|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأصل في تحمل الضمان في عقد البيع سلمان بن فهد الدبيب الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن من أكثر المسائل التي يختلف فيها الناس مسائل الضمان، وأكثر العقود التي يتعاملون بها عقد البيع؛ ولذا حاولت في هذا البحث المصغَّر أن أجمع المناطات التي يتغيَّر بها حكم الضمان عند تلف المبيع أو نقصه، فوجدتها متشعِّبة، فاستحسنت أن أجعل الكلام فيها على طريقة التقسيم؛ ليكون استيعاب المسائل واستحضارها سهلًا، وقبل أن أبدأ بذلك أشير إلى أمرين مُهمَّين: الأول: هذا التقسيم على مذهب الحنابلة، لكن ما اتفق عليه الفقهاء -وهو كثير- فسأذكر أنه محل اتفاق بينهم. وسبب حصره في المذهب الحنبلي؛ لأنه المذهب السائد في بلادنا، ولو كان البحث لبقية المذاهب لزادت المسألة تشعُّبًا وتعدُّدًا؛ مما يصعِّب على القارئ استحضار المسائل فيما بعد، ويزيده شتاتًا في المسألة، والبحث مبني في أصله على الاختصار. الثاني: هذا التقسيم في المبيع المعين، سواء كان تعيُّنه بالعقد أو بعده، أما الموصوف في الذمة فإنه من ضمان البائع حتى يسلّمَه المشتري أو نائبَه، قال البهوتي مُعلِّلًا هذا: "لأن المعقود عليه في الذمة لا عين التالف"[1]. إذا تلف المبيع أو نقص فإن هذا لا يخلو من حالين: الحال الأولى: قبل قبض المشتري للمبيع، فهنا لا يخلو التلف والنقص من حالين: أ/ أن يكون من فعل آدمي، سواء كان بنفسه أو بغيره[2]، فلا يخلو التلف من ثلاث أحوال: 1- أن يكون من فعل البائع، فيضمن البائع اتفاقًا[3]، فإن تلف المبيع بالكلية انفسخ العقد، وإن تلف بعضه انفسخ العقد فيما تلف، وخُيِّر المشتري في الباقي بين أَخْذِه بقسطه من الثمن، وبين ردِّه وأخذ الثمن كله[4]. 2- أن يكون من فعل المشتري، فيضمن المشتري اتفاقًا[5]، ويكون إتلافه بمثابة قبضه للمبيع. 3- أن يكون من فعل أجنبي، فيضمن الأجنبي اتفاقًا[6]، ويخيَّر المشتري بين فسخ البيع واسترداد الثمن من البائع[7]، وبين أن يُـمضي البيعَ ويرجِع على المتلِف بالمثل إن كان المبيع مثليًّا، وبالقيمة وقت الإتلاف إن كان المبيع قيميًّا. ب/ أن يكون من غير فعل آدمي، وهي التي يسميها الفقهاء عادةً بالآفة السماوية أو العاهة، وتشمل كلَّ مفسِدٍ لا صنع للآدمي فيه، سماويًّا كان أو أرضيًّا، وكذا إذا هلك المبيع بفعل نفسه؛ كأن يكون حيوانًا فيقتل نفسه، فهذا حكمه حكم الآفة، وهو من غير فعل آدمي، فالمبيع في هذه الحالة لا يخلو من حالين: 1- أن يكون مكيلًا أو موزونًا أو مذروعًا أو معدودًا؛ فلا يخلو بيعه من حالين: 1) أن يباع بالتقدير المخصص له، فالمكيل بالكيل، والموزون بالوزن، وهكذا، فضمان هذا على البائع بالاتفاق[8]. 2) ألا يُباع بالتقدير المخصص له (بيع الجزاف)، فضمانه على المشتري [9]، إذا لم يمنعه البائع منه، سواءً تمكَّن المشتري من قبضه أو لا، فالعبرة بالتمكين لا بالتمكُّن[10]. 2- ألا يكون كذلك؛ كالسيارة، فلا يخلو من حالين: 1) أن يُباع بصفة أو رؤية سابقة، فهذا له حكم المبيع بالكيل ونحوه، فيضمنه البائع[11]. 2) ألا يكون كذلك (فيُباع برؤية حاضرة)، فهذا يضمنه المشتري إذا لم يمنعه البائع منه؛ كبيع الجزاف[12]. الحال الثانية: بعد قبض المشتري للمبيع، فالضمان على المشتري بالاتفاق[13]؛ لاستقرار ملكه عليه، وهذا الضمان عند صحة العقد يكون ضمان عقد، وعند فساده يكون ضمان يد، والله أعلم. [1] كشاف القناع (7/ 499). [2] كإتلاف دوابّه التي فرَّط في حفظها؛ كما لو أتْلفت بالليل، أو أن يرسلها نهارًا بقرب ما تتلفه عادة، ونحو ذلك. [3] بدائع الصنائع (5/ 238)، الحطاب، مواهب الجليل (4/ 482)، السبكي، تكملة المجموع (12/ 124)، الهيتمي، تحفة المحتاج (4/ 398)، البهوتي، كشاف القناع (7/ 495). [4] كشاف القناع (7/ 495)، وذكر أنه إذا عرض البائعُ المبيعَ على المشتري، فامتنع من قبضه، ثم تَلِفَ، كان من ضمان المشتري. [5] بدائع الصنائع (5/ 238)، عليش، منح الجليل (5/243)، تحفة المحتاج (4/ 397)، الإنصاف (11/ 518). [6] بدائع الصنائع (5/ 238)، الدسوقي، حاشية على الشرح الكبير (3/ 150)، الأنصاري، أسنى المطالب (2/54، 79)، كشاف القناع (7/ 496). [7] ويرجع البائع على المتلِف (الأجنبي) بالمثل في المثلي، وبالقيمة في القيمي. [8] الكاساني، بدائع الصنائع (5/ 238)، الخرشي، شرح خليل (5/ 157)، الأنصاري، أسنى المطالب (2/ 78)، البهوتي، شرح المنتهى (2/ 58) على خلاف عند بعضهم في إدخال المذروع والمعدود في هذا الحكم. [9] شرح المنتهى (2/ 58). [10] الإنصاف (11/ 505)، كشاف القناع (7/ 497-498). [11] الإنصاف (11/ 505). [12] المصدر السابق نفسه، وكشاف القناع (7/ 497-498)، واستثنى الحنابلة من ذلك مسألة؛ وهي: إذا كان المبيع ثمرًا على شجر مبقى إلى الجذاذ، فهو من ضمان بائع حتى يجذَّه المشتري. [13] الكاساني، بدائع الصنائع (5/ 239)، ابن جزي، القوانين الفقهية (ص: 164)، تحفة المحتاج (4/ 397)، البهوتي، كشاف القناع (7/ 497-498). هذا من حيث الأصل، واستثنى المالكية والحنابلة مسألة وضع الجوائح، وهي في الثمر المبيع على شجره إذا بيع دون أصله، وقد بدا صلاحه، ولم يتم نضجه، إذا قبضه المشتري، فأصابته جائحة، فإن ضمانه على البائع، وإنما خالفوا القياس فيها لورود النصوص بخصوصها؛ انظر: ابن قدامة، المغني (6/ 177)، وقال بعدها: "ظاهر المذهب أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها، إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله، كالشيء اليسير الذي لا ينضبط، فلا يلتفت إليه" (6/ 179). وهذا خلاف ما عليه مذهب المالكية فلا يعتبر وضع الجوائح إلا إذا ذهب ثلث الثمر فأكثر؛ انظر: المنتقى (4/ 232).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |