آداب الدين وأحكامه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4942 - عددالزوار : 2039999 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4516 - عددالزوار : 1310172 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 129043 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4814 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 18-05-2021, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي آداب الدين وأحكامه

آداب الدين وأحكامه


عبدالله بن عبده نعمان العواضي







إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71]، أما بعد:




فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.




أيها المسلمون، يعيش الإنسان في هذه الدنيا وعلى كاهله يحمل أعباء الحياة ومطالبها الثقال، ويصعب عليه أو قد يستحيل أن ينفكَّ عنها دون أن يحتاج إلى عون سواه، فالإنسان مدني بطبعه يعيش مع غيره، يعطي ويأخذ، فتتم الحياة بتضافر جهود أهلها، وتكميل بعضهم بعضًا، أغنياءَ وفقراءَ، أقوياءَ وضعفاءَ، رعية ورعاة؛ قال تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 32].




قال الشاعر:

الناسُ للناس من بدوٍ وحاضرةٍ *** بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ




عباد الله، إن حاجات أكثر الناس في عيشهم تفوق ما تملِكه أيديهم وقدراتهم وقُواهم؛ فلذلك لا يملكون إلا أن يقترضوا من غيرهم؛ ليصلوا إلى قضاء تلك الحاجات، وبذلك غدا الدَّين أو الاقتراض أمرًا ملازمًا للحياة الإنسانية غالبًا؛ ولهذا نجد لأحكام الدَّين حضورًا في كثير من الأبواب الفقهية؛ مثل أبواب: الزكاة، والحج، والنكاح، والبيع والشراء، والربا، والسَّلَم، والإجارة، والرهن، والصلح، وقسمة التركات، والحَجْر، وغير ذلك، بل إن أطول آية في القرآن الكريم وردت في الدَّين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ.... الآية [البقرة: 282].




وقد ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة الطويلة توقيتَ الدَّين والأمرَ بكتابته؛ حفظًا للمال ودفعًا للنزاع - وهذا على سبيل الاستحباب، كما ذكرت الآيةُ الحث على وجود كاتب للدين - ونهيًا لذلك الكاتب عن عدم الكتابة وهو قادرٌ عليها، وأمرت المدين بإملاء ما عليه مِن الدَّيْن، ومراقبة ربه في ذلك، والنهي له عن الإنقاص من دينه شيئًا، وبيَّنت أن المدين إذا كان محجورًا عليه لتبذيره وإسرافه، أو كان صغيرًا أو مجنونًا، أو لا يستطيع النطق لخرس به أو عدم قدرة كاملة على الكلام، فليتولَّ الإملاء عنه القائمُ بأمره، كما حثَّت على الشهادة على الدين، وبيَّنت صفات الشهود وماذا يجب عليهم، ونهتْ عن الملال من كتابة الدَّين قليلًا أو كثيرًا إلى وقته المعلوم؛ لأن هذا التوثيق للدين أعدلُ في شرع الله وهديه، وأعظم عونًا على إقامة الشهادة وأدائها، وأقرب إلى نفي الشك في جنس الدَّين وقدره وأجله، لكن إن كانت المسألة مسألة بيع وشراء، بأخذ سلعة ودفع ثمنها في الحال، فلا حاجة إلى الكتابة.





كما نهت الآية الدائن والمدين عن الإضرار بالكُتَّاب والشهود، وحذَّرت من مخالفة أمر الله ونهْيه في ذلك، ثم جاءت الآية التالية لها وتممت معناها، وهي قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة: 283].




وقد تضمَّنت هذه الآية مشروعية وضع رهنٍ من المدين لدى الدائن ضمانًا لحق الدائن، فإن كان بينهما ثقة فلا حرج في ترك الكتابة والإشهاد والرهن، ويبقى الدَّين أمانة في ذمَّة المدين، عليه أداؤه، وعليه أن يراقب الله فلا يخون صاحبه، فإن أنكر المدين ما عليه من دين، وكان هناك مَن حضر وشهد، فعليه أن يظهر شهادته، ومن أخفى هذه الشهادة، فهو صاحب قلب غادر فاجر[2].




عباد الله، إن على المدين أن يعلم:

أولًا: أن أموال الناس معصومة، ولا تحل له إلا بحقها، وحرمتها كحرمة دمائهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء: 29]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) [3].




ولهذا كان أمر الدَّين عظيمًا، فلا يستهن المدين بالدين ولو كان قليلًا، وإن كان صاحبه غنيًّا، وقد جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يُبين هذه العظمة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله، ماذا أنزل الله من التشديد في الدَّين، والذي نفسي بيده لو أن رجلًا قُتل في سبيل الله، ثم أُحيي، ثم قُتل ثم أحيي، ثم قتل وعليه دَين، ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينُه"[4]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين) [5].




فإذا كان هذا في حق الشهيد فكيف غيره؟ وقال عليه الصلاة والسلام: (نفس المؤمن معلَّقة بدَينه حتى يُقضى عنه) [6].




ثانيًا: أن يعلم المدين أن ذلك المال الذي استدانه أمانة في عنقه، يجب عليه أداؤها إلى أهلها، وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه من كتاب الاستقراض: باب أداء الديون: وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا... [النساء: 58] [7].




وإنما أدخل الدين في الأمانة لثبوت الأمر بأدائه؛ إذ المراد بالأمانة في الآية هو المراد بها في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وفسرت هناك بالأوامر والنواهي، فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق" [8].




وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة: 283]، "وقد أطلق هنا اسم الأمانة على الدَّين في الذمة وعلى الرهن لتعظيم ذلك الحق؛ لأن اسم الأمانات له مهابة في النفوس، فذلك تحذير من عدم الوفاء به؛ لأنه لما سمي أمانة فعدم أدائه ينعكس خيانة؛ لأنها ضدها"[9].




وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه، فقدم بزٌّ من الشام لفلان اليهودي، فقلت: لو بعثتَ إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه فقال: قد علمتُ ما يريد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبَ، قد علم أني مِن أتقاهم لله، وآدَاهم للأمانة"[10].




ثالثًا: أن يعلم المدين أن الدين همٌّ وغم وكدر من أكدار الحياة، وإذا كثُر وطال أمده وكان وراءه غرماء مطالبون، فقد يجر إلى عواقب لا تحمد عقباها، ولثقل الدين وشدته وغمِّه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه، فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، والجبن والبخل، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وغلبة الرجال) [11].




رابعًا: أن يعلم المدين أنه إذا استدان ومات ولم يؤد دينه، وكان قادرًا على أدائه، ولكنه لم يفعل؛ استهانةً بالدين، أو جحدًا أو تناسيًا له، أو ظنًّا أن الدائن غير محتاج إليه لغناه، فإن هذا المدين سيقضي الدائن يوم القيامة، ولكن بالحسنات والسيئات، فيعطي من حسناته للدائن، ويأخذ على ظهره من سيئات المقرض؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن مات وعليه دين فليس ثَمَّ دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات) [12].




أيها الأحباب الفضلاء، إن على مَن أراد أن يقترض من غيره أن يبحث عن قرض حلال، فالقرض الحرام لا يجوز، ومن صوره المعاصرة: الاقتراض من البنوك الربوية التي لا تقرض العميل حتى تربح من وراء إقراضها إياه، وهذا هو ربا الجاهلية، وكل قرض جر نفعًا فهو ربا، وكل ربا حرام، ومن صور القرض المحرم أيضًا: أن يَعِدَ المدينُ الدائن بمصلحة على القرض، أو أن يشترط عليه الدائن منفعة أو مصلحةً ما جزاء إقراضه إياه، فيوافق على ذلك؛ كأن يقول المدين: سلفني كذا وسأدفع لك من الزيادة على حقك كذا، أو يقول الدائن: سأقرضك بشرط أن تزيدني كذا، أو تعيرني كذا، أو تعمل لي كيت وكيت من المنافع، فهذا كله من المعاملة المحرمة في الدين، فلا يجوز للمسلم أخذ الدين بذلك.




عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أتيت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام رضي الله عنه فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا وتدخل في بيت، ثم قال: إنك بأرضٍ الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حِمل تبن أو حِمل شعير، أو حمل قتٍّ [13]، فلا تأخذه فإنه ربا" [14].




أيها المسلمون، من الآداب المهمة التي على المدين أن يلزمها: أن يسارع في قضاء دينه، وألا يماطل في ذلك، ولا يتذرع بذرائع يُسر الدائن وعدم حاجته لدينه، ولا يستغل حياءه وطيبته ورحمته به، حتى يؤخر عنه حقه، فإن فعل ذلك فقد ظلم مَن أقرَضه، ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَطلُ الغني ظلمٌ)؛ وعليه أن يعلم أن مماطلته وجحوده حقَّ الدائن سبب لحصول المصائب عليه، فإن استلف وهو ناوٍ القضاء متى أيسر، فإن الله يعينه على ذلك، ففي صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)، فمعنى (أدَّى الله عنه)؛ أي: يسر الله له ذلك بإعانته وتوسيع رزقه، ومعنى (أتلفه الله): أتلف أمواله في الدنيا بكثرة المحن والمغارم والمصائب، ومحق البركة [15].




بل إن قوله: (أدى الله عنه) يُمكن حمله على الآخرة أيضًا؛ فالمؤمن الذي اقترض وهو معترف بالحق لصاحبه وناوٍ قضاءَه، ولكنه مات قبل القدرة على ذلك ولم يسامحه صاحب الحق؛ فإن الله سيقضي عنه يوم القيامة، ومن كانت عنده نية صادقة في القضاء أعانه الله على ذلك، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُدَانُ، وَفِي نَفْسِهِ أَدَاؤُهُ إِلَّا كَانَ مَعَهُ مِنَ اللهِ عَوْنٌ) [16].




ومن الآداب أن على المدين أن يسلك طريق حسن القضاء، ومن حسن القضاء المسارعة إلى تسليم الحق، ومن حسن القضاء كذلك الزيادة غير المشترطة على الدين، وإنما هي فضل من المدين؛ فإن ذلك جائز؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سنٌّ من الإبل؛ يعني: فجاء يتقاضاه، فقال: (أعطوه)، فطلبوا سِنَّه فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها فقال: (أعطوه)، فقال: أوفيتني أوفَى الله بك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خياركم أحسنكم قضاءً) [17].




وعن عبدالله بن ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف منه حين غزا حنينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا قضاها إياه، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك في أهلك ومالك؛ إنما جزاء السلف الوفاء والحمد) [18].




وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: "كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني" [19]، وهذه نماذج مشرقة في حسن القضاء من نبينا عليه الصلاة والسلام.




ومن النماذج الوضَّاءة عن غيره: ما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أُشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأْتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلًا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبًا فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا فقلت: كفى بالله كفيلًا فرضي بك، وسألني شهيدًا فقلت: كفى بالله شهيدًا فرضي بك، وإني جهدتُ أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدِر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليَّ بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدًا).




ومن الآداب أيضًا: أن يخبر المدين ذويه بدينه، إذا لم يكن الدين معروفًا أو موثقًا، وخاصة إذا سافر المدين، أو بدت عليه علامات الموت كمرض، أو سلك مظان الموت كخوض حرب، ونحو ذلك.




عن جابر رضي الله عنه قال: (لما حضر أُحدٌ دعاني أبي من الليل، فقال: ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن علي دينًا فاقضِ واستوصِ بإخوتك خيرًا) [20].




وعن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لما وقف الزبير يوم الجمل، دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيَّ، إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم [21]، وإني لا أراني إلا سأُقتل اليوم مظلومًا، وإن من أكبر همي لَديني، أفترى دَيننا يبقي من مالنا شيئًا؟ فقال: يا بني، بع مالنا فاقضِ ديني..." [22].




ومن الآداب أيضًا: الاستعانة بالدعاء على قضاء الدين؛ فإن المدين إذا دعا الله تعالى بصدق وقوة تضرُّع - خصوصًا متى كثُرت ديونه، وعسر عليه قضاؤها - فإن ذلك من أعظم أسباب تيسير قضاء ديونه.


يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 140.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 138.84 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]