الثقة بالله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مشروبات دافئة بالقرفة والتفاح لمواجهة تقلب الطقس فى الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          5 طرق لتعطير حمامك ومنحه رائحة منعشة.. منها استخدام صودا الخبز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مع بداية الخريف.. وصفات طبيعية تحافظ على نضارة وجمال بشرتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          5 خطوات بسيطة تساعد الأمهات على إدارة التوتر قبل عودة المدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مقارنات الأطفال فى السابلايز والأدوات المدرسية.. إزاى تتعاملى معاها بحكمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          5 تسريحات شعر تزيد التقصف ابعدى عنها.. أولها الكحكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          4 مشروبات ديتوكس تعزز نضارة البشرة وتحافظ على ترطيبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          طريقة عمل تارت الشوكولاتة بمكونات خفيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أفضل تنسيقات غرفة الأطفال لخلق مساحة مبهجة.. موضة ديكور 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          5 عادات بسيطة تساعدك على فقدان الوزن بسرعة مع بداية الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-07-2020, 02:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,305
الدولة : Egypt
افتراضي الثقة بالله

الثقة بالله


عبده قايد الذريبي








الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالَمين، وعلى آله وصحْبه أجمعين.













أما بعدُ:



فقد خلَق الله الخَلْق جميعًا لغاية واحدة؛ لعبادته وحْده لا شريك له؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].







وقد بيَّن لهم - سبحانه وتعالى - كيفيَّة العبادة، ووضَّح لهم صِفتها، وفصَّل لهم أنواعها، فثَمَّة عبادات ظاهرة "بالجوارح"، كالصلاة والصيام وما إلى ذلك، وعبادات باطنة "قلبيَّة"، كالخوف منه، والتوكُّل عليه، والرضا به، وما أشْبه ذلك، ومن هذه العبادات القلبيَّة التي تَعبَّد الله بها عباده: الثقة به، وصِدق الاعتماد عليه، وحُسن التوكُّل عليه، وتفويض الأمور إليه.







الثقة بالله صفة من صفات الأنبياء، فهذا خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - حينما أُلْقِي في النار كان على ثِقة عظيمة بالله؛ حيث قال: "حسبنا الله ونِعم الوكيل"، فكفَاه الله شرَّ ما أرادوا به من كيْدٍ، وحَفِظه من أن تُصيبه النار بسوء؛ قال - تعالى -: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69].







ولَمَّا فرَّ نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - من الكفار فدخَل الغار، فحَفِظ الله نبيَّه من كيْد الكفار، وحرَسه بعينه التي لا تنام؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ أبا بكر الصديق حدَّثه، قال: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظَر إلى قَدَميه، لأبصرنا تحت قدَميه، فقال: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما))؛ رواه البخاري (3653)، ومسلم (2381)، وهذا لفظ مسلم.







إنها ثقة الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - العظيمة بالله، ولذلك خاف أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أن يُصاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأذًى، فردَّ عليه بلسان الواثق بوعْد الله: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وفِعْلاً كان الله مع نبيِّه - عليه الصلاة والسلام - فحَفِظه وأيَّده ونصَره، وجعَل العاقبة له ولأتْباعه من المؤمنين والمؤمنات.







عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالَها إبراهيم - عليه السلام - حين أُلْقِي في النار، وقالَها محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]"؛ رواه البخاري (4563).







ففي هذه الأوقات العصيبة والحرِجة كان حبيبا الرحمن إبراهيم ومحمد - عليهما السلام - في ثقة عظيمة بالله.







والثقة أيضًا صفة من صفات الأولياء الصادقين؛ قال يحيى بن معاذ: "ثلاث خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كلِّ شيء، والغِنى به عن كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء"؛ "شُعَب الإيمان"، (2/ 354)؛ للبيهقي.







وهي كذلك صفة من صفات العباد الزُّهَّاد، فقد جاء رجل إلى حاتم الأصم، فقال: "يا أبا عبدالرحمن، أيُّ شيءٍ رأس الزهد، ووسط الزهد، وآخر الزهد؟ فقال: رأسُ الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص"، وقال حاتم: "وأنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء: إلى المعرفة، وإلى الثقة، وإلى التوكُّل؛ فأمَّا معرفة القضاء، فأنْ تعلمَ أن القضاء عدْلٌ منه، فإذا عَلِمت أنَّ ذلك عدْلٌ منه، فإنه لا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تهتمَّ أو تسخطَ، ولكنه ينبغي لك أن ترضى وتصبر، وأما الثقة، فالإياس من المخلوقين، وعلامة الإياس أن ترفع القضاء من المخلوقين، فإذا رفعَت القضاء منهم، استرحتَ منهم واستراحوا منك، وإذا لَم ترفع القضاء منهم، فإنه لا بد لك أن تتزيَّن لهم وتتصنَّع لهم، فإذا فعَلْت ذلك، فقد وقعتَ في أمرٍ عظيم، وقد وقعوا في أمرٍ عظيم وتَصَنُّعٍ، فإذا وضعتَ عليهم الموت، فقد رحمتهم وأيست منهم، وأما التوكُّل، فطمأنينة القلب بموعود الله - تعالى - فإذا كنتَ مطمئنًّا بالموعود، استغنيتَ غنًى لا تفتقر أبدًا"؛ "حِلية الأولياء"، (8/ 75)؛ لأبي نُعيم الأصبهاني.







والثقة بالله تجعل العبد راضيًا بالله، قال حاتم الأصم: "مَن أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء، فهو يتقلَّب في رضا الله: أوَّلُها الثقة بالله، ثم التوكُّل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلُّها تتمُّ بالمعرفة"؛ "حلية الأولياء"، (8/ 75).







وتجعله يائسًا مما في أيدي الناس؛ قيل لأبي حازم: "يا أبا حازم، ما مالك؟ قال: "ثقتي بالله تعالى، وإياسي مما في أيدي الناس"؛ "حلية الأولياء" (3/231).







ومَن وثقَ بالله، نجَّاه من كلِّ كرْبٍ أهمَّه؛ قال أبو العالية: "إن الله - تعالى - قضَى على نفسه أنَّ مَن آمَن به هدَاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]، ومَن توكَّل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، ومَن أقرَضَه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، ومَن استَجار من عذابه أجارَه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران: 103]، والاعتصام: الثقة بالله، ومَن دعاه أجابَه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]"؛ "حلية الأولياء"، (2/ 221 - 222)، فكنْ واثقًا بالله، متوكِّلاً عليه، معتصمًا به.







بل مَن تحلَّى بهذه الصفة، فقد فاز بالجنة؛ قال شقيق البلخي - رحمه الله -: "مَن عمل بثلاث خصال، أعطاه الله الجنة:



أوُّلها: معرفة الله - عزَّ وجلَّ - بقلبه ولسانه وسَمْعه وجميع جوارحه.



والثاني: أن يكون بما في يدِ الله أوثقَ مما في يديه.



والثالث: يرضى بما قسَم الله له، وهو مستيقنٌ أن الله - تعالى - مطَّلِع عليه، ولا يحرِّك شيئًا من جوارحه، إلاَّ بإقامة الحجة عند الله، فذلك حقُّ المعرفة".







ثم بيَّن الثقة بالله وشرَحها وفسَّرها، فقال: "وتفسير الثقة بالله ألاَّ تسعى في طمعٍ، ولا تتكلَّم في طمعٍ، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تَخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء سواه، ولا يحرِّك من جوارحه شيئًا دون الله، يعني في طاعته واجتناب معصيته"؛ "حلية الأولياء"، (8/ 61).







الثقة بالله نحتاجها جميعًا رجالاً ونساءً، فهذه أم موسى - عليه السلام - كما قصَّ الله علينا قصَّتها في سورة القَصص؛ هذه المرأة المباركة عاشتْ في زمن جبَّار عنيد، وطاغوت فريد، لن نجد له في التاريخ مثيلاً، هذا الطاغوت ادَّعى الربوبيَّة؛ ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، ونفَى الأولوهيَّة عمَّا سواه: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38].







طاغوت استخفَّ قومَه فأطاعوه، وسام شعبَه سوءَ العذاب؛ معتمدًا على خُرافات وأحلام ما أنزَل الله بها من سلطان، فقد رأى في منامه رؤيا أقلقتْه وأفزعتْه، فدعا المنجِّمين لتأويلها، فأوَّلَوها: بأنه سيولد مولود في بني إسرائيل يَسلُبه مُلكه، ويغلبه على سلطانه، ويبدِّل دينه!







فما كان من هذا الجبَّار إلا أن أصدَر مرسومًا جائرًا، يقضي بقتْل كلِّ طفلٍ ذَكَرٍ سيولد في البلد، فقتَل جنودُه ما شاء الله أن يقتلوا؛ قال ابن كثير - رحمه الله -: "ذكروا أن فرعون لَمَّا أكثر من قتْل ذكور بني إسرائيل، خافَت القِبط أن يُفني بني إسرائيل، فيَلُونَ هم ما كانوا يَلُونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون: إنه يوشك إن استمرَّ هذا الحال أن يموت شيوخهم، وغِلمانهم يُقْتَلون، ونساؤهم لا يُمكن أن تَقمْنَ بما تقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك، فأمَر بقتْل الولدان عامًا وترْكهم عامًا، فوُلِد هارون - عليه السلام - في السنة التي يتركون فيها الولدان، ووُلِد موسى في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وكان لفرعون ناس موكلون بذلك، وقوابل يَدُرْنَ على النساء، فمَن رأينَها قد حملتْ، أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يَقْبَلُها إلا نساء القِبط، فإن ولدت المرأة جارية، تركْنَها وذهبْنَ، وإن ولدتْ غلامًا، دخَل أولئك الذبَّاحون بأيديهم الشِّفار - السكاكين - المرهفة، فقَتَلوه ومضوا - قبَّحهم الله تعالى - فلمَّا حملتْ أُمُّ موسى به - عليه السلام - لَم يظهر عليها مخايل - أي علامات - الحمل كغيرها، ولَم تَفطن لها الدايات، ولكن لَمَّا وضعتْه ذكرًا، ضاقتْ به ذرعًا، وخافتْ عليه خوفًا شديدًا، وأحبَّته حبًّا زائدًا، وكان موسى - عليه السلام - لا يراه أحد إلا أحبَّه، فالسعيد مَن أحبَّه طبعًا وشرعًا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ [طه: 39]، فلمَّا ضاقتْ به ذرعًا، أُلْهِمت في سرِّها، وأُلْقِي في خَلَدها، ونُفِث في رَوْعها؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، وذلك أنه كانتْ دارها على حافَّة النيل، فاتخذتْ تابوتًا، ومهَّدت فيه مهدًا، وجعلت ترضع ولدَها، فإذا دخَل عليها أحدٌ ممن تخافه ذهبتْ فوضعته في ذلك التابوت، وسيَّرته في البحر، وربطته بحبلٍ عندها، فلمَّا كانت ذات يوم، دخَل عليها مَن تخافه، فذهبتْ فوضعته في ذلك التابوت وأرسلتْه في البحر، وذَهَلت عن أن تَرْبطه، فذهَب مع الماء، واحتمَله حتى مرَّ به على دار فرعون، فالتقطَه الجواري، فاحتمَلْنَه فذهَبْنَ به إلى امرأة فرعون، ولا يَدرين ما فيه، وخشين أن يَفْتَئتن عليها في فتْحه دونها، فلمَّا كُشِف عنه، إذا هو غلام من أحسن الخَلْق وأجمله، وأحلاه وأبهاه، فأوْقَع الله محبَّته في قلبها حين نظرتْ إليه، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعْلها؛ ولهذا قال: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]؛ معناه: أن الله - تعالى - قيَّضهم لالتقاطه؛ ليجعله عدوًّا لهم وحزنًا، فيكون أبلغَ في إبطال حذرهم منه؛ ولهذا قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8]"؛ "تفسير القرآن العظيم"، (6/ 199 -200)، ط: دار الكتب العلمية.







ثم إنَّ هذا الطاغية همَّ بقتْله، فقالتْ له زوجته آسية بنت مزاحم محببةً له: ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ﴾ [القصص: 9]، فقال فرعون: "أمَّا لكِ فنعم، وأمَّا لي فلا، فكان كذلك، وهدَاها الله بسببه، وأهْلَكه الله على يديه"؛ أي: أهْلَك الله فرعون على يد موسى - عليه السلام.







ثم قالت مبيِّنة له العِلَّة من ذلك: ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَا ﴾ "وقد حصَل لها ذلك، وهداها الله به، وأسكنها الجنة بسببه"، وقوله: ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾؛ أي: أرادتْ أن تتَّخذه ولدًا وتتبنَّاه، وذلك أنه لَم يكن لها ولدٌ منه، ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9]؛ أي: لا يدرون ما أراد الله منه بالْتقاطهم إيَّاه من الحِكمة العظيمة البالغة، والحُجة القاطعة".







ولَمَّا ألْقَته أُمُّه في البحر في المرة الأخيرة ذهَب عنها بعيدًا، فخافَتْ عليه خوفًا شديدًا؛ حتى إن قلبها أصبحَ فارغًا من كلِّ شيء من أمور الدنيا إلاَّ من موسى - عليه السلام - كما أخبرنا بذلك القرآن، فقال - تعالى -: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ [القصص: 10]؛ أي: إن كادتْ من شِدَّة وجْدها وحُزنها وأسفها، لتُظهر أنه ذهَب لها ولدٌ، وتخبر بحالها، لولا أنَّ الله ثبَّتها وصبَّرها؛ قال الله - تعالى -: ﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [القصص: 10- 11]؛ أي: أمَرت ابنتها وكانتْ كبيرة تعي ما يُقال لها، فقالت لها: ﴿ قُصِّيهِ ﴾؛ أي: اتَّبعي أثَره، وخُذي خبرَه، وتَطَلَّبي شأنَه من نواحي البلد، فخرجَت لذلك: ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ﴾ [القصص: 11]، وقال قتادة: "جعلتْ تنظر إليه وكأنها لا تريده"، وذلك أنَّه لَمَّا استقرَّ موسى - عليه السلام - بدار فرعون وأحبَّته امرأة الملك، واستطلقتْه منه، عرَضوا عليه المراضع التي في دارهم، فلم يَقبل منها ثديًا، وأبى أن يقبلَ شيئًا من ذلك، فخرجوا به إلى السوق؛ لعلَّهم يجدون امرأة تَصلح لرضاعته، فلمَّا رأتْه بأيديهم عرَفته، ولَم تُظهر ذلك ولَم يشعروا بها؛ ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 11].







ثم قال الله - تعالى -: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [القصص: 12]؛ أي: تحريمًا قدريًّا -أي في القدر الكوني، وليس تحريمًا شرعيًّا - وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضعَ غير ثدي أُمِّه، ولأنَّ الله - سبحانه وتعالى - جعَل ذلك سببًا إلى رجوعه إلى أُمِّه لتُرْضِعه وهي آمنة بعد ما كانتْ خائفة، فلمَّا رأتْهم حائرين فيمَن يرضعه، ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "فلمَّا قالت ذلك، أخذوها وشكُّوا في أمرها، وقالوا لها: وما يُدريك بنُصحهم له وشَفَقتهم عليه؟ فقالتْ لهم: نُصحهم له، وشفقتهم عليه: رغبتهم في سرور الملك، ورجاء منفعته"، فأرسلوها، فلمَّا قالت لهم ذلك وخَلصتْ من أذاهم، فذهبوا معها إلى منزلهم، فدخلوا به على أُمِّه، فأعطته ثَدْيها فالْتَقَمه، ففرِحوا بذلك فرحًا شديدًا، وذهَب البَشير إلى امرأة الملك، فاستدعَتْ أُمَّ موسى وأحسَنَت إليها، وأعطتْها عطاءً جزيلاً، وهي لا تعرف أنها أُمُّه في الحقيقة، ولكن لكونه وافَق ثَدْيها، ثم سألتها آسية أن تُقيم عندها فتُرْضعه، فأبَتْ عليها، وقالت: إن لي بعلاً وأولادًا، ولا أقْدر على الْمُقام عندك، ولكن إنْ أحببْتِ أن أُرضعه في بيتي فعلت، فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك، وأجْرَت عليها النفقة والصِّلات، والكساوي والإحسان الجزيل، فرجعتْ أُمُّ موسى بولدها راضية مرضية، قد أبْدَلها الله بعد خوفها أمنًا، في عزٍّ وجاه، ورزق دارٍّ.





يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 131.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.00 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]