|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سفينة الأخلاق الشيخ حسين شعبان وهدان الحمد لله ربِّ الأكْوان، خلق الإنسان علَّمَهُ البيان، عظيم المجد والسلطان، أجرى على خلقه آياتٍ باهراتٍ توقظ القلب وتستفِزُّ المشاعر، وتُلْجِمُ المُعَانِدَ والمُكابِر، نسألُهُ المَنَّ بالستْر الجميلِ وعدمَ الحرمانِ من الفضل الجزيل يوم العرضِ بالغُفْرَان. اللهم إنا نسألك الإعانة على الإبانة والسير في منَاكِبِ الهدى يا واسع الخيرات. يا أخا الإسلام: كم سيدٍ متفضلٍ قد سبَّهُ ![]() منْ لا يُسَاوي طَعْنةً في نعْلِهِ ![]() وإذا استغابَ أخو الجَهَالَةِ عَالِماً ![]() كانَ الدَّلِيلُ على غَزَارَةِ جَهْلِهِ ![]() أرأيت عصفوراً يحارب باشقاً ![]() إلا لخفَّتِهِ وقلَّةِ عقْلِهِ ![]() واحرصْ على التَّقْوى وكُنْ مُتَأَدِّباً ![]() وارغبْ عن القَوْلِ القَبيحِ وبُطْلِهِ ![]() واستَصْحِب الحِلْمَ الشَّرِيفَ تِجَارةً ![]() واعملْ بمفروضِ الكِتَابِ ونَفْلِهِ ![]() واجْفُ الدنيءَ وإن تقرَّبَ إنَّهُ ![]() يُؤْذِيكَ كالكَلْبِ العَقُورِ لأهْلِهِ ![]() واحذرْ معاشرةَ السَّفِيهِ فإنه ![]() يؤذي العشِيرَ بِجَمْعِهِ وبِشَكْلِهِ ![]() واحبسْ لسانَكَ عنْ ردِيء مقَالِهِ ![]() وَتَوَقَّ منْ عُثْرِ اللسَّانِ وزَلِّهِ ![]() وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أثاب على حسن الأخلاق جزاءً من النعيم موفوراً، وحذَّرَ من سوء الخلق وجعله صاحبه في الناس مبغوضاً وعند الله مأزوراً. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، خيرُ الناس خُلُقاً وأعظمهم لله ديناً، نبي الأخلاق الكريمة والشمائل العظيمة والمُزكَي من ربه بوسام المكارم العليا والمثال الأوفى. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد ظهرت في الأفق وعلى الواقع سحائبُ منذرةٌ وعلاماتٌ غيرُ مُسْتَتِرَةٍ تدلُّ على هبوطٍ عامٍّ في مجال الأخلاق، تُخِيفُ قلبَ الحَليمِ وتترك آثارها على الصغير والكبير والشَّيْبِ والفطيم، تترجم عن أزمةٍ خطيرةٍ يشتد بين الناس خُناقها منذ سنين مضت تُعَدُّ من أشد الفواقر إن لم تكن أخطرها على الإطلاق، ولا رادّ لها ولا عاصمٍ منها إلا بالعودة إلى الأخلاق الطاهرة والقيم العطرة، التي تعد كسفينة نوحٍ في الإنقاذ من الغرق في أتُون الإنحراف القِيَمِيِّ والسقوط الأخلاقيِّ. فاركبوا فيها جماعاتٍ وفُرادَى قبل أن يفوتَ الأوان وينقضي من عمر الزمان، هذه سفينة الأخلاق قد ارتفع شراعها وظهرت علاماتها أن لا نجاة من الغرق في المهلكات إلا بها، وينادي عليك حاديها من قلوبٍ تَئِنُّ إلى عهد التُّقَى وجمال الأخلاق أن اركب معنا ولا تكن من المتخلفين فإن رسولك العظيم صلى الله عليه وسلم قد جمع فأوعى في بيانه الراشد المعَلِّمِ حين قال: " إنما بعثت لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق " (الزرقاني في مختصر المقاصد 184 بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، فإلى هذا النهج القويم يجب أن نَغُذَّ السير ولا طريق غيره،: ﴿ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71]، إلى سفينة الأخلاق بلا اختيارٍ يجب أن ننهضَ ولا نقعد، تواصياً مؤكداً بالفعل لا بمجرد القول وتطبيقاً عملياً كما قام بذلك المجتمع الأول الصادق في تدينه الأخلاقيِّ الذي رباه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة النبوية. وفينا عددٌ غير قليلٍ قد دنس قيمةَ الحرية بأطمارِ الفوضى المُرهِبة والصوت المرجف بالخوف أو الجدل المقيت أو الإرتكاس في بُنيات الطريق على غير هدى، وخصوصاً في مجال الأخلاق والقيم، وبدت في الأفق سحائبُ خطرٍ داهمٍ وبلاءٍ جاثٍ بعضهُ قائمٌ وكثيرٌ منه لا شك قادم، ذلك هو خطر غياب الأخلاق الكريمة التي كانت تحفظنا وتميزنا وكانت منا ونحن منها طول الزمان. أما اليوم.. فقد تطاولت الأزمة وزادت المحنة واستحكم الأمر إلى طِلْبَةِ العلاج والاستشفاء، وليس لها من دون كاشفةٌ إن لم نسابق الزمن ونرقِّع الفتقَ ونُدَاوي الجروحَ بيد الماهرِ وقلب المشفق الخائف على أمته ووطنه. يقول صاحب قصة الحضارة: " تتبعت انهيار اثنتين وخمسين أمة فوجدت أن أكثر أسباب الانهيار هو الجانب الأخلاقي"، وبين ذلك أمير الشعراء حين قال: وإِذا أُصيبَ القَوْمُ في أَخْلاقِهِمْ *** فأَقِمْ عليهم مأْتِماً وعَويلاً أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ أعظمَ وسامٍ إلهيٍّ كُرِّمَ به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم هو وسام الأخلاق الكريمة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وجعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أحبَّ الناس إليه وأقربهم إلى منزلته السامقة هم أهل الأخلاق الحسنة فقال: " إنَّ أحَبَّكم إليَّ وأقرَبَكم منِّي في الآخرةِ أحاسِنُكم أخلاقًا وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوَؤُكم أخلاقًا المُتشدِّقونَ المُتفيهقونَ الثَّرثارونَ" ( صحيح ابن حبان 5557 عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه)، ومع هذا ؛ فهناك زهدٌ وتجافٍ عن هذه المنازل المنيفة، واختلفت لغة التعامل بين الناس في ميدان الأخلاق اختلافاً بَيِّناً وصارخاً، وذابت في ضغط الحياة أجمل المعاني ودُرَرُ الأخلاق، وشعر المحتَرَمُون وأهل الأدب بالغربة المربكة بين الناس لكثرة بوائقهم في دنيا الأخلاق، وغدا من كانوا شامةً في جبين الزمن من روعة أخلاقهم يفزعون إلى رب الناس لقلة عددهم كأنهم يبحثون عن أرضٍ أخرى يرطبون فيها مشاعرهم من شدة الإصطكاك بهؤلاء البغام الجدد الذين لم يعبروا عن سمو خلقٍ ولا حسن تدينٍ. قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً. فطوبى للغرباء) (صحيح مسلم 145 بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة ري الله تعالى عنه)، ولا أضر على النفوس الصالحة من غربة الأخلاق التي عبرت عنها أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها حين قالت بعد وفاة والدها رضي الله تعالى عنه: ذهبَ الذين يُعَاشُ في أكْنَافِهِمْ *** وبقِيتُ في خُلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ كنا منذ سنين غير طويلة نتنسم ظلال المعاني الطيبة والأخلاق الكريمة، وكانت لغةُ التعامل بين الناس على قواعد الأصول الإجتماعية التي لا يجرؤ الأراذل أن يتخطونها، ومع بزوغِ سوءِ فهمٍ أو اختلاف بين اثنين كان الطرفان يهْرعَان إلى كبير العائلة يعلمانه الخبر ويسوقان له الشكوى، وكان للحق في حياة الخلق صولةٌ غير مبطلة وكان الحكم على الجميعِ قاضياً حيث تنفضُّ المجالس ولا يبقي إلا الوئام ومراسيم الاحترام، وقد تغيرت اليوم هذه المعالم بعد أن انتبذ كثيرٌ من الأفراد لغة الأدب والأصول والتحشم والتحاكم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وعلى سبيل المثال فقد أحيا البعض كثيراً من الصور السلبية القديمة التي ظن أهل الأخلاق أنها ماتت، بيد أنهم أحيوا طقوسها وظهرت للعيان آثارها كالشجار بالأيدي وحمل السلاح الناري والحديدي وتزايد حالات الإغتصاب والسرقة وقطع الطرق وإهلاك الحرث وتسميم الحيوان وحرق البيوت مما يشكل لغةً جديدةً قد علا صوتها هذه الأيام.. فأين ضاعت لغة الأخلاق؟!. تولتْ بهجةُ الدُّنيا ![]() فكُلُّ جديدها خَلِقُ ![]() رأيتُ مَعَالِمَ الخيْراتِ ![]() سُدَّتْ دونَها الطُّرُقُ ![]() فَلا حَسَبٌ ولا أَدَبٌ ![]() ولا دِينٌ ولا خُلُقُ ![]() ودار كأس البلاء في العدوى الطاحنة بين جُلِّ الأطياف حتى بين النُخب الثقافية التي يجب عليها حماية دساتير الأخلاق وروائع الشيم، فلا تكاد تشاهد لقاءً يجمع بين اثنين في نقاشٍ أو ندوةٍ إلا ويفتقد حوارها فروضَ الأدب ويفتقد كذلك طِلْبَةَ الحق بالإنصاف والتجرد من أوشاب الهوى ويجلِّلُ ذلك كله حبُّ الذات ومحاولة رِفْعَةِ النفس بإتباع الهوى والنُّفرة من الحق وإقصائه. لهذا كله.. لا أُرَاوِحُ سمعَ البيان على الدوام في المطالبة بتدريس الأخلاق في دور التنشئة الأولى والمدارس الابتدائية والتوجيهية والثانوية والجامعية والمعاهد وصولاً إلى العالِمية كلٌّ على قدر احتياجه ونوعية الأخلاق التي تفيده بعد ذلك في عمله ومستقبله مع تعلم الأخلاق العامة لديننا العظيم، والظن - والله أعلم - أن أمتنا لن تتقدم في مجال القيم والتحضر الإنساني إلا بالأخلاق الإسلامية فهي قارورة الدواء لكل ما نَجَمَ على أرضنا من سخائمَ وأمراض. ومن فاته تعلم الأخلاق في صغره فلا عليه أن يتعرف عليها بعين اليقين سمعاً وفهماً وتطبيقاً، وإلا ؛ فهو محتاج إلى مصحةٍ أخلاقيةٍ تعالج مرضه وتصلح أخلاقه كما طالب بها الشيخ الشرباصي منذ عشرات السنين، فماذا نقول في حالنا وإلى الله المشتكى. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |