عرفه" اهـ. والذين تكلموا في الحديث خلطوا بين الرجلين.. فتنبه لهذا.. وقد وثقه أيضاً الحافظ الذهبي في الكاشف (3/376) وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، والبخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.. فهو غير الحنفي وغير الكوفي أيضاً راجع ميزان الاعتدال (4/573). والحديث صححه العلامة أحمد شاكر فقال في هامش تحقيقه للمسند (2/58): "إسناده صحيح، نعيم بن حكيم وثقه ابن معين وغيره وترجم له البخاري في التاريخ الكبير 4/2/99 فلم يذكر فيه جرحاً، أبو مريم: هو الثقفي المدائني، وهو ثقة وترجم له البخاري أيضاً (4/1/151) فلم يذكر فيه جرحاً... قال: ومن الواضح أن هذه القصة كانت قبل الهجرة" اهـ. أقول: ومع هذا فقد قلنا في هذا الكتاب بعد أن سقنا الحديث: (ومع ذلك نقول لو سلمنا جدلاً أنه لم يصح عن النبي e تحطيم الأصنام في مكة زمن الاستضعاف، فإنه صلوات الله وسلامه عليه كان متبعاً لملة إبراهيم أشد الاتباع آخذاً بها بقوة، فما داهن الكفار لحظة واحدة وما سكت عن باطلهم أو عن آلهتهم، بل كان همه وشغله الشاغل في تلك الثلاث عشرة سنة، بل وغيرها هو: )اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ([النحل: 36]، فلا يعني كونه جلس بينها تلك الثلاث عشرة سنة، أنه مدحها أو أثنى عليها أو أقسم على احترامها...) إلى قولنا: (بل كان يعلن براءته من المشركين وأعمالهم، ويبدي كفره بآلهتهم رغم استضعافه واستضعاف أصحابه، وقد فصلنا لك هذا فيما مضى ولو تأملت القرآن المكي لوضح لك من ذلك الكثير.. إلخ). فالمسألة إذن ليست كما يظنها هؤلاء القوم، موقوفة على حديث فرد يقضى عليها بتضعيفه، بل لها شواهد عظيمة، وبراهين صريحة، وأصول ثابتة، وقواعد راسية من أدلة الشرع، لا يقوى على ردها إلا مكابر جاحد. فالحق ركنٌ لا يقومُ لهدّه أحدٌ ولو جمعت له الثقلان وقبل أن أختم هذه المقدمة أحب أن أضيف إليها، بأنني كنت قد ناظرت في السجن بعض أفراد حزب سياسي إرجائي معروف، حول موضوع (الإيمان) ومتعلقاته.. وكان فيهم رأس من رؤوسهم، فكان فيما احتجّ به ترقيعاً لعساكر الشرك والقانون، قصة حاطب بن أبي بلتعة، وقصة أبي لبابة الأنصاري، فزعم أن حاطب تجسس للكفار ووالاهم، وأن أبا لبابة خان الله والرسول، ومع ذلك لم يكفّرهما رسول الله e([1]) ومن ثم قاس حرابه عساكر الشرك والقانون للشريعة وعداوتهم لأهلها، على فعل هذين الصحابيين الجليلين. وخرج من ذلك بأن أنصار الطواغيت وعساكرهم، الذين يفنون أعمارهم في حراسة الشرك والقانون، وحفظ عروش الطواغيت وحرب الشريعة وأهلها، لا يجوز تكفيرهم، لأن جرائمهم لا تعدوا فعل حاطب أو فعل أبي لبابة..! بل زاد على ذلك أن استشاط غضباً لما نقلنا عنه أنه لا يكفّر عساكر الشرك والقانون، بل يقول عنهم ظلمة وفجار، فثار لذلك واتهمنا بأننا غيرنا سياق كلامه، فهو كما قال لم يصفهم بأنهم ظلمة وفجار، هكذا بإطلاق، وإنما قال في سياق الدفع عن تكفيرهم: "قد يكون بعضهم ظلمة أو فجارا ً" أي بحسب حال آحادهم، لا بسبب طبيعة عملهم، ونصرتهم للطواغيت وحربهم للشريعة وأهلها.. فقلت لهم: عجباً لكم تتحرجون من وصف جند الطواغيت وعساكر الشرك والتنديد بالظلم والفجور، ولا تتحرجون من القول عن حاطب: والَى الكفار وتجسس لهم، وعن أبي لبابة: خان الله والرسول!! وكان هذا فراق بيننا وبينهم.. ولما حاول بعض الإسلاميين في السجن أن يجمعوا ويصلحوا بيننا، جرى بيننا وبينهم بعض الكلام، فوجدناهم على ما كانوا عليه من المقال، فقلت لهم: (أنا لست على صحبتكم بحريص، لأنكم لا تتحرجون من الكلام في بعض أصحاب النبي e ووصفهم بالخيانة، بينما تتحرجون من وصف أعداء الله وجند الطواغيت بالظلم والفجور.. لذا فلسنا والله حريصون على صحبتكم وإنما نداريكم ونتجنب الانشغال بكم، لأننا في سجن وبين أعداء الله تعالى([2]) وهنا غضب ناطقهم وأخرج ما كان يكنه في صدره وقال: (أنت أصلاً رجل تدعو إلى ملة إبراهيم، والذي يدعو إلى ملة إبراهيم رجل مشبوه سياسياً، يدعو إلى الذي يصالح اليهود والنصارى، الذين هم من أبناء إبراهيم) أهـ - وما سقت القصة هنا إلا لأجل هذا، وهو محل الشاهد منها.. فلا أدري ما أقول في هذا؟؟ وبأي شيء أردّ على أناس يرومون إقامة الخلافة، وهم لا يميزون بين مقولة (أبناء إبراهيم) التي يروج لها الطواغيت اليوم ليأخذوا اليهود ويصالحوهم، وهي مقولة يراد بها هدم عرى الإيمان، وتمييع أصل الدين، ودك قواعد الولاء والبراء.. وقد رد الله تعالى عليهم فقال: )ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ([آل عمران: 67]. فلا يميزون بين هذه المقولة وبين (ملة إبراهيم) التي فرقت بين الآباء والأبناء، إذ هي الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والتي قال الله تعالى عنها في القرآن: )ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه (.. [البقرة: 130]. وقد فصلناها لك في هذا الكتاب.. فتأملها ولا تلتفت إلى شغب المخالفين.. وهكذا أخا التوحيد.. وللأسف الشديد فإنني طوال المدة السابقة من طباعة الكتاب لم يصلني من المخالفين المجادلين الطاعنين فينا وفي دعوتنا إلا أمثال هذه المهاترات التي ما كان ينبغي لنا أن نتنزل معهم في الرد عليها.. لولا معرفتنا لأحوال أهل زماننا، واندراس أعلام ومعالم هذه الملة العظيمة بينهم، وأن فيهم سماعون لأهل الزيغ الذين وصفهم الله تعالى في مطلع سورة آل عمران.. فأسأله تعالى أن ينصر دينه ويكبت أعدائه.. وأن يستعملنا ما حيينا في نصرة هذه الملة، ويجعلنا من جندها وعساكرها ويتقبل منا ويختم لنا بالشهادة في سبيله.. إنه جواد كريم. وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أبو محمد ([1]) وقد كتبت رداً على مقالتهم هذه، في رسالة من رسائل السجن سميتها: "الشهاب الثاقب في الرد على من افترى على الصحابي حاطب". ([2]) مع العلم أنهم كانوا في السجن سلْماً على أعداء الله حرباً على دعوة التوحيد بل ويصلون خلف عساكر الشرك والقانون دونما إكراه، فنحن نقيم الجمعة والجماعة وحدنا ويصلي معنا سجناء آخرين، أما هؤلاء فيصلون خلف أهل الشرك والتنديد، ويبادرونهم بالسلام والإكرام وبعضهم يقبلهم ويهنئهم بالمناسبات والأعياد، بل رأينا ممن ينتسبون للدعوة إلى الإسلام من يهنئهم على رتبهم الطاغوتية الكفرية. |
#4
|
||||
|
||||
![]() السلام عليكم اخوي ابو الزبير الشامي ماشاء الله اخوي مواضيعك متميزه ولا يفهمها الا ذوي العقول الواسعه وانا حفضتها على جهازي وجزاك الله خير اخوي واتمنا اخوي ان تكتب مثل هذه المواضيع المتميزه والى الامام اخوي ابو الزبير الشامي وانا اقول انت نعم الرجل فكل مافعله بك وحي القلم وتقول الله يهديه فنعمى الخلق خلقك -
__________________
![]() ![]() ووفقه يا ارحم الراحمين مايبقيني في الدنيا وقد تركها الاحبه
![]() |
#5
|
||||
|
||||
![]() بسم الله وهو حسبي ونعم الوكيل فصل في بيان ملة إبراهيم يقول تعالى عن ملة إبراهيم: )ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ([سورة البقرة: 130]. ويقول أيضاً مخاطباً نبيه محمد e: )ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ([سورة النحل: 123]. بهذه النصاعة، وبهذا الوضوح بين الله تعالى لنا المنهاج والطريق... فالطريق الصحيح والمنهاج القويم.. هو ملة إبراهيم... لا غموض في ذلك ولا التباس، ومن يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة أو أن سلوكها يجر فتناً وويلات على المسلمين، أو غير ذلك من المزاعم الجوفاء.. التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء الإيمان - فهو سفيه، مغرور يظن نفسه أعلم بأسلوب الدعوة من إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي زكاه الله فقال: )ولقد آتينا إبراهيم رشده ([الأنبياء: 51]، وقال: )ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ([البقرة: 130]، وزكى دعوته لنا وأمر خاتم الأنبياء والمرسلين باتباعها، وجعل السفاهة وصفاً لكل من رغب عن طريقه ومنهجه. وملة إبراهيم هي: * إخلاص العبادة لله وحده، بكل ما تحويه كلمة العبادة من معان([1]). * والبراءة من الشرك وأهله. يقول الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: "أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه. الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله"اهـ. وهذا هو التوحيد الذي دعا إليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. وهو معنى لا إله إلا الله. إخلاص وتوحيد وإفراد لله عز وجل في العبادة والولاء لدينه ولأوليائه، وكفر وبراءة من كل معبود سواه ومعاداة أعدائه.. فهو توحيد اعتقادي وعملي في آن واحد.. فسورة الإخلاص دليل على الاعتقادي منه وسورة الكافرون دليل على العملي، وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يكثر من القراءة بهاتين السورتين ويداوم عليهما في سنة الفجر وغيرها.. لأهميتهما البالغة. - تنبيه لا بد منه: وقد يظن ظان أن ملة إبراهيم هذه تتحقق في زماننا هذا بدراسة التوحيد، ومعرفة أقسامه وأنواعه الثلاثة معرفة نظرية وحسب.. مع السكوت عن أهل الباطل وعدم إعلان وإظهار البراءة من باطلهم. فلمثل هؤلاء نقول: لو أن ملة إبراهيم كانت هكذا لما ألقاه قومه من أجلها في النار، بل ربما لو أنه داهنهم وسكت عن بعض باطلهم ولم يسفه آلهتهم ولا أعلن العداوة لهم واكتفى بتوحيد نظري يتدارسه مع أتباعه تدارساً لا يخرج إلى الواقع العملي متمثلاً بالولاء والبراء والحب والبغض والمعاداة والهجران في الله. ربما لو أنه فعل ذلك لفتحوا له جميع الأبواب، بل ربما أسسوا له مدارس ومعاهد كما في زماننا يدرس فيها هذا التوحيد النظري.. ولربما وضعوا عليها لافتات ضخمة وسموها: مدرسة أو معهد التوحيد، وكلية الدعوة وأصول الدين.. وما إلى ذلك.. فهذا كله لا يضرهم، ولا يؤثر فيهم ما دام لا يخرج إلى الواقع والتطبيق.. ولو خرجت لهم هذه الجامعات والمدارس والكليات آلاف الأطروحات ورسائل الماجستير والدكتوراه في الإخلاص والتوحيد والدعوة.. لما أنكروا ذلك عليها، بل لباركوها ومنحوا أصحابها جوائز وشهادات وألقاباً ضخمة، ما دامت لا تتعرض لباطلهم وحالهم وواقعهم وما دامت على ذلك الحال الممسوخ. * يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في الدرر السنية: "لا يُتصور أن -أحداً- يعرف التوحيد ويعمل به ولا يعادي المشركين ومن لم يعادهم لا يقال له عرف التوحيد وعمل به" أهـ. جزء الجهاد ص167. وكذلك رسول الله e لو أنه سكت في بادىء الأمر عن تسفيه أحلام قريش والتعرض لآلهتهم وعيبها ولو أنه "حاشاه" كتم الآيات التي فيها تسفيه لمعبوداتهم كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.. والآيات التي تتعرض لأبي لهب والوليد وغيرهما.. وكذا آيات البراءة منهم ومن دينهم ومعبوداتهم -وما أكثرها كسورة (الكافرون) وغيرها.. لو فعل ذلك.. وحاشاه من ذلك.. لجالسوه ولأكرموه وقرّبوه.. ولما وضعوا على رأسه سلى الجزور وهو ساجد، ولما حصل له ما حصل من أذاهم مما هو مبسوط ومذكور في الثابت من السيرة.. ولما احتاج إلى هجرة وتعب ونصب وعناء.. ولجلس هو وأصحابه في ديارهم وأوطانهم آمنين.. فقضية موالاة دين الله وأهله ومعاداة الباطل وأهله فُرضت على المسلمين في فجر دعوتهم قبل فرض الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومن أجلها لا لغيرها حصل العذاب والأذى والابتلاء. * يقول الشيخ حمد بن عتيق في رسالة له في الدرر السنية: "فليتأمل العاقل وليبحث الناصح لنفسه عن السبب الحامل لقريش على إخراج رسول الله e وأصحابه من مكة وهي أشرف البقاع، فإن المعلوم أنهم ما أخرجوهم إلا بعدما صرحوا لهم بعيب دينهم وضلال آبائهم، فأرادوا منه e الكف عن ذلك وتوعدوه وأصحابه بالإخراج، وشكا إليه أصحابه شدة أذى المشركين لهم، فأمرهم بالصبر والتأسي بمن كان قبلهم ممن أوذي، ولم يقل لهم اتركوا عيب دين المشركين وتسفيه أحلامهم، فاختار الخروج بأصحابه ومفارقة الأوطان مع أنها أشرف بقعة على وجه الأرض )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ( أهـ. من جزء الجهاد ص199. وهكذا فإن الطواغيت في كل زمان ومكان لا يظهرون الرضا عن الإسلام أو يهادنونه ويقيمون له المؤتمرات وينشرونه في الكتب والمجلات ويؤسسون له المعاهد والجامعات إلا إذا كان ديناً أعور أعرج مقصوص الجناحين بعيداً عن واقعهم وعن موالاة المؤمنين والبراءة من أعداء الدين وإظهار العداوة لهم ولمعبوداتهم ومناهجهم الباطلة. وإننا لنشاهد هذا واضحاً في الدولة المسماة "السعودية" فإنها تغر الناس بتشجيعها للتوحيد وكتب التوحيد، وبسماحها بل وحثها للعلماء على محاربة القبور والصوفية وشرك التمائم والتوله والأشجار والأحجار.. وغير ذلك مما لا تخشاه ولا يضرها أو يؤثر في سياساتها الخارجية والداخلية.. وما دام هذا التوحيد المجزأ الناقص بعيداً عن السلاطين وعروشهم الكافرة فإنه يتلقى منهم الدعم والمساندة والتشجيع... وإلا فأين كتابات جهيمان وأمثاله رحمه الله تعالى التي تمتلىء وتزخر بالتوحيد؟ لماذا لم تدعمها الحكومة وتشجعها؟؟ رغم أنه لم يكن يكفرها في تلك الكتابات.. أم أنه توحيد يخالف أمزجة (الطغاة) وأهواءهم ويتكلم بالسياسة ويتعرض للولاء والبراء والبيعة والإمارة. وراجع كلامه في مختصر رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ص108 إلى 110 من الرسائل السبع، فقد وجدته متبصراً في هذه القضية رحمه الله تعالى. يقول الشيخ العلامة حمد بن عتيق رحمه الله في كتابه سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك: "إن كثيراً من الناس قد يظن أنه إذا قدر على أن يتلفظ بالشهادتين وأن يصلي الصلوات الخمس، ولا يرد عن المسجد فقد أظهر دينه وإن كان مع ذلك بين المشركين أو في أماكن المرتدين، وقد غلطوا في ذلك أقبح الغلط. واعلم أن الكفر له أنواع وأقسام بتعدد المكفرات وكل طائفة من طوائف الكفر قد اشتهر عندها نوع منه، ولا يكون المسلم مظهراً لدينه حتى يخالف كل طائفة بما اشتهر عندها ويصرح لها بعداوته، والبراءة منه.." أهـ. ويقول أيضاً في الدرر السنية: "وإظهار الدين: تكفيرهم وعيب دينهم والطعن عليهم والبراءة منهم والتحفظ من موادتهم والركون إليهم واعتزالهم، وليس فعل الصلوات فقط إظهاراً للدين" أهـ. من جزء الجهاد ص196. ويقول الشيخ سليمان بن سحمان في ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان ص76، 77:- إظهار هذا الدين تصريح لهـم بالكفر إذْْ هم معشر كفــار وعداوة تبدو وبغض ظاهــر يا للعقول أما لكم أفكـــار هـذا وليس القلب كاف بغضه والحـب منه وما هو المعيار لكنما المعيار أن تأتي بـــه جهـراً وتصريحاً لهم وجهار ويقول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في جزء الجهاد من الدرر السنية ص141: "ودعوى من أعمى الله بصيرته وزعم أن إظهار الدين هو عدم منعهم من يتعبد أو يدرس دعوى باطلة، فزعمه مردود عقلاً وشرعاً، وليََهْْنََ من كان في بلاد النصارى والمجوس والهند ذلك الحكم الباطل، لأن الصلاة والآذان والتدريس موجود في بلدانهم.." أهـ. ورحم الله من قال: يظنون أن الدين لبيك في الفــلا وفعــل صلاة والسكوت عن الملا وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا وما الدين إلا الحب والبغض والولا كذاك البرا من كل غاوٍ وآثمِ * ويقول أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد ولا في ضجيجهم بلبيك ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة، فاللجا اللجا إلى حصن الدين والاعتصام بحبل الله المتين، والانحياز إلى أوليائه المؤمنين، والحذر الحذر من أعدائه المخالفين، فأفضل القرب إلى الله تعالى، مقت من حاد الله ورسوله وجهاده باليد واللسان والجنان بقدر الإمكان" أهـ من الدرر السنية - جزء الجهاد ص238. تنبيه ثان: وفي مقابل هذه البراءة من الشرك وأهله.. هناك أيضاً: (موالاة دين الله وأوليائه ونصرتهم ومؤازرتهم والنصح لهم وإبداء ذلك وإظهاره) حتى تتآلف القلوب وتتراص الصفوف، ومهما عنّفنا إخواننا الموحدين المنحرفين عن جادة الصواب ومهما شدّدنا في النصح لهم ونقد طرائقهم المخالفة لطريق الأنبياء.. فالمسلم للمسلم كما يقول شيخ الإسلام كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وربما احتاج إزالة الوسخ أحياناً إلى شيء من الشدة التي تُحمد عاقبتها، لأن المقصود من ورائها الإبقاء على سلامة اليدين ونظافتهما.. ولا نستجيز بحال من الأحوال التبرؤ منهم بالكلية، لأن للمسلم على أخيه حق الموالاة التي لا تنقطع إلا بالردة والخروج من دائرة الإسلام.. وقد عظّم الله سبحانه من شأن هذا الحق فقال: )إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ([الأنفال: 73]. والمسلم المنحرف إنما يتبرأ من باطله أو بدعته وانحرافه مع بقاء أصل الموالاة.. ألم تر أن أحكام قتال البغاة وأمثالهم.. تختلف مثلاً عن أحكام قتال المرتدين... ولا نقر أعين الطغاة ونفرحهم بعكس ذلك أبداً، كما يفعل كثير من المنتسبين إلى الإسلام ممن اختل لديهم ميزان الولاء والبراء في هذا الزمان، فبالغوا في البراءة والشماتة من مخالفيهم الموحدين والتحذير منهم بل ومن كثير من الحق الذي عندهم وربما على صفحات الجرائد النتنة المعادية للإسلام والمسلمين ناهيك عن إغراء السفهاء والحكام بهم وبدعواتهم.. حتى ليُشارك كثير من هؤلاء الدعاة أولئك الحكام بالقضاء عليهم وعلى دعواتهم بإلصاق التهم الباطلة بهم أو ترقيع الفتاوى للطواغيت لقمعهم، كأن يقولوا عنهم: بغاة أو خوارج أو أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، إلى غير ذلك.. وأعرف كثيراً ممن يفرح بوقوع من يخالفهم من المسلمين بأيدي الطغاة، ويقولون: (يستاهل) أو (زين يسوون فيه) إلى غير ذلك من الكلمات التي ربما تهوي بأحدهم في جهنم سبعين خريفاً من حيث لا يدري وهو لا يُلقي لها بالاً. واعلم أن من أخص خصائص ملة إبراهيم ومن أهم مهماتها التي نرى غالبية دعاة زماننا مقصرين فيها تقصيراً عظيماً بل أكثرهم هجرها وأماتها:- - إظهار البراءة من المشركين ومعبوداتهم الباطلة. - وإعلان الكفر بهم وبآلهتهم ومناهجهم وقوانينهم وشرائعهم الشركية. - وإبداء العداوة والبغضاء لهم ولأوضاعهم ولأحوالهم الكفرية حتى يرجعوا إلى الله، ويتركوا ذلك كله ويبرأوا منه ويكفروا به. قال تعالى: )قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ([الممتحنة: 4]. |
#6
|
||||
|
||||
![]() * يقول العلامة ابن القيم: لما نهى الله تعالى المؤمنين عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال" أهـ. من بدائع الفوائد (3/69).
* ويقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: "فقوله: )وبدا ( أي ظهر وبان، وتأمل تقديم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية، فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، ولا بد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بيّنتين. واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب، فإنها لا تنفعه حتى تظهر آثارها وتتبين علاماتها، ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين" أهـ. "من سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك". * ويقول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن: "ولا يكفي بغضهم بالقلب، بل لا بد من إظهار العداوة والبغضاء - وذكر آية الممتحنة السابقة ثم قال- فانظر إلى هذا البيان الذي ليس بعده بيان، حيث قال: )بدا بيننا ( أي ظهر، هذا هو إظهار الدين فلا بد من التصريح بالعداوة وتكفيرهم جهاراً والمفارقة بالبدن، ومعنى العداوة أن تكون في عََدْْوَة والضدّ في عََْدْوَة أخرى كما أن أصل البراءة المقاطعة بالقلب واللسان والبدن، وقلب المؤمن لا يخلو من عداوة الكافر، وإنما النزاع في إظهار العداوة..." أهـ. من الدرر ص141 جزء الجهاد. * ويقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (صاحب كتاب فتح المجيد) حول آية الممتحنة السابقة: "فمن تدبر هذه الآيات عرف التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وعرف حال المخالفين لما عليه الرسل وأتباعهم من الجهلة المغرورين الأخسرين قال شيخنا الإمام رحمه الله -يعني جده محمد بن عبد الوهاب- في سياق دعوة النبي e قريشاً إلى التوحيد وما جرى منهم عند ذكر آلهتهم بأنهم لا ينفعون ولا يضرون أنهم جعلوا ذلك شتماً، " فإذا عرفت هذا عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين([1]) والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء كما قال تعالى: )لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله... ([المجادلة: 22] الآية، فإذا فهمت هذا فهماً جيداً عرفت أن كثيراً ممن يدعي الدين لا يعرفه، وإلا فما الذي حمل المسلمين على الصبر على ذلك العذاب والأسر والهجرة إلى الحبشة مع أنه أرحم الناس ولو وجد لهم رخصة أرخص لهم، كيف وقد أنزل الله عليه: )ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ( [العنكبوت: 10] فإذا كانت هذه الآية فيمن وافق بلسانه فكيف بغير ذلك"؛ يعني من وافقهم بالقول والفعل بلا أذى فظاهرهم وأعانهم وذب عنهم وعن من وافقهم وأنكر على من خالفهم كما هو الواقع" -الدرر- جزء الجهاد ص93 وأنا أقول لهم: لله درك كأنك تتكلم في زماننا... * ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف في الدرر السنية: اعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى أنه لا يستقيم للعبد إسلام ولا دين إلا بمعاداة أعداء الله ورسوله([2])، وموالاة أولياء الله ورسوله قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ([التوبة: 23] أهـ. من جزء الجهاد ص208. وهذا هو دين جميع المرسلين.. وهذه هي دعوتهم وطريقتهم كما تدل عليه عموم آيات القرآن وأخبار النبي e.. وكذلك قوله تعالى في آية الممتحنة هذه )والذين معه ( أي المرسلين الذين على دينه وملته.. قاله غير واحد من المفسرين. * ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "وهذا هو إظهار الدين لا كما يظن الجهلة من أنه إذا تركه الكفار وخلوا بينه وبين أن يصلي ويقرأ القرآن ويشتغل بما شاء من النوافل أنه يصير مظهراً لدينه هذا غلط فاحش فإن من يصرح بالعداوة للمشركين والبراءة منهم لا يتركونه بين أظهرهم بل إما قتلوه وإما أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً كما ذكره الله عن الكفار قال تعالى: )وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ([إبراهيم: 13] الآية. وقال إخباراً عن قوم شعيب: )لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ([الأعراف: 88] الآية. وذكر عن أهل الكهف أنهم قالوا: )إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا ([الكهف: 20] وهل اشتدت العداوة بين الرسل وقومهم إلا بعد التصريح بمسبة دينهم وتسفيه أحلامهم وعيب آلهتهم" أهـ. الدرر - جزء الجهاد ص207. * ويقول الشيخ سليمان بن سحمان عند آية الممتحنة أيضاً: "فهذه هي ملة إبراهيم التي قال الله فيها: )ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ([البقرة: 130]، فعلى المسلم أن يعادي أعداء الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وأن لا يواليهم ولا يعاشرهم ولا يخالطهم..." أهـ ص221، جزء الجهاد - الدرر السنية. وأخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام في موضع آخر: )قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ([الشعراء: 75-76]. وفي موضع ثالث يقول سبحانه: )وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ([الزخرف: 27]. * يقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وقد افترض الله تعالى البراءة من الشرك والمشركين والكفر بهم وعداوتهم وبغضهم وجهادهم: )فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم ([البقرة: 59]، فوالوهم وأعانوهم وظاهروهم، واستنصروا بهم على المؤمنين وأبغضوهم وسبوهم من أجل ذلك، وكل هذه الأمور تناقض الإسلام كما دل عليه الكتاب والسنة في مواضع". - وهاهنا شبهة يطرحها كثير من المتسرعين، وهي قولهم إن ملة إبراهيم هذه إنما هي مرحلة أخيرة من مراحل الدعوة، يسبقها البلاغ بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن، ولا يلجأ الداعية إلى ملة إبراهيم هذه من البراءة من أعداء الله ومعبوداتهم والكفر بها وإظهار العداوة والبغضاء لهم إلا بعد استنفاذ جميع أساليب اللين والحكمة.. فنقول وبالله التوفيق: إن هذا الإشكال إنما حصل بسبب عدم وضوح ملة إبراهيم لدى هؤلاء الناس، وبسبب الخلط بين طريقة الدعوة للكفار ابتداء وطريقتها مع المعاندين منهم.. وأيضاً الفرق بين ذلك كله وبين موقف المسلم من معبودات ومناهج وشرائع الكفار الباطلة نفسها.. فملة إبراهيم من حيث أنها إخلاص للعبادة لله وحده وكفر بكل معبود سواه لا يصح أن تؤخر أو تؤجل.. بل ينبغي أن لا يبدأ إلا بها، لأن ذلك هو تماماً ما تحويه كلمة لا إله إلا الله من النفي والإثبات وهو أصل الدين وقطب الرحى في دعوة الأنبياء والمرسلين، ولأجل أن يزول عنك، كل إشكال فهاهنا قضيتان: ([1]) انظر الهامش التالي. ([2]) إن أريد أصل العداوة فالكلام على إطلاقه، وإن أريد عموم العداوة؛ إظهارها وتفاصيلها والصدع بها، فالكلام في استقامة الإسلام لا في زوال أصله، وللشيخ عبد اللطيف في كتابه "مصباح الظلام" تفصيل حول هذا الموضوع، فليراجعه من شاء، وفيه قوله: "فالذي يفهم تكفير من لم يصرح بالعداوة من كلام الشيخ فهمه باطل ورأيه ضال.." أهـ. وسيأتي تفصيل كلامه لاحقا في هذه الأوراق، ونحن إنما أوردنا مقولاتهم في هذا الفصل لبيان أهمية هذا الأصل الذي طمست معالمه عند أكثر دعاة هذا الزمان. ثم ألحقنا هذه التوضيحات -رغم وضوح الكلام- لنسد الطريق على من يحاولون الصيد في الماء العكر؛ فيبحثون عن عمومات وأشياء ترقّع لهم رمَينا بعقيدة الخوارج. |
#7
|
||||
|
||||
![]() * الأولى: وهي البراءة من الطواغيت والآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل والكفر بها، فهذه لا تؤخر ولا تؤجل.. بل ينبغي أن تظهر وتعلن منذ أول الطريق.
* الثانية: البراءة من الأقوام المشركين هم أنفسهم إن أصروا على باطلهم. وإليك التفصيل والبيان:- القضية الأولى: وهي الكفر بالطواغيت التي تعبد من دون الله عز وجل، سواء اكانت هذه الطواغيت أصناماً من حجر، أو شمساً أو قمراً، أو قبراً أو شجراً، أو تشريعات وقوانين من وضع البشر.. فملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين تستلزم إظهار الكفر بهذه المعبودات كلها وإبداء العداوة والبغضاء لها، وتسفيه قدرها والحط من قيمتها وشأنها وإظهار زيفها ونقائصها وعيوبها منذ أول الطريق. وهكذا كان حال الأنبياء حين كانوا يبدأون دعوتهم لأقوامهم بقولهم: )اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ([النحل: 36]، ومن هذا قول الله تعالى عن الحنيف إبراهيم عليه السلام: )قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ([الشعراء: 75]. وقوله في الأنعام: )قال يا قوم إني بريء مما تشركون ([الأنعام: 78]، وقوله: )إذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين (.. [الزخرف: 27]. وكذا قوله سبحانه عن قوم إبراهيم: )قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ([الأنبياء: 60]. قال المفسرون: )يذكرهم ( أي يعيبهم ويستهزىء بهم ويتنقصهم. والكتاب والسنة يمتلئان بالأدلة على ذلك.. ويكفينا من ذلك هدي النبي e بمكة، وكيف كان يسفه آلهة قريش ويظهر البراءة منها والكفر بها حتى كانوا يلقبونه بالصابئ. وإن شئت أن تتأكد من ذلك وتتيقنه فارجع وتدبر القرآن المكي، الذي ما كانت تتنزل على النبي e منه بضع آيات حتى تضرب بها أكباد المطي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وتتناقلها الألسنة في الأسواق والمجالس والنوادي.. وكانت هذه الآيات تخاطب العرب بلغتهم العربية المفهومة.. بكل وضوح وجلاء تسفه آلهتهم وعلى رأسها اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أعظم الآلهة عند القوم في ذلك الزمان، وتعلن البراءة منها وعدم الالتقاء معها أو الرضى بها وما كان النبي e ليكتم شيئاً من ذلك.. إن هو إلا نذير. فالذين يصدّرون أنفسهم للدعوة في هذا الزمان بحاجة إلى تدبر هذا الأمر جيداً ومحاسبة أنفسهم عليه كثيراً، لأن دعوة تسعى لنصرة دين الله ثم تلقي بهذا الأصل الأصيل وراءها ظهرياً لا يمكن أن تكون على منهج الأنبياء والمرسلين.. وها نحن نعايش في هذا الزمان انتشار شرك التحاكم إلى الدساتير والقوانين الوضعية بين ظهرانينا، فيلزم هذه الدعوات ولا بد، التأسي بنبيها في اتباع ملة إبراهيم بتسفيه قدر هذه الدساتير وتلك القوانين وذكر نقائصها للناس وإبداء الكفر بها وإظهار وإعلان العداوة لها ودعوة الناس إلى ذلك.. وبيان تلبيس الحكومات وضحكها على الناس.. وإلا فمتى يظهر الحق، وكيف يعرف الناس دينهم حق المعرفة، ويميزون الحق من الباطل والعدو من الولي.. ولعل الغالبية يتعذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة.. وأي فتنة أعظم من كتمان التوحيد والتلبيس على الناس في دينهم، وأي مصلحة أعظم من إقامة ملة إبراهيم وإظهار الموالاة لدين الله والمعاداة للطواغيت التي تعبد ويدان لها من دون الله، وإذا لم يبتل المسلمون لأجل ذلك وإذا لم تقدم التضحيات في سبيله فلأي شيء إذاً يكون البلاء.. فالكفر بالطواغيت كلها واجب على كل مسلم بشطر شهادة الإسلام.. وإعلان ذلك وإبداؤه وإظهاره واجب عظيم أيضاً لا بد وأن تصدع به جماعات المسلمين أو طائفة من كل جماعة منهم على الأقل، حتى يشتهر وينتشر ويكون هو الشعار والصفة المميزة لهذه الدعوات كما كان حال النبي e، ليس في زمن التمكين وحسب بل وفي زمن الاستضعاف، حيث كان يشار إليه بالأصابع ويحذر منه ويوصف بعداوة الآلهة وغير ذلك.. وإننا لنعجب أي دعوة هذه التي يتباكى أولئك الدعاة على مصلحتها وأي دين هذا الذي يريدون إقامته وإظهاره وأكثرهم يلهج بمدح القانون الوضعي - ويا للمصيبة - وبعضهم يثني عليه ويشهد بنزاهته وكثير منهم يقسم على احترامه والالتزام ببنوده وحدوده، عكساً للقضية والطريق فبدلاً من إظهار وإبداء العداوة له والكفر به، يظهرون الولاء له والرضى عنه، فهل مثل هؤلاء ينشرون توحيداً أو يقيمون ديناً؟! إلى الله المشتكى.. وإبداء هذا الأمر وإظهاره ليس له علاقة بتكفير الحاكم أو إصراره على الحكم بغير شريعة الرحمن.. لأنه متعلق بالدستور أو التشريع أو القانون القائم المحترم المطبق المبجل المحكم بين الناس. - القضية الثانية: وهي البراءة من المشركين والكفر بهم وإظهار العداوة والبغضاء لهم هم أنفسهم. * يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان: "وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله وعادى المشركين في الله وتقرب بمقتهم إلى الله" أهـ. وينسب لشيخ الإسلام وهذه القضية -أي البراءة من المشركين- أهم من الأولى أعني (البراءة من معبوداتهم). * يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى في "سبيل النجاة والفكاك" عند قوله تعالى: )إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ([الممتحنة: 4]: "وهاهنا نكتة بديعة وهي أن الله تعالى قدّم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله لأن الأول أهم من الثاني، فإنه إن تبرأ من الأوثان ولم يتبرأ ممن عبدها لا يكون آتياً بالواجب عليه. وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم، وكذا قوله: )وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ([مريم: 48] الآية. فقدّم اعتزالهم على اعتزال ما يدعون من دون الله. وكذا قوله: )فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ([مريم: 49]، وقوله: )وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله ([الكهف: 16]، فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك باباً إلى عداوة أعداء الله. فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي أهله فلا يكون مسلماً بذلك إذ تركدين جميع المرسلين"([1]) أهـ. * ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة له في الدرر السنية: "والمرء قد ينجو من الشرك ويحب التوحيد، ولكنه يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم. فيكون متبعاً لهواه داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه فلا يحب ولا يبغض لله ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوّاه، وكل هذا يؤخذ من شهادة أن لا إله إلا الله" أهـ من جزء الجهاد ص681. * ويقول أيضاً في رسالة أخرى له من الكتاب نفسه ص842: "وأفضل القرب إلى الله مقت أعدائه المشركين وبغضهم وعداوتهم وجهادهم وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك فله من ولايتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك، فالحذر الحذر مما يهدم الإسلام ويقلع أساسه" أهـ. * ويقول سليمان بن سحمان: فمن لم يعاد المشركين ولـم يوال ولم يبغض ولم يتجنـب فليس على منهاج سنة أحمد وليس على نهج قويم معرب * وسئل الشيخ حسين والشيخ عبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن رجل دخل هذا الدين وأحبه وأحب أهله، ولكن لا يعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم؟ فكان مما أجابا به: "من قال لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم؟ فهو غير مسلم؟ وهو ممن قال الله تعالى فيهم: )ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً ([النساء: 151]. أهـ. من الدرر([2]). * يقول سليمان بن سحمان: فعاد الذي عـــادى لدين محمـد ووال الذي والاه من كل مهتــد وأحبب لحب الله من كان مـؤمنـاً وأبغض لبغض الله أهــل التمرد وما الدين إلا الحب والبغض والولا كذاك البــرا من كل غاو ومعتد نعم لو صدقت الله فيما زعمتـه لعاديت من باللـه ويحك يكفر وواليت أهل الحق سراً وجهرة ولما تهاجيهـم وللـكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشــراط هنالك تذكر مباينة الكفار في كل مـوطـن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتكفيرهم جهراً وتسفيه رأيهـم وتضليلهـم فيما أتوه وأظهروا وتصدع بالتوحيد بين ظهورهـم وتدعوهموا سـراً لذاك وتجهر فهذا هو الدين الحنيفي والهـدى وملة إبراهيم لـو كنـت تشعر وقد تبرأ إبراهيم من أقرب الناس إليه، لما تبين له أنه مصرّ على شركه وكفره، قال تعالى عنه: )فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ([التوبة: 114].. ذلك بعد أن دعاه بالحكمة والموعظة الحسنة، فتجده يخاطبه بقوله: )يا أبت إني قد جاءني من العلم ([مريم: 43]..)يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ([مريم: 45].. وهكذا موسى مع فرعون.. بعد أن أرسله الله إليه وقال: )فقولا له قولاً ليّنا لعله يتذكر أو يخشى ([طه: 44].. فقد بدأ معه بالقول اللين استجابة لأمر الله فقال: )هل لك إلى أن تزكّى وأهديك إلى ربك فتخشى ( وأراه الآيات والبينات.. فلما أظهر فرعون التكذيب والعناد والإصرار على الباطل، قال له موسى كما أخبر تعالى: )لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني أظنك يا فرعون مثبورا ([الإسراء: 102]. بل ويدعو عليهم قائلاً: )ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ([يونس: 88]، فالذين يدندنون على نصوص الرفق واللين والتيسير على إطلاقها ويحملونها على غير محملها، ويضعونها في غير موضعها، ينبغي لهم أن يقفوا عند هذه القضية طويلاً، ويتدبروها ويفهموها فهماً جيداً.. إن كانوا مخلصين.. ([1]) مقصود الشيخ هنا والله أعلم أن لا يعاديهم ولا يبغضهم جملة وتفصيلاً حتى يفي قلبه، بل يغمر لهم بدلاً من ذلك الود والمحبة فهذا لا شك قد نقض إيمانه وترك دين جميع المرسلين، قال تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}. ([2]) انظر الهامش السابق. |
#8
|
||||
|
||||
![]() وليعلموا بعد ذلك جيداً، أن من كُلم بشتى الأساليب وأغلبها من أساليب الرفق واللين، سواء عن طريق الرسائل والكتب أو مباشرة ومواجهة عن طريق كثير من الدعاة، وبُيّن له أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر.. وعلم بأنه لا يجوز له الحكم بغير شريعة الله.. ولكنه برغم ذلك يصر ويستكبر.. وإن كان في ظاهره في كثير من المناسبات يضحك على أذقان المساكين بوعوده الفارغة الكاذبة وكلماته المعسولة وحججه الواهية الزائفة.. ولسان حاله يكذب مقاله. وذلك بإقراره وسكوته عن ازدياد الكفر والفساد في البلاد والعباد يوماً بعد يوم.. وتشديده على الدعاة والمؤمنين، وتضييقه على المصلحين ورصده لهم بأجهزة مخابراته وشرطته.. وتوسيعه في الوقت ذاته على كل محارب لدين الله، وتسهيل وسائل الفساد والإفساد لأعداء الله بل وتسخير وسائل الإعلام لهم ولفسادهم ولإلحادهم.. وإصدار القوانين واللوائح التي تعاقب كل من تهجم على ياسقه العصري الوضعي الشركي أو أعلن الكفر والبراءة منه أو تنقصه أو بيّن باطله للناس.. وإصراره على إبقائه الحاكم الذي يفصل بين العباد في دمائهم وأموالهم وفروجهم، رغم ما هو مشحون به من الكفر البواح.. وعدم استسلامه لشرع الله وتحكيمه مع علمه بوجوب ذلك ومطالبة المصلحين به.. فمثل هذا لا تجوز مداهنته أو مهادنته أو مجاملته أو تبجيله بألقابه أو تهنئته بالأعياد والمناسبات أو إظهار الولاء له أو لحكومته.. بل لا يقال له إلا كما قال إبراهيم والذين معه لقومهم: إنا برءاء منك ومن دستورك وقوانينك الشركية وحكومتك الكفرية.. كفرنا بكم.. وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى ترجعوا إلى الله وتستسلموا وتنقادوا لشرعه وحده.. ويدخل في ذلك أيضاً التحذير من موالاتهم ومن الدخول في طاعتهم والاطمئنان إليهم والمشي في ركابهم وتكثير سوادهم عن طريق الوظائف التي تعينهم على باطلهم أو تثبت حكوماتهم وتحفظ أو تنفذ قوانينهم الباطلة كالجيش والشرطة والمباحث وغير ذلك..
ولقد كانت مواقف السلف مع أمراء زمانهم - الذين لا تصح بحال من الأحوال مقارنتهم بهذا الطاغوت وأمثاله - مواقف حازمة واضحة نظيفة.. وأين مواقف كثير من أصحاب الدعوات في زماننا هذا منها.. مع شهرة هؤلاء وتصفيق أتباعهم لهم.. ومع أن أولئك السلف ما تخرجوا من كليات العلوم السياسية أو الحقوق، ولا كانوا يقرأون الجرائد أو المجلات النتنة بحجة التبصر بمكايد الأعداء.. مع ذلك كانوا يفرون من السلطان وأبوابه والسلطان يطلبهم ويغريهم بالأموال وغيرها.. أما المنتسبون إليهم اليوم ممن لعب الشيطان بدينهم فيطلبون صلاح دنياهم بفساد دينهم؛ فيأتون ويطلبون أبواب السلطان والسلطان يذلهم ويعرض عنهم.. وكان السلف رضوان الله عليهم ينهون عن الدخول على أمراء الجور، حتى لمن أراد أمرهم بالمعروف أو نهيهم عن المنكر، مخافة أن يفتتن بهم فيداهنهم أو يجاملهم لإكرامهم أو يسكت عن بعض باطلهم ويقره، ويرون أن البعد عنهم واعتزالهم خير براءة وإنكار لأحوالهم.. واستمع إلى سفيان الثوري وهو يكتب إلى عباد بن عباد فيقول في كتابه: "إياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك ويقال لك لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة فإن ذلك خديعة إبليس.. وإنما اتخذها فجار القراء سلماً.." اهـ. من سير أعلام النبلاء (13/586) وجامع بيان العلم وفضله (1/179) فانظر إلى سفيان رحمه الله تعالى وهو يسمي ما يصفه دعاة اليوم بمصلحة الدعوة: "خديعة إبليس".. ولم يقل لصاحبه كما يفعل كثير من دعاة هذا الزمان الذين يضيعون أعمارهم في طلب مصلحة الدعوة ونصر الدين عند أعدائه ومحاربيه: "لا يا أخي!! اثبت وجودك وتقرب إليهم لعلك تحصل على منصب أو كرسي في مجلس الوزراء أو مجلس الأمة، ولعلك تقلل من الظلم أو تنفع إخوانك. ولا تترك هذا المنصب للعصاة والفجرة ليستغلوه.. و... و.." بل وصف ذلك بأنه سلم للدنيا عند فجار القراء وإذا كان هذا في زمانه فكيف في زماننا. نسأل الله العافية، ونعوذ بالله من شر أهل هذا الزمان وشر تلبيساتهم.. ورحم الله من قال: قوم تراهم مهطعين لمجلـس فيه الشقاء وكل كفـــــر دان بل فيه قانون النصارى حاكماً من دون نص جاء في القـــرآن تبّاً لكم من معشر قد أشربـوا حــب الخلاف ورشوة السلطان * وهذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يكرر كثيراً ما جاء عن سفيان الثوري من قوله: "من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: · إما أن يكون فتنة لغيره بالجلوس معه، وقد ورد في الحديث: "من سن في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" رواه مسلم. · أن يقع في قلبه شيء من الاستحسان، فيزل به فيدخله الله النار بسبب ذلك. · أن يقول: "والله ما أبالي بما تكلموا وإني واثق من نفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه الله إياه" اهـ. من الدرر السنية وغيرها. فإذا كانت هذه أقوالهم في مجالسة أهل البدع وإن كانت بدعهم غير مكفرة كما هو معلوم في مواضع كثيرة من كلامهم.. فكيف بمجالسة المرتدين من عبيد القانون وغيرهم من المشركين.. وتأمل قوله في الثالثة: "إني واثق من نفسي" وكم سقط بسببها وبمثلها كثير من دعاة زماننا، فالسلامة.. السلامة.. وعلى كل حال فقد أبطل الله تعالى جميع هذه الطرق المعوجة التي يحلم أصحابها أن وراءها نصراً للدين.. فبين جل وعلا أن لا نصر يرتجى ولا مصلحة دينية أبداً في التقرب إلى الظلمة.. فقال سبحانه في سورة هود التي شيَّبَت النبي e: )ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ([هود: 113]، فليس وراء هذه المداهنات والسبل الملتوية نصراً لدين الله ولا مصلحة وإن توهم ذلك المتوهمون.. اللهم إلا أن يكون مسيس النار عندهم مصلحة للدعوة.. فأفق من نومك، ولا تغتر بكل ناعق وزاعق.. * وقد قال المفسرون في قوله تعالى: )ولا تركنوا (الركون هو الميل اليسير. * وقال أبو العالية: لا تميلوا إليهم كل الميل في المحبة ولين الكلام. * وقال سفيان الثوري: من لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً أو ناولهم قرطاساً دخل في ذلك. * قال الشيخ حمد بن عتيق: فتوعد سبحانه بمسيس النار من ركن إلى أعدائه ولو بلين الكلام. * وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن -وهو من أئمة الدعوة النجدية السلفية أيضاً- بعد أن ذكر بعض أقوال المفسرين السابقة في معنى الركون: "وذلك لأن ذنب الشرك أعظم ذنب عصي الله به على اختلاف رتبه، فكيف إذا انضاف إليه ما هو أفحش، من الاستهزاء بآيات الله وعزل أحكامه وأوامره وتسمية ما ضاده وخالفه بالعدالة، والله يعلم ورسوله والمؤمنون أنها الكفر والجهل والضلالة، ومن له أدنى أنفة وفي قلبه نصيب من الحياة يغار لله ورسوله وكتابه ودينه ويشتد إنكاره وبراءته في كل محفل، وكل مجلس، وهذا من الجهاد الذي لا يحصل جهاد العدو إلا به، فاغتنم إظهار دين الله والمذاكرة به وذم ما خالفه والبراءة منه ومن أهله، وتأمل الوسائل المفضية إلى هذه المفسدة الكبرى وتأمل نصوص الشارع في قطع الوسائل والذرائع، وأكثر الناس ولو تبرأ من هذا ومن أهله، فهو جند لمن تولاهم وأنس بهم وأقام بحماهم والله المستعان" اهـ من الدرر، جزء الجهاد ص161. فلله دره كأنّه يتكلم عن زماننا. * يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوّله وأُسّه ورأسه، شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأحبوها، وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين منكم نسباً واكفروا بالطواغيت وعادوهم وأبغضوهم، وأبغضوا من أحبهم. أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال ما عليّ منهم، أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى إثماً مبيناً، فقد كلّف الله كل مسلم ببغض الكفار، وافترض عليه عداوتهم، وتكفيرهم والبراءة منهم، ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم، فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً" أهـ. من مجموعة التوحيد. *تنبيه: واعلم بعد ذلك كله، أن لا تنافي بين القيام بملة إبراهيم والأخذ بأسباب السرية والكتمان في العمل الجاد لنصرة الدين.. وكلامنا هذا كله لا يرد هذا السبب العظيم الذي كان يأخذ به النبي e والأدلة عليه من سيرته أكثر من أن تحصى.. ولكن الذي يقال: إن هذه السرية يجب أن توضع في مكانها الحقيقي.. وهي سرية التخطيط والإعداد، اما ملة إبراهيم والكفر بالطواغيت ومناهجهم وآلهتهم الباطلة فهذه لا تدخل في السرية بل من علنية الدعوة فينبغي إعلانها منذ أول الطريق كما بينا سابقاً، وعلى ذلك يُحمل قول النبي e: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق".. الحديث. رواه مسلم وغيره.. أما إخفاؤها وكتمها مداهنة للطواغيت، وتغلغلاً في صفوفهم وارتقاء في مناصبهم.. فليس من هدي نبينا محمد e.. بل هو من هدي وسرية أصحاب التنظيمات الأرضية الذين يجب أن يقال لهم أيضاً: )لكم دينكم ولي دين (.. وخلاصة الأمر أنها: سرية في الإعداد والتخطيط علنية في الدعوة والتبليغ. * وإنما قلنا ذلك لأن كثيراً من الناس سواء من المرجفين أو ممن لم يفهموا دعوة الأنبياء حق الفهم، يقولون عن جهل منهم إن هذه الطريق التي تدعون إليها تكشفنا وتفضح تخطيطاتنا وتعجّل بالقضاء على الدعوة وثمراتها.. فيقال لهم أولاً: إن هذه الثمرات المزعومة لن تينع ولن يبدو صلاحها حتى يكون الغراس على منهاج النبوة، وواقع هذه الدعوات العصرية أكبر دليل وشاهد على ذلك بعد الأدلة الشرعية المتقدمة من ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. حيث إن ما نعانيه اليوم من جهل أبناء المسلمين والتباس الحق عليهم بالباطل، وعدم وضوح مواقف الولاء والبراء، إنما هو من سكوت وكتمان العلماء والدعاة لهذا الحق ولو أنهم صرحوا وصدعوا به وابتلوا كما هو حال الأنبياء لظهر وبان للناس جميعاً، ولتمحص وتميز بذلك أهل الحق من أهل الباطل ولبلغت رسالات الله ولزال التلبيس الحاصل على الناس خاصة في الأمور المهمة والخطيرة في هذا الزمان، وكما قيل: "إذا تكلم العالم تقية والجاهل بجهله فمتى يظهر الحق". وإذا لم يظهر دين الله وتوحيده العملي والاعتقادي للناس.. فأي ثمار تلك التي ينتظرها ويرجوها هؤلاء الدعاة.؟ أهي (الدولة الإسلامية)؟ إن إظهار توحيد الله الحق للناس وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد هي الغاية العظمى والمقصود الأهم وإن نكّل بالدعوات وإن ابتلي الدعاة.. وهل يظهر الدين إلا بالمدافعة والبلاء: )ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ([البقرة: 251]، فبذلك يكون إعلاء دين الله وإنقاذ الناس وإخراجهم من الشرك باختلاف صوره، وهذه هي الغاية التي يكون من أجلها البلاء وتنحر على عتباتها التضحيات.. وما الدولة الإسلامية أصلاً إلا وسيلة من وسائل هذه الغاية العظمى.. وفي قصة أصحاب الأخدود عبرة لأولي الألباب فإن ذلك الغلام الداعية الصادق ما أقام دولة ولا صولة ولكنّه أظهر توحيد الله أيما إظهار، ونصر الدين الحق نصراً مؤزراً ونال الشهادة، وما قيمة الحياة بعد ذلك، وما وزن القتل والحرق والتعذيب إذا فاز الداعية بالفوز الأكبر.. كانت الدولة أم لم تكن.. وإن حُرِّق المؤمنون وإن خُدَّت لهم الأخاديد فإنهم منتصرون لأن كلمة الله هي الظاهرة والعليا.. أضف إلى ذلك أن الشهادة طريقهم والجنة نزلهم.. فأنعم بذلك أنعم.. * وبهذا تعلم أن قول أولئك الجهّال: "إن هذه الطريق تقضي على الدعوة وتعجل ببوار ثمراتها" جهل وإرجاف، لأن هذه الدعوة هي دين الله الذي وعد الله عز وجل بأن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وذلك كائن لا ريب فيه، ونصرة دين الله وإعلاؤه ليست متعلقة بأشخاص هؤلاء المرجفين، تذهب بذهابهم أو تهلك بهلاكهم أو توليهم.. قال تعالى: )وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ([محمد: 38]. وقال: )يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ([المائدة: 54]، وقال سبحانه: )ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( [الحديد: 24]، وها هي دعوات الرسل والأنبياء وأتباعهم خير شاهد في شعاب الزمان.. وقد كانوا أشد الناس بلاءً وامتحاناً وما أثّر ذلك البلاء في نور دعواتهم، بل ما زادها إلا ظهوراً واشتهاراً وتغلغلاً في قلوب الناس وبين صفوفهم، وها هي إلى اليوم ما زالت نوراً يهتدي به السائرون في طريق الدعوة إلى الله، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه. |
#9
|
||||
|
||||
![]() * ثم ومع ذلك كلّه فلا بد من معرفة قضية أخيرة هنا.. وهي أن هذا الصدع بإظهار العداوة والبراءة من الكفّار المعاندين وإبداء الكفر بمعبوداتهم وباطلهم المتنوع في كل زمان، وإن كان هو الأصل في حال الداعية المسلم.. وهو صفة الأنبياء وطريق دعوتهم المستقيم الواضح.. ولن تفلح هذه الدعوات ولن يصلح مرادها وحالها ولن يظهر دين الله ولن يعرف الناس الحق إلا بالتزام ذلك واتباعه، مع ذلك يقال بأنّه إذا صدعت به طائفة من أهل الحق سقط عن الآخرين والمستضعفين منهم من باب أولى، وذلكم الصدع به، أما هو بحد ذاته فإنّه واجب على كل مسلم في كل زمان ومكان لأنّه كما أسلفنا من لا إله إلا الله التي لا يصح إسلام امرىء إلا بها، أما أن يهمل ويلغى الصدع به كلية من حساب الدعوات مع أنّه أصل أصيل في دعوات الأنبياء، فأمر غريب محدث ليس من دين الإسلام في شيء، بل دخل على هؤلاء الدعاة الذين يدعون بغير هدي النبي e بتقليدهم ومحاكاتهم للأحزاب الأرضية وطرائقها التي تدين بالتقية في كل أحوالها ولا تبالي بالمداهنة أو تتحرج من النفاق..
* واستثناؤنا هذا غير نابع من الهوى والتكتيكات العقلية بل من النصوص الشرعية النقلية الكثيرة.. والمتأمل لسيرة النبي e في عهد الاستضعاف يتجلى له ذلك واضحاً.. وانظر على سبيل المثال لا الحصر.. قصة إسلام عمرو بن عبسة السلمي في صحيح مسلم ومحل الشاهد منها قوله، قلت: "إني متبعك". قال: "إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني.. الحديث" قال النووي: "معناه قلت له إني متبعك على إظهار الإسلام هنا وإقامتي معك. فقال: لا تستطيع ذلك لضعف شوكة المسلمين ونخاف عليك من أذى كفار قريش ولكن قد حصل أجرك فابق على إسلامك وارجع إلى قومك واستمر على الإسلام في موضعك حتى تعلمني ظهرت فأتني..." أهـ. فهذا واحد قد أذن له النبي e في عدم إعلان وإظهار الدين.. لأن دين الله ودعوة النبي e كانت مشتهرة معروفة ظاهرة في ذلك الوقت ويدلك على ذلك قوله e في الحديث نفسه: "ألا ترى حالي وحال الناس". وقصة إسلام أبي ذر في البخاري أيضاً، ومحل الشاهد منها قوله e له: "يا أبا ذر أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل..." الحديث ومع هذا فقد صدع به أبو ذر بين ظهراني الكفّار متابعة منه لهدي النبي e وطريقته في ذلك، ومع أنهم ضربوه ليموت كما جاء في الحديث، ومع تكراره لذلك الصدع، فإن النبي e لم ينكر عليه فعله ذلك، ولا خذّله ولا قال له كما يقول دعاة زماننا إنّك بفعلك هذا ستبلبل الدعوة وستثير فتنة، وتضر مصلحة الدعوة أو أخرت الدعوة مائة سنة.. حاشاه من أن يقول مثل ذلك.. فهو قدوة الناس كافة وأسوتهم إلى يوم القيامة في هذا الطريق.. فاستخفاء بعض المستضعفين من اتباع الدعوة شيء وظهور الدين وإعلانه شيء آخر، ودعوة النبي e كانت ظاهرة معروفة مشتهرة، والكل يعرف أن أصلها وقطب رحاها الكفر بطواغيت ذلك الزمان وتوحيد العبادة بكل أنواعها لله عز وجل.. حتى أنّه ليحذر منها وتحارب بشتى الوسائل.. وما احتاج أتباعه المستضعفين أصلاً للاستخفاء والهجرة وما حصل لهم من الأذى والاستضعاف ما حصل إلا بسبب وضوح الدعوة واشتهار أصلها، ولو كان عندهم من المداهنة قليلاً مما عند أهل زماننا لما حصل لهم ذلك كله. * وبمعرفتك لهذه النكتة تتضح لك فائدة أخرى مهمة: وهي جواز مخادعة الكفّار وتخفي بعض المسلمين بين صفوفهم أثناء المواجهة والقتال إذا ما كان الدين ظاهراً وأصل الدعوة مشتهراً.. ففي هذه الأحوال يصح الاستشهاد بحادثة قتل كعب بن الأشرف وأمثالها.. أما أن يضيع كثير من الدعاة أعمارهم في جيوش الطواغيت موالين مداهنين يحيون ويموتون وهم في خدمتهم وخدمة مؤسساتهم الخبيثة بحجة الدعوة ونصر الدين.. فيلبسوا على الناس دينهم ويقبروا التوحيد.. فهذه السبل في المغرب ودعوة النبي e وهديه عنها في أقاصي المشرق. سارت مشرِّقةً وسرت مغرّباً شتّان بين مشرِّقٍ ومغرِّبِ * يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في معنى قوله تبارك وتعالى: )إنكم إذاً مثلهم (، "الآية على ظاهرها وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل فعلهم.." اهـ من الدرر جزء الجهاد ص79. وقوله عز وجل: )وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ([الأنعام: 68]. * قال الحسن البصري: لا يجوز له القعود معهم خاضوا أو لم يخوضوا لقوله تعالى: )وإمّا ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ([الأنعام: 68]، وكذا قوله تعالى: )ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ([الإسراء: 74]. * يقول الشيخ سليمان بن عبد الله: "فإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق صلوات الله وسلامه عليه فكيف بغيره" اهـ. من الدرر جزء الجهاد ص47. ويقرأون قوله تعالى واصفاً المؤمنين: )والذين هم عن اللغو معرضون ([المؤمنون: 3]، وقوله: )والذين لا يشهدون الزور وإذا مرّوا باللغو مَرُّوا كِراماً ([الفرقان: 72]. ويزعمون أنهم على منهج السلف، والسلف كانوا يفرون من أبواب السلاطين ومناصبهم في عهد أرباب الشريعة والهدى لا في عهود الجور والظلمات.. ووالله ما وضع السيف على رقابهم ولا علقوا من أرجلهم وما أجبروا على ذلك.. بل فعلوه مختارين ومنحوا عليه الأموال الطائلة.. والحصانات الدبلوماسية.. فنعوذ بالله من هوى النفوس وطمس البصائر.. وليتهم أعلنوها وقالوا: فعلناها حرصاً على الدنيا.. بل يقولون مصلحة الدعوة ونصر الدين.. فعلى من تضحكون يا مساكين.. أعلينا نحن الضعفاء؟؟ فإننا وأمثالنا لا نملك لكم ضراً ولا نفعاً... أم على جبار السموات والأرضين، الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم سركم ونجواكم.. ولقد سمعناهم يرمون من خالفهم أو انكر عليهم ذلك، بضحالة الفكر وقلة الخبرة وأنهم ليس عندهم حكمة في الدعوة ولا صبر في اقتطاف الثمر أو بصيرة في الواقع والسنن الكونية.. وأنهم ينقصهم علم بالسياسة وعندهم قصور في التصورات.. وما درى هؤلاء المساكين.. أنهم لا يرمون بذلك أشخاصاً محددين، وإنما يرمون بذلك دين جميع المرسلين وملة إبراهيم.. التي من أهم مهماتها إبداء البراءة من أعداء الله والكفر بهم وبطرائقهم المعوجة وإظهار العداوة والبغضاء لمناهجهم الكافرة.. وما دروا أن كلامهم ذلك يقتضي أن إبراهيم والذين معه لم يكن عندهم حكمة بالدعوة ولا دراية بالواقع.. وأنهم كانوا متطرفين متسرعين.. مع أن الله عز وجل قد زكاهم وأمرنا بالتأسي بهم.. فقال: ) قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ([الممتحنة: 4]، وقال سبحانه: )ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً ([النساء: 125]، ونزه سبحانه إبراهيم من السفه فوصفه بالرشد فقال: )ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ([الأنبياء: 51]، ثم ذكر دعوته، بل بيّن سبحانه كما قدمنا أن ملة إبراهيم لا يرغب عنها إلا السفيه.. وأنى للسفيه حكمة الدعوة ووضوح التصورات وصحة المنهج واستقامة الطريق المزعومة..؟؟ ([1]) فائدة مهمة تفضح علماء الحكومات: اعلم عافانا الله وإياك من تلبيس الملبسين أن ما يفعله كثير من الجهال وإن لقبوا بالمشايخ وتمسّحوا بالسلفية من تلقيب كثير من طغاة هذا الزمان بلقب أمير المؤمنين أو إمام المسلمين.. إنما ينهجون بذلك نهج الخوارج والمعتزلة في عدم اعتبار شرط القرشية في الإمام.. راجع في ذلك صحيح البخاري: كتاب الأحكام (باب: الأمراء من قريش)، وغيره من كتب السنة والفقه والأحكام السلطانية فإنه أمر معروف لن تجد عناء في مراجعته.. ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القاضي عياض قوله: اشتراط كون الإمام قرشياً مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيه خلاف وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار. قال: ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم في المعتزلة" اهـ (31/91). * ثم رأيت الشيخ عبد الله أبا بطين وهو من علماء الدعوة النجدية يرد على بعض المعارضين المنكرين لتلقيب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن محمد بن سعود بلقب الإمام وهما غير قرشيين.. يقول: "ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما ادعى إمامة الأمة، وإنما هو عالم دعا إلى الهدى وقاتل عليه ولم يلقب في حياته بالإمام ولا عبد العزيز بن محمد بن سعود ما كان أحد في حياته منهم يسمى إماماً، وإنما حدث تسمية من تولى إماماً بعد موتهما" أهـ. انظر الدرر جزء الجهاد ص240، فانظر إلى هذا العالم الرباني كيف يتبرأ من ذلك وينكره رغم أن المذكورين كانا من دعاة الهدى، ولا يكابر مكابرة كثير من مشايخ الحكومات في هذا الزمان الذين يصرون على تسمية طواغيتهم بالإمام وأمير المؤمنين.. فبشراهم بأنهم على نهج الخوارج سائرون.. ذلك الوصف الذي طالما رموا به طلبة العلم ودعاة الحق الذين ينابذون طواغيتهم.. ورموهمُ بغياً بما الرامي بـه أولى ليدفع عنه فعل الجاني يرمي البري بما جناه مباهتاً ولذاك عند الغرّ يشتبهــــان |
#10
|
||||
|
||||
![]() فصــل فلا يظن ظان أن هذه الطريق مفروشة بالورد والرياحين أو محفوفة بالراحة والدعة، بل هي والله محفوفة بالمكاره والابتلاءات.. ولكن ختامها مسك وروح وريحان ورب غير غضبان.. ونحن لا نتمنى البلاء لأنفسنا ولا للمسلمين، ولكن البلاء هو سنة الله عز وجل في هذه الطريق، ليميز به الخبيث من الطيب، فهي الطريق التي لا ترضي أصحاب الهوى والسلطان لأنها مصادمة صريحة لواقعهم، وبراءة واضحة من معبوداتهم وشركياتهم.. أما غير هذه الطريق، فإنك تجد أصحابها في الغالب مترفين وللدنيا راكنين، لا يبدو عليهم أثر البلاء، لأن المرء إنما يبتلى على قدر دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.. وأتباع ملة إبراهيم من أشد الناس بلاء لأنهم يتبعون منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله.. كما قال ورقة بن نوفل للنبي e: "لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي.." رواه البخاري.. فإن رأيت في زماننا من يزعم أنه يدعو لمثل ما كان يدعو إليه النبي e وبمثل طريقته، ويدعي أنه على منهجه، ولا يعادى من أهل الباطل والسلطان، بل هو مطمئن مرتاح بين ظهرانيهم.. فانظر في حاله.. إما أن يكون ضالاً عن الطريق.. لم يأت بمثل ما جاء به النبي e واتخذ سبلاً معوجة.. أو يكون كاذباً في دعواه يتزيا بما ليس هو أهلاً أن يتزيّا به، إما لهوى مطاع وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. أو لدنيا يصيبها كأن يكون جاسوساً وعيناً لأصحاب السلطان على أهل الدين.. وهذا الذي قاله ورقة للنبي e هو الذي كان مقرراً في نفوس الصحابة عندما بايعوا النبي e، حيث وقف أسعد بن زرارة يذكرهم ويقول: "رويداً يا أهل يثرب، إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة، أو قتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله" رواه الإمام أحمد والبيهقي. فتأمل هذا جيداً فإننا في أمس الحاجة إليه في هذه الأيام التي تلبس فيها كل من هبّ ودبّ بلباس الدعوة والدعاة.. فارجع إلى نفسك وزنها، واعرض عليها هذا الطريق وحاسبها على تقصيرها في ذلك، فإما أن تكون من قوم يصبرون على ذلك فخذها بحقها واسأل الله عز وجل أن يثبتك على ما يعقبها من بلاء.. أو إنك من قوم يخافون من أنفسهم خيفة ولا ترى من نفسك القدرة على القيام والصدع بهذه الملة فذر عنك التزيي بزي الدعاة وأغلق عليك بيتك وأقبل على خاصة أمرك ودع عنك أمر العامة.. أو اعتزل في شعب من الشعاب بغنيمات لك.. فإنه والله كما قال أسعد بن زرارة أعذر لك عند الله، نعم إن ذلك أعذر لك عند الله من أن تضحك على نفسك وعلى الناس إذ لا تقوى على القيام بملة إبراهيم فتتصدر للدعوة بطرق معوجة وتهتدي بغير هدي النبي e مجاملاً مداهناً للطواغيت كاتماً غير مظهر للعداوة لهم، ولا لباطلهم.. فوالله ثم والله، إن الذي يعتزل في شعب من الشعاب بغنيمات لهو خير وأهدى سبيلاً منك ساعتئذ.. وصدق من قال: الصمت أفضل من كلام مـداهن نجس السريرة طيب الكلمـات عرف الحقيقة ثم حاد إلى الـذي يرضي ويعجب كل طاغ عات لا تعجبوا يا قوم ممن أخصبـوا في هذه الأيام بالكلمــــات وعلوا المنابر والصحائف سودوا وتقدموا في سائــر الحفلات والله ما قالوا الحقيقة والهــدى كلا ولا كــشفوا عن الهلكات أنى يشير إلى الحقيقة راغــب في وصل أهل الظلم والشهوات أو طالباً للجاه في عصريـــة التقديـــر للمشهور بالنزوات فنصيحتي يا قوم ألا تطمعــوا في عصرنا بتوفر الرغبــات عيشوا لدين الله لا لحضــارة محفوفة بالريب والشبهـــات يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة له في الدرر السنية وهو يتكلم عن الصدع بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وترك ذلك على سبيل المداهنة والمعاشرة ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين أعظم ضرراً وأكبر إثماً من تركه لمجرد الجهالة فإن هذا الصنف رأوا أن نيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك فخالفوا الرسل وأتباعهم وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم، لأنهم يرون العقل إرضاء الناس على طبقاتهم ويسالمونهم ويستجلبون مودتهم ومحبتهم، وهذا مع أنه لا سبيل إليه فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله وتحمل الأذى في ذاته وهذا في الحقيقة هو الهلكة في الآجلة، فما ذاق طعم الإيمان من لم يوال في الله ويعاد فيه، والعقل كل العقل ما أوصل إلى رضى الله ورسوله، وهذا إنما يحصل بمراغمة أعداء الله وإيثار مرضاته، والغضب إذا انتهكت محارمه. والغضب ينشأ من حياة القلب وغيرته وتعظيمه وإذا عدم الحياة والغيرة والتعظيم وعدم الغضب والاشمئزاز، وسوى بين الخبيث والطيب في معاملته وموالاته ومعاداته فأي خير يبقى في قلب هذا..." اهـ. من جزء الجهاد ص35. وتجد بعضهم يضحكون على أتباعهم من الشباب ويحاربون العزلة على الإطلاق ويردّون النصوص الثابتة في ذلك.. ويتغنّون بشعر ابن المبارك رحمه الله تعالى حين أرسل إلى الفضيل يقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنـا لعلمت أنّك بالعبادة تلعب من كان يخضب جيده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضـب ولو أبصرهم عابد الحرمين وأبصر دعواتهم هذه المعوجة فلعله يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً"... وأنا أقول: شتان بين دعواتكم وطرائقكم هذه وبين جهاد ابن المبارك وأولئك الصالحين، حتى تنافسوا بها عبادة الصالحين.. بل وربما لو أبصر ابن المبارك دعواتهم هذه لأرسل للفضيل يقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتهم لحمدت أنك بالعبادة غائب |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سيدنا ابراهيم عليه السلام | سها | الملتقى الاسلامي العام | 8 | 23-07-2009 04:28 PM |
سيدنا ابراهيم عليه السلام | meknassiss | اطلب انشودتك المفضلة | 1 | 18-01-2007 01:05 AM |
يوم ؟مات ابراهيم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ | لؤلؤة المنتدى | الملتقى العام | 10 | 25-03-2006 12:00 AM |
عم ابراهيم واخلاص النية | فجر الاسلام1986 | ملتقى القصة والعبرة | 5 | 22-02-2006 05:15 PM |
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |