|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() في قرية مدين حيث الأودية الخضراء كانت قيبلة عربية تعيش في رخاء من العيش ، و على مقربة من مدين كانت قرية صغيرة ، اشتهرت بخمائلها وبساتينها . . حتى عرفت بقرية " الأيكة " .
في فترة قصيرة و قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة ازدهرت الحياة في تلك المنطقة . . و قد ساعد اعتدال الهواء و تساقط الامطار على ازدهار الحياة الزراعية و الرعي فعاشت القريتان في بحبوحة من العيش . كانت قرية " مدين " قليلة السكان و لكن رخاء الحياة ساعد في تكاثر السكان و أصبحت قرية عامرة بالأسواق و النشاط . و في تلك القرية و في ذلك الزمان عاش رجل صالح يدعى " شعيب " . كان شعيب يحبّ قريته و يحبّ قبيلته بل أنه كان يحبّ الناس جميعاً . لهذا كان يهتم بشؤون الحياة في " مدين " في قرية " الأيكة " . و لكن لماذا يبدو على شعيب الحزن ؟ . . لماذا كان الرجل الصالح يتألم من أجل قومه ؟ كان قوم أهل مدين وثنيين . . فهم يعبدون الأصنام . . يعبدون حجارة لا قيمة لها و لا دور . . و لكنهم يتصوّرون أن هذه الحجارة و هذه التماثيل المنحوتة هي التي ترزقهم و تبارك قريتهم . لهذا كان سيدنا شعيب حزيناً . . فهؤلاء الناس لا ينظرون الى السماء . . الى الكون الفسيح الى الفضاء المليء بالنجوم . لا ينظرون الى الأرض . . الى الجبال الى الاشجار كيف تخرج من قلب التراب . . لو فكروا قليللاً . . لو تأملوا لعرفوا ان هذه الاصنام و هذه التماثيل الجامدة لا شأن لها و لا يمكن أن تكون إلهاً . ان الإله الوحيد هو الله سبحانه الذي خلق كل شيء . . خلق الناس و النجوم و الأشجار و كل ما تراه عيوننا و ما ندركه بعقولنا . . من أجل هذا كان سيدنا شعيب يدعوهم الى عبادة الله الواحد و نبذ الأصنام و الأوثان . الغش في الأسواق : الله سبحانه رزق الناس كل شيء . . و أهل مدين كانوا يعيشون حياة رغيدة ، فقد كان كل شيء متوافراً في أسواقهم . . ولكنهم كانوا يَغِشُّون في معاملات البيع و الشراء ، كانوا يُنقصون في الوزن ويَغِشّون البائع و المشتري ، فاذا باعوا شيئاً خففوا في الوزن و إذا اشتروا شيئاً فانهم يشترونه بعد أن يُنقصوا في وزنه . كانوا يتصوّرون أنفسهم أحراراً في هذا العمل . وفي تلك الفترة اختار الله سبحانه الرجل الصالح شعيباً نبياً وليبلّغهم رسالته . فماذا كان موقف أهل مدين ؟ هذا ما سنعرفه فيما بعد . رسالة الله : كان سيدنا شعيب خطيباً بليغ القول . . حجّته قوّية لأنه يتحدّث باسم الحق و العدالة الانسانية . . و يتحدث بلغة الفطرة الصافية . بدأ سيدنا شعيب دعوته الى عبادة الله الواحد و نبذ الاصنام ، ثم راح يتحدث بهدوء عن فساد السوق ، و الظلم الذي يرتكبه أهل " مدين " بعد أن شاع فيهم التطفيف في الميزان . قال سيدنا شعيب لهم انكم باعمالكم هذه سوف تنشرون الفساد . . الحياة الاجتماعية تنهض على التبادل . . فكل انسان يعطي ما يفضل عن حاجته و يأخذ ما يحتاج من ضروريات الحياة . و هذا التبادل في السوق يحتاج الى أمن عام يحفظ وزن الأشياء و نوعها و مقاديرها . . فاذا أشعتم الغش والتطفيف في الميزان و أعطيتم الردئ مكان الجيد ، و اذا احتلتم على المشتري او البائع ، فان هذا فيه الدمار لكم جميعاً . كانت كلمات النبي شعيب جميلة جدّاً لأنها تريد لهم حياة أفضل ، يريد أن يعيش اهل مدين في قرية عامرة بالخير و الرزق الوفير و الأمن و الايمان . كان سيدنا شعيب يعرف ما حلَّ بقوم نوح و قوم صالح و قوم هود . . يعرف ماذا حلّ بقوم نوح و كيف غرقوا في أمواج الطوفان و كيف هبَّت العواصف لتجتث قبيلة ثمود . . و كيف أمطرت السماء شهباً و ناراً لتُحيل " سدوم " و " عامورا " على البحر الميت الى خرائب . . قال شعيب لقومه : ألا تنظرون ما حلَّ بقوم لوط هذه خرائب قريتهم تشهد على ما حلّ بهم من العذاب لأنهم عصوا رسول الله اليهم . الصداع : انقسم أهل مدين الى فريقين ، كان هناك فريق آمن بشعيب و رسالة الله التي يحملها . . كانوا فقراء مستضعفين . و كان هناك فريقاً آخر فريقاً يتألف من طغاة أهل مدين و اثريائهم . و كان هؤلاء يحاربون شعيب و الذين آمنوا به ، كانوا يهددون شعيب قائلين : ـ اننا لانفهم ما تقول يا شعيب . . ثم انك ضعيف ، و لولا رجال من قبيلتك لقتلناك أو طردناك من مدين . قال شعيب ( عليه السلام ) : اتخافون رجالاً من قومي و لا تخافون الله سبحانه . . انني لا أريد سوى اصلاح هذه القرية و لا أريد على ذلك اجراً . . انني احذّركم من غضب الله اذا ما ظللتم على فسادكم و غشكم و عبادتكم للأوثان و ما تقومون به اعمال مشينة في الأسواق من تطفيف الميزان و المكيال . قال المستكبرون : اننا أحرار في كل شيء . . احرار في ان نتصرف باموالنا . ضحك رجل وثني و قال ساخراً : ـ هل أن صلاتك هي التي تأمرك أن نترك آلهتنا و الاّ نتصرف في اموالنا بحرّية ؟! قال لهم سيدنا شعيب : انا لا انهاكم عن شيء ثم ارتكبه . . ان الحرّية ليست في أن يتصرّف الانسان ثم يظلم أخاه الانسان . تصرّفوا بأموالكم كما تشاؤون و لكن لا تظلموا الآخرين و لا تغشوهم ، و لا تطففوا في الميزان و المكيال . . انتم تعيشون في قرية واحدة . . و عليكم أن تتعاونوا فيما بينكم . . و أن يحترم كل منكم حرّية الآخرين . . يا قومي استغفروا ربكم و عودوا اليه ان ربّي رحيم ودود . .الله يريد لكم الخير . . و لهذا أرسلني اليكم . قال بعضهم : ـ انت رجل مسحور يا شعيب . . اننا لا نفهم ما تقول ابداً ، و لولا رجال من اقاربك لقتلناك . . اننا نستطيع أن نفعل ذلك متى أردنا . عندما رأى شعيب ان قومه يعاندونه و لا يستمعون الى مواعظه تركهم بعد أن حذرهم ، و قال لهم : ـ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ .... مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ . قالوا و هم يسخرون : اننا نتهمك بالكذب فاذا كنت صادقاً فأنزل علينا عذاباً من السماء . قال سيدنا شعيب : سوف تعلمون من الكاذب . و هكذا تركهم و ذهب الى قرية قريبه هي قرية " الأيكة " . أصحاب الأيكة : لم يكن سيدنا شعيب من أهل هذه القرية ، كان من أهل " مدين " ، وعندما وصل شعيب ( عليه السلام ) قرية " الأيكة " وجد أهلها يعيشون حياة تشبه حياة أهل مدين . . رأى بساتين مثمرة و قد التفت الاشجار حول بعضها ، و رأى خيراً وفيراً ، فالعيون تتدفق من قلب التراب . . و الصخور ، و تسقي الحقول و لكنهم أيضاً كانوا يعبدون الاصنام و يغِشُّون في معاملات البيع و الشراء . لهذا قال لهم سيدنا شعيب : ـ ألا تتقون الله و تخافون غضبه ؟ انني اخاف عليكم من عقوبة الله . . ان الله لا يحب الفساد و لا يحب الأشرار . . فلا تعثوا في الارض مفسدين ! رفض أهل الايكة الايمان برسالة شعيب و قالوا عنه أنه ساحر كذاب . قالوا له : ـ اذا كنت صادقاً فانزل علينا كِسفاً من العذاب . قال شعيب بأدب عظيم : ـ ان الله يعلم ما تعملون انني ابلغكم رسالة ربّي . . وأن ما أريده هو الاصلاح ما استطعت . قالوا : ـ انما انت ساحر كذاب . . ما هو فرقك عنّا أنت بشر مثلنا . و هكذا عاد شعيب الى مدين و راح أهل الايكة يمارسون حياتهم بعيداً عن الايمان و العدالة و الصلاح . أما أهل مدين ، فقد بدأ الصراع فيها بين المؤمنين و الوثيين ، لم يكتف الكفار بعدم الايمان برسالة الله بل راحوا يهددون المؤمنين و يؤذونهم . . حتى وصل الأمر بهم أن يهددوا المؤمنين بالعودة الى الوثنية . نصح النبي شعيب قومه الاّ يقطعوا طريق الايمان . . إنه الطريق المشرق في الظلام ، و ان الله سبحانه لن يغفر لهم ذلك . و ذات يوم جاء الكفار و قالوا لشعيب : ـ سوف نطردك و نطرد الذي آمنوا بك و اتبعوك . قال أحد المؤمنين : ـ لكنا لم نفعل شيئاً نستحق عليه الطرد ؟! قال الكفار : ـ سوف نرغمكم على العودة الى ديننا . استنكر النبي ( عليه السلام ) و قال : ـ حتى لو كنا نكره هذه العقيدة ،! كلاّ لن يعود المؤمن الى عبادة الوثن بعد أن اضاء الله قلبه . رفع شعيب يديه الى السماء و قال بخشوع : { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }. النهاية : اعتزل سيدنا شعيب قومه ، ولكن الوثنيين لم يتركوا النبي و الذين آمنوا ليعيشوا بسلام . كانوا يحاولون اعادتهم الى الوثنية ، و كانوا يؤذونهم باستمرار . كانوا اذا رأوا أحداً يريد الاقتراب من منزله و الاستماع الى مواعظه فانهم يعطعون الطريق عليه و يهددونه . و كان سيدنا شعيب يذكرهم بمصائر الامم السابقة ، يذكرهم بمصير الذين كانوا يؤذون الانبياء و يحاربون المؤمنين . لقد رأوا خرائب سدوم و عامورا ، و لكنهم لم يعتبروا من ذلك المصير الرهيب الذي حلّ بقوم لوط ! و جاء اليوم الموعود . . بكر الناس الى أعمالهم ، بعد أن ركعوا و سجدوا للاوثان و الحجارة . . و كانت اسواقهم تسودها ضجة ، و عيونهم تبرق بالغش . كانوا يفكرون كيف يحتالون أكثر ليربحوا أكثر ! و هكذا انقضى اليوم و غابت الشمس و حلّ الظلام . مرّت ساعات الليل بطيئة متثاقلة . فجأة اهتزت الأرض هزّات مدمّرة و كانت لحظات رهيبة تحولت فيها مدين الى انقاض و خرائب . و عندما يمرّ المرء بتلك القرية الجميلة فانه سيصاب بالدهشة كيف تحولت و في لحظات الى اطلال و خرائب ؟! و كان العجيب في تلك الحادثة أن المؤمنين وحدهم قد نجوا و خرجوا من القرية بسلام . أما قرية الايكة ، فقد حلّ فيها عذاب آخر و كان عذاب يوم الظلّة . و رأى سيدنا شعيب خرائب القرية فقال بحزن : { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ }[1]. و عاش سيدنا شعيب بقية عمره في " مدين " و كان عنده قطيع من الماشية .
__________________
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |