|
|||||||
| ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
(موقعة الزلاقة) إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس خلفيات وأسباب وتوابع (1/ 2) شريف عبدالعزيز الأحداث: لايزال تاريخ الأندلس مجهولا ً بالنسبة لمعظم المسلمين, هذا رغم أن دولة الإسلام بالأندلس تعتبر أطول دولة إسلامية علي مر تاريخ الأمم والممالك الإسلامية, إذ استمرت قرابة الثمانية قرون على ربوع الأندلس رايات التوحيد, وترتج جنباتها بالأذان, وتسعد سهولها ووديانها بالجيوش الإسلامية, والمجاهدين فى سبيل الله, ومن جوامعها خرج العلماء والقراء والأدباء, وكانت لهذه الدولة حضارة زاهرة شع نورها على القارة الأوروبية التي كانت فى ظلمات وجهالات, وتاريخ دولة الإسلام بالأندلس أكبر وأعظم مما يظن المسلمون, وفصوله أروع وأمتع مما يتوقعه القارئون, وهذه واحدة من أعظم صفحات تاريخ أمة الإسلام بالأندلس, لأنها قراءة واستصحاب لكل ما نراه ونعايشه من أحوال المسلمين الأن, وهذا يعطينا استشراقا ً لما سيحدث لهذه الأمة شريطة أن تسلك نفس الطريق. الأوضاع داخل الأندلس: منذ الفتح الإسلامي للأندلس سنة 92هـ, وقيام دولة عظيمة للإسلام في قلب أوروبا, مرت هذه الدولة بعدة أطوار, تأرجحت بين قوة وضعف, وتجمع وتفرق, وهي كالآتي: عصر الولاه من سنة 92- 138هـ عصر الخلافة الأموية 183هـ عصر الحاجب المنصور وأولاده, وهي تابعة للخلافة الأموية أيضا ٌ من سنة 399هـ عصر الصراع على الخلافة من سنة 399 هـ حتى سنة 422هـ وكان عصر الصراع على الخلافة مشئوما ٌ على وضع دولة الإسلام بالأندلس؛ لأنه كان تقدمة وسببا لظهور عصر ملوك الطوائف, الذي يعد بحق – ومن غير إحجاف ولا تأويل – أسوأ العصور الأندلسية, وسر نكبتها, وأول زوالها, ولم يعلم الوزير " أبو محمد بن جهور " مدى خطورة القرار الذى اتخذه عندما أعلن إلغاء الخلافة الأندلسية فى الأندلس سنة 422 هـ عقب انهيار حكم الأمويين, ما أقدم عليه مطلقا، ولم تكن حجته في ذلك سوى عدم وجود الرجل المناسب لهذا المنصب, وكثرة الصراعات بين الزعامات القبلية, ومهما كانت مبررات هذا القرار, فلقد فتح هذا القرار الباب على مصراعيه لفتنة عمياء وداهية صماء, إذ تشرذمت الأمة المسلمة بالأندلس, وتمزق الجسد الواحد فى تلك البلاد البعيدة عن حاضرة الخلافة الإسلامية, وانقسمت لدويلات صغيرة استقل فيها كل طامع, وكل ذي عشرة وعصبية بمقاطعته, وأعلن نفسه ملكا ً عليها, وتسمى بأمير المؤمنين, وتلقبوا بألقاب الخلفاء السابقين, وكلهم لا يستحقون أن يكونوا بهذه المناصب, ولا ما هو دونها, فأغلبهم طامعون, ومحدثون نعمة, ولا يرجعون إلي دين أو فضل أو نباهة, وصدق فيهم قول الشاعر ابن رشيق القيرواني: مما يزهدني في أرض أندلــس *** أسمــاء معتـــضد فيـها ومعتـــمد ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخا ً صورة الأسد وبذلك دخلت الأمة الإسلامية بالأندلس عهدا ً جديدا ً, بل قل نفقا ً مظلما: وهو عهد ملوك الطوائف, وقد حكم فى هذه الفترة نحو عشرين أسرة مستقلة فى أكثر من عشرين مدينة كبيرة, ومن أشهر ملوك الطوائف: [*] بنو عباد بإشبيلية. [*] بنو حماد الأدارسة بمالطة والجزيرة الخضراء. [*] بنو زيري بغرناطة. [*] بنو هود بسرقسطة. [*] بنو النون بطليطلة. ولقد ساد هذا العصر فى الأندلس الترف والأدب والشعر, وغلبت أجواء الليونة والميوعة على أهل الأندلس, وراجت قصص وحكايات العشق والغرام, وغلب الانحلال على أخلاق الكثير من الناس خاصة الطبقات العليا, أما ملوك الطوائف أنفسهم فكان حالهم فيما بينهم ومع رعاياهم من ناحية, ومع الصليبين من ناحية أخرى تماما ً كقول الشاعر: أسد علي وفي الحروب نعامة *** فتخاء تنفر من صفير الصافر فملوك الطوائف أرهقوا رعاياهم بالضرائب, والمكوس الجائرة, والطلبات المرهقة كل يوم, وذلك كله من أجل إشباع شهواتهم, وسد سلطانهم, أما مع جيرانهم المسلمين, فالإغارة والاعتداء الدائم من أجل إضافة املاك جديدة لدائرة ملك كل واحد منهم على حساب جيرانه المسلمين, فاندلعت حروب مدمرة بين بني هود وبني النون, وبين بني عباد وبني جهور, وهكذا استمر ملوك الطوائف فى قتال وصراع داخلي من اجل اكتساب الأراضي والحصون. أما حالهم مع أعدائهم الصليبين فى الشمال: فهم فى منتهى الخنوع والذلة والضعف والخور, فالجميع يدفعون الجزية لملك الصليبين ألفونسو السادس, والأدهى من ذلك يطلبون مساعدته فى حربهم ضد بعضهم البعض. حرب الاسترداد الصليبية: الحقيقة الهامة التي يجب ألا تغيب عن أذهان المسلمين أن عدوهم لا يستطيل عليهم, ولا يستأسد عليهم إلا حال ضعف وتفرق وتخاذل المسلمين, ما حدث فى الأندلس خير مثال, فعندما وصلت دولة الإسلام بالأندلس إلى عصر ملوك الطوائف المشئوم, وشعر أعداء الإسلام بأن الوقت قد حان لتنفيذ مخططهم الآثم القديم بدأوا فى الإعداد لما عرف فى تاريخ أسبانيا النصرانية بحرب الإسترداد الصليبية, والغرض منها إزالة الوجود الإسلامي من الأندلس بالكلية, وإعادتها مرة اخرى لحكم الصليب, وقد بدأت هذه الحرب على يد أشهر ملوك أسبانيا ألفونسو السادس الذي أيقن أن الوقت قد حان لتنفيذ خطة الحرب المقدسة !, بعد أن بان له ضعف وخضوع ملوك الطوائف, بعد إقرارهم جميعا ً بدفع الجزية له, والاستظلال بحمايته ضد بعضهم البعض, فقام ألفونسو بتوحيد عدة إمارات إسبانية مثل ليون, وقشتالة, وإستوريا تحت لوائه, ليكونوا صفا ً واحدا ً أمام الوجود الإسلامي بالأندلس. "وهذا مما يحزن النفس, ويدمي القلب أن يعمل أعداء الإسلام بما يأمر به الإسلام, فى حين أن المسلمين لا يعملون بما أمرهم به دينهم, فأي خزي وعار هذا الذي تحياه الأمة المسلمة عندما تتفرق وتختلف, ويحارب بعضها بعضا ً, وتسهل الطريق أمام ليفترسها, كما قال الشاعر: كتب القتل والقتال علينا *** وعلى الغانيات جر الذيول ناقوس الخطر: كان ملوك الطوائف فى غفلتهم نائمين, وفى غيهم سادرين, وبصراعاتهم منشغلين, وألفونسو السادس على الطرف الأخر يوحد الصف, ويرهق ملوك الطوائف بطلباته المادية, ويستولي على الحصون القريبة من حدود مملكته, ويتوسع أفقيا ً على حساب أملاك الدولة المسلمة, وبعد ذلك وثب ألفونسو وثبة كبيرة – كانت بمثابة ناقوس الخطر للمسلمين – حيث استولى ألفونسو على مدينة طليطلة من ملوك بني النون فى صفر سنة 478 هـ, وذلك بعد أن ظل لمدة سبع سنوات متصلة يعمل ويخطط ويحاصر طليطلة, حتى استولى عليها, ودشن بذلك حرب الاسترداد, وأشعل حماسة الصليبين فى كل أوروبا, وسرت روح دينية صليبية خالصة, وتوافد صليبو أوروبا إلى تلك المدينة كانت عاصمة إسبانيا النصرانية قبل دخول الإسلام, وهذا كله جرى وملوك الطوائف – وخاصة المعتمد بن عباد – لا يحركون ساكنا ً, ولا يجرؤ واحد منهم على تحريك جندي واحد لنصرة إخوانهم بطليطلة. سبحان الله ! سبع سنوات, والمدينة محاصرة, وباقي المسلمون يرون إخوانهم تحت الحصار, والعدو ببابهم, وهم لا يحركون ساكنا ً كأن الأمر لا يعنيهم, وكأن أهل المدينة ليسوا مسلمين, ودماؤهم وأعراضهم وحرماتهم المستباحة ليست من الإسلام فى شيء, ولايزال كثير من المسلمين يفكر بعقلية ابن نوح عندما قال: ( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) [هود: 43], وهي رسالة جريئة لكل مسلم يظن أنه فى مأمن وإخوانه يحاصرون ويضطهدون ". لقد كان ألفونسو هذا متجبرا ً عنيدا ً, شديد الكفر والحقد على المسلمين, ساعده ضعف ملوك الطوائف وخنوعهم, وانشغالهم باللهو والملذات على تنفيذ خطته الشريرة لاسترداد الأندلس للحكم الصليبي مرة أخرى, وكان هؤلاء الملوك – زورا ً – لا يزنون عند ألفونسو شيئا ً, وبلغ من استهزائه بهم أنه ذات يوم أرسل للمعتمد بن عباد – الذي يعد وقتها أقوى ملوك الطوائف, وأكثرهم تعاونا ً مع ألفونسو - أرسل سفيرا ً من عنده يطلب منه السماح لزوجه أن تدخل جامع قرطبة لتلد فيه حسب إشارة القساوسة والأساقفة, لأن جامع قرطبة مشيد على أرض كنيسة مقدسة عند النصارى, وذلك حتى يسلم المولود من الأذى, وكان ألفونسو لا يعيش له أولاد, فلم يتمالك ابن عباد نفسه فقتل حامل الرسالة لوقاحتها, وأمر فصلب منكوسا بقرطبة. ودخل الصراع بين أسبانيا النصرانية والأندلس طورا ً جديدا ً, تحولت فيه كفة الصراع لصالح الصليبين على حساب المسلمين, وحدث نوع انتفاضة صليبية على المستوى الأوروبي عامة – والأسباني خاصة – وأخذ ألفونسو فى التخطيط بعد الاستيلاء على طليطلة فى الاستيلاء على مملكة إشبيلية, لأنها كانت الأولى على طريق الاسترداد, وبدأت خطوات الاستيلاء بالبحث عن مبررات – ولو كانت واهية – للإنقضاض على إشبيلية, وجاء المبرر عندما أرسل ألفونسو رسولا ً يهوديا ً من عنده اسمه ابن شاليب, إلى المعتمد بن عباد ليقبض منه الإتاوة, فأساء ابن شاليب الأدب مع ابن عباد, واتهمه بتزوير النقود المدفوعة, فظل ابن عباد يصفعه على وجهه حتى خرجت عيناه من شدة الصفع, وقتل كل من حضر مع اليهودي, وكانوا خمسمائة إلا ثلاثة, أبقاهم ليعودوا بالخبر لألفونسو الذي أقسم بأغلظ الأيمان ليغزون إشبيلية, وليأخذنها من يد ابن عباد. أعد ألفونسو جيشين كبيرين: زحف أحدهما إلى مدينة باجة, ثم إلى مدينة إشبيلية, والآخر قاده ألفونسو بنفسه, ونزل قبالة قصر ابن عباد على الناحية الأخرى من نهر الوادي الكبير الذي يفصل بين أسبانيا النصرانية والاندلس الإسلامية, ثم أرسل برسالة كلها تهكم واستهزاء بابن عباد, يقول فيها: لقد كثر بطول مقامي فى مجلسي هذا الذباب, واشتد علي الحر, فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي, وأطرد الذباب عن وجهي, فكتب على ظهر الرسالة ابن عباد قائلا له: قرأت كتابك, وفهمت خيلاءك وإعجابك, وسأنظر لك فى مراوح من الجلود الملطية تريح منك, لا تروح عليك. فما حكاية الجلود الملطية ؟ !.
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
(موقعة الزلاقة) إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس خلفيات وأسباب وتوابع (2/ 2) شريف عبدالعزيز مازال فى القلب نخوة: كان وزر سقوط طليطلة يقع فى المقام الأول على عاتق المعتمد بن عباد, ذلك لأنه أقوى ملوك الطوائف وقتها, ويملك الجيوش القادرة على ردع الصليبين, وهو أيضا ً أقرب الجيران لطليطلة, ومملكة إشبيلية متاخمة لمملكة طليطلة, وهو أيضا ً كان على علم تام بنوايا ألفونسو السادس, تجاه طليطلة ولكنه آثر الصمت والجمود مكانه ليسكت ألفونسو السادس بدوره عن طموحات وتوسعات ابن عباد فى جنوب مملكة طليطلة, وذلك كله استجلب العار واللعن على ابن عباد, وشعر بفداحة خطئه تجاه إخوانه المسلمين حيث لا ينفع الندم. شعر المعتمد بن عباد بحقيقة نوايا ألفونسو السادس ضد مملكته إشبيلية وسائر بلاد الأندلس, واتضح له ذلك من حادثة ابن شاليب اليهودي, وما جرى بعدها, فاجتمع عنده مشايخ قرطبة وإشبيلية وقالوا له: هذه بلاد الأندلس قد غلب عليها الفرنج ولم يبق منها إلا القليل, وإن استمرت الأحوال على ما نرى عادت نصرانية كما كانت, فأشار بعضهم بالاستعانة بالقبائل العربية فى شمال افريقيا (تونس, ليبيا) على أن يعطوهم الأموال اللازمة ويجاهدوا معهم, ولكن الجمهور رفضوا الاقتراح, لأن هذه القبائل كانت مفسدة تحيا على السلب والنهب. "لعمر الله هذا هو الصواب إذ كيف ينصر دين الله أمثال هؤلاء المفسدين ؟ فنصر دين الله يحتاج إلى رجال أقوياء صالحين مصلحين". اقترح القاضي عبدالله بن أدهم الاستعانة بالمرابطين, فمن هم المرابطون ؟ المرابطون هم مجموعة من القبائل البربرية التي ترجع لأصول عربية من ( حمير ), دخلت واختلطت بالبربر, وتكاثروا بالمغرب الأوسط والجزائر الآن, ثم انحازوا إلى جنوب الجزائر, ودخلوا الصحراء واستوطنوها, وعاشوا حياة خشنة بعيدة عن الترف واللهو, ظللوا هكذا حتى نزل عليهم فقيه اسمه: عبدالله بن ياسين الجزولي, ليعلمهم الفقه والحديث والقرآن, واستطاع هذا الفقيه البار أن يبذر فى نفوس هؤلاء البربر بذرة حب الجهاد فى سبيل الله, ونشر دين الإسلام وسط القبائل الوثنية المنتشرة بحوض النيجر ومملكة غانا, وأطلق عليهم اسم المرابطين أي المرابطين للجهاد فى سبيل الله فى الرباط الذي بناه لهم عبدالله بن ياسين على جزيرة عند مصب نهر النيجر, وكانت نواة الجهاد فى سبيل الله, وكان أول زعيم للمرابطين الأمير: يحيى بن عمر ثم أخوه أبو بكر بن عمر, الذي عمل على نشر دعوة المرابطين فى سائر أنحاء المغرب, حتى وافت معظم بلاد المغرب العربي لحكم المرابطين, والذي حول ملك الدولة المرابطية من نطاق محلي إلى دولة عظيمة مترامية الاطراف, وملك سياسي وجهادي ضخم كان له الفضل الأول فى إدخال الإسلام إلى قلب القارة السوداء, وما دخل الإسلام إلى غانا ونيجيريا وغرب إفريقيا ووسطه إلا على يد المرابطين, وكانت هذه الدولة العظيمة تدين بالولاء التام للخلافة العباسية, وقد نال يوسف بن تاشفين لقب أمير المسلمين بعد مرسوم الخلافة له بذلك سنة 466 هـ فى عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله, إذن كانت الدولة المرابطية دولة جهادية فى المقام الأول, قامت على أساس الشريعة, ولم يعرف أهلها لهوا ً ولا ترفا ً, إنما هم فى جهاد ودعوة, وهي المواصفات المطلوبة لمن ينصر دين الله, وينتصر لإخوانه المسلمين. لما أشار القاضي عبدالله بن أدهم بهذا الرأي وافق عليه الجميع, وبالفعل عينه ابن عباد سفيرا ً لأمير المسلمين المرابطين يوسف بن تاشفين ليعلمه بأحوال مسلمي الأندلس, وكيد الصليبين لهم, وكان يوسف بن تاشفين على علم بما جرى للمسلمين هناك لكثرة من يفد عليه من مشايخ وعلماء الاندلس طالبين النجدة, ولما عوقب المعتمد بن عباد فى الإستعانة بالمرابطين, وخوفوه من ذلك بذهاب ملكه, قال المعتمد بن عباد كلمته الشهيرة التي تدل علي بقايا نخوة مازالت موجودة بالقلب عند ملوك الطوائف حيث قال: ( لأن أكون راعي جمال فى صحراء إفريقيا, خير من أرعى الخنازير فى قشتالة, ولأن أكون مأكولا ً لإبن تاشفين خير من أكون أسيرا ً لألفونسو, والله لا يشهد الناس لي يوم القيامة اني قد كنت سببا ً لإعادة الأندلس كافرة مرة أخرى. "رغم مساوىء وأخطاء ابن عباد الكثيرة إلا أنه بهذه الكلمة ضرب لنا مثلا ً عظيما ً فى النخوة والحمية الإسلامية, تختلف تماما ً عن حال كثير من المسلمين الآن, الذين يؤثرون الانضواء تحت ظل الكفر والإحتماء بالصليب عن الإتحاد مع جيرانه المسلمين, أو حتى الانصهار معهم, فلا عجب إذا أن تكون الأمة المسلمة الآن مأكولة لأمريكا وأشياعها". العبور العظيم: استشار يوسف بن تاشفين مشايخ وعلماء المرابطين فأفتوا جميعا ً بوجوب نصرة مسلمي الأندلس فأعلن يوسف النفير العام فى بلاد المغرب وأفريقيا فجاءه المتطوعون من كل مكان, واجتمعت عنده أعداد كبيرة, وما كادت سفن المرابطين تنشر قلاعها حتى قصد يوسف بن تاشفين إلى مقدمة سفينة, ودعا الله عزوجل بقلب مخلص قائلا ً: اللهم إن كنت تعلم أن فى جوازي هذا خيرا ً وصلاحا ً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر, وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجزه, فهذا البحر الثائر, وجازت السفن سراعا ً ولما نزل أرض الأندلس سجد لله شكرا ً. "وهكذا يجب أن يكون شعور القائد المؤمن الصادق فى توكله على الله عزوجل, فلا يغتر بقوته ولا جنده, إنما يعلم أنه على الدوام مفتقر لربه جل وعلا, متوكل عليه فى كل الامور, وهذا ما نساه أو تناساه المسلمون الآن: فلا بالأسباب أخذوا, ولا على ربهم اعتمدوا". وصلت الأخبار لألفونسو السادس وكان معسكرا ً بجيوشه على الضفة الأخرى من نهر الوادي الكبير, فأسرع عائدا ً إلى طليطلة وأعلن هو الآخر بدوره النفير العام فى صليبي أسبانيا وأوروبا, فجاءوه من كل حدب وصوب يرفعون شعار الصليب على صدورهم, ويرددون أهازيج الكنائس وأناشيد الرهبان, مما قوى عزيمة ألفونسو, فأرسل ألفونسو برسالة طويلة لإبن تاشفين يتهدده فيها ويتوعده, ويصف له قوة جيوشه وكثرة جنوده, فرد يوسف عليه بثلاث كلمات كان لها وقع السحر على ألفونسو, حيث كتب على ظهر رسالته: ( الذي يكون ستراه ), فارتاع ألفونسو وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم. المنام العجيب: أثناء الاستعداد للمعركة الهائلة حدث أمر عجيب كان من قبيل إشارة بالنصر للمسلمين, حيث رأى ألفونسو السادس فى منامه كأنه راكب فيلا ً وبين يديه طبلة صغيرة وهو ينقر فيها, فقص هذا المنام على من عنده من القساوسة واليهود فما عرف أحد منهم تأويلها, فدس على رجل مسلم عالم بالتأويل يهوديا ً من طرفه يسأله عن تأويل المنام, فقال المسلم لليهودي: أنت تكذب لا يمكن أن يكون هذا المنام لك أبدا ً, فأخبره اليهودي بالحقيقة فقال المسلم: نعم تأويل الرؤيا من كتاب الله – عزوجل - وهو قوله تعالى: ( فإذا نقر فى الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير* على الكافرين غير يسير ) [المدثر: 8-10], وهذا يقتضي هلاك الجيش الذي يجمعه ألفونسو, فلم يعجب هذا التأويل ألفونسو ورفضه, ولما اجتمع جيشه ورأى كثرته فأعجبته أحضر العالم المسلم المعبر للرؤيا وقال له: بهذا الجيش ألقى إله محمد صاحب كتابكم, وأحارب الشياطين والجن والملائكة. "أعداء الإسلام على مر العصور, وفى كل زمان ومكان يظنون أنهم قادرون على الدنيا, متحكمون فى المصائر والمقادير, يظنون أنهم أقوى من الله - عزوجل – تعالى الله عما يقول الكافرون الجاحدون المنكرون – تراهم يعبدون القوة, ويقدسون السلاح, ويحاربون في سبيل الطاغوت, تغرهم جيوشهم وسيوفهم ويشجعهم ضعف المسلمين وتفرقهم, ولهؤلاء نقدم قو الله عز وجل: ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ً فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [الأنعام: 44- 45 ]. معركة الزلاقة الكبرى: وصلت حلقة الصراع إلى آخر فصولها وتراءى الجيشان, المسلمون يقودهم أمير المرابطين يوسف بن تاشفين ومعه المعتمد بن عباد يقود القوات الأندلسية المسلمة, ومعه المتوكل بن الأفطس يقود الميمنة, وأهل بلنسية يقودون الميسرة, وإجمالي الجيوش بضع وعشرون ألفا ً, فى حين أن الصليبين يقدر تعدادهم بثمانين ألف مقاتل, وقيل أكثر من ذلك بكثير, وهم معسكرون على بعد ثلاثة أميال من المعسكر الإسلامي, ويفصل بين الجيشين نهر صغير. لبث الجيشان الخصمان كل منهما تجاه الآخر لا يفصلهما سوى النهر مدة ثلاثة أيام, وكتب يوسف بن تاشفين قبيل المعركة إلى ألفونسو عملا ً بأحكام السنة كتابا ً يعرض عليه الدخول فى الإسلام, أو الجزية, أو الحرب, ولكن ألفونسو تكبر ورفض الرسالة. حاول ألفونسو خداع المسلمين فكتب إلى المعتمد بن عباد يقول: إن الجمعة لكم, والسبت لليهود وهم وزراؤنا وخدامنا, ولا نستغني عنهم, والأحد لنا فاللقاء يكون يوم الإثنين. وكان هذا الخطاب يوم الخميس عصرا ً, وكان ألفونسو يبيت الغدر بالمسلمين, والهجوم عليهم وهم غافلون يوم الجمعة أثناء الصلاة, ولكن المعتمد بن عباد لم ينخدع بهذه المكيدة, واستعد للقتال يوم الجمعة خاصة بعد أن رفعت له الاستخبارات المسلمة أخبارا ً مفادها أن هناك جلبة وضوضاء كبيرة داخل المعسكر الصليبي ليلة الجمعة, مما يؤكد على نية الصليبين واستعدادهم للهجوم يوم الجمعة. وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 12 رجب 479هـ زحف الصليبين بكل قواتهم ظانين غفلة المسلمين, ولكنهم فوجئوا بالقوات الأندلسية بقيادة المعتمد بن عباد يبرزون لهم ويشتبك الجيشان فى معركة عارمة, وتضغط مقدمة الجيوش الصليبة على اقوات الأندلسية بمنتهى العنف, مما أصابهم بهزة شديدة ألزمتها التراجع إلى الخلف, وفر كثير من المقاتلين من أرض المعركة, واختل نظام الجيش الإسلامي, ولم يثبت فى وجه الصليبين إلا المعتمد بن عباد وفرسانه الإشبيليين, وأصيب المعتمد بإصابات بالغة ,ومع ذلك ظل ثابتا ً فى مكانه يقاتل بمنتهى البسالة, هذا كله والجيوش المرابطة لم تنزل ميدان القتال, حيث كانت خطة يوسف بن تاشفين تعتمد على استدراج الصليبين, ثم عمل التفاف سريع تجعلهم بين فكي كماشة محكمة, وبالفعل أسرعت الفيالق المرابطة يقودهم أمهر القادة ( سير بن أبي بكر اللمتوني ) واخترقت الجيوش الصليبية فى الوقت الذي كانت متقدمة بكل قواتها ناحية معسكر المرابطين, وقامت تلك الفيالق بمهاجمة مؤخرة الجيوش الصليبية وفتكت بها, وأضرمت النار فى معسكر ألفونسو الخلفي وأراد ألفونسو أن يرتد بقواته لإنقاذ المعسكر من الحريق فاصطدم مع الفيالق المرابطية, ومن ناحية أخرى ضغطت مقدمة المرابطين والأندلسيين على الصليبين الذين وقعوا فى الكماشة القاتلة, وأمعن المسلمون القتل فى الصليبين, وعمد المرابطون لطريقة جديدة فى القتال لم يعتد عليها الصليبيون, وهي طريقة الصفوف المتراصة المتناسقة الثابتة, وعجز الصليبيون عن التعامل مع هذه الطريقة الجديدة. ثم جاءت الضربة الأخيرة فى القتال عندما وقع يوسف بن تاشفين بالحرس الأسود, وهي كتيبة خاصة مكونة من أربعة آلاف مقاتل من بلاد غانا في منتهى الضراوة والشجاعة القتالية, ولا يقاتلون إلا بالخناجر والرماح القصيرة, واستطاع الحرس الأسود القضاء تماما ً على أية بقية مقاومة لدى الصليبين, بل أكثر من ذلك استطاع أحدهم أن يطعن ألفونسو السادس فى فخذه طعنة نافذة خرقت الدرع الحديدي وهتكت فخذ ألفونسو الذي ظل بعدها سائر عمره أعرجا ً من أثر تلك الضربة. قرر ألفونسو الهروب من المعركة بعد أن أيقن من أن بقاءه هلاك له وللجيش كله, ولكنه من شدة وهول القتال لم يستطع أن يفارق المعركة إلا فى أربعمائة من فرسانه معظمهم جرحى, مات منهم ثلاثمائة فى الطريق, ولم يعد ألفونسو إلى طليطلة إلا فى مائة مقاتل فقط. وبلغ فى النهاية عدد شهداء المسلمين ثلاثة آلاف شهيد, فى حين عدد قتلى الصليبين ثمانين ألفا ً إلا مائة, وقد أمر يوسف بجمع رءوس قتلى الصليبين وصنع منهم تلا ً عظيما ً وقف عليه المؤذن, ورفعوا من فوقه الأذان والإعلان بالنصر. "هكذا يجب أن يفعل مع أعداء الإسلام ليعلموا أن ليس فى قلوبنا تجاه من حاربنا واعتدى على أراضينا وحرماتنا رحمة أو شفقة, ليرتدع هؤلاء الكافرون عن العودة لمثلها, مصداقا ً لقوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) [التوبة: 123 ] ومن الطرائف التاريخية أن الذي صد الصليبين فى المشرق حيث بلاد الشام هو صلاح الدين يوسف, والذي تولى صد الصليبين فى المغرب حتى بلاد الأندلس هو يوسف بن تاشفين, ولكن شهرة يوسف الشرق غطت على شهرة يوسف الغرب رغم الدور الرائع الذي قام به فى حفظ دولة الإسلام بالأندلس من الضياع, وكلاهما – إن شاء الله عز وجل – معلوم معروف عند الله عز وجل, والله أعلم بالعواقب. المراجع
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |