|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شعيب حليفي والصورة المرجعية د. جميل حمداوي توطئة: لم يكن الباحث والناقد المغربي شعيب حليفي بعيدًا أو منعزلاً عن مجال الصورة الروائية أو بلاغة الصورة السردية، على الرغم من انشغالاته بالسرد بصفة عامة، والعتبات بصفة خاصة. لذا، فقد خاض فيها كما خاض فيها باقي الدارسين، أمثال: محمد أنقار، وحميد لحمداني، ومحمد مشبال، وشرف الدين ماجدولين، ومصطفى الورياغلي، وعبد الرحيم الإدريسي، ومحمد العناز، وجميل حمداوي، والبشير البقالي… ويكمن اهتمام شعيب حليفي بالصورة السردية في كتابيه (هوية العلامات)[1] و(مرايا التأويل)[2]، سيما مقاليه القيمين: (الصورة والمرجع)، و(بلاغة الصورة في السرد)... ويعني هذا أن شعيب حليفي كان ينوع نقوده ودراساته الأدبية والوصفية، فلم يكتف بالإبداع فقط، بل كان ينتقل بين شعرية السرد والسيميائيات والنص الموازي وبلاغة السرد، فكان يجرب جميع الأدوات والآليات النقدية بغية الوصول إلى ما يقنعه نظريا وتطبيقيا. إذاً، ما تصور شعيب حليفي حول بلاغة الصورة السردية نظرية وتطبيقا؟ وما مميزات منهجه في التعامل مع الصورة السردية بصفة عامة، والصورة الروائية بصفة خاصة؟ هذا ما سوف نستجليه في موضوعنا هذا. بلاغة السرد أو بلاغة الصورة الروائية: يتناول شعيب حليفي، في كتابه (هوية العلامات)، الصورة السردية في روايات المبدع المصري بهاء طاهر، بالتوقف عند مجموعة من نصوصه الروائية بالدراسة والبحث والنقد والتحليل والتقويم، مبينا علاقة الصورة بالمرجع، خاصة في روايته (الحب في المنفى)[3]... ويعني هذا أن شعيب حليفي يربط رواية (الحب في المنفى) بصورة الحب المفقود التي تتفاعل مع مرجعها تفاعلا عضويا في إطار كلي عام. وفي هذا الصدد، يقول شعيب حليفي: "تبحث (الحب في المنفى) عن صور لنمو حب مهجور في حقول التمزق والإحباط تلتقطه من حكاية يرويها راو خبير في التذكر والتصوير، وأيضا من تحرير الضمير النحوي (المتكلم) من ضيق دائرته وتوسعه في شكل قنوات تخلق سرودا من الداخل لتفسح للأصوات فرصة إمكانية البوح بأوجاعها عبر الاعتراف والمنولوغ والرسالة، مما جعل السرد بؤرة تصهر الأزمنة والأحلام بالتقارير والخطابات المتوترة، إلى جانب الفيض الوجداني الفادح ومشاعر العشق والتطهر بجوار العبث والسخرية، والاستدراك العاجز الذي أفضى إلى سرود متراكبة من مرايا متجاورة، تفسح المجال المجاور للحوار والاسترجاع كمكونين يحفران نفقا يغذي التيمة ويؤدي إلى انشطارها وتفتتها ثم رتقها والتحام أجزائها من جديد. الشيء الذي يمد الرواية بأدوات جعلت من الشخصيات وباقي المكونات عناصر تتحرك بشكل حيوي يحقق للرواية فرادتها، ويطرح عدة قضايا لمقاربتها وفق زوايا نظر في التناول؛ ويبدو أنه من بين المكونات المهيمنة التي تؤطر (الحب في المنفى) الصورة والمرجع واندراجهما في إطار بنية الأسلوب والدلالة وتفاعل كل ذلك مع النسيج الفني العام للرواية."[4] هذا، ويعرف الباحث الصورة تعريفا مفتوحا على مفاهيم عدة مرتبطة بالإبداع والتأويل والبلاغة والفلسفة والأسلوب. بيد أن الباحث يأخذ بمفهوم ستيفان أولمان في تعريفه للصورة السردية على أنها استرداد للتجربة الماضية، وأنها كذلك أسلوب وبلاغة، كما يتجلى ذلك واضحا في كتابه (الصورة في الرواية)[5]. ومن ثم، تقترن الصورة السردية في رواية بهاء طاهر بالمتخيل والمرجع على حد سواء. و" تختزن الصورة في الرواية وعيا بالعالم الذي تمثله أو تتخيله، بحيث إن تراكب النصيصات الصغرى وتفاعلها في مسار حكائي واحد يرتبط بوعي وفعل الراوي، يرسم صورا ترتق أثر المتخيل والمرجع، وتشكل نسقا وعلامات تتفتح على التأويل، باعتبار الصورة شكلا بلاغيا ورمزيا داخل البناء السردي الذي يروم فهم العالم...فتصبح إستراتيجية سردية محفزة داخل تشكل المكونات الأخرى وطريقة في الكلام وأداة للفهم وللتواصل.فكل صورة ترتبط بالذاكرة وخلفياتها القاعدية المتصلة بالإدراك تعتبر هوية نسقية في ذهن الراوي الذي يعمد إلى التحكم في سروده، ويدرك الأبعاد التمثيلية للدلالات. وبالتالي، تتجه الصورة إلى تشكيل إدراك يتشرب تلاقح ثقافة الراوي بأوعاء شخوصه ومتلقيه، استنادا إلى اختيار الوجوه البلاغية وأدواتها وآلياتها المنتجة للفهم والتأويل."[6] ويعني هذا أن الصورة السردية، بمعناها الفلسفي والمرجعي، هي رؤية للعالم، وتقترن هذه الصورة بمتخيلها الفني والجمالي من جهة، وبمرجعها الذاتي أو الواقعي من جهة أخرى. كما أن الصورة آلية لتأويل الإبداع وتمثله. وفوق ذلك كله، فهي أداة للتواصل مع الآخر، وآلية إجرائية لفهم العالم الذي يحيط بالراوي، وتقنية أساسية لإدراك مصائر شخصيات الرواية. علاوة على ذلك، تؤدي الصورة الوظيفة التمثيلية والإدراكية للعالم، وتصبح أداة فنية وجمالية وثقافية وبلاغية وأسلوبية لتفتيق الذاكرة واسترجاعها. ومن هنا، فالصورة" إدراك منفتح على العالم والأشياء من منظور وعي الراوي الذي يلجأ إلى استيفاء القصد والقصد المخادع، وإلى صيغ تنكرية في أشكال أدبية وفنية، وإلى صياغات تراوح بين التنكر والقناع تنويعا لإيجاد صيغ الفهم والإدراك، وإرواء الحكي وإضفاء نسق جمالي على السرد، لتكسير خطيته المشبعة بالتزمن. في سياق هذا المنحى الفني والجمالي، تتعمق الدلالة، ويتم الانخراط في تشكيل وعي جمالي يفسح المجال لسياقات في التخييل والتأمل والتعليق، وكذلك إثراء الجملة السردية بالاحتمال والتعدد مما يطور مستوى الحكي بتشييدات تؤول معطيات الذات والعالم، وتنفتح على الحكي، مادامت الصور تولد من التاريخ والذات، ومن عناصر أخرى."[7] وهكذا، ينظر شعيب حليفي إلى الصورة من منظور ظاهراتي (فينومينولوجي)، عندما يربط الصورة بالذات والعالم عبر فعل الوعي والقصدية، من خلال انفتاح الصورة الروائية على الذات والعالم والمرجع والمتخيل على حد سواء. كما تهدف الصورة إلى فهم المرجع وإدراكه وتأويله وتفسيره، والتواصل معه. كما تؤدي الصورة وظيفة سردية وفنية وجمالية وتخييلية. وعليه، تتميز الصورة، عند بهاء طاهر، بالاختزال والتكثيف والمشهدية والتنوع والثراء. وفي هذا النطاق، يقول الباحث: "عند بهاء طاهر تكتسب الصورة في رواية (الحب في المنفى) خصوصياتها من خلال بنيتها المكثفة التي تنحو إلى الاختزال والرغبة في المشهدية. من ثمة، فهي صورة تعتمد المقارنة وتخيل الجملة والجنوح إلى الإيحائية ولعبة المرآة في التوصيف، وكأن الصورة بهذا المعنى رسم للأثر وتخزين مكثف للأحاسيس والمشاعر وللتعالقات الإحالية والإنتاجية تلتقط الانطباع والصدى والموقف في آن، لأنها غير محايدة، ولكنها أيضا تتخفى في التذويت، كمبدأ يستجيب لنوعية وطبيعة الصورة في التلفظ والسياق. إنها صورة مرتوية بالحنين والاقتراب من النفس الوجداني، مثقلة في العمق بترسبات ملتبسة للذات والواقع بخصوصياتها السابقة فتبدو انفعالية ذات أفق متجذر في مرايا متجاورة تقود لبعضها البعض، وتعمل على الإضاءة والتشريح، وكأنها بذلك جزءًا من بين أدوات الخطاب الانفعالي الأكثر قوة وتأثيرا الأمر الذي يجعلها مكونا قائما ضمن نسيج من التفاعلات التي تحفل بها السرود الممتدة في الوجدان والراهن بصور متلاحقة تختفي تدريجيا في الاسترجاعات والتقارير، ولكنها، في المحصلة ترتسم قطبا يجتذب كل مفاصل النص."[8] هذا، وتتجمع صور الرواية في نوعين كبيرين من الصور: الصور الاستراتيجية والصور الثقافية. فوظيفة الصور الأولى تنظيمية. أي:" تشغل وظيفة تنظيم السرد والتيمات الموجهة باعتبارها مكونا أساسيا ضمن مكونات الأسلوب الذي يضفي حيوية على السرد وحسية في التمثيل من خلال ارتباطه بذات الراوي والذوات الأخرى التي تكمله وتنتج العلاقات معه"[9]. وتتفرع عن هذه الصور الاستراتيجية مجموعة من الصور الصغرى، مثل: الصورة العاكسة لذات الراوي أو السارد الذي يقدم أحداث المحكي. وتسمى أيضا بصورة الراوي الذي يتحكم في المحكي، ويوجه دفة الرواية. ويقدم صورا عن ذاته وصورا عن الآخر على حد سواء. وتتسم صورة الراوي بالعجز والخيبة والفشل وثقل ذكريات الماضي، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على تشظي الواقع، واختلال القيم، وانعدام التوازن، وانحسار التواصل. بمعنى أن صورة الراوي مختلة وغير متوازنة. وينطبق هذا الحكم على صورة الآخر الذي يعاني من الخراب الداخلي والانبطاح الكينوني والنفسي والوجودي. كما يستعين الراوي بالصور السينمائية المشهدية في تقديم الشخصيات، وهي تتحرك فوق ركح الأحداث المسرودة في الرواية، بعيدا عن التوصيف الساكن الرتيب. كما ركزت الرواية، في تقديمها للشخصيات المرصودة، على صورة الصوت، وصورة الوجه، وصورة (برجيت) الشخصية الرئيسية في الرواية التي تتولد عنها باقي الصور الشخوصية الأخرى. أما النوع الثاني من الصور، فهي الصور الثقافية، فقد "تجسدت في طبيعة الصور الخاصة بالمكان، وبالمدينة الأوروبية وخصوصا المقهى، باعتبارها فضاء لأحداث شتى، بالإضافة إلى صور النهر الذي رسم عمقا ثقافيا داخل الرواية في لحظات جذوة الصبوات.[10]" وتتميز الصور الثقافية بأنها صور متوازنة مقارنة بالصور الاستراتيجية الأولى، ما دمت تركز على الطبيعة ومظاهرها الشاعرية التي تمثل بديلا عن حياة مختلة عاشها الراوي مع طليقته. وهكذا، تسهم الصورة الروائية في رواية (الحب في المنفى) في تخصيب المتخيل، وإثراء المرجع الذاتي والغيري. ومن ثم، تساهم "في بناء المتخيل الروائي وإغناء الأبعاد والمستويات السردية عبر تكثيف الجملة، وإغنائها بتوهج حسي مرفود بانفتاح على الموقف الذي يراد تبئيره أو تفعيله. كما تحضر خاصية تكثيف التجربة والرؤى، والتقاط الآثار المتبلورة والتأملات العميقة للحفر عن معرفة وتشخيص لا تضاهى دفتهما في سبر تضمينات الأشياء البسيطة، وتثبيت انطباع زائل، وتحليل التجارب المعقدة أو التعبير عما يتعذر وصفه، فترتبط باستمدادات من مصادر تكشف عن وعي الراوي الذي يحيل على مراجعه النصية."[11] هذا، وترتبط الصورة الروائية، عند بهاء الطاهر، بمجموعة من المراجع، كمرجع الذات، ومرجع الاعتراف. فمرجع الذات" يؤسس لرؤية انتقادية وساخرة من الأنا والآخر والعالم. وهي رؤية أفرزتها سجلات علاقة الراوي بذاته وبالآخرين، فجاءت مذوتة ومرتوية من قنوات معجمية من قبيل: الفشل، والإحباط، والعجز، والتلاشي، وكلها وحدات عكست حالة السخرية والعبث واللامبالاة كمرجع مفتوح على النفس والعالم."[12] أما مرجع الاعتراف، فيرسم "خطوطا متشابكة ودوائر جديدة تضيء مرجع الذات المتشكل من صراع الأوعاء والأصوات في لحظتي الماضي والحاضر، فيجيء الاعتراف مرجعا لإثراء الحكي، وترسيم ما يسم الراهن لشخوص روائية مشتغلة بماضيها الخاص والعام، وتحيا الحاضر على صدى خراب نفسي.[13]" يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |