غزوة حنين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السياسة النبوية في اكتشاف القدرات وتنمية المهارات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          توبة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          هوس الشهرة عند الشباب والفتيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الخشية من الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          العولمة وتشويه الغيب في وعي المسلم المعاصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وقفات مع الذكاء الاصطناعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          تقنية الذكاء بين الهدم والبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مفهوم الرذيلة عند الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          المراهقون بين هدي النبوة وتحديات العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          النظام في هدي خير الأنام صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2024, 12:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,801
الدولة : Egypt
افتراضي غزوة حنين

غَزْوَةُ حُنَيْنٍ

أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي



الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]، ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « غَزْوَةُ حُنَيْنٍ ».


فَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ - أَيُّهَا النَّاسُ - سَقَطَتْ زَعَامَةُ قُرَيْشٍ، فَحَمَلَتْ هَوَازِنُ رَايَةُ الشِّرْكِ، وَهِيَ قَبِيْلَةٌ عَرَبِيَّةٌ شَهِيْرَةٌ مُضَرِيَّةُ عَدْنَانِيَّةٌ، مِنْهَا فُرُوعٌ جَمَّةٌ غَزِيْرَةٌ، مِنْهَا ثَقِيْفٌ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ فِي الطَّائِفِ الحَصِيْنَةِ فِي حِيْنَ انْتَشَرَتْ بُطُونُ هَوَازِنَ الأُخْرَى عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ الأَحْمَرِ مِنْ حُدُودِ الشَّامِ إِلَى حُدُودِ اليَمَنِ، تَجَمَّعَتْ هَذِهِ القَبِيْلَةُ فِي «حُنَيْنٍ» وَالَّتِي لاَ تَبْعُدُ عَنْ مَكَّةَ سِوَى عِشْرِيْنَ كَيْلاً شَرْقِي مَكَّةَ، وَتُعْرَفُ الآنَ بِالشَّرَائِعِ [1].

وَكَانَ عَدَدَ جَيْشِ هَوَازِنَ كَمَا ذَكَرَ الوَاقِدِيُّ عِشْرِيْنَ أَلْفًا [2]، وَرَجَّحَ ذَلِكَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الفَتْحِ» [3]، وَذَلِكَ بِقِيَادَةِ مَالِكٍ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ، وَكَانَ فِي الثَّلَاثِيْنَ مِنْ عُمُرِهِ، وَقَدْ عُرِفَ بِالشَّجَاعَةِ وَحُسْنِ البَلَاءِ فِي القِتَالِ، وَأَسْلَمَ فِيْمَا بَعْدُ وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، فاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ [4].

فَفِي مُسْتَدَرَكِ «الحَاكِمِ» بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «إِرْوَاءِ الغَلِيْلِ»[5]، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارَ إِلَى حُنَيْنٍ لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ، جَمَعَ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النَّصْرِيَّ مِنْ بَنِي نَصْرٍ، وَجُشَمَ وَمِنْ سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَوْزَاعَ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَوْزَعَتْ مَعَهُمُ الْأَحْلَافُ مِنْ ثَقِيفٍ، وَبَنُو مَالِكٍ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَارَ مَعَ الْأَمْوَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ.

فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَقَالَ: « اذْهَبْ فَادْخُلْ بِالْقَوْمِ حَتَّى تَعْلَمَ لَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ ».

فَدَخَلَ فَمَكَثَ فِيهِمْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ: إِنْ كَذَّبْتَنِي فَرُبَّمَا كَذَّبْتَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « قَدْ كُنْتَ يَا عُمَرُ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ - ».

ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا مِائَةَ دِرْعٍ، وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عِدَّتِهَا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: « بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْكَ »، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَائِرًا ».

وَقَدْ سَارَ مَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةُ آلَافِ مِنَ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعَهُ فِي الفَتْحِ، وَأَلْفَانِ مِنْ طُلَقَاءِ مَكَّةَ، وَشَهِدَ مَعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ حُنَيْنًا، وَهُو مُشْرِكُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي خَمْسٍ خَلَتْ مِنْ شَوَّالِ مِنَ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ، وَمَرَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَجَرَةِ يُعَظِّمُهَا المُشْرِكُونَ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ بَعْضُ جُهْالِ الأَعْرَابِ: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « قُلْتُمْ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]،لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قبلكُمْ»، جَاءَ ذَلِكَ فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «مَوَارِدِ الظَّمْانِ» [6].

ثُمَّ نَهَضَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَافَى حُنَيْنَ وَهُوَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ، وَقَدْ كَمَنَّتْ لَهُمْ هَوَازِنُ فِيْهِ، وَذَلِكَ فِي عِمَايَةِ الصُّبْحِ -أَيْ ظَلَامُهُ- فَحَمَلُوا عَلَى المُسْلِمِيْنَ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَوَلَّى المُسْلِمُونَ لاَ يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، جَاءَ ذَلِكَ فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «فِقْهِ السِّيْرَةِ»[7].

فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين [التوبة: 25، 26].

وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفِرَّ وَمَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْر وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَمَّهُ العَبَّاسُ وَأَبْنَاهُ الفَضْلُ وَقُثمُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَابْنُهُ جَعْفَرُ، وَآخَرُونَ.

فَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ» [8]، عَنْ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ عَبَّاسٌ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ.

قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ »، فَقَالَ عَبَّاسٌ: وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ، قَالَ: فَوَاللهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ، وَالدَّعْوَةُ فِي الْأَنْصَارِ، يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ.

قَالَ: ثُمَّ قُصِرَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ: « انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ».


قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى، قَالَ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا ».

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: « قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِرَارَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ الْفِرَارُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا فَتَحَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُؤَلَّفَةِ، وَمُشْرِكِيهَا الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فَجْأَةً لِانْصِبَابِهِمْ عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَرَشْقِهِمْ بِالسِّهَامِ، وَلِاخْتِلَاطِ أَهْلِ مَكَّةَ مَعَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ، وَمِمَّنْ يَتَرَبَّصُ بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِرَ، وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانُ خَرَجُوا لِلْغَنِيمَةِ، فَتَقَدَّمَ إِخْفَاؤُهُمْ فَلَمَّا رَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَلَّوْا فَانْقَلَبَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى سَكِينَتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَكَرَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الْقُرْآنِ[9].

فَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ»[10]، مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا -أَيْ سِكِّيْنًا-، فَكَانَ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟».


قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْحَكُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنْ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ».

وَالطُّلَقَاءُ - أَيُّهَا النَّاسُ - هُمُ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ، وَكَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ ضَعْفٌ، فَاعْتَقَدَتْ أُمُّ سَلِيمٍ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، يَسْتَحَقُّونَ الْقَتْلَ لانْهِزَامِهِمْ، وَقَوْلُهَا: (انْهَزَمُوا بِكَ) أَيْ: انْهَزَمُوا عَنْكَ، أَيْ: أَنَّهُمْ كُانُوا سَبَبَ الهَزِيْمَةِ.

لَقَدْ أَسْفَرَتِ المَعْرَكَةُ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَلَى فَتْحٍ مُبِيْنٍ وَنَصْرٍ عَظِيْمٍ، فَقَدْ فَرَّتْ هَوَازِنُ بَيْنَ يَدَيِّ المُسْلِمِيْنَ، وَالمُسْلِمُونَ يَتَّبِعُونَهُمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، فَلَمْ يَرْجِعْ آخِرُ الصَّحَابَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا وَالأَسَارَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَازَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْوَالَهُمْ وَعِيَالَهُمْ [11].

وَانْحَازَتْ طَوَائِفُ مِنْ هَوَازِنَ إِلَى أَوْطَاسِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ أَبَا عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ.

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [12]، مِنْ حَدِيْثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ يَا عَمِّ: مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامِرٍ، إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: إِنَّ ذَاكَ قَاتِلِي تَرَاهُ ذَلِكَ الَّذِي رَمَانِي.

قَالَ أَبُو مُوسَى: فَقَصَدْتُ لَهُ فَاعْتَمَدْتُهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى عَنِّي ذَاهِبًا فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلَا تَسْتَحْيِي، أَلَسْتَ عَرَبِيًّا أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ، فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ فَاخْتَلَفْنَا أَنَا وَهُوَ ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ - أَيْ ظَهَرَ وَجَرَى -، فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي: انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ، يَقُولُ لَكَ أَبُو عَامِرٍ: اسْتَغْفِرْ لِي.

قَالَ: وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، وَمَكَثَ يَسِيرًا، ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ، وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي.

فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي عَامِرٍ عَبْدِكَ »، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ مِنَ النَّاسِ ».


فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِي، فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا ».

وَكَانَ أَبِي عَامِرٍ - أَيُّهَا النَّاسُ - رَابِعَ أَرْبَعَةٍ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَالثَّانِي أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَالثَّالِثُ يَزِيْدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، وَأَمَّا المُشْرِكُونَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيْرٌ » [13].
وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

[1] انْظُرْ : «السِّيْـرَةُ النَّبَوِيَّةُ الصَّحِيْحَةِ » لِلعِمَرِي (2/ 489).

[2] «مَغَازِي الوَاقِدِي » (3/ 893).

[3] «فَتْحُ البَارِيّ» (8/ 29).

[4] «الفُصُولُ » لِابْن كَثِيْرٍ (241).

[5] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ(3/ 48)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «إِرْوَاءِ الغَلِيْلِ» (1515).

[6] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدَ (5/ 98)، وَالتِّـرْمِذِيِّ(2180)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «مَوَارِدِ الظَّمْانِ» (1540).

[7] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدَ (3/ 376-377)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي « تَخْرِيْجِ فِقْهِ السِّيْرَةِ» (422).

[8] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1775).

[9] « شَرْحُ النَّوَوِي عَلَى مُسْلِم » (12/ 115).

[10] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1809).

[11] «الفُصُولُ فِي سِيْرَةِ الرَّسُولِ » لِابْن كَثِيْرٍ (237).

[12] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4323)، وَمُسْلِمٌ (2498).

[13] «الفُصُولُ فِي سِيْرَةِ الرَّسُولِ » لِابْن كَثِيْرٍ (237).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.27 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]