|
الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المرونة في مواجهة الواقع د. سمير مثنى علي الأبارة • إن واقع الحياة فيه يمتزج الخير بالشر، وبضدها تعرف الأشياء، كما يقول أهل الحكمة ورب ضارة نافعة فلا داعي للقلق والاضطراب والتوتر عند حصول المكاره والنكبات ولكن الزمن مليء بالمفاجئات والمباغتات فينبغي للعاقل أن يستثمرها لتقوية حصانته النفسية وليعلم أنه يتعلم باستمرار من مدرسة الحياة قال الله تعالى ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [1] وهذه الآية عامة مطردة، في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة أنها خير بلا شك، وأن أفعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شـر بلا شك. وأما أحوال الدنيا، فليس الأمر مطرداً، ولكن الغالب على العبد المؤمن، أنه إذا أحب أمراً من الأمور، فقيض الله (له) من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له، فالأوفق له في ذلك، أن يشكر الله، ويجعل الخير في الواقع، لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾[2] فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره، سواء سرتكم أو ساءتكم[3]. توافق المسلم مع نفسه ومع الآخرين: لأن النقصان والضعف والعيوب هي صفات الإنسان الأساسية وعليه يجب إن يقبل نفسه كما أراد الله له فلا يتشاءم ولا يسخط وليعلم إن له دور ووظيفة في الحياة ويجب عليه القيام بها وبفضل الإيمان والتربية الصحيحة يكسب الإنسان هذه الثقة كما يجب عليه قبول الآخرين والتفاعل معهم بإيجابية والتسامح معهم ويطهر قلبه من الكراهية والبغضاء والأخطاء وتقديم العفو والصفح وكظم الغيظ وهذا اكبر دليل على تقوى الله والتوازن النفسي قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [4] لا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله، واستقاموا على شـرعه، وأحسنوا إلى خلقه، وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره، وأساءوا إلى خلقه. ادفع -أيها الرسول- بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك، وقابل إساءته لك بالإحسان إليه، فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك. وما يُوفَّق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا على المكاره والأذى، وحملوا أنفسهم على ما يحبه الله، وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة[5]. إن أفضل شيء في هذه الحياة أن تحب الناس ويحبونك وتألفهم ويألفونك وعند فقدان هذا الأمر تكون الكارثة حيث يتحرك الجحيم والعذاب النفسي، ولذلك كانت الأخلاق الرصيد لفتح القلوب والسيطرة على مشاعر الناس قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [6] وقال الشاعر: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ♦♦♦ لطالما استعبد الإحسان إنسان كذلك التفاؤل وعدم اليأس لان اليأس صفة من صفات الضالين المكذبين الكافرين قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [7] لا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به، لأن الإيمان في حقيقة الأمر ما هو إلا قوة التفاؤل والأمل ولذلك قال تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يذّكر صاحبه أبا بكر بهذه الحقيقة ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [8]. ومن الانفعالات العنيفة التي تسيطر على قلب الإنسان في حال الضراء والبلاء القنوط. فمن طبيعة الإنسان، حين يكون مقطوع الصلة بالله، محروماً من نفحات الإيمان، ومن الأنس بعبادة الله أن تتأرجح نفسه بين اليأس والقنوط في وقت الضراء، والبطر والطغيان في وقت الرخاء والنعماء لا يهذب هذه الانفعالات ولا يخفف من عنفها ولا يقف بها عند حد الاعتدال إلاّ الإيمان والعمل الصالح أي العبادة بمعناها الواسع الذي يعني دوام اتصال القلب والوجدان بالله تعالى. يقول الله عز وجل: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [9] يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، أنه جاهل ظالم بأن الله إذا أذاقه منه رحمة كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط، فلا يرجو ثواب الله، ولا يخطر بباله أن الله سيردها أو مثلها، أو خيرا منها عليه. وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته، أنه يفرح ويبطر، ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير، ويقول: ﴿ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ﴾ [هود: 10] أي: فرح بما أوتي مما يوافق هوى نفسه، فخور بنعم الله على عباد الله، وذلك يحمله على الأشـر والبطر والإعجاب بالنفس، والتكبر على الخلق، واحتقارهم وازدرائهم، وأي عيب أشد من هذا؟!! وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو، إلا من وفقه الله وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى ضده، وهم الذين صبروا أنفسهم عند الضراء فلم ييأسوا، وعند السـراء فلم يبطروا، وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ [هود: 11] لذنوبهم، يزول بها عنهم كل محذور. ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 11] وهو: الفوز بجنات النعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين[10]. وإنما ذكرت صفة الصبر في موضع الإيمان لأن الصبر أعظم شعب الإيمان، وأبرز خصال المؤمن، والدليل على أن لفظ الصابرين يستعمل في القرآن بمعنى المؤمنين قوله تعالى في آية أخرى ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [11]. بعد هذا التحقيق نعود إلى الآية الكريمة لنبين فضل العبادة في تهذيب النفس، والتخفيف من انفعالات اليأس والقنوط ومن البطر والفخر، يبين الله تعالى طبيعة النفس الإنسانية وصورتها حين تكون فارغة من الإيمان، محرومة من الأنس بالله وعبادته. إنها بين اليأس الكافر وبين البطر الفاجر، إذا ذاقت رحمة الله ثم نزعت منها، وحل محلها البؤس والشدة استسلمت لليأس ونسيت ما كانت فيه من رحمة، وضاقت بها الدنيا، وحسبت أن ساعة الشدة لا تنتهي ولا تزول، هذه حال النفس الكافرة التي لا تتطلع إلى الفرج من عند الله، ولا تعلق رجاءها برحمته الواسعة، ولا تستمد من عبادته ما يهون عليها مصائب الدنيا. وفي حال النعماء بعد الضراء، تمتلئ بطراً وفخرا ًوغرورا ًوأنانية، وتحسب أن البؤس والشدة ذهبا إلى الأبد. ثم استثنى الله عز وجل من هذه القاعدة الكلية الذين صبروا وعملوا الصالحات، فهؤلاء يستطيعون بفضل إيمانهم وصبرهم، وبفضل عمل الصالحات، وفي مقدمتها امتثال أمر الله واتباع دينه ومنهجه، أن يملكوا أنفسهم وانفعالاتهم في وقت زوال النعمة، فلا يستبد بهم اليأس والقنوط، وفي حال عودة النعمة والرخاء، فلا يستبد بهم البطر والفخر والغرور. "إن الإيمان الجاد الذي يتمثل في العمل الصالح هو الذي يعصم النفس البشـرية من اليأس الكافر في وقت الشدة، كما يعصمها من البطر الفاجر في وقت الرخاء، وهو الذي يقيم القلب البشـري على سواء واعتدال في البأساء والنعماء. ويربطه بالله تعالى في حاليه. فلا ينهار تحت مطارق اليأس ولا يختال بطراً حين تستحقه النعمة"[12]. وما دام الإنسان في الدنيا فهو هدف لسهام المصائب والشدائد. والإيمان والأنس بعبادة الله هو درعه الذي يخفف عنه ما أصابه منها، فالإيمان يعلمه أن ما أصابه فبإذن الله ولا مفر منه، ويهتدي قلبه بذلك فلا يسخط ولا ييأس ويلوذ إلى كنف الله وإلى عبادته ويلقي بين يديه تعالى كل ما يثقل كاهله من أثقال ومتاعب. فإذا السكينة والرضى ينسكب في قلبه حتى ولو كان في أشد لحظات المصيبة. قال الله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [13] ما أصاب أحدًا شيءٌ من مكروه يَحُلُّ به إلا بإذن الله وقضائه وقدره. ومَن يؤمن بالله يهد قلبه للتسليم بأمره والرضا بقضائه، ويهده لأحسن الأقوال والأفعال والأحوال؛ لأن أصل الهداية للقلب، والجوارح تبع. والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من ذلك[14]. حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ - وَاللَّفْظُ لِشَيْبَانَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ[15]، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سراءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))[16]. [1] سورة البقرة:164 [2] سورة البقرة:216 [3] تفسير السعدي (ج1 - ص96). [4] سورة فصلت:34-35 [5] التفسير الميسر (ج1 - ص480). [6] سورة الرحمن:60 [7] سورة يوسف:87 [8] سورة التوبة:40 [9] سورة هود:9-11 [10] تفسير السعدي (ج1، ص378). [11] سورة إبراهيم:5 [12] في ظلال القرآن سيد قطب (ج4 - ص1860) الناشر: دار الشروق بيروت القاهرة، الطبعة: السابعة عشر 1412هـ. سيد قطب بن إبراهيم: مفكر إسلامي مصري، من مواليد قرية (موشا) في أسيوط. تخرج بكلية دار العلوم (بالقاهرة) سنة 1353 هـ (1934 م) وعمل في جريدة الأهرام. وكتب في مجلتي (الرسالة والثقافة) وعين مدرسا للعربية، فموظفا في ديوان وزارة المعارف. ثم مراقبا فنيا للوزارة. وأوفد في بعثة لدراسة (برامج التعليم) في أميركا (1948 - 51) وانضم إلى الإخوان المسلمين، فترأس قسم نشر الدعوة وتولى تحرير جريدتهم (1953- 54) وسجن معهم، فعكف على تأليف الكتب ونشرها وهو في سجنه، إلى ان صدر الأمر بإعدامه، فأعدم. الأعلام للزركشي ( ج 2 - ص 147). [13] سورة التغابن:11 [14] التفسير الميسر (ج1 - ص 557). [15] صُهَيْبُ بنُ سِنَانٍ أَبُو يَحْيَى النَّمِرِيُّ: مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ. وَيُعْرَفُ بِالرُّوْمِيِّ؛ لأَنَّهُ أَقَامَ فِي الرُّوْمِ مُدَّةً. وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ، سُبِيَ مِنْ قَرْيَةِ نِيْنَوَى، مِنْ أَعْمَالِ المَوْصِلِ. وَقَدْ كَانَ أَبُوْهُ أَوْ عَمُّهُ عَامِلاً لِكِسْرَى، ثُمَّ إِنَّهُ جُلِبَ إِلَى مَكَّةَ، فَاشْتَرَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جُدْعَانَ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ. وَيُقَالُ: بَلْ هَرَبَ، فَأَتَى مَكَّةَ، وَحَالَفَ ابْنَ جُدْعَانَ. كَانَ مِنْ كِبَارِ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ. رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً، خَرَّجُوا لَهُ فِي الكُتُبِ. وَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ، اسْتَنَابَهُ عَلَى الصَّلاَةِ بِالمُسْلِمِيْنَ إِلَى أَنْ يَتَّفِقَ أَهْلُ الشُّوْرَى عَلَى إِمَامٍ. وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالكَرَمِ وَالسَّمَاحَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَاتَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ( ابن عساكر: 8 / 186 / 2، أسد الغابة: 3 / 36). [16] صحيح مسلم باب المؤمن أمره كله له خير (ج4 -ص2295 - رقم 64 - (2999).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |