التذكير بالنعم المألوفة (5) {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 323 - عددالزوار : 54641 )           »          فتاوى فى الصوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          افطرت فى رمضان ولا تستطيع القضاء ولا الإطعام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          و دخل رمضان ،، مكانة شهر رمضان و أجر الصيّام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          هل العدل في الهدايا بين الزوجات واجب؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أشياء لا تفسد الصوم . أمور لا تفطر الصائم . فتاوى للصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          صور لكيفية التطهر للصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دعاء يقال عند شدة الحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          رمضان وضرورة التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-11-2022, 02:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,426
الدولة : Egypt
افتراضي التذكير بالنعم المألوفة (5) {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}

التذكير بالنعم المألوفة (5) {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ



الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: نِعَمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَمِنْهَا نِعَمٌ دَائِمَةٌ يَنْسَاهَا الْعِبَادُ بِسَبَبِ إِلْفِهِمْ لَهَا، وَنِعَمٌ مُتَجَدِّدَةٌ رُبَّمَا لَا يَشْعُرُونَ بِهَا. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَشْعُرُونَ إِلَّا بِالنِّعَمِ الْحَادِثَةِ، وَيَنْسَوْنَ النِّعَمَ الدَّائِمَةَ وَالْمُتَجَدِّدَةَ بِطُولِ إِلْفِهِمْ لَهَا. وَهَذَا تَذْكِيرٌ بِنِعَمِ الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْقُلُوبِ، وَقَدْ أَلِفَهَا النَّاسُ لِدَوَامِهَا مَعَهُمْ. وَقَدْ كُرِّرَ فِي الْقُرْآنِ التَّذْكِيرُ بِهَا؛ لِئَلَّا يَغْفُلَ قَارِئُ الْقُرْآنِ عَنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا.

وَهَذِهِ النِّعَمُ الثَّلَاثُ: الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى الْبَشَرِ؛ لِيَكُونُوا سَادَةَ الْأَرْضِ وَعُمَّارَهَا، وَالْقَائِمِينَ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرَّاسَهُ، وَعَدَّدُ اللَّهُ تَعَالَى نِعَمًا كَثِيرَةً، بَدَأَهَا بِهَذِهِ النِّعَمِ الثَّلَاثِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 78].

وَفِي سِيَاقِ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ نَوَّهَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ لِأَهَمِّيَّتِهَا، وَعَظِيمِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 9].

وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُذَكِّرَ النَّاسَ بِهَذِهِ النِّعَمِ الثَّلَاثِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الْمُلْكِ: 23].

وَخُتِمَتْ كُلُّ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْمُذَكِّرَةِ بِهَذِهِ النِّعَمِ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ وَفِي مَقَامٍ آخَرَ عُلِّلَتْ هَذِهِ النِّعَمُ الثَّلَاثُ بِالشُّكْرِ؛ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 78]. فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، سِوَى مَا فِيهِ مِنَ الْفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ، ثُمَّ بِالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ يَكْتَسِبُ الْعُلُومَ وَالْمَعَارِفَ. وَأَعْلَى الْعُلُومِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَبِمَا يَجِبُ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ. وَأَهْلُ الشِّرْكِ لَمْ يَشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ؛ فَلَمْ يَتَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَهْلُ الْإِيمَانِ حَصَّلُوا الْإِيمَانَ -بَعْدَ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى- بِنِعَمِ الْأَسْمَاعِ الَّتِي سَمِعُوا بِهَا الْقُرْآنَ، وَأَرْكَانَ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمَهُ وَنَوَاقِضَهُ وَنَوَاقِصَهُ، وَبِالْأَبْصَارِ الَّتِي قَرَؤُوا بِهَا الْقُرْآنَ وَكُتُبَ الْإِيمَانِ، وَالْأَفْئِدَةِ الَّتِي عَقَلُوا بِهَا الْإِيمَانَ وَأَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ وَآيَاتِهِ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. كَمَا عَلِمُوا بِهَذِهِ النِّعَمِ الثَّلَاثِ أُمُورَ دُنْيَاهُمْ فَأَصْلَحُوهَا. وَمَعَ ذَلِكَ يَضْعُفُ شُكْرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَلِفُوهَا وَاعْتَادُوهَا؛ فَهِيَ نِعَمٌ دَائِمَةٌ مَعَهُمْ، وُلِدُوا بِهَا، وَنَشَؤُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَفَادُوا مِنْهَا، وَلَا يَزَالُونَ يُسَخِّرُونَهَا فِي مَنَافِعِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقِلُّ شُكْرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَلَوْ فَقَدُوا وَاحِدَةً مِنْهَا لَعَلِمُوا قَدْرَهَا، وَفَدَاحَةَ فَقْدِهَا.

وَالْعُلُومُ الدُّنْيَوِيَّةُ الَّتِي تَوَصَّلَ بِهَا الْبَشَرُ إِلَى الْمُخْتَرَعَاتِ وَالْمُكْتَشَفَاتِ، وَتَطَوَّرَتْ بِهَا الصِّنَاعَةُ وَالتِّجَارَةُ وَالزِّرَاعَةُ وَوَسَائِلُ الِاتِّصَالِ وَالْمُوَاصَلَاتِ إِنَّمَا أَدْرَكُوهَا بِعُقُولٍ تُفَكِّرُ، وَتُحَلِّلُ، وَتَسْتَنْتِجُ، وَتُبْدِعُ، وَتَخْتَرِعُ، وَبِأَسْمَاعٍ وَأَبْصَارٍ تَسْمَعُ، وَتَتَأَمَّلُ، وَتَقْرَأُ، وَتَكْتَشِفُ، وَتَبْحَثُ، حَتَّى وَصَلَ الْبَشَرُ إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ، وَهَذَا يُحَتِّمُ عَلَيْهِمْ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَهَبَهُمْ مِنْ نِعَمِ الْعُقُولِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ. وَالْمَرْءُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ يَجِدُ نَفْعَ بَصَرِهِ وَسَمْعِهِ وَفُؤَادِهِ، وَلَوْ فَقَدَهُ أَوْ ضَعُفَ لَعَكَّرَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَهَذَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ دَوَامَ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الدَّائِمَةِ الَّتِي قَدْ يَنْسَاهَا فَيَغْفُلُ عَنْ شُكْرِهَا.

وَيَكْفِي الْمُؤْمِنَ عِلْمًا بِعَظِيمِ نِعَمِ الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى حَالِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ عَطَّلُوا هَذِهِ النِّعَمَ عَنْ وَظِيفَتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ، فَلَمْ يَتَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْرِفَةِ مَا يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ، حَتَّى كَانُوا أَضَلَّ مِنَ الْأَنْعَامِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ؛ ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 179]، «يَعْنِي: لَيْسَ يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْجَوَارِحِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِلْهِدَايَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 26]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 18]، هَذَا فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 171]، وَلَمْ يَكُونُوا صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا إِلَّا عَنِ الْهُدَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 23]»، «وَقَالَ تَعَالَى فِي عَدَمِ فِقْهِهِمْ لِلْقُرْآنِ: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ﴾ [الْأَنْعَامِ: 25]، وَهَذِهِ الْآيَةُ جَمَعَتْ حِرْمَانَهُمْ لِهِدَايَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ». وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانُوا شَرَّ الْخَلِيقَةِ: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 22]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 55]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 6].

وَقَدْ عَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِذْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِمَّا وَهَبَهُمْ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الثَّلَاثِ؛ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِآيَاتِهِ الْمَبْثُوثَةِ فِي خَلْقِهِ: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الْحَجِّ: 46]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 39].كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَثْنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حِينَ أَعْمَلُوا هَذِهِ النِّعَمَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْرِفَةِ مُرَادِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ، وَعَمِلُوا بِذَلِكَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 73].

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِينَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النَّحْلِ: 18].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ؛ لِيُسَخِّرُوهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ هَذِهِ النِّعَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 36]. وَمِنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا أَنْ لَا تُسْتَخْدَمَ هَذِهِ النِّعَمُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَلَا يَنْظُرُ الْعَبْدُ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا يَسْمَعُهَا، وَلَا يُعْمِلُ عَقْلَهُ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَهِيَ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا عَمِلَ فِي الدُّنْيَا؛ ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النُّورِ: 24]، ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فُصِّلَتْ: 20].

وَمَنْ عَمِيَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، وَصُمَّ عَنِ التَّذْكِيرِ وَالْمَوَاعِظِ؛ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَصَمَّ أَبْكَمَ أَعْمَى؛ ﴿ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 97]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 72]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126].

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ -عِبَادَ اللَّهِ- مِنْ تَعْطِيلِ نِعَمِ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ عَنْ وَظَائِفِهَا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ مِنْ تَسْخِيرِهَا فِيمَا يُسْخِطُهُ سُبْحَانَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَهَذَا مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْهُدَى، وَمِنْ رُكُوبِ الْهَوَى، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 23].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.35 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]