هل تفرح بالعيد وحدك؟! - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4938 - عددالزوار : 2027979 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4513 - عددالزوار : 1304683 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 121953 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          يكفي إهمالا يا أبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          فتنة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          حفظ اللسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التحذير من الغيبة والشائعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-05-2021, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي هل تفرح بالعيد وحدك؟!

هل تفرح بالعيد وحدك؟!



الشيخ : عبد الله بن محمد البصري







عناصر الخطبة

1/ شعور المسلمين بالفقراء في العيد 2/ بذل حق زكاة الفطر لأصحابها 3/ الزكاة وتفريج كربات المحتاجين 4/ الشح والبخل بإخراج الزكاة




اقتباس


إِنَّ في المُجتَمَعِ حَولَكُم أَعدَادًا غَيرَ قَلِيلَةٍ مِنَ المُحتَاجِينَ وَالعَاجِزِينَ، يَنتَظِرُونَ الخَيرَ في شَهرِ الخَيرِ، وَيَتَرَقَّبُونَ البِرَّ بهم في مَوسِمِ البِرِّ، وَإِنَّهُ وَإِن كَانَت زَكَاةُ الفِطرِ قَد شُرِعَت في خِتَامِ الشَّهرِ طُعمَةً لِلمَسَاكِينِ وَسَدًّا لِجُوعِهِم، وَكَفًّا لَهُم عَنِ السُّؤَالِ في يَومِ العِيدِ، وَصَونًا لِوُجُوهِهِم أَن تُبتَذَلَ في يَومِ العِزِّ والفَرَحِ، فَمَن ذَا الَّذِي يُتِمُّ فَرحَتَهُم فَيَكسُوَهُم وَيُلبِسَهُم الزِّينَةَ؟!

















أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّ التَّقوَى خَيرُ زَادِ المُؤمِنِ العَاقِلِ، وَهِيَ خَيرُ اللِّبَاسِ لِمَن تَذَكَّرَ: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولي الأَلبَابِ) [البقرة: 197]، (وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 26].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: يُطِلُّ عَلَينَا العِيدُ بَعدَ أَيَّامٍ قَلائِلَ، بَعدَ شَهرٍ حَافِلٍ بِالخَيرِ وَالبِرِّ وَالفَضَائِلِ، فَيَا فَوزَ مَن خَتَمَ اللهُ شَهرَهُ بِعِتقِ رَقَبَتَهُ، وَيَا سَعَادَةَ مَن أَصبَحَ يَومَ العِيدِ وَقَد حُطَّت خَطِيئَتُهُ، فَخَرَجَ إِلى المُصَلَّى نَقِيًّا طَاهِرًا، لَيسَ عَلَيهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ، قَد غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ عُيُوبَهُ، صَامَ شَهرَهُ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا، وَأَحيَا لَيلَهُ سُجُودًا وَاقتِرَابًا، تَلا كِتَابَ رَبِّهِ وَحَفِظَ وَقتَهُ، وَبَذَلَ خَيرَهُ وَكَفَّ شَرَّهُ، لم يُفَرِّطْ في طَاعَةٍ وَلم يُسَوِّفْ بِقُربَةٍ، وَلم يُعرِضْ عَن عَمَلِ بِرٍّ، وَلم يَتَقَاعَسْ عَن بَذلِ مَعرُوفٍ، فَكَأَنْ قَد نَالَ الجَائِزَةَ الكُبرَى، وَسَعِدَ بِالعَطِيَّةِ العُظمَى، وَفَرِحَ في يَومِ الفَرَحِ الأَكبرِ بِلِقَاءِ رَبِّهِ، وَلِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ: "إِذَا أَفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ"، (قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ) [يونس: 58].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَا مَن جَعَلتُم تَستَعِدُّونَ لِلفَرَحِ في العِيدِ، وَشَرَعتُم تُهَيِّئُونَ لَهُ اللِّبَاسَ الجَدِيدَ، وَبَدَأَت قُلُوبُكُم وَقُلُوبُ أَهلِيكُم تَخفِقُ سُرُورًا وَاستِبشَارًا: أَلا تَعلَمُونَ أَنَّ فِيمَن حَولَكُم قَومًا إِذَا اقتَرَبَ العِيدُ عَلَت وُجُوهَهُم مَسحَةُ حُزنٍ وَكَآبَةٍ، وَغَشِيَتهُم سَحَابَةُ ضِيقٍ وَكَرْبٍ، وَرَكِبَتهُم جِبَالٌ مِنَ الهَمِّ، وَاستَولَت عَلَيهِم جُيُوشُ الغَمِّ؟!

أَلا تَدرُونَ أَنَّ ثَمَّةَ آبَاءً فُقَرَاءَ وَأُمَّهَاتٍ مُملِقَاتٍ، يَفرَحُ النَّاسُ بِالعِيدِ وَلا يَفرَحُونَ، وَيَهنَأُ غَيرُهُم بِالجَدِيدِ وَلا يَهنَؤُونَ، لَهُم أَبنَاءٌ وَبُنَيَّاتٌ لا يَدرُونَ مَا الفَقرُ وَلا الغِنَى، وَلا يُدرِكُونَ مَا العَجزُ وَلا القُدرَةُ، وَلا يَشعُرُونَ مَا المُمكِنُ وَلا المُستَحِيلُ، يَرَى أَحَدُهُم أَقرَانَهُ وَأَخدَانَهُ مُبتَهِجِينَ بما لَبِسُوهُ وَاسَتَجَدُّوهُ، فَيُرِيدُ أَن يَعِيشَ كَمَا يَعِيشُ الآخَرُونَ، فَيَفزَعُ لأُمِّهِ وَأَبِيهِ رَاجِيًا، وَقَد يُصِرُّ عَلَيهِمَا بَاكِيًا شَاكِيًا، فَتَنقَلِبُ المَرأَةُ عَلَى زَوجِهَا بِاللَّومِ، وَتُلِحُّ عَلَيهِ أَن يَقُومَ فَيُصلِحَ شَأنَهَا وَشَأنَ أَبنَائِهَا وَبُنَيَّاتِهَا، فَلَم يَبقَ وَقتٌ لِلتَّرَدُّدِ وَالتَّلَبُّثِ، فَيتَلَفَّتُ الأَبُ المَكلُومُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَلا يَجِدُ في حِسَابٍ مَالاً، وَلا يَذكُرُ في مَصرِفٍ رَصِيدًا وَلا في صُندُوقٍ كَنزًا، فَيَضرِبُ كَفًّا عَلَى كَفٍّ، وَيَنطَلِقُ عَلَى وَجهِهِ، لِيَصِلَ دُيُونَ الأَمسِ الفَادِحَةَ بِدَينٍ آخَرَ مُثقِلٍ، أَو قَرضٍ غَيرِ حَسَنٍ، في حِينِ تَغُصُّ حِسَابَاتُ كَثِيرِينَ بِالمَلايِينِ، حَتَّى لا يَكَادُ أَحَدُهُم يُحصِي مَا في خَزَائِنِهِ وَلا يُدرِكُ لَهُ عَدًّا.

أَلا فَيَا مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِوَفرَةِ المَالِ وَسَعَةِ الغِنى: أَتَحسَبُونَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ فَضلٍ لَكُم أَو لِوَفرَةِ حَظٍّ أَو عُلُوِّ دَرَجَةٍ؟! (أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ) [الزخرف: 32].

أَلا فَاعلَمُوا أَنَّ مِن حُسنِ الإِسلامِ وَتَمَامِ الإِيمَانِ وَكَمَالِ الإِحسَانِ، أَن تَتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم فِيمَا آتَاكُم، وَأَن تَتَذَكَّرُوا الرُّجُوعَ إِلَيهِ إِذْ فَتَنَكُم بِالخَيرِ وَابتَلاكُم، وَأَن تَبذُلُوا لأَهلِ الحُقوُقِ في أَموَالِكُم مَا لَهُم، وَلا تَبخَسُوهُم شَيئًا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُم، فَـ"لَيسَ المُؤمِنُ الَّذِي يَشبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ"، وَ"المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا"، وَ"المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ"، وَ"السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ، أَو كَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ"، وَ"مَن لا يَرحَمِ النَّاسَ لا يَرحَمْهُ اللهُ".

وَإِذَا كُنتُم تُحِبُّونَ أَن تَرَوا أَبنَاءَكُم وَبُنَيَّاتِكُم في العِيدِ عَلَى أَحسَنِ حَالٍ مِنَ الجَمَالِ، وَتَبذُلُونَ الكَثِيرَ لإِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِم وَالبَهجَةِ، فَإِنَّ إِخوَانَكُم يُحِبُّونَ لأَبنَائِهِم وَبُنَيَّاتِهِم مَا تُحِبُّونَ، وَلَكِنَّكُم تَقدِرُونَ وَهُم عَاجِزُونَ، وَتَجِدُونَ وَهُم فَاقِدُونَ، وَتَتَصَرَّفُونَ وَهُم مُقَيَّدُونَ، أَفَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَيُنجِيَكُم مِنَ النَّارِ وَيُدخِلَكُمُ الجَنَّةَ؟! إِنَّهُ لا يَتِمُّ لَكُم ذَلِكَ وَلا يَكمُلُ إِيمَانُكُم حَتَّى تُحِبُّوا لإِخوَانِكُم مَا تُحِبُّونَهُ لأَنفُسِكُم، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ"، وَقَالَ: "مَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ".

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ في المُجتَمَعِ حَولَكُم أَعدَادًا غَيرَ قَلِيلَةٍ مِنَ المُحتَاجِينَ وَالعَاجِزِينَ، يَنتَظِرُونَ الخَيرَ في شَهرِ الخَيرِ، وَيَتَرَقَّبُونَ البِرَّ بهم في مَوسِمِ البِرِّ، وَإِنَّهُ وَإِن كَانَت زَكَاةُ الفِطرِ قَد شُرِعَت في خِتَامِ الشَّهرِ طُعمَةً لِلمَسَاكِينِ وَسَدًّا لِجُوعِهِم، وَكَفًّا لَهُم عَنِ السُّؤَالِ في يَومِ العِيدِ، وَصَونًا لِوُجُوهِهِم أَن تُبتَذَلَ في يَومِ العِزِّ والفَرَحِ؛ فَمَن ذَا الَّذِي يُتِمُّ فَرحَتَهُم فَيَكسُوَهُم وَيُلبِسَهُم الزِّينَةَ؟! مَن ذَا الَّذِي يَعِيشُ هَمَّهُم فَيُذِيقَهُم طَعمَ العِيدِ مَعَ إِخوَانِهِم؟!

إِنَّ في الزَّكَاةِ لَتَفرِيجًا لِكُرُبَاتِ كَثِيرِينَ وَقَضَاءً لِحَاجَاتِهِم، وَإِدخَالاً لِلسُّرُورِ عَلَيهِم وَإِسعَادًا لِقُلُوبِهِم، وَدَفعًا لَهُم وَلأَبنَائِهِم لِتَذَوُّقِ العَيشِ الكَرِيمِ وَلَو في أَيَّامٍ العِيدِ، ذَلِكُم أَنَّهَا لَيسَت مَورِدًا يَسِيرًا وَلا قَلِيلاً أَو ضَّئِيلاً، بَل هِيَ العُشرُ أَو نِصفُ العُشرِ أَو رُبعُ العُشرِ، فَضلاً عَن زَكَاةِ الفِطرِ الَّتي تَجِبُ عَلَى كُلِّ فَردٍ مِنَ المُسلِمِينَ، فَلَو أُضِيفَ كُلُّ ذَلِكَ إِلى الصَّدَقَاتِ بِأَنوَاعِهَا وَالنُّذُورِ وَالكَفَّارَاتِ وَالأَوقَافِ وَالهِبَاتِ وَالمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَاتِ، وَغَيرِهَا مِن حُقُوقِ المَالِ في الإِسلامِ، لَتَحَقَّقَ التَّكَافُلُ المَادِّيُّ بِأَجَلى صُوَرِهِ وَأَجمَلِهَا، وَلَمَا بَقِيَ فَقِيرٌ وَلا مِسكِينٌ وَلا مُحتَاجٌ.

وَإِنَّ المُتَابِعَ لِلحَرَكَةِ الاقتِصَادِيَّةِ لَيَرَى أَنَّ ثَمَّةَ بِحَارًا زَاخِرَةً مِنَ الأَغنِيَاءِ المُوسِرِينَ، وَجِبَالاً شَاهِقَةً مِنَ الأَثرِيَاءِ المُقتَدِرِينَ، لَو أَدَّوا مَا للهِ عَلَيهِم مِن حَقٍّ في المَالِ وَهِيَ الزَّكَاةُ خَاصَّةً، لَدَفَنُوا فَقرَ الفُقَرَاءِ وَأَزَالُوا بُؤسَهُم، فَأَينَ أُولَئِكَ المُمتَلِئُونَ؟!

أَلا يُعَجِّلُونَ بِالزَّكَاةِ طَاعَةً للهِ وَتَفرِيجًا عَن عِبَادِ اللهِ؟! أَلا يَغتَنِمُونَ مَا بَقِيَ مِن أَيَّامِ هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ لِيَجمَعُوا بَينَ شَرَفِ الزَّمَانِ وَفَضِيلَةِ تَفرِيجِ الكُرَبِ؟!

إِنَّ مَنعَ الزَّكَاةِ وَالشُّحَّ بها وَالتَّلَكُّؤَ في إِخرَاجِهَا وَالتَّحَايُلَ في ذَلِكَ، إِنَّهُ لَمُصِيبَةٌ وَأَيُّ مُصِيبَةٌ، يَكتَوِي بِنَارِهَا الفُقَرَاءُ في الدُّنيَا، ثُمَّ يَصلَى حَرَّهَا مَانِعُوهَا في الآخِرَةِ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، واغنَمُوا هَذِهِ العَشرَ المُبَارَكَةَ، وَاحذَرُوا الشُّحَّ وَأَنفِقُوا مِن الطَّيِّبَاتِ، وَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ، وَاعلَمُوا أَنَّ مَن أَبطَرَهُ الغِنَى أَذَلَّهُ الفَقرُ يَومًا مَا، وَأَنَّهُ لَيسَ لَكُم مِن أَموَالِكُم الَّتي تَجمَعُونَ إِلاَّ مَا أَكَلتُم فَأفَنَيتُم، أَو لَبِستُم فَأَبلَيتُم، أَو تَصَدَّقتُم فَأَمضِيتُم وَأَبقَيتُم، قَالَ رَبُّكُم -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: (وَلا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَبخَلُونَ بما آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُم بَل هُوَ شَرٌّ لَهُم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَومَ القِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَومَ يُحمَى عَلَيهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بها جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لأَنفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ) [التوبة: 34، 35].

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِن صَاحِبِ كَنزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلاَّ أُحمِيَ عَلَيهِ في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجعَلُ صَفَائِحَ، فَيُكوَى بها جَنبَاهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ في يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلى النَّارِ".

وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "أَيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِهِ؟!"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ. قَالَ: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ".

لَقَد صُمتُم وَصَلَّيتُم مُصَدِّقِينَ بِيَومِ الدِّينِ، مِن عَذَابِ رَبِّكُم مُشفِقِينَ، أَفَلا تُعتِقُونَ أَنفُسَكُم مِن مَعَرَّةِ الجَزَعِ وَعَارِ الهَلَعِ فَتُؤَدُّوا حَقَّ اللهِ في المَالِ وَتَتَّقُوا الشُّحَّ؟!

قَالَ سُبحَانَهُ: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا * إِلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَلى صَلاتِهِم دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ) [المعارج: 19-27].

وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "وَلا يَجتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ في قَلبِ عَبدٍ أَبَدًا"، وَقَالَ: "كُلِّ امرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقضَى بَينَ النَّاسِ".

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفي سَبِيلِ اللهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60].







الخطبة الثانية:




أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم، وَاخَتِمُوا شَهرَكُم بِخَيرِ أَعمَالِكُم، وَاعلَمُوا أَنَّ مَا يُرَى في عَالَمِ التُّجَّارِ وَحَيَاةِ أَربَابِ الأَموَالِ مِن تَحَاسُدٍ وَتَنَافُسٍ وَشَحنَاءَ وَأَثَرَةٍ، بَل إِنَّ مَا أَصَابَ النَّاسَ مِن غَلاءٍ في البَضَائِعِ وَارتِفَاعٍ في المَعَايِشِ، وَمَا بُلُوا بِهِ مِن نَزعٍ لِبَرَكَةِ المَالِ وَضَعفٍ في قِيمَةِ النَّقدِ، إِنَّ كَثِيرًا مِن ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لأَخذِ المَالِ مِن غَيرِ حِلِّهِ وَحَقِّهِ، ثُمَّ البُخلِ بِهِ وَإِمسَاكِ المَعرُوفِ عَن مُستَحَقِّهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: (وَمَا آتَيتُم مِن رِبًا لِيَربُوَ في أَموَالِ النَّاسِ فَلا يَربُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ) [الروم: 39]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: (يَمحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَيثُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلوٌ، فَمَن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفسٍ لم يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشبَعُ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى". وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يَا ابنَ آدَمَ: إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ، وَأَن تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ". وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم، وَحَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُم وَاستَحَلُّوا مَحَارِمَهُم".

وَإِنَّ في الأَزمَاتِ المَالِيَّةِ وَالانهِيَارَاتِ الاقتِصَادِيَّةِ الَّتي مَا زَالَت تَحصُلُ يَومًا بَعدَ يَومٍ، وَيُفلِسُ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَثرِيَاءِ، إِنَّ فِيهَا لَعِبرَةً لَنَا بِأَنْ لا نَغتَرَّ بِمَالٍ وَلا نَثِقَ بما في أَيدِينَا، فَكَم مِن تَاجِرٍ بَاتَ رَافِعًا رَأسَهُ شَامِخًا بِأَنفِهِ، مُعتَزًّا بِثَروَتِهِ، لا يَنظُرُ بِعَينِ التَّوَاضُعِ لِلكُبَرَاءِ فَضلاً عَنِ الفُقَرَاءِ، فَأَتَى اللهُ بُنيَانَ تِجَارَتِهِ مِنَ القَوَاعِدِ، فَخَرَّ سَقفُهَا وَتَهَاوَى عَرشُهَا، فَأَصبَحَ مَدِينًا بَعدَ أَن كَانَ دَائِنًا، وَعَاشَ الخَوفَ بَعدَ أَن كَانَ آمِنًا، وَسَارَ في الحَضِيضِ خَافِضًا رَأسَهُ مُتَطَامِنًا.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاستَدرِكُوا مَا فَاتَ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَأَكثِرُوا مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالهِبَاتِ، وَاحذَرُوُا أَن تَكُونُوا مِمَّن يَمنَعُونَ مَا للهِ عَلَيهِم في المَالِ مِنَ حَقٍّ، ثُمَّ يُطِيعُونَ الشَّيطَانَ فِيمَا يَأمُرُهُم بِهِ مِن تَبدِيدِهِ فِيمَا لا يُرضِيهِ سبحانه، مِن إِقَامَةِ حَفَلاتِ التَّفَاخُرِ وَوَلائِمِ التَّكَاثُرِ، أَو إِحرَاقِهِ في المُفَرقَعَاتِ وَالأَلعَابِ النَّارِيَّةِ، أَو المُبَالَغَةِ في شِرَاءِ المَلابِسِ وَالحُلِيِّ وَالحَلْوَيَاتِ، وَتَحَرَّوا أَصحَابَ الحَاجَاتِ مِمَّن مَنَعَهُمُ الحَيَاءُ عَنِ السُّؤَالِ، ممَِّن قَالَ فِيهِمُ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَيسَ المِسكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقمَةُ وَاللُّقمَتَانِ، وَالتَّمرَةُ وَالتَّمرَتَانِ، وَلَكِنَّ المِسكِينَ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغنِيهِ، وَلا يُفطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيهِ، وَلا يَقُومُ فَيَسأَلُ النَّاسَ".

اُطلُبُوا أُولَئِكَ وَدُلُّوا عَلَيهِم وَأَوصِلُوا الخَيرَ إِلَيهِم، فَـ"الدَّالُ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ"، وَقَد قَالَ أَجوَدُ النَّاسِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "ابغُوني ضُعَفَاءَكُم؛ فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم".

اللَّهُمَّ بَارِكْ لِكُلِّ مَن زَكَّى مَالَهُ، وَأَعطِ كُلَّ مُنفِقٍ خَلَفًا، اللَّهُمَّ أَخلِفْ لِكُلِّ منَ تَصَدَّقَ بخَيرٍ مِمَّا بَذَلَ، وَأَعظِمْ لَهُ الأَجرَ وَضَاعِفْ مَثُوبَتَهُ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 91.20 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]