|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وفد الله الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم الحمد لله الذي جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنًا، أفئدة المؤمنين تهوي إليه، ونفوس الصالحين تعكف عليه، لا يسأم من تكرار حجه العارفون، ولا يفتُر عن التشوق إليه المخبتون، ولا يزهد في الوصول إليه إلا الجهلة والغافلون، والصلاة والسلام على نبيه خير ناسك، ورسوله الذي بيَّن بقوله وبفعله جميع المناسك، صلى الله عليه وسلم وعلى آله أهل السقاية والوفادة، وصحابته ذوي العلم والإفادة، وعلى تابعيهم ومن سار على نهجهم من أهل الصلاح والسعادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله. أيها الإخوة المؤمنون: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحُجَّاج والعُمَّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم))[1]. نعم، إنهم وفد الله، فما تيمموا تلك البقاع إلا لأجله، ولا فارقوا أهلهم وأولادهم، وأموالهم وديارهم، إلا من أجله، بذلوا الأموال، وكابدوا المشاق، وتحملوا الصعاب، كل ذلك لأجله، فهم بحقٍّ وفده وضيوفه، فما أجدرهم بعطاياه! وما أحقهم بعفوه ولطفه ومغفرته! ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لِما بينهم، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[2]، ولِمَ لا وقد لبَّوا نداء خليله إبراهيم الذي نادى بأمر مولاه سبحانه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]؟ عباد الله: لقد بدأت ركائب تلك الوفود تغادر ديارها، وتودِّع أهلها وأصحابها، متوجهين إلى الله، تاركين كل شيء خلف ظهورهم؛ ولسان حالهم يقول: جعلنا إلهَ العرش نُصب عيوننا ![]() ومَنْ دونه خلف الظهور نبذناهُ ![]() وسِرنا نشق البِيد للبلد الذي ![]() بجهد وشِق للنفوس بلغناهُ ![]() رجالًا وركبانًا على كل ضامر ![]() ومن كل ذي فج عميق أتيناهُ ![]() نخوض إليه البر والبحر والدُّجى ![]() ولا قاطعَ إلا وعنه قطعناهُ ![]() ونطوي الفلا من شدة الشوق للقا ![]() فتمسي الفلا تحكي سجلًّا قطعناهُ ![]() ولا صدنا عن قصدنا فَقْدُ أهلنا ![]() ولا هجر جارٍ أو حبيب ألِفناهُ ![]() وأموالنا مبذولة ونفوسنا ![]() ولم نُبْقِ شيئًا منهما ما بذلناهُ ![]() ![]() فمن عرف المطلوب هانت شدائدٌ ![]() عليه ويهوى كل ما فيه يلقاهُ ![]() فيا لو ترانا كنت تنظر عصبة ![]() حيارى سكارى نحو مكة وُلاهُ ![]() فلله كم ليلٍ قطعناه بالسُّرى ![]() وبر بسير اليَعْمَلات بَرَيْناهُ ![]() هذه هي المشاعر، هذه هي الخواطر، هذا هو الهوى، هذا هو العشق الحق الذي يُحيي النفوس، ويزكي الأرواح، ويرفع الهمم، ويعلي الشأن. فيا من أكرمك الله ومنَّ عليك ويسر لك أن تكون من بين هؤلاء ومن جملتهم، اعلم أن هذا الشوق وهذا الحنين والهوى والعشق ليس لمجرد السفر والعودة، ولا لمجرد المسير والتعب، ولا من أجل أن تتجول بين المشاعر كسائح من السياح، ولكن من أجل طاعة مولاك، والفوز برضوانه، والظَّفَر بما جعل في الحج من الأجر والثواب، والمغفرة والرضوان، والفوز بالسعادة الأبدية، والفلاح الدائم، في الدنيا وفي الآخرة؛ وذلك لن يكون إلا بأمور: الأمر الأول: الإخلاص: كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]؛ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات...))؛ [الحديث متفق عليه]. وفي عكس الإخلاص؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمِل عملًا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه))[3]. ومن أجل تحقيق الإخلاص والتذكير به، كان شعار الحج تلك التلبية الدالة على التوحيد، والمعلنة بالإخلاص: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). فهل تعقل ما تقول؟ وهل تدري ما المراد بهذه التلبية؟ أليست إعلانًا منك أن جميع أعمالك وأقوالك هي لله وحده لا شريك له؟ إذًا لتكن هذه التلبية رقيبًا عليك، ومعينًا لك كلما خطر على بالك شيء غير الله، فلا يبقى لك قصد ولا هدف إلا الله، لا تبتغي بشيء من أعمالك، ولا أقوالك، غير مولاك سبحانه، وتيقن أن الرياء هو الشرك الأصغر. الأمر الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أعمال حجِّك؛ بمعنى أن تحرص على أن تؤدي هذه الفريضة صحيحة كاملة قدر الاستطاعة، فحافظ على أركان الحج وواجباته، وسننه ومستحباته، وتأدب بآدابه؛ فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم الأمة مناسك حجها، فخطبها وعلَّمها، وأفتى السائلين عما سألوا عنه من ذلك، وكان حريصًا عليهم وعلى أن يقتدوا به في مناسكهم؛ فكان في كل مناسبة يقول: ((أيها الناس، لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذه))[4]. وعلى ذلك فاحرص أن تتعلم أحكام حجك قبل سفرك، اقرأ في الكتب الميسرة في الحج، أو احضر الدروس والدورات المخصصة لذلك، أو اسأل أهل العلم على ما تحتاج إليه، اسأل قبل أن تقدم على عمل لا تدري أهو صحيح أو غير صحيح؛ لأنك لو عملته بجهل ربما لم يُقبَل منك، حتى ولو صادف أن كان صحيحًا؛ يقول صاحب الزبد: وكل من بغير علم يعمل ![]() أعماله مردودة لا يُقبل ![]() ![]() ![]() فكيف إن كان غير صحيح؟ إن من أسوأ الأسئلة هي أسئلة من يسأل بعد فوات الأوان؛ حيث لا يمكنه تدارك الخطأ، فليكن تعلمك وسؤالك قبل العمل، وقبل السفر إن أمكن. الأمر الثالث: إياك أن تجمع المال من أي وجه كان، دون تفريق بين حلال وحرام من أجل أن تحج به؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يا رَبِّ يا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))[5]، فإياك أن تحج بالمال الحرام: إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ = فَمَا حَجَجْتَ وَلَكِنْ حَجَّتِ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ = مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]. الأمر الرابع: يقول سبحانه وتعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))[6]. إذًا تأدب بآداب الحج، واعلم أنك في وفد متجه إلى الله، إلى ملك الملوك، فتأهب للقدوم عليه، ودخول بيته على أكمل وجه، احفظ لسانك وبصرك، وكف أذاك، وتحمل أذى الآخرين، وتذكر إذا تجردت من ثيابك، ولبست الثوب الأبيض ثوب الإحرام أن تتجرد من هواك، من أنانيتك، من نزواتك وشهواتك، تجرد من كل ذلك؛ لعل حجك أن يكون مبرورًا فترجع بالجنة.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |