رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وكفايته - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         غزة في ذاكرة التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 14783 )           »          الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني.. راوٍ ماجنٌ وليس بمؤرخ مدقق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          أثر العربية في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 16410 )           »          العقيدة اليهودية والسيطرة على العالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 2255 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 43573 )           »          من أخطاء المصلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 616 )           »          فوائد من حديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 825 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 6808 )           »          "ليبطئن"... كلمة تبطئ اللسان وتفضح النية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          لطائف من القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 133 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 05:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وكفايته

رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وكفايته

د. أحمد خضر حسنين الحسن

لقد كانت عناية الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم تفوق الوصف، فهي عناية بكل شيء يتعلق به عليه الصلاة والسلام بدءًا من ميلاده وإلى انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وقد امتنَّ الله تعالى عليه بذلك في عدد من آي القرآن، فقد خاطبه ربُّه بقوله: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾ [الضحى: 6، 7]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64]، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36]، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ [التوبة: 129]، ولو ذهبنا نتتبَّع تفسير تلك الآيات، لطال بنا الكلام، ولخرجنا عن مقصودنا، ولذا لنا وقفات مع بعض هذه الآيات:
1- قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى: 6].
قبل أن أذكر كلام المفسرين أقول في وجه الموازنة بين نشأة النبي صلى الله عليه وسلم ونشأت الخليل عليه السلام: إن الخليل قد ربَّاه أبوه كما هو معلوم من سورة مريم وغيرها؛ حيث ذكر أباه صراحة: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ [مريم: 43]...إلخ.

وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نشأ يتيمًا، ولا شك أن الفرق كبير بين مَن ينشأ في كنف أبيه وبين من ينشأ يتيمًا، هذه ناحية، والناحية الأخرى أن الخليل عليه السلام أخبر عن نفسه، فقال: ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 79، 80]، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخبر الله تعالى أنه أوَّاه، ولا شك أن كلام الله عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أرقى وأوثق وأجل وأعظم من حديثه صلى الله عليه وسلم عن نفسه.

والآن إليك بعض ما قاله أهل التفسير في الآية الكريمة:
قال في تتمة أضواء البيان: ذكر ابن هشام في رعاية عمه له أنه كان إذا جنَّ الليل وأرادوا أن يناموا، تركه مع أولاده ينامون، حتى إذا أخذ كلٌّ مضجعه، عمَد عمه إلى واحد من أبنائه، فأقامه وأتى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ينام موضعه، وذهب بولده ينام مكان محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان هناك من يريد به سوءًا، فرأى مكانه في أول الليل، ثم جاء من يريده بسوء وقع السوء بابنه، وسَلِمَ محمد - صلى الله عليه وسلم - كما فعل الصديق - رضي الله عنه - عند الخروج إلى الهجرة في طريقهما إلى الغار، فكان - رضي الله عنه - تارة يمشي أمامه - صلى الله عليه وسلم - وتارة يمشي وراءه، فسأله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون وراءك، فقال: "أتريد لو كان سوء يكون بك يا أبا بكر؟"، قال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله، ثم قال: إن أَهلِك أهلك وحدي، وإن تَهلك تَهلك معك الدعوة"، فذاك عمه في جاهلية، وليس على دينه - صلى الله عليه وسلم - وهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه.

وقال الرازي رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى: 6]، فيه مسائل:
المسألة الأولى: أن اتِّصاله بما تقدم هو أنه تعالى يقول: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا ﴾، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بلى يا رب، فيقول: انظر أكانت طاعاتك في ذلك الوقت أكرم أم الساعة؟ فلا بد من أن يقال: بل الساعة، فيقول الله: حين كنت صبيًّا ضعيفًا ما تركناك، بل ربيناك ورقيناك إلى حيث صرت مشرفًا على شرفات العرش.

المسألة الثانية: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ ﴾ من الوجود الذي بمعنى العلم، والمنصوبان مفعولا وجد، والوجود من الله، والمعنى ألم يعلمك الله يتيمًا فآوى، وذكروا في تفسير اليتيم أمرين:
الأول: أن عبد الله بن عبد المطلب فيما ذكره أهل الأخبار توفِّي وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به، ثم وُلد رسول الله، فكان مع جده عبد المطلب ومع أمه آمنة، فهلكت أمه آمنة وهو ابن ست سنين، فكان مع جده، ثم هلك جده بعد أمه بسنتين ورسول الله ابن ثمان سنين.

وكان عبد المطلب يوصي أبا طالب به؛ لأن عبد الله وأبا طالب كانا من أم واحدة، فكان أبو طالب هو الذي يكفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جدِّه إلى أن بعثه الله للنبوة، فقام بنُصرته مدة مديدة، ثم توفِّي أبو طالب بعد ذلك فلم يظهر على رسول الله يتم البتة، فأذكره الله تعالى هذه النعمة، رُوي أنه قال أبو طالب يومًا لأخيه العباس: ألا أخبرك عن محمد بما رأيت منه؟ فقال: بلى فقال: إني ضممته إليَّ فكنت لا أُفارقه ساعة من ليل ولا نهارٍ، ولا أأْتَمن عليه أحدًا، حتى إني كنت أنومه في فراشي، فأمرته ليلة أن يَخلع ثيابه وينام معي، فرأيت الكراهة في وجهه، لكنه كره أن يخالفني، وقال: يا عماه، اصرِف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي؛ إذ لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي، فتعجَّبت من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش، فلما دخلت معه الفراش إذا بيني وبينه ثوب، والله ما أدخلته فراشي، فإذا هو في غاية اللين وطيب الرائحة، كأنه غُمس في المسك، فجهدت لأنظر إلى جسده، فما كنت أرى شيئًا، وكثيرًا ما كنت أفتقده من فراشي، فإذا قمت لأطلبه ناداني: ها أنا يا عم فارجِع، ولقد كنت كثيرًا ما أسمع منه كلامًا يعجبني، وذلك عند مضي الليل، وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ولا نحمَده بعده، وكان يقول في أول الطعام: بسم الله الأحد، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله، فتعجَّبت منه، ثم لم أرَ منه كذبة ولا ضحكًا ولا جاهلية، ولا وقف مع صِبيان يلعبون.

واعلم أن العجائب المروية في حقه من حديث بحيرى الراهب وغيره مشهورة، فلا نطيل بذكرها.
التفسير الثاني لليتيم: أنه من قولهم درة يتيمة، والمعنى ألم يجدك واحدًا في قريش عديم النظير فآواك؟ أي جعل لك من تأوي إليه وهو أبو طالب، وقرئ فأوى، وهو على معنيين: إما من أواه بمعنى آواه، وإما من أوى له إذا رحِمه.

قلت: وهذا التفسير لليتيم - درة يتيمة - يأتي من باب الإشارة إلى كونه صلى الله عليه وسلم فريدًا من بين البشر في نشأته، وجميع ومراحل حياته، وفي خَلقه وخُلقه، ولذا نقول: هذا القول: لا ينفي القول الأول؛ لأنه لا شك في كونه صلى الله عليه وسلم نشأ يتيمًا.

وختامًا: يُجيب الرازي على سؤال مهم حول اختيار الله اليتم للحبيب صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما الحكمة في أنه تعالى اختار له اليتم؟

قلنا: فيه وجوه:
أحدها: أن يعرف قدر اليتامى، فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم، ومن ذلك كان يوسف عليه السلام لا يشبع، فقيل له في ذلك: فقال أخاف أن أشبع فأنسى الجياع.

وثانيها: ليكون اليتيم مشاركًا له في الاسم، فيُكرم لأجل ذلك، (قلت: ومعلوم لديك أخي القارئ الكريم ما ورد في القرآن والسنة من فضائل إكرام اليتيم والقيام على تربيته).

وثالثها: أن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما، فسُلب عنه الوالدان؛ حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى الله، فيصير في طفوليته متشبهًا بإبراهيم عليه السلام في قوله: حسبي من سؤالي، علمه بحالي، وكجواب مريم: ﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران: 37].

ورابعها: أن العادة جارية بأن اليتيم لا تُخفى عيوبه، بل تظهر، وربما زادوا على الموجود، فاختار تعالى له اليتم، ليتأمل كل أحد في أحواله، ثم لا يجدوا عليه عيبًا، فيتفقوا على نزاهته، فإذا اختاره الله للرسالة لم يجدوا عليه مطعنًا.

وخامسها: جعله يتيمًا؛ ليُعلم كلُّ أحد أن فضيلته من الله ابتداءً؛ لأن الذي له أب فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه.

وسادسها: أن اليتم والفقر نقصٌ في حقِّ الخلق، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام مع هذين الوصفين أكرمَ الخلق، كان ذلك قلبًا للعادة، فكان من جنس المعجزات.

يقول الأستاذ عماد الدين خليل مشيرًا إلى الحكمة من يُتمه عليه الصلاة والسلام: (ومن مرارة اليتم ووحشية العزلة وانقطاع مَعين العطف والحنان - قبس الرسول صلى الله عليه وسلم الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل... وبالفقر والحرمان تربى ونَما بعيدًا عن ترف الغنى وميوعة الدلال... وعبر رحلته إلى الشام في رعاية عمِّه، فتح الرسول صلى الله عليه وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التي تضطرب نشاطًا وقلقًا... وفي رحلته الثانية إلى الشام مسؤولًا عن تجارة للسيدة خديجة، تعلَّم الرسول الكثير والكثير، وعمَّق في حسِّه معطيات المرحلة الأولى، وزاد عليها إدراكًا أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب... كما علمه الانشقاق الأخلاقي عن الوضع المكي القدرةَ على مجابهة الأحداث)[1].

2- قوله تعالى: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى: 8].


قال الرازي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾، ففيه مسائل:

المسألة الأولى: العائل هو ذو العيلة، وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿ أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ [التوبة: 28]، ثم أطلق العائل على الفقير، وإن لم يكن له عيال، وها هنا في تفسير العائل قولان:
الأول: وهو المشهور أن المراد هو الفقير، ويدل عليه ما رُوي أنه في مصحف عبد الله: "ووجدك عديًما"، وقرئ "عيلًا"، (وهذه قراءة تفسيرية).

ثم في كيفية الإغناء وجوه:
الأول: أن الله تعالى أغناه بتربية أبي طالب، ولما اختلت أحوال أبي طالب، أغناه تعالى بمال خديجة، ولَما اختلَّ ذلك أغناه الله تعالى بمال أبي بكر، ولما اختل ذلك أمره بالهجرة وأغناه بإعانة الأنصار، ثم أمره بالجهاد، وأغناه بالغنائم، وإن كان إنما حصل بعد نزول هذه السورة، لكن لما كان ذلك معلوم الوقوع كان كالواقع.

رُوي أنه عليه السلام دخل على خديجة وهو مغموم، فقالت له ما لك، فقال: (الزمان زمان قحط، فإن أنا بذلت المال ينفذ مالك، فأستحيي منك، وإن لم أبذل أخاف الله، فدعت قريشًا وفيهم الصديق، قال الصديق: فأخرجت دنانير وصبَّتها، حتى بلغت مبلغًا لم يقع بصري على من كان جالسًا قدامي لكثرة المال، ثم قالت: اشهدوا أن هذا المال ماله إن شاء فرَّقه، وإن شاء أمسكه).

الثاني: أغناه بأصحابه كانوا يعبدون الله سرًّا، حتى قال عمر حين أسلم: ابُرزْ أَتُعبَدُ اللاتَ جهرًا ونعبد الله سرًّا! فقال عليه السلام: حتى تكثر الأصحاب، فقال حسبك الله وأنا، فقال تعالى: (﴿ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64]، فأغناه الله بمال أبي بكر وبهيبة عمر".

الثالث: أغناك بالقناعة فصرتَ بحالٍ يستوي عندك الحجر والذهب، لا تجد في قلبك سوى ربك، فربُّك غني عن الأشياء لا بها، وأنت بقناعتك استغنيتَ عن الأشياء، وإن الغنى الأعلى الغنى عن الشيء لا به، ومن ذلك أنه عليه السلام خير بين الغنى والفقر، فاختار الفقر.

الرابع: كنت عائلًا عن البراهين والحجج، فأنزل الله عليك القرآن، وعلمك ما لم تكن تعلم فأغناك.

القول الثاني في تفسير العائل: أنت كنت كثير العيال وهم الأمة، فكفاك، وقيل: فأغناهم بك؛ لأنهم فقراء بسبب جهلهم، وأنت صاحب العلم، فهداهم على يدك).

قال في تتمة الأضواء:
وقوله تعالى: ووجدك عائلًا فأغنى، يشير إلى هذا الموضع؛ لأن "أغنى" تعبير بالفعل، وهو يدل على التجدد والحدوث، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - من حيث المال حالًا فحالًا، والواقع أن غناه - صلى الله عليه وسلم - كان قبل كل شيء، هو غنى النفس والاستغناء عن الناس، ويكفي أنه - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس.

وكان - إذا لقيه جبريل ودارَسه القرآن - كالريح المرسلة، فكان - صلى الله عليه وسلم - القدوة في الحالتين، في حالي الفقر والغنى، إن قل ماله صبَر، وإن كثر بذل وشكَر.
استغن ما أغناك ربك بالغنى
وإذا تُصبك خصاصةٌ فتَجمَّل




ومما يدل على عِظم عطاء الله له - صلى الله عليه وسلم - مما فاق كلَّ عطاء: قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87]، ثم قال: ﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 88].


وقد اختلفوا في المقارنة بين الفقير الصابر والغني الشاكر، أيهما أفضل وأعظم أجرًا عند الله تعالى، ولكن الله تعالى قد جمع لرسوله - صلى الله عليه وسلم - كلا الأمرين، ليرسم القدوة المثلى في الحالتين.

تنبيه: في الآية إشارة إلى أن الإيواء والهدى والغنى من الله لإسنادها هنا لله تعالى، ولكن في السياق لطيفة دقيقة، وهي معرض التقرير يأتي بكاف الخطاب: ألم يجدك يتيمًا، ألم يجدك ضالًّا، ألم يجدك عائلًا، لتأكيد التقرير، لم يسند اليتم ولا الإضلال ولا الفقر لله، مع أن كله من الله، فهو الذي أوقع عليه اليتم، وهو سبحانه الذي منه كلما وجده عليه، ذلك لِما فيه من إيلامٍ له، فما يسنده لله ظاهرًا، ولما فيه من التقرير عليه أبرز ضمير الخطاب.

وفي تَعداد النعم: فآوى، فهدى، فأغنى، أسند كله إلى ضمير المنعم، ولم يبرز ضمير الخطاب.

قال المفسرون: لمراعاة رؤوس الآي والفواصل، ولكن الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أنه لما كان فيه امتنان، وأنها نعم مادية لم يبرز الضمير لئلا يثقل عليه المنة، بينما أبرزه في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ [الشرح: 1، 2]، ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 4]؛ لأنها نعم معنوية انفرد بها، صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

[1] دراسة في السيرة - عماد الدين خليل - دار النفائس – بيروت ص (40).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.02 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]