مقاصد الصيام
هبت نسائم الرحمات، وأظلتنا سحائب الغفران، تحمل في طياتها أريج الطاعات، لتبشر الأمة الإسلامية بحلول الضيف العزيز، الذي تهفو إليه النفوس المؤمنة، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، مذعنة لرب البرايا الذي فرض عليهم صيامه، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، وهي إلى رؤية هلاله بالأشواق، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وما أجمل الصيام في هذه الأيام المعدودات! {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ}؛ حيث اختصها الله -سبحانه وتعالى- بعدد من الخصائص، وفضَّلها بعدد من الفضائل، وميزها بعدد من العبادات، ويأتي في مقدمتها عبادة الصيام، التي عظمها الله -سبحانه-، وجعلها ركنًا من أركان الإسلام، وذكرها في غير ما آية من آيات القرآن الكريم؛ ليوضح لنا مقاصد الصيام، وليلفت القلوب قبل الأذهان والعقول، إلى أهمية مكانته السامية، قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وهذا أمر من الله -سبحانه وتعالى- لهذه الأمة بالصيام، مشيرا إلى أهمية تلك العبادة؛ حيث أخبر أنه فرضها على سائر الأمم قبل أمة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهذا بلا شك يدل على عظيم أمر الصيام، وأنه من الشرائع التي تشتمل على المصلحة المتحققة للخلق أجمعين، في كلِّ زمان. وللصيام مقاصدُ، ومظاهر رحمة، فمن أعظم مقاصد الصيام: التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ إذ إن الله -سبحانه وتعالى- ما خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، إلا لعبادته وتقواه، قال -عز من قائل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ومن مقاصد الصيام: تزكية النفس وتطهيرها من سيئ الأخلاق ورذائل الصفات؛ فالصيام مدرسة، يتدرب فيها الصائم على محاسن الأخلاق، والبعد عن قول الزور والفحش واللغو والرفث، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:»مَنْ لم يَدَع قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه»، وقوله -صلى الله عليه وسلم : «… وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ». ومن مقاصد الصيام: تضييق مجاري الشيطان، فتقل المعاصي والذنوب، وتميل النفس إلى فعل الطاعات، وتسود الرحمة بين العباد. أما مظاهر الرحمة في هذه الفريضة فمنها: أن الله -سبحانه- رخص للمريض والمسافر في الإفطار، على أن يقضيا الصيام في أيام أخر، قال -تعالى-: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، أما كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة التي يصعب معها الصيام، فقد جعل الله لهم فدية عن صيامهم؛ جبرًا لخواطرهم، ورفعًا للحرج والمشقة عنهم؛ فرمضان كله خير؛ فاحرص فيه على مجاهدة نفسك -قدر استطاعتك-، واغسل قلبك قبل جسدك، ولسانك قبل يديك، واحذر أن تكون من أولئك الذين لا ينالهم من صيامهم سوى العطش والجوع! واطرق أبواب الرحمة والمودة في رمضان؛ فارحم القريب وود البعيد، وفي رمضان أعد ترتيب أولوياتك، واكتشف مواطن الخير في داخلك، واهزم نفسك الأمارة بالسوء، وسارع للخيرات، وتجنب الحرام، ولا سيما الغيبة حتى لا تفطر على لحم أخيك ميتاً، واحذر الظن السيئ! وإياك والظلم! فالظلم ظلمات يوم القيامة؛ لذا كان الاهتمام بالسلوك القيمي والأخلاقي للصائم، من أهم الأمور التي أولت الشريعة اهتمامها البالغ به؛ لتُقوِّم سلوكيات هذا الإنسان وتهذبها، فينمو الشعور بالأخلاق الذاتية، ويكون الصَّائم في أعلى درجات الالتزام الأخلاقي تجاه نفسه وتجاه غيره
منقول