فذكر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         علامات الزهايمر المبكرة.. انتبه إليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          طرق علاج الرمد الربيعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ارتفاع ضغط الدم الكاذب: ما هي أسبابه وهل يتطلب علاج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طرق علاج الجلطة الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ما هي أسباب مرض الزهايمر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أبرز فوائد الجيلاتين لصحة الجسم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          7 أطعمة ترفع الكوليسترول الضار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الجيلاتين: معلومات تهمك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أعراض الزهايمر.. النسيان ليس العرض الوحيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ما هي أعراض الجلطة الدموية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم اليوم, 11:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,986
الدولة : Egypt
افتراضي فذكر

فذكِّر

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الكريمِ الشّكورِ، الحليمِ الصبورِ، ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك:2]، سبحانهُ وبحمده.. ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر:19].. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ولا ربَّ لنا سواهُ، ﴿ لهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ﴾ [الحديد:5].. وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، المبعوثُ بالهدى والرحمةِ والنورِ.. اختارهُ ربُّ السمواتِ العلى.. ليكون صفوة خلقهِ من الورى.. واختصهُ بالمكرماتِ وفضلا.. صلى عليه إلاهنا وسلما.. اللهم صل وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آله وصحبهِ ذوي الفضلِ المشهورِ، والعملِ المبرورِ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم البعثِ والنشورِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان:33].. ومن وصية العبدِ الصالحِ لأبنهِ: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان:18].

معاشر المؤمنين الكرام: إن أعظمَ ما يُصلحُ القلوبَ، ويهذبُ النفوسَ ويقوِّمُ السلوكَ: أن يعرفَ العبدُ ربَّه فيعظمه، ويستشعرَ رقابتَه فيخشاه ويتقيه، ويقف على حقيقةِ الدنيا وسرعةِ زوالِها، فينظر في أعمالَه، ويراجع حساباتِه، ويصحح مساره، ويستعدَّ للقاءِ ربه بما استطاع.. ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [غافر:39].

ولو تفكر العاقل في سرعة مرور الليالي والأيام، لرأى من ذلك عجبًا لا ينقضي، ولو تأمّل كل منا ما مضى من عمره لوجده قد مَرّ كلمح البصر.. إنا لنفرح بالأيام نقطعها.. وكل يومٍ مضى يدني من الأجل.. ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد:16].

والموفق يا عباد الله: هو من يلْحَظَ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَيهِ، ولا يغيب عن قلبه وعقلهِ شعورهُ بفضل اللهِ عليه, فيلهج بحمد الله وشكرهِ، والثناءِ عليه بما هو أهله.. ومن كان هذا حالهُ فهو موعودٌ بالمزيد بفضل الله: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7]، وقال تعالى: ﴿ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين ﴾ [آل عمران:145].. وفي الحديث الصحيح: (يَا مُعَاذُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)..

وإنَّ من صدق الإيمان، ودلائل التوفيق -يا عباد الله- أن يستقيم المرء على دين الله وشرعه، في كل أحيانه وعلى كل حالاته، فيكون عابدًا شاكرًا لله في السراء، وصابرًا محتسبًا في الضراء، ملتزمًا بنهج سيد الأنبياء، الذي ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرٍّ إلا حذرنا منه.. صلوات الله وسلامه عليه.

ألا وإنّ أشرفَ الأوقاتِ ما صرفُ في طاعة الله، فاحذروا الغفلات، فإنها أشدُّ ما يفتِكُ بالقلوب.. وإنما صلاحُ القلب بمحاسبة النّفس، وفسادهُ بإهمالها والاسترسالِ معها.. والنفسُ إن لم تشغَلها بطاعة الله شغَلَتك بما لا ينفعُ، ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾ [هود:112].

فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة:18].. ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد ﴾ [آل عمران:30].. نعم يا عباد الله: سيقف كلٌّ منا أمام ربه عاريًا حافيًا، يُختمُ على فيهِ, وتنطق جوارحهُ.. فتهيأ يا عبدالله لهذا الموقف الرهيب، واجلس مع نفسك وحاسِبها، فالسعيدُ من تدبَّر أمره، وأخذ حِذره واستعدَّ لآخرته، في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ، وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ، وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ، وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ".. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ ﴾ [الحشر:18].

واعلموا أن الأمر فصل وليس بالهزل، جد وليس باللعب، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَن الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات:37].

فاتقوا الله، واتقوا النار، اتقوا النار بالخوف والخشية من الجبار؛ فلن يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله، وعينانِ لا تمسهما النار؛ عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله.. ومن صام يومًا في سبيل الله زحزحه الله عن النار سبعين خريفـًا.. وصدقة السر تطفئي غضب الربَّ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة.. اتقوا النار ولو بكلمة طيبة.. وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمهُ ربهُ ليس بينه وبينه ترجمان، فينظرَ أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظرَ أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظرَ بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاءَ وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".. تأمل: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون:101].. وفي صحيح البخاري: قال عليه الصلاة والسلام: "من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلل منه اليوم، قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخذَ من سيئات صاحبهِ فحُملَ عليه".. وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"..

فاستبقوا الخيرات.. فالحياةُ قصيرةٌ، والفرصُ محصورةٌ، والصوارفُ كثيرةٌ.. والأيامُ تنقضي سِريعة.. ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر:37].. ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت ﴾ [المؤمنون:99].. وفي الحديث الصحيح: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم".. وفي الحديث الآخر: «اغتَنِم خَمسًا قبلَ خَمسٍ: شَبابَك قبلَ هَرَمِك، وصِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، وغِناكَ قبلَ فَقرِك، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِك، وحياتَك قبلَ مَوتِك».. عُلوُّ القَدْرِ بالهِمَمِ العوالي.. وعِزُّ المَرءِ في طلبِ المعالي.. بقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعالِي.. ومَن طَلبَ العُلا سَهِرَ اللَّيالِي.

استبقوا الخيرات يا عباد الله.. ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر:56].. يقول الامام ابن الجوزي: العاقلُ منْ أعطى كلَّ لحظةٍ منْ لحظاتِ حياتهِ حقَّهَا، فإنْ بغتهُ الموتُ وجدهُ مُستعِدًا.. وإنْ مُدَّ لهُ في الأجل إزدادَ خيرًا إلى خير..

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97]..

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

أما بعد: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة:100].. اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، اتقوا الله وأحسنوا إنَّ اللهَ يحبُّ المحسنين، ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال:21]..

معاشر المؤمنين الكرام: أعزُّ ما على المؤمن سلامةُ دينِه، وثباتهُ على الإيمان والتقوى، ﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور ﴾ [لقمان:22]، ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف:43]..

أُخيَّ المبارك: الأعمارُ مهما طالَتْ فهي قصيرةٌ، والدنيا مهما طابتْ فهي يسيرةٌ، واليومَ عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل.. والكيِّسُ من دانَ نفسَهُ، وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ من أتبعَ نفسَهُ هواها، وتمنَّى على الله الأماني.. ويا عبد الله: ارضَ بما قسمَ اللهُ تكنْ أغنى النَّاسِ، واجتنبْ محارمَ اللهِ تكنْ أورعَ النَّاسِ، وأدِّ ما افترضَ اللهُ تكنْ أعبدَ النَّاسِ.. ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء:124]..

فرحِمَ الله عبدًا إذا نظرَ اعتبَر، وإذا صمتَ تفكَّر، وإذا علِمَ عمل، وإذا عمل ثبت واستمر، وإذا أخطأ تراجع، يعملُ بالدليل، ويحذَرُ التسويفَ والتعليل، وكَفاكَ أدبًا لِنَفسِكَ تركُ ما تكرَهُهُ من غيركَ..﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن:16]..

واحذروا يا عباد الله الفتن، فما من شيءٍ أخطرُ على دين المرءِ من الفتن، في الحديث الصحيح: "إنَّ السعيدَ لمن جُنّب الفتن"، قالها صلى الله عليه وسلم ثلاثًا.. وفي محكم التنزيل: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ [القصص:55]..

ثم اعلموا أن صَنائِعُ المَعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ.. وَأن اللَّهُ تعالى في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ.. وأن من تعرَّفَ إلى اللهِ في الرخاءِ، يعرفُه في الشدَّةِ.. ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم ﴾ [فصلت:34].. ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين ﴾ [القصص:77]، ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى:40].. ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء:124]، و﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ﴾ [النساء:85]، ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين ﴾ [آل عمران:85].

تفكر في مصيرك والمآبِ
ودفنك بعد عزك في التراب
إذا وافيت قبرًا أنت فيه
تقيم بهِ إلى يوم الحساب
خُلقتَ من التراب فصرتَ حيًا
وعُلمتَ الفصيحَ من الخطاب
وعدتَ إلى التراب فصرتَ فيه
كأنك ما خرجتَ من التراب
* * *
فيا راكضًا في ميادين الهوى مَرِحًا
وغافلًا في ثِيَاِب الغَيّ نشوانَا
مَضَى الزّمَانُ وَوَلّى العُمْرُ فِي لَعِبٍ
يَكْفِيكَ مَا قَدْ مَضَى يكفيك مَا كَانَا


ألا فلا تغرّنّكم الآمال، فتنسيكم قرب الارتحال، ودنو الآجال، فكم من مؤمِّلٍ أملًا لا يُدركه، وكم من مُدركٍ يومًا لا يستكمله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون:9].

فاستبقوا الخيرات قبل فواتها، وحاسبوا أنفسكم على زلاتها، وكفُّوها عن الاستغراقِ في شهواتها.. من نظرَ في العواقب نجا، ومن أطاع هواهُ هوى، و﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء:80]..

فرحمَ اللهُ امْرًا انصفَ نفسهُ من نفسه، وأخذَ لغدِهَ من يومه وأمْسِهَ.. ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:281]..

يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صل على محمد...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.99 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]