تساقط القسس (مناظرةٌ مثيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل ساندوتش دجاج سبايسى.. ينفع للأطفال وللشغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بخطوات بسيطة.. من العسل لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          طريقة عمل لفائف الكوسة بالجبنة فى الفرن.. وجبة خفيفة وصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          وصفات طبيعية لتقشير البشرة.. تخلصى من الجلد الميت بسهولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          هل تظل بشرتك جافة حتى بعد الترطيب؟.. اعرفى السبب وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          استعد لدخول الحضانة.. 6 نصائح يجب تنفيذها قبل إلحاق طفلك بروضة الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          سنة أولى جواز.. 5 نصائح للتفاهم وتجنب المشاكل والخلافات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          طريقة عمل العاشوراء بخطوات بسيطة.. زى المحلات بالظبط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          طريقة عمل لفائف البطاطس المحشوة بالدجاج والجبنة.. أكلة سهلة وسريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          9 حيل وخلطات طبيعية بسيطة تجعل المطبخ رائحته منعشة فى الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-08-2021, 11:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,648
الدولة : Egypt
افتراضي تساقط القسس (مناظرةٌ مثيرة)

تساقط القسس (مناظرةٌ مثيرة)















الشيخ عبدالله محمد الطوالة




الحمدُ للهِ حمدَ الرِضا، حمدًا كثيرًا طيبًا، حمدًا كبيرًا أَرحَبَا، حمدًا كأنسامِ الصَبَا، كالزهر يَعبِقُ بالرُبا.. كالنور شعشعَ لاهِبًا.. حمدًا جميلًا موجِبًا.. فهو الذي لم يزل بالعِزِّ مُحْتَجِبًا.. علا عنِ الوصْفِ مَن لا شيءَ يُشبهُهُ.. وجَلَّ عن سبَبٍ من أوْجَدَ السَّببا.. والشُّكرُ للهِ في بدْءٍ ومُخْتَتَم.. فاللهُ أكرَمُ من أعْطى ومَنْ وَهَبا.








وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾ [النبأ: 37].. ثم الصّلاة ُعلى النُّورِ المبينِ ومنْ.. قد شاهَدَ القوْمُ من آياتِهِ عجَبَا.. صلَّى عليهِ الذي أهْداهُ نُورَ هُدًى.. يبْقَى على الدَّهْرِ إنْ ولّى وإنْ ذهبا.. مُحَمَّدٌ خيرُ من تُرْجى شَفاعتُهُ.. غدًا وكُلُّ امرئ ٍيُجْزَى بما كَسَبا...








اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وأنعم على حبيبنا وقدوتنا محمد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبهِ ومن والاهُ.. وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا طيبًا.








أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ والتزموا سنَّةَ نبيكم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تهتدوا، وأخلِصوا للهِ تعالى نياتِكم تُفلِحُوا، واستبِقوا الخيراتِ تربحوا، وصِلُوا أرحامَكُم تُوصَلُوا، وأكثروا من ذكرِ الله تَسعَدُوا، وتجنبوا مساوئَ الأخلاقِ تُحمَدُوا، وابتعدوا عن المعاصي والمنكراتِ تسلموا، وتوبوا إلى ربكم توبةً نصوحًا تُرحموا، وعن النَّارِ تُزحزَحُوا.. ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].








أحبتي في الله: قصةٌ لطيفة، بل مناظرةٌ ظريفة، بين عالمٍ مُسلم ومجموعةٍ من القساوسة النصارى.. قصةٌ تمثل الصراع بين الحق والباطل، بين الإسلام وأعدائهِ عمومًا، قصةٌ مليئةٌ بالدروس والعبر، فهل من مدَّكِر، وهل من معتبر.. بداية القصةِ حين أُسرَ غلامٌ من بطارقة الرومِ زمن الخلافةِ الأموية، وكان على دين النصرانية، فلما صار إلى دار الإسلام كلموه عن الإسلام فأسلم، فأخذه الخليفة فسماه بشير، وأمر به إلى الكُتاب فكتب وقرأ القران وطلب الحديث وروى الشعر، فلما بلغَ أشدَّهُ أتاه الشيطان فوسوس إليه وذكره دين آبائه، فهرب مُرتدًا من دار الإسلام إلى أرض الروم، فأُتي به إلى طاغيتهم، فسألهُ عن حاله وما الذي دعاه للدخول في النصرانية، فاخبره أن تلك هي رغبتهُ.. فعظم في عين الملك، فرأسه وصيرهُ بطريقًا من بطارقتهم، وأعطاه أراضي ومناطق كثيرة، وكان من قضاء الله وقدره، أن جنودَ بشيرٍ هذا أسروا ثلاثين مسلمًا، فلما اُدخلوا على بشير، سألهم واحدًا واحدًا عن دينهم.. وكان فيهم شيخٌ من أهل دمشق يقال له الشيخ واصل، فسألهُ بشيرٌ نفس السؤال فسكت الشيخُ ولم يردَّ عليه بشيء، فقال له بشيرٌ: الحمدُ لله الذي كان قبل أن يكونَ شيءٌ من خلقه، وخلق سبع سماواتٍ طِباقًا بلا عونٍ من خلقه، ودحا سبعَ أرضينَ بلا عونٍ من خلقه، فعجبٌ لكم معاشر العرب تقولون: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، فظل الشيخ ساكتًا.. فقال بشير: مالك لا تُجيب؟.. فقال الشيخ: وكيف أُجيبك وأنا أسيرٌ في يدك.. إن أجبتُك بما تهوى أسخطتُ ربي، وأفسدت ديني، وإن أجبتُك بما لا تهوى أهلكتُ نفسي، فأعطني عهدَ الله وميثاقَه، أنك لا تغدِرُ بي ولا تبغِي علي باغِيةَ سُوء، وأنك إذا سمعتَ الحقَّ تنقادُ إليه، وأنا أُجيبُك. قال بشير: فلك علي عهدَ اللهِ وميثاقه أني لا اغدرُ بك، ولا أبغي عليك باغيةَ سُوء، وأني إذا سمعتُ الحقَّ انقادُ لهُ.. فقال الشيخٌ فاسمع إذن: أمّا ما وصفتَ به الله عزِّ وجلَّ فقد أحسنت، والله أعزُّ وأعظمُ واكبرُ مما وصفت.. وأمّا ما ذكرته من صفةِ عيسى وآدم، فقد أسأتَ الصفةَ، أولم يكونا يأكلانِ ويشربانِ، وينامانِ ويستيقظان، ويفرحانِ ويحزنان؟.. قال بشير: بلى.. قال الشيخُ: فلم فرَّقت بينهما؟.. قال بشير: لأنَّ عيسى كان له رُوحين اثنين، فروحٌ يُبرئ بها الأكمهَ والأبرصَ، وروحٌ يعلمُ بها الغيبَ.. قال الشيخ: روحانِ اثنانِ في جسدٍ واحدٍ!؟.. قال بشيٌر: نعم.. قال الشيخُ: فهل كانت القويةُ منهما تعرفُ موضعَ الضعيفةِ أم لا؟.. قال بشيرٌ: قاتلك اللهُ.. وماذا تريدُ أن تقولَ إن قلتُ أنها تعلم؟ وماذا تريدُ أن تقولَ إن قلتُ أنها لا تعلم؟.. قال الشيخُ: إن قلتَ أنها تعلم، فما لهذه القويةِ لا تطرُدُ عنها الأخرى؟ وان قلتَ أنها لا تعلم، فكيف تقول أنها تعلم الغيبَ ولا تعلمُ روحًا معها في نفس الموضِعِ.. قال بشيرٌ: والضارُ والنافعُ لا ينبغي لمثلك أن يعيشَ إلا في النصرانية.. أراكَ رجلًا قد تعلمت الكلام، وأنا رجلٌ صاحبُ سيف، ولكني آتيكَ غدًا بمن يُخزيك اللهُ على يديه.. فلما كان الغدُ وأدخِل الشيخُ على بشيرٍ إذا عندهُ قسٌ عظيمُ اللحيةِ.. قال بشيرٌ للقس: إن هذا رجلٌ من العرب صاحبُ عقلٍ وحكمةٍ، وقد أحبَّ أن يدخل في ديننا، فكلمه حتى تُنصّرهُ، فقال القسُ: ما أتيتَ إلا بالخير، ثم قال: أيُّها الشيخُ الفاضلُ: ما أنت بالكبير الذي ضعفُ عقلُهُ، ولا بالصغير الذي لم يستكمِل رُشدهُ، غدًا أُغطِسُك في المعمُودِيةِ غطسةً تَخرجُ منها كيوم ولدتك أُمك بلا ذُنوب.. قال الشيخُ: فما هذه المعمودِيةِ؟.. قال القِسُ: ماءٌ مُقدسٌ.. قال الشيخُ: فمن قدَّسهُ؟.. قال القِسُ: أنا قدستُه والأساقِفةُ من قبلي.. قال الشيخُ: أولستُم كالبشرِ لكم ذُنوبٌ وخطايا أم انتُم معصُومونَ من الذنوبِ؟.. قال القِسُ: لا يسلَمُ من الذنوب إلا اللهُ تعالى.. قال الشيخُ: فكيفَ يُقدِسُ الماءَ من لم يُقدِسُ نفسهُ؟.. فسكتَ القِسُ بُرهةً، ثمَّ قال: إني لم أُقدِسُه بنفسي.. قال الشيخُ: فكيفَ كانت القِصةُ إذن؟ قال القِسُ: إنها سُنةُ ابن الرَّبِ عِيسى بن مريمَ.. قال الشيخُ: وكيف ذلك؟.. قال القِسُ: إن يحيى بن زكريا أغطَسَ عِيسى ومَسحَ لهُ رأسَهُ ودعا لهُ بالبركة.. قال الشيخُ: واحتاجَ عِيسى إلى يحيى أن يمسحَ لهُ رأسهُ ويدعو لهُ بالبركة؟.. فيحيى خيرُ لكم من عِيسى؟.. فاعبدوا يحيى مع عيسى؟.. فسكت القِسُ، واستلقى بشيرٌ وجعلَ يضحكُ مِلءَ شِدقَيهِ!.. ثمَّ قال: أخزاك اللهُ، دعوتُك لتُنصِرهُ، فإذا بك تُسلِم!.. ثمَّ إنَّ أمرَ الشيخِ بلغَ مَلِكَ الرومِ فطلبهُ.. فحُمِلَ إليه، فلما أُدخِلَ عليهِ.. قال لهُ مَلِكُ الرومِ: ما هذا الذي بلغني عنكَ، كيف تنتقِصُ دِيني وتقعُ فيهِ؟.. قال الشيخُ: أيُّها الملِك: إنَّ لي دِيننًا كُنت ساكِتًا عنهُ، فلمَّا سُئلتُ لم أجِد بُدًّا من الدِّفاعِ عنهُ.. قال الملِك: وهل في يدِك حُجةٌ قال الشيخُ: أُدعُ لي من شئتَ حتى يحاورَني، فإن كانَ الحقُّ في يدي فلا تلُمني على التَّمسُكِ بالحقِّ والذَّبِّ عنه، وإن كانَ الحقُّ في يدهِ رجعتُ إلى الحقِّ من فوري.. فدعا الملِك بعظيمِ النصرانيةِ، فلمَّا جاء، سجَدَ لهُ الملِك ومن عِندهُ أجمعون.. فقال الشيخُ: أيُّها الملِك: من هذا؟ قال الملِكُ: هذا رأسُ النَّصرانِية الأكبر، الذي تأخذُ النَّصرانِيةُ عنهُ دِينها.. فتوجهَ إليهِ الشيخُ قائلًا: أيُّها القِسُ ألستم تكرهون ما يكونُ من الآدمي من البولِ والغائِطِ والدمِ النَّجسِ، قال القِسُ: نعم، قال الشيخُ: فكيف تزعُمون أنَّ ربَّ العالمينَ سكنَ ظُلمةَ البطنِ وضيقَ الرَّحِمِ ودَنس الحيضِ.. قال القِسُ: هذا شيطانٌ رمى به البحرُ إليكم فأخرِجوه من حيثُ جاء.. فقال الشيخ: أيُّها القِسُ، أخبرني عن رجُلٍ يحِلُ بهِ الموتُ، هل الموتُ بالنَّزعِ البطِيء أهونُ عليهِ أم القتلُ أهونُ؟ قال القِسُ: بل القتلُ أهونُ عليه، قال الشيخُ: فلم لم يقتُل عيسى أُمَّهُ بل عذَّبَها بنزِع الروحِ؟.. قال القِسُ: اذهبوا بهِ إلى الكنِيسةِ العُظمى، فإنُّهُ لا يدخُلُها أحدٌ إلا تنصَّر، قال الملِك: اذهبوا بهِ إلى الكنِيسة.. قال الشيخُ: لمَ يٌذهبُ بي إلى الكنِيسةِ وما من حُجةٍ دحضت حُجتي.. قال الملِك: لن يضُرك شيءٌ، إنما هو بيتٌ من بيوت اللهِ تدخُله فتذكرُ اللهَ فيهِ.. قال الشيخُ: أمّا إذا كانَ الأمرُ هكذا فلا بأسَ إذن.. فذهبوا به إلى الكنِيسةِ العُظمى، فما إن دَخلَها حتى وضعَ إصبعيهِ في أُذنيهِ ورفعَ صوتهُ بالآذان، فجزِعوا لذلك جزعًا شدِيدًا، وأوثقوهُ وكتفوهُ وجاءوا به إلى الملِك قائِلين.. أيُّها الملِك لقد أحلَّ بنفسهِ القتلَ.. قال الشيخُ: اليسَ زعمتُم أنَّكُم تذهبُونَ بي إلى موضِعٍ أذكُرُ ربي فيهِ، قال الملِك: بلى!.. قال الشيخُ: فقد دخلتُه وذكرتُ ربي بلساني وعظمتُهُ بقلبي، فهل يصغُرُ دينَكم عندكم إذا ذُكرَ اللهُ في كنائِسكُم.. قال الملِك: صدقَ، مالكُم عليهِ من سبيلٍ.. قال الشيخُ: أيُّها الملِك: بمَ علا أهلُ الكتابِ على أهلِ الأوثانِ؟.. قال الملِك: لأنَّ أهلَ الأوثانِ عبدوا ما صنعوا بأيدِيهم من الأصنامِ.. قال الشيخُ: أصبت، فما هذه الأصنامُ ألتي رأيتُها في كنائِسكُم.. فإن كان لها أصلٌ في الإنجيلِ فلا كلامَ لنا فيه.. وإن لم تكُن في الإنجيل فما أشبهَ دِينكُم بدين أهلِ الأوثانِ.. قال الملِك: صدقَ الرجلُ.. فهل تجِدُونهُ في الإنجيل؟ قال القِسُ: لا.. قال الملِك: فلم تشبِّهونَ ديننا بدين أهل الأوثان؟ فأمرهم بتبييضِ الكنائِس، وأن يُزيلوا التماثيلَ والرسُومَ.. قال القِسُ: هذا شيطانٌ من شياطين العرب، قذفهُ البحرُ إليكم، فأخرجُوه من حيثُ جاءَ ولا يبقي في بلادِكم فيُفسِدَ عليكم دِينكُم.. فوكَّلوا بهِ رِجالًا حتى أوصلُوه إلى دِمشق.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ[الأنبياء: 18].








بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...








الخطبة الثانية



الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك.








أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا من أهل الحق وأنصاره، واعلموا أن في هذه المناظرةِ الشيقةِ دُروسًا وفوائدَ جمَّةٍ؛ من هذه الدروس:



أنَّ الصراعَ بين الحقِّ والباطِلِ كانَ وما زالَ وسيستمرُ إلى قيام الساعةِ، جاء في "صحيح مُسلِمٍ" من حديث ثوبان، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ".. قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].. وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، وقال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة: 2]، وقال تعالى: ﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 119].








ومن الدروس المهمة من تلك المناظرة اللطيفة: عِزةُ الحقِّ واستعلاؤه على الباطل.. ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]، فالعزة من الله عزَّ وجلَّ، يُعِزُ من يشاءُ، ويُذِلُ من يشاءُ، وللحقِّ عِزةٌ حقيقةٌ متى استقرت في قلوب أصحابه قوَّتهُم؛ ورفعت من شأنِهم، فاستعلوا بها على أسباب الذِّلة والانحِناءِ للباطل، وعِزةُ الحقِّ منزِلةٌ شريفةٌ تنشأُ عن معرِفةِ المرءِ بقدر نفسِهِ وما مَعهُ من الحقِّ.. فلا يخنَعُ للباطِلِ ولا يرضى بهِ.. ونحنُ قومٌ أعزنا اللهُ بالإسلام، ومهمَا ابتغينا العِزةَ بغيره أذلَّنا اللهُ.. قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]؛ وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].








ومن أهم الدروس التي نستلهمها من هذه المناظرة الطريفة: أن الجولةَ الأخيرةَ دائمًا ما تكونُ للحقِّ وأهلِهِ، وأنَّ العاقبةَ للمُتقِينَ، وأنَّ الهِزيمةَ والخُذلانَ للباطِلِ وأعوانِه من المفسدين.. نعم قد ينتفش الباطل ويتمدد لبعض الوقت، فـ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ ﴾ [آل عمران: 196]، لا يغرّنَك ما هم فيه من العتاد والإمداد، لا يغرنَّك ما هم فيه من التعالي والاستبداد، لا يغرنَّك ما يملكونه من قوة وعُدّة واستعداد، فكل ذلك مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ.. وحين يأتي الحق كقذيفة ربَّانية، تُزلزل كيان الباطل من أساسه، وتجتثه من جذوره، يقول تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]، ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17].. فالحق ساحق، والباطل زاهق، ودولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة، والحق أبلج، والباطل لجلج: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 118].. ونلاحظ التلازم بين الأمرين، جاء الحق وزهق الباطل، فلا يزهق الباطل إلا بمجيء الحق، ولا يزول الشرك إلا بمجيء التوحيد، ولا تذهب البدعة إلا بانتشار السنة، ولا يخرس المفسدون إلا إذا تكلم المصلحون، ولا تختفي المعاصي إلا بظهور الطاعات.. فإذا جاء التوحيد بطل الشرك، وإذا جاءت السنة بطلت البدعة، وإذا جاء المعروف زال المنكر.. وإذا جاء الحق زهق الباطل، ولكن الحق لا يأتي إلا على يدي قويٍ أمين، فالحقُّ كالسيف البتارِ، وإنما السيفُ بضاربه، والسيفُ لا يزهو الا في يدي بطل..








ومن الدروس المهمة أيضًا: أن اللهُ قد أكرم هذه الأمة بنجومٍ تُزيّن سماءها، تهدي السالكين، وتهوي على الشياطين فتدمغهم.. أعني بهم العلماءُ الربانين، أنقى صفحات هذه الأمة وأسناها، بهم يهتدي المهتدون، وإليهم يرجعون، وعنهم يصدرون، فهم صمام الأمان قبل وقوع الفتن، وطوق النجاة عند حلولها.. فإذا ذهبوا ذهب العلم وأقبل الجهل، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزلُ فيها الجهل، ويُرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، قيل وما الهرجُ، قال القتلُ".. فالزموا يا عباد الله غرزَ العلماء، والتفوا حولهم، ذُبُّوا عن أعراضهم، واحفظوا عيبتهم، وإن رأيتم منهم ما تكرهون فاستبينوا أمرهم، وانصحوا لهم، فإنهم بشرٌ لهم وعليهم، ومن نالَ منهم فإنما ينالُ من حملة الدين، ويثلِمُ في بُنيانِه، وإننا اليوم أحوجُ ما نكون إلى أهل العلمِ وتوحيدِ الصفِّ تحتَ رايتهِم، وأن لا ندعَ لمغرضٍ علينا ولا عليهم سبيلًا، ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ[الروم: 60].








ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت... اللهم صلِّ وسلم..


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.31 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]