صلة الرحم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التواصل الاجتماعي.. ضوابطه وآدابه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          (وداعاً أيها القرآن) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          نصائح على طريق النجاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تكفير الأعيان وأثره في استحلال الدماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الرفيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية- أهميتها.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          إصدارات لتصحيح المسار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 2786 )           »          ثلاث مسائل فقهية في العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          مواسم الخيرات فيما بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          طفلك..وأوقات فراغه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-04-2019, 01:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,922
الدولة : Egypt
افتراضي صلة الرحم

صلة الرحم
إبراهيم بن محمد الحقيل



الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ: (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِّ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ) [الْنَّحْلِ: 90].
نَحْمَدُهُ عَلَى تَتَابُعِ نِعَمِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى تَرَادُفِ إِحْسَانِهِ؛ هَدَانَا لِلْخَيْرِ وَعَلَيْهِ يُجَازِيْنَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ أَمَرَ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَجَعَلَهَا مِنْ دَلَائِلِ كَمَالِ الْإِيْمَانِ، وَوَعَدَ عَلَيْهَا عَظِيْمَ الْأَجْرِ وَالْإِحْسَانِ، وَنَهَى عَنْ قَطِيْعَتِهَا، وَأَوْعَدَ مَنْ قَطَعَهَا بِالْحِرْمَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ كَانَ أَتْقَى الْنَّاسِ لِرَبِّهِ، وَأَرْحَمَهُمْ لِخَلْقِهِ، وَأَوْصَلَهُمْ لِرَحِمِهِ، جَاءَ بِصَلَاحِ الْقُلُوُبِ، وَدَعَا إِلَى كَمَالِ الْأَخْلَاقِ، وَأَمَرَ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَقَالَ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلاقِ)) صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - تعالى – وَأَطِيْعُوْهُ: (يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالَاً كَثِيْرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِيْ تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبَاً) [الْنِّسَاءِ: 1].
أَيُّهَا الْنَّاسُ: مَنْ رَضِيَ بِالله - تعالى - رَبَّاً، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نَبِيَّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيْنَاً؛ اتَّبَعَ أَوَامِرَ الْإِسْلَامِ وَلَوْ خَالَفَتْ هَوَاهُ، وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ وَلَوْ وَافَقَتْ مُشْتَهَاهُ، وَهَذَا دَلِيْلُ عُبُوْدِيَّتِهِ لله - تعالى -.. وَمِنَ الْفِقْهِ فِيْ الْدِّيْنِ، وَالْعِلْمِ بِالْشَّرِيعَةِ، وَالتَّوْفِيْقِ لِامْتِثَالِهَا أَنْ يَضَعَ الْعَبْدُ أَوَامِرَهَا وَنَوَاهِيَهَا فِيْ مَوَاضِعِهَا، وَيَعْرِفَ أَهَمَّهَا وَالمُهِمَّ مِنْهَا، فَلَا يَشْتَغِلُ بمَفْضُولٍ عَنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَعْتَنِي بِمَنْدُوبٍ عَنْ وَاجِبٍ، وَلَا يُقَدِّمُ مُهِمَّاً عَلَى مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ..
وَلَا يَقَعُ الْخَلَلُ عِنْدَ الْنَّاسِ فِيْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ أَوِ الْهَوَى؛ فَإِنَّ الْجَاهِلَ لَا يُدْرِكُ مُهِمَّاتِ الْشَرِيعَةِ، وَلَا عِلْمَ لَهُ بِأَوَلِيَاتِهَا، وَصَاحِبُ الْهَوَى يُعَظِّمُ مِنْهَا مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، وَيُفَرِّطُ فِيْمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ وَأَوْجَبُ إِنْ عَارَضَ مَا يَهْوَى، وَرُبَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ شَرِيْعَةً يَدْعُو إِلَيْهَا، فَيَظُنُّ أَنَّهُ عَبْدٌ لله - تعالى - وَهُوَ مُتَّبَعٌ لِهَوَاهُ..
وَمَنْ تَأَمَّلَ النُّصُوْصَ الْوَارِدَةَ فِيْ وُجُوْبِ صِلَةِ الْأَرْحَامِ ثُمَّ قَارَنَهَا بِوَاقِعِ الْنَّاسِ الْيَوْمَ عَلِمَ أَنْ كَثِيِرَاً مِنْهُمْ مَا صُرِفُوا عَنْ صِلَةِ أَرْحَامِهِمْ إِلَّا بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ بِمَقَامِ الْصِّلَةِ عِنْدَ الله - تعالى -، أَوْ بِسَبَبِ اتْبَاعِهِمْ لِأَهْوَائِهِمْ فِيْمَا يَأْتُوْنَ مِنَ الْشَّرِيعَةِ وَمَا يَتْرُكُوْنَ.
لَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ بِصِلَةِ الْرَّحِمِ مِنْ مُحْكَمَاتِ الْشَّرَائِعِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيْعُ الْرُّسُلِ - عليهم السلام -، وَأَخَذَ اللهُ - تعالى - مِيْثَاقَهُ بِهَا عَلَى مَنْ قَبْلَنَا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيْثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيْلَ لَا تَعْبُدُوْنَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً وَذِيْ الْقُرْبَى) [الْبَقَرَةِ: 83] الْآَيَة.
وَفِيْ شَرِيْعَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ الْأَمْرُ بِصِلَةِ الْرَّحِمِ مِنْ أَوَائِلِ الْأَوَامِرِ المَكِّيَّةِ حَتَّى لَا تُذْكَرُ دَعْوَةُ الْنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا وَيُذْكَرُ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالصِّلَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْقَطِيْعَةِ، دَخَلَ عَمْرُو بنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ عَلَى الْنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: "مَا أَنْتَ؟ قَالَ: ((أَنَا نَبِيٌّ))، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: ((أَرْسَلَنِي اللهُ))، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: ((أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ))، قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: ((حُرٌّ وَعَبْدٌ))، قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُوْ بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آَمَنَ بِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِيْ سُؤَالِ الْنَّجَاشِيِّ لِجَعْفَرٍ، وَسُؤَالِ هِرَقْلَ لِأَبِيْ سُفْيَانَ عَمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ أَسَاسَاتِ الْإِسْلَامِ وَأَوْلِيَاتِهِ أَخْبَرَاهُما أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَنَهَى عَنْ قَطِيْعَتِهَا؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْصِّلَةَ أَسَاسٌ فِيْ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ بِهَا جَاءَ فِيْ بِدَايَةِ بِنَاءِ الْشَرِيعَةِ.
وَقَدْ قَرَنَهَا اللهُ - تعالى - مَعَ الْإِيْمَانِ، وَعَدَّهَا مِنَ الْبِرِّ المَأْمُوْرِ بِهِ: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِيْ الْقُرْبَى) [الْبَقَرَةِ: 177] الْآَيَةَ.
وَفِيْ آَيَةٍ أُخْرَى: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً وَبِذِي الْقُرْبَى) [الْنِّسَاءِ: 36] وَقَالَ الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَالْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِيْنَ دَعَا قَوْمَهُ فَكَذَّبُوْهُ ذَكَّرَهُمْ بِالْقُرْبَى لِأَهَمِّيَّتِهَا، وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَامِلُوْهُ مُّعَاملَةَ الْقَرِيْبِ لَا مُعَامَلَةَ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَتِهِ لَهُمْ عَامَلَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا يُرِيْدُ مِنْهُمْ أَجْرَاً عَلَيْهَا: (قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَّا المَوَدَّةَ فِيْ الْقُرْبَى) [الْشُّوْرَىْ: 23].
وَلَما دَعَا عَشِيْرَتَهُِ عَلَى الْصَّفَا فِيْ أَوَّلِ صَدْعِهِ بِالْحَقِّ ذَكَرَ الْرَّحِمَ فَقَالَ: ((إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئَاً غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمَاً سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَجَعَلَ لِلْرَّحِمِ حَرَارَةً تُطْفَأُ بِمَاءِ الْصِّلَةِ. وَصِلَةُ الْقَرِيْبِ حَقٌّ لَهُ أَوْجَبَهُ اللهُ - تعالى -: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقَّهُ) [الْإِسْرَاءِ: 26].
وَلَوْ أَخْطَأَ الْقَرِيبُ عَلَى قَرِيْبِهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنَ الْصِّلَةِ مَهْمَا كَانَ خَطَؤُهُ، وَقَدْ أَخْطَأَ مِسْطَحٌ عَلَى أَبِيْ بَكْرٍ حِيْنَ خَاضَ فِيْ الْإِفْكِ فَعَزَمَ أَبُوْ بَكْرٍ عَلَى قَطْعِ صِلَتِهِ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللهُ - تعالى -: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوْ الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِيْ الْقُرْبَى) [الْنُّوْرِ: 22] فَعَادَ أَبُوْ بَكْرٍ - رضي الله عنه - إِلَى صِلَتِهِ. لَقَدْ قَطَعَ اللهُ - تعالى - كُلَّ تَوَارُثٍ إِلَّا تَوَارُثَ الْقَرَابَةِ: (وَأُوْلُوْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِيْ كِتَابِ الله) [الْأَنْفَالِ: 75] وَقَدَّمَهُمْ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ بَعْدَ الْوَالِدَيْنِ: (يَسْأَلُوْنَكَ مَاذَا يُنْفِقُوْنَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِيْنَ) [الْبَقَرَةِ: 215].
وَجَاءَتِ الْشَرِيعَةُ بِالْنَّهْيِّ الْشَّدِيْدِ عَنِ الْتَّفَاخُرِ بِالْأَنْسَابِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ تَعَلُّمَ الْأَنْسَابِ وَالاشْتِغَالَ بِهَا مَظِنَّةٌ لِلتَّفَاخُرِ بِهَا، لَكِنَّ هَذِهِ المَفْسَدَةَ المَظْنُونَةَ مُلْغَاةٌ؛ لِتَحْقِيْقِ مَصْلَحَةٍ أَعْظَمَ وَهِيَ صِلَةُ الْرَّحِمِ فَأَمَرَ الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَعَلُّمِ الْنَّسَبِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَقَالَ: ((تَعَلَّمُوْا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُوْنَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ)) وَفِيْ رِوَايَةٍ: ((اعْرِفُوا أَنْسَابَكُمْ تَصِلُوْا أَرْحَامَكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا قُرْبَ لَرَحْمٍ إِذَا قُطِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيْبَةً، وَلَا بُعْدَ لَهَا إِذَا وُصِلَتْ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيْدَةً)) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ: ((تَعْلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ ثُمَّ صِلُوْا أَرْحَامَكُمْ وَالله إِنَّهُ لَيَكُوْنُ بَيْنَ الْرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيْهِ الْشَّيْءُ وَلَوْ يَعْلَمُ الَّذِيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنْ دَاخِلَةِ الْرَّحِمِ لأَوزَعَهُ ذَلِكَ عَنِ انْتِهَاكِهِ)).
وَأَخْبَرَ أَبُوْ ذَرٍّ - رضي الله عنه - أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَاهُ أَنْ يَصِلَ أَرْحَامَهَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ.
وَتَأَمَّلُوْا عَظِيْمَ أَمْرِ صِلَةِ الْرَّحِمِ فِيْ هَذَا الْحَدِيْثِ الْعَظِيْمِ؛ إِذْ رَوَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُوْلُ: مَنْ وَصَلَنِيْ وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَنِيْ قَطَعَهُ اللهُ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِيْ حَدِيْثٍ آَخَرَ: ((إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الْرَّحْمَنِ فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ)) رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
وَامْتَدَحَ اللهُ - تعالى - الْوَاصِلِيْنَ لِأَرْحَامِهِم، فَقَالَ - سبحانه -: (وَالَّذِينَ يَصِلُوْنَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُوْنَ سُوَءَ الْحِسَابِ) [الْرَّعْدُ: 21].
وَذَمَّ الْقَاطِعِينَ بِقَوْلِهِ - تعالى -: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُوْنَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيْثَاقِهِ وَيَقْطَعُوْنَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُوْنَ فِيْ الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوَءُ الْدَّارِ) [الْرَّعْد: 25]..
نَعُوْذُ بِالله - تعالى - مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ - تعالى - أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْإِيْمَانِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ يُجَنِبَنَا الْعُقُوقَ وَالْقَطِيْعَةَ، وَأَنْ يُعِيْنَنَا عَلَى مَا بِهِ يَرْضَى عَنَّا، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ.
أَقُوْلُ مَا تَسْمَعُوْنَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - تعالى – وَأَطِيْعُوْهُ: (وَاتَّقُوا الْنَّارَ الَّتِيْ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِيْنَ * وَأَطِيْعُوْا اللهُ وَالْرَّسُوْلَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ) [آَلِ عِمْرَانَ: 131-132].
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: رَغْمَ تَطَوُّرِ وَسَائِلِ المُوَاصَلَاتِ وَالِاتِّصَالِ الَّتِيْ قَرَّبَتْ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيَسَّرْتِ التَّوَاصُلَ بَينَ النَّاسِ، وَقَطَعَتْ كُلَّ عُذْرٍ لِلْقَطِيْعَةِ؛ فَإِنَّ كَثِيْرَاً مِنَ الْنَّاسِ لَمْ يُوَفَّقُوا لِصَلَةِ أَرْحَامِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَسْلَمُوْا مِنْ قَطِيْعَتِهَا، وَهَذَا مِنْ الخُذْلَانِ وَعَدَمِ الْتَّوْفِيْقِ، وَمِنْ قِلَّةِ الْبَرَكَةِ فِيْمَا رَزَقَهُمْ اللهُ - تعالى - مِنْ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَالمُوَاصَلَاتِ..
إِنَّ اخْتِلَافَ الطِّبَاعِ وَالْعُقُولِ وَطَرَائِقِ الْتَّفْكِيْرِ وَالتَّبَايُّنَ فِيْ المَعْرِفَةِ وَالاهْتَمَامَاتِ بَيْنَ القَرَابَةِ أَسْبَابٌ تَجْعَلُ أُنَاسَاً مِنْهُمْ لَا يَحْتَمِلُوْنَ قَرَابَتَهُمْ، وَلَا يُحِبُّوْنَ مُجَالَسَتَهُمْ، وَلَا يَأْنَسُونَ بِالْحَدِيْثِ مَعَهُمْ؛ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمْ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ اخْتِيَارٌ فِيْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ اخْتَارَ جُلَسَاءَهُ وَزُمَلاءَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِيْ قَرَابَتِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِلَ جَهْلَهُمْ، وَلَا يَغْتَرَّ بِمَعْرِفَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَيَجْتَهِدَ فِيْ صِلَتِهِمْ مَا اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيْلَاً..
وَأَحْيَانَاً تَكُوْنُ قَطِيْعَةُ الْرَّحِمِ بِأَسْبَابِ فِتَنٍ وَإِحَنٍ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ سَعَى بِهَا وَاشٍ بَيْنَهُمْ يُوْقِدُ نَارَهَا لِغَرَضٍ فِيْ نَفْسِهِ؛ فَاسْتَحْوَذَ عَلِيهِم لِضَعْفِ عُقُوْلِهِمْ، وَسُوْءِ ظُنُونِهِمْ، وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى صَدِّ الْوُشَاةِ عَنْهُمْ، وإلَّا فَمَنْ نَقَلَ لَكَ نَقَلَ عَنْكَ، أَوْ تَكُوْنُ الْقَطِيْعَةُ بِسَبَبِ إِرْثٍ اخْتَلَفُوا فِيْ قِسْمَتِهِ، وَاتَّهَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً بِالِاسْتِئْثَارِ بِهِ، أَوْ بِسَبَبِ عَدَاوَاتٍ قَدِيْمَةٍ وَرِثُوهَا عَنْ آَبَائِهِمْ.. وَكُلُّ أُوْلَئِكَ يَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ بِعَظِيمِ حَقِّ الْرَّحِمِ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا، وَلَا يَجْعَلَهَا عَوَائِقَ عَنْ وَاجِبِ الْصِّلَةِ.. وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوِيَاءُ مِنَ الْنَّاسِ، الَّذِيْنَ يَجْعَلُوْنَ رِضَا الله - تعالى - فَوْقَ أَيِّ اعْتِبَارٍ مَهْمَا كَانَ.
وَمِنَ الْخُذْلَانِ الْعَظِيْمِ، وَالْإِثْمِ المُبِيْنِ أَنْ يُبْتَلَى الْرَّجُلُ بِقَطِيْعَةِ أَقْرَبِ الْنَّاسِ إِلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَأَعْمَامَهِ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ ثُمَّ يُعَدِّي هَذِهِ الْكَبِيْرَةَ مِنَ الْذُّنُوبِ لِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ فَيَأْمُرُهُمْ بِهَا، وَيَقْصُرُهُمْ عَلَيْهَا، وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى صَلَتِهِمْ لَوْ وَصَلُوْا أَرْحَامَهُمْ.. فَيَحْمِلُ وِزْرَهُ مَعَ وِزْرِهِمْ، وَيَكُوْنُ دَاعِيَةً لِلْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْبَغْيِّ..
إِنَّ الْنُّفُوْسَ الْكَبِيْرَةَ هِيَ الَّتِيْ تَحْتَمِلُ أَذَى الْقَرَابَةِ، وَلَا تَحْمِلُ فِيْ دَوَاخِلِهَا شَيْئَاً عَلَيْهِمْ مَهْمَا فَعَلُوْا، وَتُؤَدِي حُقُوْقَهُمْ وَلَوْ قُوْبِلَتْ عَلَى إِحْسَانِهَا بِالْإِسَاءَةِ، وَعَلَى صِلَتِهَا بِالْقَطِيْعَةِ؛ فَإِنَّ مَطْلُوْبَ المُؤْمِنِ رِضَا الله - تعالى - لَا رِضا خَلْقِهِ، وَغَايَتَهُ أَنْ يَكُوْنَ عَبْدَاً لله - تعالى - وَلَيْسَ مُتَّبِعَاً لِمَا تَهْوَى نَفْسُهُ.
وَتَأَمَّلُوْا قَوْلَ الْنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أَفْضَلَ الْصَّدَقَةِ الْصَّدَقَةُ عَلَى ذِيْ الْرَّحِمِ الْكَاشِحِ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالكاشَحُ هُوَ المُبْغِضُ المُعَادِيْ، فَجَعَلَ الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صِلَتَهُ أَفْضَلَ مِنْ صِلَةِ الْقَرِيْبِ المُحِبِّ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ فِيْ هَذِهِ الصَّلَةِ مُتَمَحِّضٌ؛ وَقَدْ تُزِيْلُ هَذِهِ الصِّلَةُ بُغْضَهُ وَعَدَاوَتَهُ فَتَكُوْنُ سَبَبَاً فِيْ سَلَامَتِهْ مِنَ الْإِثْمِ، وَأَمَّا صِلَةُ الْقَرِيْبِ المُحِبِّ فَإِنَّ الْنُّفُوْسَ تَهْوَاهَا وَتَمِيْلُ إِلَيْهَا..
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَصِلُوْا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْذَرُوا الْقَطِيْعَةَ، وَرَبَّوْا أَهْلَكُمْ وَوَلَدَكُمْ عَلَى الْصِّلَةِ؛ فَإِنَّ الْصِّلَةَ سَبَبٌ لِطُوْلِ الْعُمُرِ وَبَسْطِ الْرِّزْقِ، مَعَ مَا فِيْهَا مِنْ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ..
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 81.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.87 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.06%)]