آداب حملة القرآن الكريم في رمضان وغيره - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         القدس بين نبوءات اليهود، وعقيدة المسلمين، وفوضى الطائفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أنواع الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          زمن صنع السفينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نقض العهود.. وتسليط الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4938 - عددالزوار : 2028034 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4513 - عددالزوار : 1304735 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 122036 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-03-2025, 09:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,466
الدولة : Egypt
افتراضي آداب حملة القرآن الكريم في رمضان وغيره

آدابُ حَمَلةِ القُرآنِ الكريمِ في رَمَضَانَ وغيرِه

الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسلم.

أمَّا بعدُ: فيا أيها الناسُ اتقوا الله واشكروه على نعمةِ بُلُوغِ رَمَضانَ، ونِعْمَةِ إنزالِ القُرآنِ، قالَ تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185]، وقد أَمَرَ اللهُ بتلاوةِ كتابهِ فقالَ: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت: 45]، و(كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجْوَدَ الناسِ بالخيرِ، وأجوَدُ ما يكونُ في شهرِ رمضانَ، لأنَّ جبرِيلَ كانَ يَلْقَاهُ في كُلِّ ليلَةٍ في شهرِ رمضانَ حتى يَنْسَلِخَ، يَعرِضُ عليهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ القُرآنَ، فإذا لقِيَهُ جبرِيلُ كانَ أجوَدَ بالخيرِ منَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ) رواه البخاري ومسلم، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وصحابتُهُ يَخْتِمُ القُرآنَ في كُلِّ سبعةِ أيامٍ كما رواه الطبراني وحسَّنه العراقي، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لابنِ عَمْروٍ: (‌فاقْرَأْهُ ‌في ‌سَبْعٍ ‌ولا ‌تَزِدْ على ذلكَ) متفقٌ عليه، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: (إنَّ الْمَسْنُونَ كانَ عندَهُم قراءَتَهُ في سَبْعٍ.. وهذا معلُومٌ بالتواتُرِ) انتهى.


عبدَ اللهِ: إنَّ مِن المعلومِ بالضَّرُورةِ أنَّ الله تعالى لَم يُنزلِ القرآنَ الكريمَ لِتَتْلُوَهُ وتَحْفَظَهُ فَحَسْب، بلْ أنزلَهُ لِتَتَدَبَّرَ آياتِه، وتَفْهَمَ معانيهِ، وتَعمَلَ بما فيهِ، كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29]، فهو كتابُ موعظةٍ وهدايةٍ ورحمةٍ، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]، فالواجبُ عليكَ أنْ تُقيمَ حُدودَهُ، وتُعظِّمَ أوامِرَهُ، وتتخلَّقَ بأخلاقِه، وتتأدَّبَ بآدابهِ، كما كان أُسْوَتُكَ صلى الله عليه وسلم، قالت عائشةُ رضي الله عنها: (كَانَ ‌صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خُلُقُهُ ‌الْقُرْآنَ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه مُحقِّقُو المسند، فينبغي لكَ يا قارئ القرآنِ أن تكونَ خيرَ الناسِ دِينًا وعِلْمًَا وأَدَبًَا وسُلُوكًا، وألاَّ يكونَ هَمُّكَ مُنصرفًَا إلى إتمامِ الحفظِ أو إتمام الختمةِ، لذا سيكونُ الحديثُ عن آدابِ حَمَلَةِ القرآنِ، تعريفُ الآدابِ ومنزلتُها في الشريعة، وأهميتُها، وأهميةُ التأَدُّبِ بآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ، وأنواعِها، وجُهودِ العلماء في بيانها، ووسائل تربيةِ النفس عليها، والتنبيه على أبرز المخالفاتِ فيها.


الأَدَبُ كما قال ابنُ القيم: (‌اجْتِمَاعُ خِصَالِ الْخَيْرِ في العَبْدِ) انتهى، والأدبُ أنواعٌ ومراتبٌ، أعلاها: الأدبُ مع الله تعالى بأنْ تَعْرِفَهُ بأسمائِه وصفاتِه، وتُعَظِّمَهُ وتُوَحِّدَهُ وتُطيعَهُ، والأدبُ مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأنْ تُحِبَّهُ وتُوَقِّرَهُ وتُسَلِّمَ لَهُ وتَنقادَ لأَمْرِه، وتتلقَّي خَبَرَهُ بالقَبُولِ والتصديقِ، وأما الأدبُ مَعَ الخلْقِ: فهو أنْ تُعاملَهُم على اختلافِ مراتبهِم بما يَلِيقُ بهِم، والمرادُ بآدابِ حَمَلَةِ القُرآنِ: ما ينبغي لكَ التزامُه والتحلِّي به من الأخلاقِ والفضائلِ المحمودةِ قولًا وفِعْلًا ظاهِرًا وباطِنًا، وهذه الآدابُ منها ما هو واجبٌ ومنها ما هو مُستحبٌّ، وما يُنافيها مما هو مُحرَّمٌ أو مكروهٌ.


عَبْدَ اللهِ: إنَّ للأخلاقِ الحَسنةِ والآدابِ الفاضلةِ منزلةٌ رفيعةٌ في الإسلامِ، قال ابنُ القيِّم: (الأَدَبُ هُو الدِّينُ كُلُّه)، وقال: (وأَدَبُ الْمَرْءِ: عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ وفَلاحِهِ، ‌وقِلَّةُ ‌أَدَبهِ: عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وبَوَارِهِ، فمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنيا والآخِرَةِ بِمِثْلِ الأَدَبِ، ولا اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهُما بِمِثْلِ قِلَّةِ الأَدَبِ)، وقال: (‌الدِّينُ ‌كُلُّهُ ‌خُلُقٌ، فمَنْ زادَ عليكَ في الْخُلُقِ: زادَ عليكَ في الدِّينِ) انتهى، وقد رغَّبَ القرآنُ والسُّنة في مكارمِ الأخلاقِ، قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، قال البَغَويُّ: (قالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، ولَيْسَ في القُرآنِ ‌آيةٌ ‌أَجْمَعُ ‌لِمَكَارِمِ الأخلاقِ مِن هذهِ الآيةِ) انتهى، وقال صلى الله عليه وسلم: (‌الْبِرُّ ‌حُسْنُ ‌الْخُلُقِ) رواه مسلم، وانظر يا قارئ القرآنِ كيف جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم البرَّ الذي هو كلمةٌ جامعةٌ لأفعالِ الخيرِ وخصالِ المعروف هو حُسْنَ الخُلُقِ، ولقد اهتمَّ سلَفُنا الصالِحُ بتربية أولادِهم وتلاميذِهِم على الآدابِ الحسَنةِ، وقدَّمُوا تحصيلَها على تحصيلِ العِلْمِ، قال الإمامُ مالكٌ: (كانتْ أُمِّي ‌تُعَمِّمُني وتقولُ لي: اذهَبْ إلى ربيعةَ فتعَلَّمْ مِن أَدَبهِ قَبلَ عِلْمِه) انتهى، وقال ابنُ الْمُبارَك: (طَلَبْتُ ‌الأَدَبَ ‌ثلاثينَ سَنَةً، وطَلَبْتُ العِلْمَ عِشرينَ سَنَةً، كانوا يَطْلُبون الأَدَبَ ثمَّ العِلْم)، وقال: (كادَ الأَدَبُ يكونُ ثُلُثَي العِلْم) انتهى، وقال ابنُ جماعةَ: (قال بعضُهم لابنهِ: يا بُنَيَّ لأَنْ تتعَلَّمَ ‌بابًا مِن ‌الأَدَبِ أَحَبّ إليَّ مِن أنْ تتعَلَّمَ سبعينَ بابًا مِن أَبوابِ العِلْمِ) انتهى.


يا قارئَ القُرآنِ: ينبغي أنْ تكونَ خيرَ الناسِ دِينًا وعِلْمًا وأَدَبًا وسُلُوكًا، فتلتَزِمَ بالفرائضِ والواجباتِ، وتُحافِظَ على المندوباتِ، وتَجتنبَ الْمُحرَّماتِ، وتبتعدَ عن المكروهاتِ بقدرِ طاقتك، حتى تكونَ مِن أهلِ القرآنِ حقًَّا الذين هُم أَهْلُ اللهِ وخاصَّتُه، إنَّ التلاوةَ الحقيقيَّة للقرآنِ هيَ اتباعُه والعَمَل به، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة: 121]، قال ابنُ مَسعودٍ: (والذى نفسِي بيدِه، ‌إنَّ ‌حَقَّ ‌تلاوتِه أنْ يُحِلَّ حلالَه، ويُحَرِّمَ حَرامَهُ، ويَقْرَأَه كَما أَنزَلَه اللهُ، ولا يُحَرِّفَ الكَلِمَ عن مَواضعِه، ولا يَتَأَوَّلَ منه شيئًا على غيرِ تأويلِه) رواه ابنُ جرير، وقد وَرَدت بعضُ فضائلِ القرآنِ مُقيَّدةً بشرطِ العَمَلِ به، قال صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بالقُرآنِ يومَ القيامةِ وأَهْلِهِ الذينَ كانُوا ‌يَعْمَلُونَ ‌بهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرَانَ) رواه مسلم، فيا قارئ القرآن: إنك إذا لم تعمل بالقرآن لا تُحرَمُ أَجْرَه فحَسب، بل يكونُ حُجَّةً عليكَ يومَ القيامةِ، قال صلى الله عليه وسلم: (والقُرآنُ ‌حُجَّةٌ لَكَ أوْ عليكَ) رواه مسلم، فيا قارئ القرآنِ: يَنبغي أنْ تكُونَ أخلاقُكَ مُبَايِنَةً لأَخلاقِ مَن سِوَاكَ، إذا نَزَلَتْ بكَ الشَّدائدُ لَجَأتَ إلى اللهِ فيها ولم تلْجَأْ فيها إلى مَخْلُوقٍ، ‌وكانَ ‌اللهُ ‌أَسْبَقَ ‌إلى ‌قلْبِكَ، قد تَأَدَّبتَ بأَدَبِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، فَأصبحْتَ مِن أعلامِ الْهُدَى؛ لأَنَّكَ مِن خَاصَّةِ اللهِ وأَهْلِهِ، فيا قارئَ القرآنِ: لا تَقتصر على مُجرَّدِ القراءةِ دُون تدبُّرٍ وتَفَكُّرٍ واتباعٍ وعَمَلٍ، قال الفُضَيْلُ: (إنما أُنْزِلَ القُرآنُ لِيُعْمَلَ بهِ، ‌فاتَّخَذَ ‌الناسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلًا) انتهى.


يا قارئ القرآن: وَرَدَت ألقابٌ وأوصافٌ لكَ وخاصةً إذا كُنتَ حافِظًا للقرآنِ تدلُّ على عُلُوِّ مَرْتَبَتِكَ وشَرَفِ مَنزِلَتِكَ وفضلِكَ على مَن سِواكَ، فاغْتَبِطْ بما أكرَمَك اللهُ به مِن حفظِ كتابهِ وتلاوَتِه، وقَدِّرِ الأمانةَ التي تَحَمِّلتَها، فمن أوصافِك وألقابِكَ: أولًا: (حَامِلُ القُرآنِ): (قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ إِجْلالِ اللهِ ‌إكْرَامَ ‌ذِي ‌الشَّيْبَةِ المُسلِمِ، وحَامِلِ القُرآنِ غيرِ الغالِي فيهِ والجافِي عنهُ، وإكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) رواه أبو داود وحسَّنه النووي، ثانيًا: (صاحبُ القرآنِ): قال صلى الله عليه وسلم: (يُقالُ -يَعنِي لصَاحِبِ القُرآنِ-: ‌اقْرَأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بها) رواه الترمذيُّ وصحَّحه، ثالثًا: (أهلُ القرآنِ): قال صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بالقُرآنِ يومَ القيامةِ وأَهْلِهِ الذينَ كانُوا ‌يَعْمَلُونَ ‌بهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرَانَ) رواه مسلم، رابعًا: (أَهلُ اللهِ): (قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ‌للهِ ‌أَهْلِينَ ‌مِنَ النَّاسِ» قالُوا: يا رسولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قالَ: «هُمْ أَهْلُ القُرآنِ أَهْلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ») رواه ابن ماجه وصحَّحه البوصيري، وهي إضافةُ تكريمٍ وتشريفٍ، خامسًا: (حافظُ القرآنِ): قال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ ‌القُرآنَ ‌وهْوَ ‌حَافِظٌ ‌لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ) رواه البخاري، سادسًا: (القارئ): (عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، فلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ، أَوْ ‌أَيُّكُمُ ‌الْقَارِئُ؟) رواه مسلم.


رَزَقَنا اللهُ وأهلَ بيوتنا حفظ كتابه والعمل بما فيه، آمين.


الخطبة الثانية
أما بعد: فلقد اهتمَّ علماءُ الإسلامِ في بيان فضلِ القرآنِ وآدابِ حَمَلَتِه، وألَّفُوا فيه الْمُؤلَّفاتِ، فمن هذه الكتب: فضائلُ القرآنِ ومَعالِمه وأدبهِ للقاسمِ بن سلاَّم ت224 وهو أقدمُ كتابٍ مطبوعٍ في فضائلِ القرآن، ومنها: أخلاقُ حَمَلَةِ القُرآنِ للآجُرِّي ت360 وهو أولُ مُؤَلَّفٍ في آدابِ حَمَلِة القرآن، ومنها: لَمحاتُ الأنوارِ في ثوابِ قارئ القرآن للغافقي ت619، ومنها: التِّبيان في آدابِ حَمَلَةِ القرآنِ للنووي ت 676، ومنها: التِّذكار في أفضل الأذكار للقرطبي 671، ومنها: فتحُ الكريمِ الْمَنَّانِ في آدابِ حَمَلَةِ القُرآنِ للضَّبَّاع ت1380.


يا قارئ القرآن: إن معرفتكَ بفضائل القرآن وأهلهِ تُعينُك على تعظيمِ القرآنِ واتِّباعهِ ومُراعاة آدابهِ، وعند النظر إلى فضائلِ القرآنِ إجمالًا وآدابِ حَمَلتهِ نَجدُ أن كلَّ نوعٍ منها تضمَّن عددًا من الآداب والمسائل، وهي كما يلي: أولًا: فضائلُ أهلِ القرآن وحَمَلَتِه في الدنيا والآخرة، ومما يندرج تحته: فضلُ قراءةِ القرآن، فضلُ حَمَلَتهِ، فضلُ الاجتماعِ في المساجدِ لقراءته، إكرامُ أهلِه، ثانيًا: آدابُ تَعَلُّمِ القرآنِ، وفيه: الإخلاصُ والحذرُ من إرادةِ الدُّنيا، الأخذ عن الشيوخ الأجلاءِ الْمُتقنين، احترامُ الْمُعلِّم وتوقيره، مراعاة آداب المسجد، مراعاة آداب مجلس التعليم، أن يأخذ في كلِّ مجلسٍ ما يُطيق، إتقانُ التلاوةِ واجتنابِ اللحون الجلية والخفية، إتقانُ الحفظ، تعاهُدِ القرآنِ وتحزيبه والقيامِ به، ثالثًا: آدابُ التلاوةِ، وفيه: الطَّهارةُ، السواكُ وتطييب الفَمِ، استقبالُ القِبلة، الاستعاذةُ والبسملةُ، سُجُودُ التلاوةِ، السُّؤالُ عند آياتِ الوَعْدِ والتعوُّذ عند آياتِ الوعيدِ، والتسبيحُ عند آياتِ التنزيهِ، الخشوع والبُكاءُ، تجويدُ القراءة، تدبُّر القرآن، التغنِّي والترتيل، مُراعاةُ أحكامِ الوقف والابتداء، رابعًا: آدابُكَ معَ الْمُصْحفِ الشريفِ، وفيه: حُرمةُ المصحفِ وحُكمُ مِن استخفَّ به، العنايةُ برسمه وضبطه، حكمُ الطهارةِ لِمَسِّه، فضلُ النظر فيه والنهي عن هجره، تجزئةُ المصحفِ وتحزيبه، خامسًا: آدابُكَ يا قارئَ القُرآنِ مع اللهِ، وفيه: تعظيم القرآن، العمل به، تركُ المحرَّماتِ، المحافظةُ على الفرائض، الإكثارُ من النوافل، الزُّهدُ في الدُّنيا، مُحاسبةُ النفسِ، سادسًا: آدابُكَ يا قارئَ القُرآنِ مَع الناسِ، وفيه: أَدَبُكَ مع أهلِك، أدبُكَ مَع شيخِك، أدبكَ مع أقرانِك وزُملائك، أدبك مع أهلِ العِلْم، أدبُكَ مع الناسِ، سابعًا: آدابُ تعليمِ القرآن، وفيه: فضل تعليمِ القرآن، اجتهادُ السلف في تعليم القرآن، منهج السلف في تعليم القرآن، صِفاتُ مُعلِّم القرآن، الإخلاصُ وحُكمُ أخذِ الأُجرةِ على تعليمِ القرآن، العنايةُ بالطلابِ وحُسن التعامُلِ معهم والعدلِ بينهم، التواضُع، الرِّفقُ بالطلاب والصبرِ عليهم وعدم تعنيفهم إذا أخطؤا، الإقبالُ على المتعلِّم وحُسن الاستماعِ إليه، تربيةُ الطُّلابِ على أخلاقِ القرآنِ.


يا قارئ القرآن: من الوسائل التربوية على التأدُّب بآدابِ حَمَلةِ القرآن: تعلُّم ودراسة آداب حملة القرآن، وتعلُّم قراءة القرآن عند المعلِّمين الأكفاء، وتدبُّرِ القرآن وفهمه، وقراءةُ سِيَرِ قُرَّاءِ السلف، قال ابنُ عبد البرِّ: (عن أبي حَنِيفَةَ قال: ‌الحِكاياتُ ‌عنِ ‌العُلَماءِ ومُجَالَسَتُهُمْ أَحَبُّ إليَّ مِن كثيرٍ مِن الفِقْهِ؛ لأنها آدَابُ القَوْمِ وأَخْلاقُهُمْ) انتهى، وعَن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: (قَدِمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ على ابنِ أخيهِ الْحُرِّ بنِ قَيْسٍ، وكانَ مِنَ النَّفَرِ الذينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصحابَ مَجَالِسِ عُمَرَ ومُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كانُوا أوْ شُبَّانًا، فقالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ: يا ابْنَ أَخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هذا الأَمِيرِ، فاسْتَأْذِنْ لِي عليهِ، قالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لكَ عليهِ، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: فاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فلَمَّا دَخَلَ عليهِ قالَ: هِيْ يا ابنَ الخطَّابِ، فوَاللهِ ما تُعْطِينَا الْجَزْلَ، ولا تَحْكُمُ بَيْنَنا بالعَدْلِ، فغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ بهِ، فقالَ لهُ الحُرُّ: «يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ اللهَ تعالى قالَ لنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، وإنَّ هذا مِنَ الجاهِلِينَ، واللهِ ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاهَا عليهِ، وكانَ ‌وَقَّافًا ‌عِنْدَ ‌كِتَابِ اللهِ») رواه البخاري.


ألا فأقبِلُوا على تلاوةِ وحِفْظِ كتابِ ربِّكم فإنه أفضلُ ما تقرَّبَ به الْمُتقرِّبون، وفضائلُه العاليةُ أجلُّ ما تنافسَ فيها المتنافسون، واعتصموا به تنجون مِن الضلال، قال صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداع: (وقد تَركتُ فيكُم ما لَن تَضِلُّوا بعْدَهُ إِنِ اعتَصَمتُم بهِ: كِتَابُ اللهِ) رواه مسلم.


اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلُكَ وخاصَّتُك، واجعله حُجَّةً لنا لا علينا يا ربَّ العالمين، آمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.80 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]