تحديد ثمن المقاولات بمبلغ إجمالي

[ابوالوليد المسلم]

تحديد ثمن المقاولات بمبلغ إجمالي
أ. د. محمد جبر الألفي






الصورة النمطية لتحديد الثمن في المقاولة:

أن يُخصص مبلغ إجمالي مقابل الإنشاء أو التعمير، بناءً على المواصفات المتفق عليها في العقد، وهذا لا يتأتَّى إلا بعد مواصفات دقيقة تقابلها دراسة متعمقة لأسعار المواد واحتمال تغيرها أثناء فترة العملية الإنشائية، ولأجور العمال وما يلحق بها، ولتقدير الربح الذي يتوقعه المقاول... وغير ذلك.



والقاعدة التي نص عليها الفقهاء في هذه الصورة تفترض أن يكون الثمن موجودًا، وأن يكون معينًا بشكل لا يؤدي إلى جهالة تفضي إلى النزاع، وأن يكون مشروعًا[1].



إذا ثبت ذلك، فلا يجوز للمقاول ولا لصاحب العمل تعديل البدل المتفق عليه، لا بالزيادة ولا بالنقصان، إلا إذا تم هذا التعديل باتفاق بينهما لاحقٍ على العقد.



وهناك حالة شائعة تعرض في العمل، وينص عليها الطرفان، إما في العقد، وإما في ملاحقه، وهي: إذا ما تكبد المقاول نفقات إضافية أو جهدًا خاصًّا، نتيجة معلومات خاطئة قدمها له صاحب العمل؛ كأن تكون الأرض رخوة تحتاج إلى مزيد من المواد قبل وضع الأساس، أو أن تكون الإنشاءات في منطقة ينبغي أن تبذل فيها عناية خاصة لمقاومة الزلازل، أو يتم الاتفاق على تعمير بناء قد انتهى عمره الافتراضي... إلخ، فهل يحق للمقاول مطالبة صاحب العمل بهذه النفقات؟ لابن المواز فيما يشبه هذه النازلة رأيٌ انفرد به تحقيقًا للعدل، قال: "إن المصيبة إذا أنزلت بالمستأجر، فوجب ألا يمضي عمل الصانع باطلاً"[2].



وقد استقر رأي القضاء الحديث وشراح النظام على استحقاق المقاول ما يقابل الجهد والمال الإضافي الذي بذله، بشرط أن يؤيد طلبه بالمستندات التي تثبت خطأ صاحب العمل، وإجراء معاينة بحضوره، تقوم بها جهة محايدة، حفظًا لحقوق كل من الطرفين، وإلا يكون المستفيد في حِلٍّ من دفع الزيادة التي يطالب بها المقاول[3].



ومن المتفق عليه فقهًا[4] ونظامًا[5] وقضاءً[6]: أن المقاول إذا لم يسلم العين بالمواصفات المبينة في العقد في المدة المحددة، فلا يجب على صاحب العمل دفع البدل؛ لأن البدل يلزم باستيفاء البناء وتسلمه، ما لم يوجد اتفاق أو عُرف يقضي بغير ذلك.



فالتزام المقاول بالإنشاء أو بالتعمير التزام بنتيجة، محله قيام المقاول بعمل يؤدي إلى نتيجة محددة في الاتفاق، مقصودة لذاتها، ولا يكون النشاط الذي يبذله المقاول إلا مجرد وسيلة ليست هي محل الالتزام، فإذا لم تتحقق النتيجة كان المقاول مسؤولاً؛ لأنه لم يَفِ بالتزامه[7].





[1] المرغيناني، الهداية: 3/ 31، الفتاوى الهندية: 3/ 122، السرخسي، المبسوط: 15/ 146، سحنون، المدونة: 3/ 440، الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 311، ابن قدامة، المغني: 6/ 114.




[2] ابن رشد، بداية المجتهد: 2/ 233.




[3] السنهوري، الوسيط: 7/ 16، مالوري وإينيس، القانون المدني، ص 416 - 419، محكمة النقض الفرنسية، الدائرة المدنية الأولى 11/ 2/ 1964م (B.I، n 79; D. 64، som. 89)، والدائرة المدنية الثالثة: 24/ 1/ 1990م (B.III. N 28; D.، 90.257)، وانظر المادة (658) من القانون المدني المصري، وقارنها بالمادة (795) من القانون المدني الأردني.




[4] الكاساني، بدائع الصنائع: الموضع نفسه، ابن رشد، بداية المجتهد: 2/ 259، ابن قدامة، المغني: 5/ 444.




[5] المادة (656) من القانون المدني المصري، المادة (793) من القانون المدني الأردني، المادة (885) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي.





[6] محكمة النقض الفرنسية، الدائرة المدنية الأولى: 11/ 2/ 1964م (B.I، N 79; D.64، som. 89).




[7] أندريه بلانكويل، الالتزام بنتيجة والالتزام بوسيلة، المجلة الفصلية: 1972 ص 334 وما بعدها، عبدالحي حجازي، النظرية العامة للالتزام وفقًا للقانون الكويتي، باعتناء محمد جبر الألفي، الكويت: 1402هـ - 1982م، ص 163 وما بعدها.