|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خاطرة في إصلاح الفكر وبناء إستراتيجية ( مَن المفيد لصناعة القرار؛ المخالف في الرأي أم الموافق؟! ) د. عوض بن حمد الحسني هذه الخاطرة وهج بريقها أثناء قراءتي لعبارة تقول: "إن العاقل ليستبقي إخوانه بإخفاء بعض آرائه؛ فمصلحة الاجتماع وصفاء القلب أولى من كثير مما نظنه صدعًا بالحق، وكم للهوى من أقنعة". فأقول لتوسيع الفائدة، ومخاطبة الجميع، فالكاتب ومن يملك فكرًا، فهو يخاطب بفكره جميع القُرَّاء ليقدم فكرًا أو يصحح خللًا، أو يضيف جديدًا، وهكذا يكون تلاقح الأفكار والعقول؛ لتقديم كل مفيد وجديد، في ساحة الفكر، وبناء المدارك العليا للقُرَّاء. لذلك حاولت بعد قراءتي لتلك المقولة، أن أسلط بؤرة عدستي من زاوية أخرى للمقولة، وقراءتها من زاوية أخرى؛ فمن خلال تجاربي الحياتية المتعددة في مجالات القيادة المتنوعة أيضًا، وفي مجالات البناء الفكري والتطوير المهاري، فأقول مستعينًا بالله: يمكن أن نقول بأفق أبعد، أن العقلاء يستبقون وداد فريق عملهم بأن يرحبوا بقبول طرح الآراء، والاستماع إليها، ومناقشتها بجدية وحيادية بعيدًا عن الهوى والأنا من أجل مصلحة العمل وتطويره والارتقاء به، فالغالب أن الموافق ومن يهز بالرأس لا يقدم شيئًا يذكر إلا التبعية المجردة، وهنا أصحاب الأهواء- طبعًا وهم لا ينظرون إلى أنفسهم بأنهم أصحاب أهواءٍ؛ لأنهم مسلطون بؤرة عدستهم على المخالف أو من يبدي الرأي أنه صاحب هوى، وهم بالهوى أولى!- يعجبهم ولاء وانقياد الموافق لهم ليس لأنه صاحب رأي وفكر وحكمة؛ بل لأنه صاحب موافقة! وهنا يكون الخلل، ومن هنا تصدر التوجيهات وتُبنى القرارات وهي مريضة عرجاء؛ ولكن تُزين وتُبهرج وكأنها صحيحة سليمة، وهي بالأمراض والأدواء مثقلة جريحة! فالقائد الواثق يحب ويقرب المخالف في الرأي؛ لأنه يقدم له شيئًا جديدًا، وربما يكون مفيدًا، أو يلفت نظره إلى شيء كان غائبًا عن الموافقين؛ لأنهم كانوا يركزون على مجرد الموافقة للموافقة، وكسب ولاء ورضاء القائد أو أصحاب القرار وصُنَّاعه؛ فالموافق هنا لمجرد الموافقة، وهو في الحقيقة يسهم في تضليل توصيات الاجتماع، والخروج بنتائج بعيدة المدى غير مرضية- لأصحاب النضج الفكري والتطلُّع للآراء البناءة- وهي بالأدواء الفتاكة مثقلة؛ وصدق من قال: إن فاقد الشيء لا يعطيه. وخلاصة قولي وتجاربي الحياتية التي تجاوزت الثلاثين عامًا، أن المخالف الذي يقدم رأيه في مجالس صناعة القرار، يفيد القرار قوةً وصلاحًا، ونفعًا للعمل، وتحقيقًا للمصلحة؛ فمن مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، ما يشهد أو يشير إلى ذلك، ومنها ما يحضرني: • ففي غزوة بَدْر- أول غزوة في الإسلام- وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش بأن يعسكر قبل مياه بَدْر، فسأله الحباب بن المنذر، عن سبب الاختيار، فقال: «يا رسول الله، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتعدَّاه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟»، فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، فأشار على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن يترك مياه بَدْر خلفه؛ لئلا يستفيد منها المشركون، ويستفيد منها المسلمون، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته؛ فلم يكن رأيه موافقًا، بل مخالفًا مع توضيح السبب، وكان فيه فائدة مصلحة راجحة للمسلمين. • غزوة الخندق، ورأي سلمان الفارسي لم يكن معروفًا لدى العرب في فنون الحروب؛ فأشار بحفر الخندق، وهذا طرح رأي واستماع له من صاحب القرار، مع أنه لم يكن معروفًا لدى العرب قبل ذلك؛ بل سميت الغزوة باسمه، وأمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق شمالي المدينة، وهو يمتد من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية، وهذه هي الجهة التي كانت مكشوفة تؤتى المدينة من قبلها، وبهذا لم يستطع جيش العدو الوصول، وبقي محاصرًا للمسلمين ثلاثة أسابيع من خلف الخندق حتى أنهك، وكان طوله يزيد على 5000 ذراع، وعمقه سبع أذرع، وعرضه تسع. • النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب؛ فشرب وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: إن أذنت لي أعطيت هؤلاء، فقال: ما كنت لأوثر بنصيبي منك يا رسول الله أحدًا، فتَلَّه في يده". والشاهد من هذا أن المدرسة المحمدية على صاحبها أفضل صلاة وسلام، أنها كانت تربي صغار القوم على إبداء الرأي والاستماع إليه؛ بل الأخذ به إذا كان صائبًا أو كان صاحب حق، فكيف بكبار القوم وأصحاب الرأي والمشورة؟! • بل حتى وإن المخالف في الرأي مخالفًا في المعتقد، يقبل قوله لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويوجه أتباعه بالرأي الصائب، وإن كان غير محب لصاحبه، عَنْ قُتَيْلَةَ، امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ: "أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئْتَ"؛ صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة". وهكذا كانت المدرسة المحمدية على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم، تربي الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم ممن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، وأن هذه المدرسة التربوية المحمدية، هي التي أخرجت للبشرية قادة الفكر وصُنَّاع القرار، الذين حفل التاريخ بسيرهم وإنجازاتهم التي غيرت المجتمع في أقل من ربع قرن من مجتمع بدوي أحادي الرأي إلى مجتمع حضاري يبني الفكر، ويطور المعرفة، ويقبل الرأي، ويأخذ بالقول السديد بعيدًا عن الهوى والتعصب للرأي وحب الذات، وتقديم الأنا في جميع الميادين، يمتثل القيم والأخلاق والمبادئ الإسلامية في أنفاسه قبل أقواله وأفعاله، ينسجم سلوكه العملي مع تصوره الفكري النابع من مصدرَي الشريعة الإسلامية الكتاب والسنة، تصورًا ومنهجًا وسلوكًا بدون تكلف وتصنع. وفي الختام، أشير إلى قاعدة إدارية تربوية؛ لعلي أجمع من خلالها أبعاد خاطرتي المعنون لها: خاطرة في إصلاح الفكر وبناء استراتجية: مَن المفيد لصناعة القرار، المخالف في الرأي أم الموافق؟! قاعدة إدارية تربوية لمجالس صناعة القرار: من قواعد الإدارة الراشدة والواثقة- من وجهة نظري وخبرتي الحياتية- أن التجانس في مجالس صناعة القرار يضعف النتائج المأمولة، وأن اختلاف التجانس في هذه المجالس يصحح القرارات، ويحسن النتائج المتوقعة بإذن الله، وأما المجالس التنفيذية فالأولى لها أن يكون التجانس متوفرًا في أفرادها؛ ليسهل عليهم التنفيذ، فهم في النهاية المنفذون، وليسوا صُنَّاع قرار.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |