|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من شمائل المروءة وسؤدد النفس ما يزال النُّبل تاج النفوس العظيمة، وسمة الأرواح الكريمة، وعنوان النفس الذي ارتفعت عن غبار الأرض، وسمت إلى فضاء الحلم والعفو. ومن أماراته الجليلة ودلائله الساطعة؛ أن يُعرض المرء عن الانتصار لنفسه حين يقدر، ويترفّع عن تصفية الحساب، ويغضّ الطرف عن الزلل، ويمدّ اليد بالإحسان إلى من أساء، إذا وضعه الله في مقام من تُخشى سطوته، ويُرجى وصاله. فما رأيت في الناس شيئًا أدلّ على نبل النفس ونزاهة الطبع من ذاك الذي إذا قَدِر عفا، وإذا تَمكّن صفح، وإذا أُعطي سُلطان اليد لم يمدّه إلى الانتقام، بل جذب يده إلى صدره، كما تجذب النفس الكبيرة أهواءها إلى موطن النبل فيها. إن أولئك الكرام إذا مُلّكوا رقاب خصومهم، ملكوا معها نزعات نفوسهم، فهم لا ينتصرون لأنفسهم، بل ينتصرون عليها! فأما صغير النفس، فيهتبل الفرصة إذا أقبلت، ويراها وقتًا للانتقام، وميدانًا لتصفية الأحقاد، والتشفي ممن ناصبه الخلاف. وأما الكبير الرفيع، فما وجد فرصة كهذه إلا ورأى فيها اختبارًا لنُبله، وميدانًا لحلمه، ومقامًا للعفو والإكرام. وقد نقل ابن مفلح في “الآداب الشرعية” عن سعيد بن العاص ـ وكان بينه وبين قوم من أهل المدينة خلاف ـ أنه لمّا ولاه معاوية أمر المدينة، أعرض عن المنازعة، فقيل له: هلا انتصرت وقد قَدِرت؟ فقال كلمته التي تكتب بماء الذهب: " لا أنتصر لنفسي وأنا والٍ عليهم". فعلّق ابن عقيل على ذلك في “الفنون” بقوله: “هذه والله مكارم الأخلاق!” الأداب الشرعية( ٢/٢٠٨). ويكأنه قُدّ هذا القول من نفس كانت إذا نظرت في الناس، رأتهم بعين الرحمة لا في سيف القصاص، وهكذا يكون الرجال. إن أهل النفوس الكبيرة يتلذذون بالعفو كما يتلذذ غيرهم بالانتقام، ويفرحون بالإحسان كما يفرح غيرهم بالشماتة، ولله در ابن القيم إذ قال: " وفي الصفح والعفو والحِلم من الحلاوة والطمأنينة، والسكينة وشرف النفس ورفعتها عن تشفّيها بالانتقام، ما ليس في المقابلة والقصاص شيء منه". (مدراج السالكين ( ٣/٥٢)) . ومن تأمل في الناس علم أن المنتصر لنفسه لا ينتصر إلا قليلاً، ثم يعقبه الندم كثيرًا، فكم من قلب احترق بعد أن انتصر لنفسه، وكم من عينٍ لم تعرف النوم بعد أن شفت غليلها! وقد قالها ابن القيم أيضًا:" فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة" مدارج السالكين ( ٣/٥١). أجل، إنها ساعة اختبار، أن تدور لك الدائرة، وتُنصب لك الراية، وتُعطى مقاليد القدرة، ثم لا تظلم ولا تنتقم ولا تُحاسب من خاصمك أو ظلمك، بل تعفو وتصفح وتكرم! وما أصدق قول ذلك الأعرابي الحكيم: “أقبح أفعال المقتدرين: الانتقام.” ومن أقال عثرة الناس، أقال الله عثرته، ومن ستر ذنبًا، ستر الله ذنبه، ومن عفا وهو يقدر، ألبسه الله تاج الهيبة، وأجرى على لسان الناس ذكره الجميل. قال ابن تيمية: "ما انتقم أحد قَطُّ لنفسه إلاّ أورثَه ذلك ذُلاًّ يجده في نفسه، فإذا عَفا أعزَّه الله تعالى" جامع المسائل ( ١/١٧٠). نعم، هكذا الكبار، إذا آذاهم الصغار، نظروا إليهم كما ينظر الجبل إلى الرياح، تمرّ به وتصيح حوله، ثم لا تُحرّك منه ساكنًا. فإذا صارت الدنيا إليك، وقدرت على من عاداك، فلا تفرح بالقدرة، بل اجعلها امتحانًا لنفسك: أأنت ممن تملكه القوة، أم ممن يملكونها؟ تالله، ما يُلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم، ولا ينالها إلا من سمت نفسه عن حضيض الطبع، وارتفعت إلى ذُرى الفضل والخلق. فيا أيها النبيل، إذا استطعت أن تُحسن في موضع الأذى، فافعل، فإن الجود يُفقِر، نعم، لكن المروءة تغني، والإقدام قتال، نعم، ولكن الحِلم يُحيي. وفي نبل النفس رفعةً لا ترفعها المناصب، وإن في عفو القادر نصرًا لا تبلغه السيوف. منقول
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |