|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أيتها الأمة الباقية لا تسألوا الله البلاء بل اسألوه العافية الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70- 71]. أما بعد؛ فإنّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين. نحتاج في أيامنا هذه، والسابقة واللاحقة إلى أن نركز على التوكُّل على الله سبحانه وتعالى؛ وأن يكون توكلنا على الله في جلب الأرزاق، وتوكلنا على الله في دفع الشرور والآثام، وتوكلنا على الله في دفع كيد الفجار والأعداء. لكن هذا التوكل لا يمنع من الأخذ بالأسباب، فخذْ بالأسباب وتوكَّلْ على الوهاب، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل - عندما سمع عن التوكل - يسأل عن ناقته إذا توكل على الله فيتركها دون ربطها ويتوكل، أو يربطها ويعقلها ويتوكل على الله؟ فقد ثبت أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قال: قَالَ رَجُلٌ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟) - ماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ - قَالَ: "اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ"؛ رواه الترمذي (2517). ابحث عن أسباب الرزق، وامشْ في الأرض، واعمل ما يمنحك حياة كريمة سعيدة، وإيَّاك أن تتركَ التزود في أسفارك ومعادك؛ معتذرا بالتوكل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ)، - لا يحملون معهم زادًا - (وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الـمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ!)، يسألون الناس طعامًا ليأكلوا، وشرابًا ليشربوا، هل هكذا يكون التوكل؟ تزود يا عبدالله، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾، (البقرة: 197)، رواه البخاري (1523). فحقُّ التوكُّل السعيُ في طلبِ الأرزاق، كما تفعل تلك الطيور، فقد أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا")، رواه الترمذي (2344). وأيضا؛ من حقِّ التوكل الأخذُ بإجراءات السلامة من الأمراض المنتشرة، والوقايةِ من الأوبئة المعدية، والالتزامُ بالإجراءات الاحترازية التي تصدرُ عن المسؤولين في وزارة الصحة، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا جَاءَ بِسَرْغَ، =[سَرْغُ: بفتح أوّله، وسكون ثانيه ثمَّ غين معجمة،... وهو أوَّل الحجاز وآخر الشام]، معجم البلدان (3/ 211) بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ - أي: الطاعون - وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه بعد أن عزم على الدخول متوكِّلًا على الله، لكن أخبره عبد الرحمن بن عوف أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ): («إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ") أي بالطاعون والوباء ("بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»)، فَرَجَعَ عُمَرُ رضي الله عنه، وانصرف من حديث عبدالرحمن، واقتنع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع (مِنْ سَرْغَ). وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ)، رواه البخاري (6973)، ومسلم 100- (2219). وهذا ما يسمى بالحجر الاحترازي. فالمرض والوباء من قدرِ الله سبحانه، وأخذُ الوقاية والإجراءات الاحترازية من قدر الله سبحانه، ولا عدوى إلا بقدر الله، ولا أمراض ولا جذامَ ولا سقام؛ إلا بقدر الله سبحانه، ومع ذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»)، رواه البخاري (5707). فرَّ منه هذا ما يسمى اليوم بالتباعد. فالتباعد من المرضى وعدم المخالطة لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الوفود تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان من الوفود وفد ثقيف، فيهم رجل مجذوم، فكيف عامله صلى الله عليه وسلم؟ هل صافحه؟ هل عانقه؟ هل خالطه وجالسه؟ الجواب فيما ثبت عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ)؛ أي مصاب بداء الجذام، وهو ينتقل من المريض إلى السلم بالمخالطة، (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ("إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ")، رواه مسلم 126- (2231). تباعد عنه لم يقابله، ولم يصافحْه، وكلُّ ذلك من باب الأخذ بالاحترازات الوقائية، ولا ينافي التوكل على الله، بل هو من التوكل عليه سبحانه. وإذا عُرِف السببُ بطَل العجب، وإذا عُرف سبب المرض تفاديناه، ومن الأسباب الجالبة للوباء، ويجبُ أن نتفاداها؛ تركُ الأواني والأطعمةِ والأشربة دون غطاء، وتركُ أكياس الدقيق والسكَّر والرُّزِّ ونحوِها دون إيكاء، ودون ربطِ لأفواهها بإحكام، فقد أمرنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ("غَطُّوا الْإنَاءِ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ")؛ أي: كل عام ("لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ")، قَالَ اللَّيْثُ: فَالْأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الْأَوَّلِ؛ رواه مسلم 99- (2014). لكن إن حصَل بعد الاحترازات والتباعد مرضٌ، فلا مانعَ من التداوي بـالأدوية المباحـة، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ("لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ")، رواه مسلم 69- (2204). وإن كنتَ قويًّا أو ضعيفًا، فاحرص على الأخذ بالأسباب بأسباب ما ينفعك مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ")، رواه مسلم 34- (2664). فالحرص على الخير والحرص على ما ينفع، هذا هو المطلوب لا أن نتمنى البلاء، أو أن نتمنى اجتياحَ العدو للبلاد والعباد، بل نسأل الله عز وجل العفو والعافية، من كل عدو ومن كل بلاء، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ)، وهم مقبلون على العدو (لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا...»؛ رواه البخاري (2965)، (2966)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ»)، رواه أحمد (9196). فيا أيَّتُها الأمَّةُ الباقية، لا تسألوا الله البلاء، بل اسألوه العافية، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) - وزار مريضًا من أصحابه من المسلمين - (قَدْ خَفَتَ - وهفت وذهبت صحته - (فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ) - الصغير - (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ("أَمَا كُنْتَ تَدْعُو؟ أَمَا كُنْتَ تَسْأَلُ رَبَّكَ العَافِيَةَ؟" "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟!" قَالَ): (نَعَمْ!) - فماذا كان يدعو هذا الشاب؟ وهذا المريض الذي خفتت صحته، وصار مثل الفرخ، اسمعوا ماذا كان يدعو، قال: (كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا)؛ أي: إذا كنت يا رب ستعاقبني في الآخرة، فلا تعاقبني هناك، بل عاقبني في الدنيا، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ("سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ - أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ - أَفَلَا قُلْتَ) - وهنا دلَّه على الخير وأرشده الأيسر -: ("اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"، قَالَ: (فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ)، الحديث بزوائده؛ عند مسلم 23- (2688)، والترمذي (3487). فسؤال الله العافية خير من سؤاله البلاء، جاء عَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا عَمُّكَ كَبِرَتْ سِنِّي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، فَعَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ... أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)، قَالَ: ("سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ")، قال: (فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ)، فَقَالَ لِي: ("يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ! وَلا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ سَلِ اللَّهَ، العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ")، (قَالَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ أَتَاهُ عِنْدَ قَرْنِ الْحَوْلِ - بعد سنة يريد شيئًا يسأل الله به = (فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ)، الحديث بزوائده: رواه الترمذي (3514)، وأحمد (1766). وجاء في بلاغات مَالِكٍ في موطئه أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام كَانَ يَقُولُ: لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ، وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ، فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى، وَمُعَافًى، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ)؛ (ط) (2821). يا أصحاب الهموم والغموم، يا أصحاب الأمراض والأسقام والشدائد، أكثروا من قول: (اللهُ ربي لا شريك له)، عَنْ أَسْمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَقُولُ: ("مَنْ أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ، أَوْ سَقَمٌ أَوْ شِدَّةٌ، فَقَالَ: اللهُ رَبِّي لَا شَرِيكَ لَهُ؛ كَشَفَ ذَلِكَ عَنْهُ")، رواه الطبراني في معجمه الكبير (ج24 ص154 ح396)،، والبيهقي في شعب الإيمان (10228)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (6040)، الصَّحِيحَة: (2755). واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الآخرة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد: فعباد الله، لا يجوز للمؤمن إذا وثق من نفسه وبنفسه، ووثق بقوة إيمانه أن يمتحن الله؛ سبحانه وتعالى بأن يبتليه بما شاء، واحدٌ يظنُّ في نفسه قويُّ الإيمان، ويقول: لو أن ربي فعل معي ما فعل، وابتلاني بما شاء فسأكون صابرًا وأكون متلقيًا هذا الأمر والقضاء بالرضا! لا تتمنَّ ذلك يا عبدالله، وقد تمناه قوم فلم يصبروا، ويضرب بهم المثل في محبة الله، والرضا عن الله سبحانه وتعالى. فهذا أبو القاسم سمنون بن حمزة الصوفي، وقيل: ابن عبدالله، ويعرف بين الناس بسمنون المحبِّ، لكن سمى نفسه سمنون الكذاب؛ لأنه ابتلى الله فابتلاه، توفي سنة: (299هـ). وكان يتكلم في المحبَّة، وقيل: إنه كان يصلي (500) ركعة في كل ليلة؛ انظر تاريخ إربل للإِربلي، المعروف بابن المستوفي (المتوفَّى: 637هـ) (2/ 181). فقد ذكر ابنُ تيمية رحمه الله تعالى عَنْ سمنون الْمُحِبِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَلَيْسَ لِي فِي سِوَاك حَظٌّ ♦♦♦ فَكَيْفَمَا شِئْت فَاخْتَبِرْنِي يعني أنا أحبُّك ولا يوجد في القلب غيرك يا ألله، افعل ما تريد يا رب، اختبرني كما تشاء قال: فَأَخَذَهُ الْعُسْرُ مِنْ سَاعَتِهِ: أَيْ: حَصَرَهُ بَوْلُهُ؛ فقط ابتلاه بحصر البول، فَاحْتُبِسَ بَوْلُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ فَكَانَ يَتَلَوَّى كَمَا تَتَلَوَّى الْحَيَّةُ، عافانا الله وإياكم، كان يتلوى من شدة الألم، يَتَلَوَّى يَمِينًا وَشِمَالًا، فَكَانَ يَدُورُ عَلَى الْمَكَاتِبِ، أي حلقات تحفيظ القرآن، ويدور على الصبيان والأطفال الصغار، كان يدور وَيُفَرِّقُ الْجَوْزَ، واللوز وما شابه ذلك عَلَى الصِّبْيَانِ، وَيَقُولُ: (اُدْعُوا لِعَمِّكُمْ الْكَذَّابِ)، ظن نفسه أن يستطيع الصبر وما استطاع، فَلَمَّا أُطْلِقَ بَوْلُهُ؛ قَالَ: (رَبِّ قَدْ تُبْت إلَيْك)، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: (فَهَذَا الرِّضَا الَّذِي ادَّعَى سمنون؛ ظَهَرَ غَلَطُهُ فِيهِ بِأَدْنَى بَلْوَى)، لا تختبر الله يا عبدالله، أنت عبد لله سبحانه وتعالى، (مَعَ أَنَّ سمنونا هَذَا كَانَ يَضْرِبُ بِهِ الْمَثَلَ، وَلَهُ فِي الْمَحَبَّةِ مَقَامٌ مَشْهُورٌ)، انظر مجموع الفتاوى (10/ 690)، وانظر تلبيس إبليس (ص: 306)، الزهد والورع والعبادة (ص: 123). وردَّ على سُمنون أيضًا؛ أبو العباس المرسيُّ، المتوفى سنة (686) قائلا: [الأَولى أن يقول: فكيفما شئت فاعفُ عني]، لا يقول فاختبرني، إذ طلبُ العفو أولى من طلب الاختبار والبلاء]، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول لصديق حسن خان (ص: 313). وكذلك أبو سليمان عبدالرحمن بن أحمد بن عطية العنسي الداراني نسبة إلى داريَّا، قرية من قرى دمشق، له كلام في الزهد، توفي سنة (215هـ)؛ انظر: انظر: حلية الأولياء (9254)، وطبقات الصوفية (ص: 75)، وسير أعلام النبلاء (10182). فأبو سليمان هذا لـمَّا قال: قد أُعطيتُ من الرِّضا نصيبًا؛ أي الرضا عن الله، لو ألقاني في النّار لكنتُ راضيًا. هذا كلام يقال عن الله، فـذُكِرَ أنّه ابتُليَ بمرض، لم يُلقَ في النار بل بمرض فقال: إن لم يُعافني وإلا كفرتُ، أو نحو هذا؛ تسلية أهل المصائب (ص: 35) النبوات- نسخة أخرى، (ص: 73)، مختصر تاريخ دمشق (14/ 192). ما هذا؟ كن عبدًا لله يا عبدالله! ولا تمتحن الله يا عبد الله. فالطريقة الكاملة، ألا يتمنى الإنسان لقاء العدو، ولا يتمنى الشرّ، ولا يتمنى المصائب، ولا يتمنى البلاء، لكن يسأل الله العافية، فالعافية في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية»، لا أن نسأل الله البلاء. فصلوا على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، فقد صلى عليه الله في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ. اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ، وَرِزْقِكَ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْحَرْبِ. اللَّهُمَّ عَائِذين بِكَ مِنْ سُوءِ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا. اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ. اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ. اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسَلَكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ. اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾. [العنكبوت: 45].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |