القرآن واللبن: شاربهما ممدوح أم مذموم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل الأرز بالمشروم بخطوات بسيطة.. ينفع فى الغداء والعشاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          6 خطوات سهلة التطبيق تساعدك على خسارة وزنك الزائد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          طريقة عمل البيكاتا بالمشروم في مطبخك.. بدل ما تشترى من برا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          لتنظيف الرنجة والفسيخ في المنزل.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          5 نصائح للحصول على بشرة مشرقة.. حافظي على جمالك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          طريقة عمل طاجن العكاوي بخطوات بسيطة.. لو عندك عزومة ومش عارفة تعملى إيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          4 حيل لإضاءة منزلك تجعله مشرقا طوال اليوم.. خليه منور دايمًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          علامات دالة على سلامة أو فساد الفسيخ والرنجة.. أبرزها العين والجلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          طريقة عمل سلطة الرنجة بالرمان والليمون.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          8 فوائد لماء جوز الهند لبشرتك.. أبرزها التخلص من التصبغات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-03-2024, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,052
الدولة : Egypt
افتراضي القرآن واللبن: شاربهما ممدوح أم مذموم

القرآن واللبن: شاربهما ممدوح أم مذموم
أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز




الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمدك ربنا حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا تطيب به الحياة، وتستديم به النعم، وتنفتح معه مغاليق العلم، وتنشرح له أسارير المسائل، وتتجلَّى به بوارق الأفهام، حمدًا لك إلهي حتى يبلغ الحمد منتهاه، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلاةً تكون طريقًا لفهم مجامع كلِمِهِ، وبابًا تفتحُ به ما غاب عني من معاني بيانهِ، وتهبُ لي ما خفيَ عليَّ من مرادات هديك، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقاه، أما بعد:
فإن الله أنزل كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، ولتسعد به البشرية، قال الله تعالى: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه: 1، 2]، وجاء وصفه، قال الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وَالْمُبَارَكُ: الْمُنْبَثَّةُ فِيهِ الْبَرَكَةُ؛ وَهِيَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، وَكُلُّ آيَاتِ الْقُرْآنِ مُبَارَكٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا: إِمَّا مُرْشِدَةٌ إلى خَيْرٍ، وَإِمَّا صَارِفَةٌ عَنْ شَرٍّ وَفَسَادٍ، وَذَلِكَ سَبَبُ الْخَيْرِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَلَا بَرَكَةَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وما ذلك إلا لأن قراءة القرآن ذكر للهِ، واستماع لحديث اللهِ، وترداد له، فهو إصلاح للقلوب وللنفوس.

وليس بدعًا من القول أن التعامل مع القرآن كله خير، كيف لا وهو شريعة الله المنزلة على قلب حبيبنا ونبينا وسيّدنا محمد؟ وهو ما ختم الله به الأديان، وهو كلام الله الخالد الذي قال: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمته أن تمعن النظر في كتاب الله، فتعقله، وتتدبر معانيه، وتنقله من الواقع النظري إلى الواقع العملي، فالقرآن ليس كتابًا يُقرأ ويُتلى فحسب، وإنما هو شريعة ومنهج، ختم الله به الشرائع، تبيانًا لكل شيء وهدًى ورحمة للعالمين.

ومن عجيب ما وقفت عليه من الهدي النبوي تشبيهُ (شرب القرآن) بـ (شرب اللبن)، وهو ما أثار الجدل والسؤال في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات العلمية والبحثية في أرجاء المعمورة، فأحببت أن أدلو بدلوي، وأبذل جهدي جهد المقل رجاء الوصول إلى فهم المراد في النص المذكور مع تخريجه والحكم عليه، ثم الغوص في أغواره، وتبيان معانيه الدقيقة، والجمع بين النصوص للوصول إلى المعنى المرجو، أقول وبالله التوفيق:
أخرج الروياني (المتوفى سنة: 307هـ) بسنده عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ[1]قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَشْرَبُونَ الْقُرْآنَ كَشُرْبِهِمُ اللَّبَنَ»[2].

وأخرجه الطبراني (المتوفى سنة: 360هـ) بلفظ: «سَيَخْرُجُ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَشْرَبُونَ الْقُرْآنَ كُشُرْبِهِمُ اللَّبَنَ»[3]، وكذا أخرجه المستغفري في فضائل القرآن[4]، وابن قطلوبغا في مسند عقبة بن عامر[5].

قال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ[6].
وقال المناوي: رِجَاله ثِقَات[7].
وقال الألباني: حسن[8].

واختلفت أنظار الشراح في فهم معنى هذا الحديث؛ فذهبَ قوم على حمله على معنى الذمِّ، وحمله قوم آخرون على معنى المدح:
فممن حمله على معنى الذم:
1-المناوي؛ أي: يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه، ولا تأمل في أحكامه؛ بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة[9]. قلت: أي الذم على العجلة في قراءة القرآن وعدم تدبر معانيه.

2-قلت: وهذا ما نلمحه ونفهمه من إخراج الهيثمي له في (باب مَا جَاءَ فِي الْخَوَارِجِ)[10]. فجعل هذا الفعل من أفعال الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وهم من يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم.

3-وكذا فعل المتقي الهندي فقد أخرجه في (باب قتل الخوارج وعلاماتهم...)، وذكره بين حديثين؛ الأول: "يخرج قوم في آخر الزمان يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم سيماهم التحليق..."، والثاني: "ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"[11].

4-وقال الأمير الصنعاني (1182هـ): أي يتلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه ولا تأمل في أحكامه؛ بل يمرونه على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة، وهذا ذم لهم[12].

قلت: والتلقي هنا مقصود؛ قال الله تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15، 16]، فالتلقي هنا للذم، فكما ذمَّ اللهُ أقوامًا تناقلوا خبر الإفك دون التفكر به، فهنا ذم هؤلاء فيتلقون القرآن ولا يتعظون به ولا يعملون به، وهو ملحظ مهم منه رحمه الله.

5-وفهمه المستغفري على أنه من باب الاسترزاق بالقرآن وهو مذموم، فقد أخرجه في: (باب ما جاء في الوعيد لمن يستأكل بالقرآن)[13]، فهؤلاء يسترزقون بالقرآن كما يسترزق باللبن، والله أعلم بالصواب.

وذهب قوم إلى فهمه على معنى المدح ومنهم:
1-قال الأمير الصنعاني (1182هـ): ويُحتمل-أي صيغة تضعيف-أن المراد يغتذون به كما يُغتذى باللبن، فيكون مدحًا لهم[14]. بعد أن ذكر قوله: (أي يتلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه ولا تأمل في أحكامه؛ بل يمرونه على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة، وهذا ذم لهم).

2-ونحا الشيخ محمد نصر الدين محمد عويضة منحًا إيجابيًّا آخر، فقال: ويجب عليه أن يجاهد نفسه في مراجعة القرآن حتى يشربه كشرب اللبن [15]. ثم ذكر الحديث، ففهمه أنه من باب لا بد من مراجعته مرة بعد مرة حتى يتمكَّن؛ فيكون عليه كشربة لبن.

وأنا أقف مع النص بعد صحة الاستدلال به فأقول:
1- قراءة القرآن ممدوحة عمومًا؛ فهي من أفضل الأعمال، وصاحبها مثاب عليها سواء عقل المعنى أو لم يعقله؛ فعنعبدالله بن مَسْعُودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قَرَأَ حَرْفًا من كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: ﴿ الم ﴾ [البقرة: 1] حَرْفٌ؛ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»[16].

وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ عشر آيات في ليلةٍ لم يكتب من الغافلين»[17].

وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «من حافظَ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائة آية كتب من القانتين»[18].

والقراءة كلها ممدوحة، وهي على قسمين:
الأول: من قرأ القرآن وهو عليه شاقٌّ لا يحسن القراءة فهو ممدوح؛ فعن عَائِشَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «الْمَاهِرُ في الْقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ وهو عليه شَاقٌّ يَتَتَعْتَعُ فيه له أَجْرَانِ اثْنَانِ»[19].

الثاني: من قرأ القرآن وهو يتقن القراءة، فله أجر عظيم، ومنزلة كريمة مع الملائكة الأخيار؛ فعن عَائِشَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الذي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وهو حَافِظٌ له مع السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعَاهَدُهُ وهو عليه شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ»[20].

قلت: وبهذا الوصف أصبح القارئ هنا كالماهر فيه، والله أعلم بالصواب، فالذم هنا ليس للقراءة؛ وإنما لمن لا ينتفع منها كما ينتفع جسمه بالتغذي من اللبن.

2- أنه صلى الله عليه وسلم نسب صاحب هذا الفعل له ولأمته، والنسبة هنا للمدح والشرف لا للذم فقال: «من أُمَّتي».

ويَردُ عليه أنه لم يرد مطلقًا؛ وإنما قُيد بالخروج، وفي هذا معنى يخرجه من المدح إلى الذم، فهؤلاء وإن كانوا من أمته؛ لكن أفعالهم ليست مرضية بدليل أن القرآن لم يؤثر فيهم وفي تصرُّفاتهم.

3- ذُكر اللبن في النصوص-أي الحليب-ممدوح عمومًا لحادثة المعراج، فاختار اللبن صلى الله عليه وسلم، ولم يختر الخمر. فاللبن يدل على الصفاء والفطرة كما هو معلوم؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ، أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ،... ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ»[21].

لو أراد السرعة وذم الاستعجال بالقراءة لذكر الماء من باب أولى؛ فهو أسرع بالمرورإلى الجوف كما هو معلوم، وكما هو دارج على ألسنة الناس كشربة ماء. ويرد عليه أن القرآن بذاته ممدوح فهو كاللبن، وإنما فاعل هذا الفعل مذموم وهم أقوام بعينهم- أي: الخوارج- فهذا من أوصافهم؛ أي: إن القرآن لا يؤثر في حياتهم وتصرُّفاتهم فهم مذمومون لذلك، والله أعلم بالصواب.

4- اللبن هو الشراب الوحيد الذي كان رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا شربه قال: «لَيْسَ شَيْءٌ يَجْزِي مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْر اللَّبَنِ».


وهو الطعام الوحيد -وسمَّاه طعامًا وليس شرابًا في النص لفائدته الجمة دون غيره من الأشربة- الذي كان يطلب من ربِّه الزيادة منه ولم يطلب خيرًا منه؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ، فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا»، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أُوثِرُ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطْعَمَهُ اللهُ الطَّعَامَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ». وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ يَجْزِي مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْر اللَّبَنِ»[22].

وفي هذا معنى مهم؛ وهو أن فاعل ذلك سيتغذَّى به كما يتغذَّى باللبن، فيعم النفع سائر أعضائه، وهذا هو فعل القرآن بالمسلم، وعليه ينبغي بقارئ القرآن أن يؤثر في سلوكه كما يؤثر اللبن في تغذية جسمه.

5- أنه حث منه صلى الله عليه وسلمعلى التمكُّن في كتاب الله من كثرة قراءته وإعادته، فيصبح عليه يسيرًا كشربه اللبن، وكما أنه ينبغي أن يكون اللبن يفيد الجسم ماديًّا وينعكس ذلك على أعضائه، فكذلك ينبغي له أن ينتفع بالقرآن معنويًّا، ويفيض على قلبه وجوارحه.

6-كلمة (يشربون) تدل على التكرار والحدوث يعني مرة بعد أخرى، وهو ممدوح في السنة، وهذا هو الحالُّ والمرتحل في كتاب اللهِ[23]، فقد ورد جواز الختم في كل ثلاثة أيام والذي يفعل ذلك؛ أي: يقرأ عشرة أجزاء في اليوم واللية؛ أي: تستغرق ثلث يومه تقريبًا، وهذا لا يتأتَّى إلا بالسرعة في القراءة؛ فيكون ممدوحًا لا مذمومًا، وهذا ينفع من جهة أخرى كما فهمه بعض الأفاضل أنه يفيد الرسوخ في الذهن؛ أي: طلب منهم تكرار القراءة؛ لأنه سيؤدي إلى ثبوتها ورسوخها في الذهن كما سلف ذكره. وعلى هذا يكون المفهوم للحديث بمعنى المدح لا الذم.

7- قد يفـهم من كلمة (شرب) معنى: أَحَبَّ، وتَعَلَّقَ؛ لقولـه تعالى: ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ﴾ [البقرة: 93]، قَالَ الْمُفَـسِّرُونَ: حُبَّ الْعِجْلِ[24]. وضَعَّف ابن هشام من أَوَّلَهُ بمعنى: حب العبادة فقال: (وَضعف قَول بَعضهم فِي ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ﴾: إِن التَّقْدِير حب عبَادَة الْعجل، وَالْأولى تَقْدِير الْحبّ فَقَط)[25].

وعليه يكون المعنى: أنهم يحبون القرآن، كحبهم لشرب اللبن. ويكون على هذا التأويل بمعنى المدح ظاهرًا.
وَيَرِدُ عليه أن هذا الحب هو حب ميل وهوى لا حب اتِّباع وعمل فهو مذموم؛ لأنه من أحب القرآن لا بد له من دليل على صدق حبه، والدليل: هو العمل بمعناه ومقتضاه، وقد قيل: (ومشرب الرجل: ميله وهواه. يُقَال: هم قوم اخْتلفت مشاربهم)[26]،فهؤلاء ميلهم وهواهم ينصرف إما بقراءته بما لا يجاوز تراقيهم أو بتأويل القرآن على غير ما أنزل الله بمعزل عن السنة وأحكامها. وأحسب أنَّ هذا ما فهمه ابن عبدالبر فبوَّب لهذا المعنى فقال: (بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ...ثم قال: أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَع أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ، وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُذْلَانِ، وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بْرَحْمَتِهِ...)[27].

8-تستعمل كلمة (شرب) بمعنى: فَهِمَ، قال ابن فارس(395هـ): (قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الشَّرْبُ الْفَهْمُ، يُقَالُ: شَرِبَ يَشْرَبُ شَرْبًا، إِذَا فَهِمَ. وَيُقَالُ: اسْمَعْ ثُمَّ اشْرَبْ)[28]، وهذا ما ذهب إليه الزمخـشري (المتوفى: 538هـ) فقال: (وشرب ما ألقى عليه شربًا إذا فهمه، يقال: اسمع ثم اشرب)[29]، وعلى هذا يكون المعنى للمدح لا للذم.

وَيَرِدُ عليه أنَّ هؤلاء وإن فهموا الكتاب فقد فهموه على غير ما أنزل الله، وفهمهم بما يتوافق مع ميلهم وهواهم، فتركوا السُّنَّة والجمعة والجماعة، وخرجوا إلى البوادي، فطلبوا المراعي وشرب اللبن كما سيأتي بيانه من حديث عقبة بن عامر المُبَيِّنِ للمُجْمَل هنا.

ويمكن أن يفهم الحديث بمعنى الذم زيادة على ما سبق فأقول:
9-إن كلمة (الخروج) تستخدم عمومًا في السنة وهي تدل على الذم وليس للمدح كما ورد في أحاديث عدة بوصف الخوارج وغيرهم، وهذا ما فهمه علماء الأمة؛ كالهيثمي وقبله المستغفري؛ فعن عبدالله بْن عُمَرَ قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ"[30].

وعن علي قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَيَخْرُجُ أَقْوَامٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتَهُمْ فَاقْتُلْهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[31].

فيكون المراد أنه من شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته أمرهم ألا يستعجلوا بالقراءة؛ وإنما أراد منهم الفهم لكتاب الله وتدبر معانيه، فقد وردت عشرات النصوص التي تؤيد هذا المعنى في كتاب الله، فمدح الله الذين يعقلون،ويتفكَّرون، ويتدبرون القرآن[32].فالذم هنا ليس لقراءة القرآن وإنما لمن قرأه دون تفكُّر وعمل.

10- كلمة "أقوام" وردت في السنة للتقليل من شأن أصحابها، وهي بمعنى: الذم عمومًا؛ ومنها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالعَهْدِ»[33].

وقوله: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً»[34].

وقوله: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ»[35].

وقوله: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا تَرْجِع إِلَيْهِمْ»[36].

فهؤلاء القوم مذمومون وليسوا من أهل المدح، فالذم لهم لا لفعلهم.

11- ورد الجمع بين كلمة "يخرج"، أو "سيخرج" مع كلمة "أقوام" للذم على فعل الخوارج دون غيرهم، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، وفي لفظ: «يَخْرُجُ مِنْهُ أَقْوَامٌ»[37].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 114.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.67 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]