|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سور صلاة الجمعة (5) سورة الأعلى الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وَجَعَلَهُ هِدَايَةً لِلْعَالَمِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فَمَنْ عَمِلَ بِهِ وَصَدَّقَهُ كَانَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ الْقُرْآنَ حَيَاةً لِلْقُلُوبِ، وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَثَبَاتًا لِلْمُوقِنِينَ، وَأُنْسًا لِلْمُتَهَجِّدِينَ، فَبِآيَاتِهِ يَتَرَنَّمُونَ وَيَخْشَعُونَ وَيَبْكُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَقُومُ بِالْقُرْآنِ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ الشَّرِيفَتَانِ مِنْ طُولِ الْقُنُوتِ، وَرُبَّمَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَالنِّسَاءَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرُبَّمَا صَلَّى مَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَعَجَزُوا عَنْ قِيَامٍ كَقِيَامِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا طَاعَتَهُ وَلَا تَعْصُوهُ، وَاتْلُوا كِتَابَهُ وَلَا تَهْجُرُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الْجَزَاءَ عَظِيمٌ: فَإِمَّا سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَإِمَّا شَقَاءٌ سَرْمَدِيٌّ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185]. أَيُّهَا النَّاسُ: سُورَةُ الْأَعْلَى يُقْرَأُ بِهَا فِي مَحَافِلَ عِدَّةٍ؛ فَمِنَ السُّنَّةِ قِرَاءَتُهَا فِي الْوِتْرِ، وَفِي صَلَاةِ الْجُمْعَةِ، وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَهَمِّيَّتِهَا وَمَا حَوَتْهُ مِنَ الْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الْأَعْلَى: 1]، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ. وَهَذَا عَرْضٌ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْمَعَانِي لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَنَا بِمَوْعِظَتِهَا وَتَذْكِرَتِهَا. وَمَبْنَى السُّورَةِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ عَظِيمَيْنِ، هُمَا التَّعْرِيفُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَيَا لَهُ مِنْ تَعْرِيفٍ. وَالتَّذْكِيرُ بِطَرِيقِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَهَمُّ الْعُلُومِ وَأَنْفَعُهَا لِلْعَبْدِ: الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَكُلُّ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ. وَتَبْتَدِئُ السُّورَةُ بِالْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ، وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ بِالْكَمَالِ. وَشَرَفٌ لِلْعَبْدِ أَنْ يُخَاطِبَهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ فَيَأْمُرَهُ بِتَسْبِيحِهِ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ وَإِضَافَةُ الرَّبِّ إِلَى الْعَبْدِ تَشْرِيفٌ آخَرُ لَهُ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ وَمَالِكُهُ وَمُدَبِّرُهُ وَرَاحِمُهُ، وَفِي الْقُرْآنِ تَشْرِيفٌ كَثِيرٌ لِلْعَبْدِ بِتِلْكَ الْإِضَافَةِ ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الْحَاقَّةِ: 52]، ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 25]، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [الْعَلَقِ: 1]. وَلَهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلَا عُلُوَّ لِأَحَدٍ إِلَّا بِهِ سُبْحَانَهُ. وَإِذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ وَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) «فَيَنْبَغِي لَهُ اسْتِحْضَارُ عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمُطْلَقِ؛ لِيَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ عُلُوٍّ فِي مَخْلُوقٍ مَهْمَا كَانَ وَمَهْمَا بَلَغَ؛ فَهُوَ دُونُ عُلُوِّ الرَّبِّ الْأَعْلَى، وَأَنَّهُ لَا عُلُوَّ لِأَحَدٍ إِلَّا بِالْعَلِيِّ الْأَعْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَعُلُوُّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَقْتَضِي قُدْرَتَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَقَهْرَهُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي الْآيَاتِ التَّالِيَةِ لِوَصْفِهِ سُبْحَانَهُ بِالْعُلُوِّ، فَإِذَا سَأَلَ الْإِنْسَانُ: مَنْ هُوَ رَبِّي الْأَعْلَى؟ كَانَ الْجَوَابُ ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾. ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ جَعَلَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ خِلْقَتَهُ الْمُلَائِمَةَ لَهُ، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النَّمْلِ: 88]، ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السَّجْدَةِ: 7]، ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ [الْمُلْكِ: 3]، مَخْلُوقَاتٌ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطِبَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الِانْفِطَارِ: 6 - 8]. ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ هَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ لِمَا يُبْقِيهِ، وَيَدْرَأُ الضَّرَرَ عَنْهُ؛ فَكُلُّ الْأَحْيَاءِ مَهْدِيَّةٌ لِلْفِرَارِ مِنَ الْمَخَاطِرِ، وَتَبْحَثُ عَنْ أَسْبَابِ الْبَقَاءِ. وَلَمَّا جَادَلَ فِرْعَوْنُ فِي الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَقَالَ: ﴿ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾ [طه: 49]، أَجَابَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِلًا: ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]. وَهَدَى سُبْحَانَهُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ لِعِبَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ هُدَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ: ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 23]. وَالْأَحْيَاءُ عَلَى الْأَرْضِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى أَسْبَابِ بَقَائِهَا، وَهُوَ الْمَاءُ وَالنَّبَاتُ الَّذِي بِهِ عَيْشُ الْإِنْسَانِ، وَمَا سُخِّرَ لَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾، وَمِنْ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ إِحَالَتُهُ إِلَى هَشِيمٍ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾، ثُمَّ لَفَتَ الِانْتِبَاهَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [6-8]. وَهَذِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقْرَأَهُ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَنْسَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْسَاهُ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَحَفْظُ الْقُرْآنِ نِعْمَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، حِينَ يَأْذَنُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَفْعِهِ، فَوَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ حِفْظِ الْقُرْآنِ، وَبَقَائِهِ لَهُمْ هَادِيًا وَدَلِيلًا. وَفِي السُّورَةِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ فَكَانَ الْإِسْلَامُ دِينَ الْيُسْرِ، وَكَانَتْ شَرِيعَتُهُ سَمْحَةً، وَيَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابَهُ لِمَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ وَتَدَبُّرَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [الْقَمَرِ: 17]. وَمِنَ الْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَسَّرَ لَهُمْ طَرِيقَ الْجَنَّةِ بِإِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحِ، فَهَوَّنَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّتَهُ، وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ السُّورَةِ: مَوْعِظَةٌ وَتَذْكِيرٌ ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ وَالْمُرَادُ التَّذْكِيرُ بِمَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي آخِرَتِهِ، وَهُوَ التَّذْكِيرُ بِالدِّينِ وَالِالْتِزَامُ بِهِ، وَأَعْلَى ذَلِكَ التَّذْكِيرُ بِالْقُرْآنِ ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]. وَفِي سُورَةِ الْغَاشِيَةِ: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الْغَاشِيَةِ: 21]. وَالنَّاسُ تُجَاهَ التَّذْكِيرِ عَلَى فَرِيقَيْنِ، وَلِكُلِّ فَرِيقٍ مَآلُهُ وَنِهَايَتُهُ ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴾ [الْأَعْلَى: 10-13]. وَمِنْ مَوْضُوعَاتِ التَّذْكِيرِ: تَزْكِيَةُ النَّفْسِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَذَلِكَ طَرِيقُ الْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الْأَعْلَى: 14- 15]. وَمِنْ مَوْضُوعَاتِ التَّذْكِيرِ: تَرْقِيقُ الْقُلُوبِ بِذِكْرِ الْآخِرَةِ، وَالتَّزْهِيدُ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْمَوَاعِظِ، وَفِيهِ إِصْلَاحٌ لِأَحْوَالِ الْعِبَادِ؛ فَإِنَّ الِانْغِمَاسَ فِي الدُّنْيَا يُلْهِي عَنْ تَذَكُّرِ الْآخِرَةِ ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الْأَعْلَى: 16-17]. وَمِنْ جَلِيلِ قَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: أَنَّهَا حَوَتْ أُصُولَ الدِّينِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا حَوَتْهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ قَدْ جَاءَتْ بِهِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الْأَعْلَى: 18-19]. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ... الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا مَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ؛ فَإِنَّهُ أُنْسُكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَسَعَادَتُكُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 9]. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جَمَعَتْ سُورَةُ الْأَعْلَى لِلْمُؤْمِنِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَفِيهَا أَمْرَانِ عَظِيمَانِ لَا بُدَّ مِنَ الِانْتِبَاهِ لَهُمَا، كَمَا أَنَّ فِيهَا بِشَارَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، وَهَذَا مِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحَفِّزَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ بِالْبَشَائِرِ الَّتِي تَنْتَظِرُهُمْ. فَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ: الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ، وَهُوَ يَنْتَظِمُ كُلَّ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ تَنْزِيهٌ وَثَنَاءٌ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُبِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالذُّلِّ لَهُ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ تَتَضَمَّنُ هَذَا الْمَعْنَى؛ وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَهَا بِآيَاتٍ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الْأَعْلَى: 14- 15]. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: التَّذْكِيرُ: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الْأَعْلَى: 9]، وَهُوَ يَشْمَلُ تَذْكِيرَ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ، وَكُلِّ مُسْلِمٍ لَهُ عَلَيْكَ حَقُّ التَّذْكِيرِ بِطَاعَةٍ فَرَّطَ فِيهَا، أَوْ مَعْصِيَةٍ وَاقَعَهَا، أَوْ تَذْكِيرِهِ بِالسُّنَنِ وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ، أَوْ تَذْكِيرِهِ بِحَقَارَةِ الدُّنْيَا، وَفَخَامَةِ الْآخِرَةِ. وَكَذَلِكَ تَذْكِيرُ الْكَافِرِ بِالْإِسْلَامِ، وَالْمُنَافِقِ بِالْإِيمَانِ، فَالتَّذْكِيرُ حَقٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنِ التَّذْكِرَةِ إِلَّا مُتَكَبِّرٌ، وَلَا يَتْرُكُ التَّذْكِيرَ إِلَّا مَحْرُومٌ، وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَوْعِظَةٌ تُوقِظُ الْقُلُوبَ. وَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ كُلُّهَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ مِنَ الدِّينِ؛ فَإِمَّا مُشْتَغِلٌ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِهِ، وَإِمَّا مُذَكِّرٌ خَلْقَهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِذَا حَقَّقَ الْمُؤْمِنُ ذَلِكَ نَالَ الْبِشَارَتَيْنِ؛ فَيَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْقُرْآنَ؛ قِرَاءَةً وَحِفْظًا وَفَهْمًا وَتَدَبُّرًا، وَيَسَّرَ لَهُ أَنْوَاعَ الْعِبَادَةِ، وَفَتَحَ لَهُ أَبْوَابَ الْخَيْرِ، وَبِهَذَا تَتَيَسَّرُ لَهُ الْيُسْرَى الَّتِي هِيَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ وَرِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى. فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْأَعْلَى فِي وِتْرِهِ، أَوْ يَسْمَعُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَتَدَبَّرَهَا، وَيَفْهَمَ مَعَانِيَهَا، وَيَعْمَلَ بِهَا؛ لِيَنَالَ بِرَّهَا وَخَيْرَهَا وَفَضْلَهَا. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |