|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الفعل المساعد في اللغة العربية أحمد محمد عبدالمنعم عطية مقدمة: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصَحْبه أجمعين، خير صلاة وأزكى سلام. وبعدُ: فتراثنا النحوي مَفخرة للعرب على مَرِّ العصور، وهو كَنز نفيس يدلُّ على أنَّ علماءَنا القُدامى كانوا يَملِكون النظرية الكاملة، تلك النظرية التي ما زالت في حاجة لاكتشاف؛ حتى نوفِّي لهم حقَّهم علينا. وطَبَعي أن يَظهر أثر اكتمال النظرية في المعالَجات الجزئيَّة، وقد انطلَق البحث من إحدى هذه الجزئيَّات، وحاوَلت أن أقرأَها من خلال تحاوُر النصوص مع بعضها بعضًا، مستفيدًا بما جاء به علم اللغة الحديث لتفسير بعض ما جاء في جزئيَّاتهم. وموضوع البحث هو "الفعل المساعد في اللغة العربية"، وهو موضوع غريب في كُنهه؛ إذ لَم يظهر هذا الفعل بشكلٍ مُطرد في بنايات الجملة العربية؛ مما يؤكِّد وجوده، ولكنني حاوَلت أن أتلمَّس أثر وجوده في التركيب البنائي للجملة في اللغة العربيَّة، من خلال نصوص علمائنا الأجِلاَّء. ويتضمَّن البحث ما يلي: 1- تفسير المبرِّد للجملة المنفيَّة. 2- كان الزائدة. 3- الفعل (الحدث والزمن). 4- الفاعل. 5- الدلالات الزمنيَّة لحروف نفي الفعل. 6- انتقال أثر الفعل المساعد لحروف نفي الفعل. 7- انتقال أثر الفعل المساعد للفعل الأصلي. 8- تحليل نص لابن هشام. هذا وقد حاوَلت الاجتهاد ما وَسعني، وحسبي المحاولة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. الفعل المساعد في اللغة العربية: تفسير المبرد للجملة المنفية: يقول المبرد في المقتضب: "وكذلك إذا قلت: لَم يَقُم زيد، ولَم ينطلق عبدالله، وسيقوم أخوك، فإن قال قائل: إنما رَفَعت زيدًا أوَّلاً؛ لأنه فاعل، فإذا قلت: لَم يقم، فقد نَفَيت الفعل عنه، فكيف رفعْتَه؟! قيل له: إنَّ النفي إنما يكون على جهة ما كان موجبًا، فإنما أعْلَمت السامع من الذي نَفَيت عنه أن يكون فاعلاً، فكذلك إذا قلت: لَم يَضرب عبدالله زيدًا، عُلِم بهذا اللفظ مَن ذكرنا أنه ليس بفاعل، ومَن ذكرنا أنه ليس بمفعول...، ولَم إنما عَمِلت في (يضرب)، ولَم تعمل في (زيد)، وإنما وجَب العمل بالفعل، فهذا كقولك: سيُضْرَب زيد، إذا أخْبَرت، وكاستفهام أضُرِب زيد؟ إنما اسْتَفْهَمت، فجِئْت بالآلة التي من شأْنها أن ترفع زيدًا، وإن لَم يكن وقَع منه فِعلٌ. ولكنَّك إنما سألتَ عنه: هل يكون فاعلاً؟ وأخبرتَ أنه سيكون فاعلاً"[1]. ويُمكن استعراض الجُمل الواردة في النص الذي بين أيدينا على نحو التالي: 1- لَم يقم زيد. 2- لَم يَضرب عبدالله زيدًا، عبدالله (ليس بفاعل)، وزيد (ليس بمفعول). 3- سيُضْرَب زيد، سيكون (زيد) فاعلاً. 4- أَضرب زيد؟ هل يكون فاعلاً؟ ومن الملاحظ أنَّ الجملتين الثالثة والرابعة تُفسران الجملة الثانية، وقد الْتَزَم المبرِّد نمطًا واحدًا في التفسير البنائي للجملتين الثانية والثالثة، مع اعتبار اتِّفاق المحتوى الدَّلالي؛ إذ اعتمَد في كلتيهما على فعل "الكون" والصيغة اسم الفاعل، ويُمكن إعادة صياغة هذا النمط على النحو التالي: 3- "سيُضرَب زيد" لها بِنية عميقة هي: أداة + (صيغة + زمن) + اسم (حي). الجملة المفسِّرة لها: "سيكون زيد فاعلاً (ضاربًا)" لها بنية عميقة هي: أداة + فِعل مساعد (فعل الكون) + اسم (حي) + (صيغة + زمن)، ويُمكن رَدُّ الجملتين إلى جملة نواة واحدة، باعتبار اتِّفاق المحتوى الدَّلالي في إطار ما أتى به المبرِّد، على النحو التالي: فعل مساعد (فعل الكون) + (صيغة + زمن) + اسم. 4- "أَضرب زيد؟"، لها بنية عميقة هي: أداة + (صيغة + زمن) + اسم (حي). الجملة المفسِّرة لها: "هل يكون زيد فاعلاً (ضاربًا)؟ "، لها بنية عميقة هي: أداة + فعل مساعد + اسم (حي) + (صيغة + زمن)، ويُمكن رَدُّ الجملتين إلى جملة نواة واحدة، باعتبار اتِّفاق المحتوى الدلالي في إطار ما أتى به المبرِّد، على النحو التالي: فعل مساعد (فعل الكون) + (صيغة + زمن)+ اسم. وإذا كانت الجملتان السابقتان - سيضرب زيد، أَضرب زيد؟ - مفسِّرتين لتركيب الجملة: "لَم يضرب عبدالله زيدًا"، ومع مراعاة الإشكال الذي طرَحه المبرِّد حول نفي الفعل ووجود الفاعل، فيمكن طَرْح الفعل المساعد - "كان أو ما يقوم مقامه"، فيقع النفي عليه - على حَدَث مصدر (الكون)، وعلى جهة الزمن باعتبارها المسؤول الأوَّل عن تحديد الجهة الزمنيَّة للجملة، فمثلاً: (فعل) الجهة الزمنيَّة لها هي الماضي المُطلق، أمَّا (كان: فعل)، فالجهة الزمنيَّة لها هي الماضي البعيد بالنسبة لزمن حدث يقع معه في السياق، وهذا على نحو مما ذَكَره الدكتور مالك المطلبي[2]، ويبقى الفاعل فاعلاً للفعل الأصلي للجملة؛ لأنه يقوم به أو يتَّصف به في المطلق. ومما سبَق يُمكن قراءة النص التالي للمبرِّد في المقتضب أيضًا: "وإنما قيل لها: مضارعة؛ لأنها تَقع مواقع الأسماء في المعنى، تقول: زيد يقوم، وزيد قائم، فيكون المعنى فيها واحدًا؛ كما قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ [النحل: 124]؛ أي: لحاكم"[3]. فـ(زيد يقوم) يُمكن أن تُفَسَّر في ضوء النص الأوَّل للمبرِّد بـ(زيد يكون قائمًا)، هذا وقد ساوَى المبرِّد في نصِّه الثاني بينها وبين (زيد قائم) من جهة المعنى - باعتبار اتِّفاق المحتوى الدلالي - ومِن ثَمَّ فـ(زيد قائم) هي هي: (زيد يكون قائمًا)، ومن ثَمَّ فالفعل المساعد له أثرٌ كذلك في بعض بنايات الجملة الاسميَّة. ومن الملاحظ وقوعُ النفي والاستفهام على الحدث والجهة الزمنيَّة لفِعل الكينونة، لا على الفعل الأصلي الذي يَحتفظ بمُطلق الزمن والحدث الذي يقوم أو يتَّصف به الفاعل - مع استصحاب النظرة التاريخيَّة لملازمة النفي لمجموعة من الأفعال المساعدة، نحو: "ما زال، ما فَتِئ، ما بَرِح، ما دام"، وهو نفس النَّمط الذي ارتَضَتْه اللغة الإنجليزية؛ إذ لا يقع النفي أو الاستفهام إلاَّ على الفعل المساعد، وهو ما يُفَسِّر إشكاليَّة نفي الفعل، وفي الوقت ذاته وجود حالة الفاعليَّة. ويقول الرَّضي في شرحه للكافية: "(ما وُضِع لتقرير الفاعل على صفة)، كان ينبغي أن يُقيِّد الصفة، فيقول: على صفة غير مصدره، فإن "زيد" في ضرَب زيد أيضًا متَّصِف بصفة الضرب، وكذا جميع الأفعال التامَّة، وأمَّا الناقصة فهي لتقرير فاعلها على صفة متَّصفة بمصادر الناقصة، فمعنى: كان زيد قائمًا: أنَّ زيدًا متَّصف بصفة القيام المتَّصف بصفة الكون؛ أي: الحصول والوجود، ومعنى صار زيد غنيًّا: أنَّ زيدًا متَّصِف بصفة الغنى المتَّصف بصفة الصيرورة؛ أي: الحصول بعد أن لَم يَحصُل"[4]. ويتكامل هذا النص للرضي مع نصِّ المبرِّد الأوَّل؛ إذ يقع النفي - بجانب وقوعه على الجهة الزمنيَّة - على صفة المصدر في فِعْل الكون، أو ما قام مقامه. ومما سبَق فقد انتظَم الفعل المساعد في الجملة الفعلية؛ سواء في البنيتين العميقة والسطحيَّة معًا، أو البنية العميقة دون السطحيَّة، كما انتظَم في بعض بنايات الجملة الاسميَّة، كذلك فما سبَق - إن ثبتَت صِحَّتُه - يَجعلنا نطرح سؤالاً: هل كان في اللغة العربية في طَوْر من أطوارها ذلك الفعل المساعد، ثم قَلَّ استخدامه بشكلٍ كبير، واحتَفظ بوجوده في البنية العميقة، دون أن يظهر في البنية السطحيَّة للجملة؟ إذ ربما: 1 - لَم يَقبله الذوق العام للمتكلمين، وإن بَقِيت منه صِيَغٌ وصَلت إلينا تمثَّلت في: (أخَذ يفعل، ما زال يفعل، كاد يفعل) على سبيل المثال. 2 - أو ذلك الحذف كان من باب الاستغناء؛ يقول سيبويه: "اعْلَم أنَّ العرب قد تستغني بالشيء عن الشيء؛ حتى يَصير المستغنى عنه مُسقطًا من كلامهم البتَّة"[5]. فرُبَّما استَغنت العرب في بعض استعمالاتها السياقيَّة للجمل عن هذا الفعل المساعد، وأقامَت الفعل الأصلي مقامه، وقد يُفَسِّر لنا هذا ظهور هذه الأفعال المساعدة في بعض السياقات الأخرى كما سيأتي. ويُمكن إجراءُ مجموعة من العمليَّات التحويليَّة على البِنَى العميقة السابقة؛ حتى يَتبيَّن لنا نموذج من الاستعمال الفعلي للغة العربيَّة للفعل المساعد الذي احتفَظَت به في بعض الأنماط السياقيَّة ورفَضَته "في البنية السطحية" في أنماط أخرى، ويَظهر هذا فيما يلي: 3- سيكون (زيد) فاعلاً (ضاربًا)، يكاد يضرب زيدٌ عبدالله؛ إذ تُمثِّل كاد - إضافةً على انتسابها للعائلة "كان" - المقابل المستقبلي "لكان"، وفي الوقت نفسه تقوم بدور المقاربة من ناحية الجهة الزمنيَّة التي تَقترب من دَلالات التسويف في سين الاستقبال؛ فالمركب "يكاد يفعل" يدلُّ على أنَّ الحدَث يُقارب الوقوع في الحاضر، والمركب "سيفعل" يدل على المستقبل القريب - على حدِّ ما يَذكر الدكتور مالك المطلبي في كتابه "الزمن واللغة" - وكلاهما يَشترك في اقتراب وقوع الحدث، كما يمثِّل الفعل يضرب "مضارعة" لاسم الفاعل. 4- هل يكون فاعلاً (ضاربًا)؟ أكان ضرب زيد؟ وصيغة "كان فعل" في السياق القرآني، نحو: ﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ [الأنعام: 35]. وقد آثَرتُ هذه الجملة لمناسبتها "أضرب زيد؟ الجملة التي اعتمَدها المبرِّد في تفسيره" بشكلٍ أكبرَ. وعلى نفس المنهج يُمكن رَدُّ الجملة الثانية لنفس صياغة الجملتين الثالثة والرابعة، فتكون على النحو التالي: 1- لَم يضرب عبدالله زيدًا، لَم يكن ضرَب عبدالله زيدًا؛ إذ استبدَل الفعل "ليس" في (ليس بفاعلٍ وليس بمفعول) بفِعل العائلة اللغويَّة "كان". ويُمكن استعراض الجمل التي سارَت على النمط: (فعل "كان"، والصيغة اسم الفاعل)، والتي ارتضاها المبرِّد وسيبويه في تفسيرهما على النحو التالي: 2- لَم يكن ضرَب عبدالله زيدًا = أداة النفي + الفعل المساعد (فعل الكون) + فعل (صيغة + زمن) + اسم (حي) + اسم (حي). 3- يكاد يضرب زيد عبدالله = الفعل المساعد + فعل (صيغة + زمن) + اسم (حي) + اسم (حي). 4- أكان ضرب زيد؟ = أداة استفهام + الفعل المساعد + فعل (صيغة + زمن) + اسم (حي). ومما سبَق يُمكن استخراج بنية عميقة "نواة" تُمثِّل نَمَطَ الجمل الثلاث السابقة، وهي: (الفعل المساعد + (صيغة + زمن) + اسم). ويبقى الآن الإجابة عن مجموعة من علامات الاستفهام التي تساعد على اكتمال صورة البحث، وهي: 1 - هل "لَم يضرب عبدالله زيدًا " لها نفس المحتوى الدلالي لـ(لَم يكن ضرب عبدالله زيدًا؟). 2 - هل "سيضرب زيد" لها نفس المحتوى الدلالي "لـ(يكاد يضرب زيد؟)". 3 - هل "أضرب زيد" لها نفس المحتوى الدلالي "لـ(أكان ضرب زيد؟)". وتفسير هذا كما يلي: 1 - أما عن الفعل "كان"، فقد فسَّرنا عِلَّة وجوده فيما سبَق؛ سواء بناءً على تفسير المبرد، أو إسقاط النفي على الجهة الزمنيَّة في فِعْل الكينونة، ومن استعمالات القرآن للصيغة: (لَم يكن فعل): ﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ﴾ [إبراهيم: 44]. 2 - أما عن كاد، فهي من أخوات "كان" - على حدِّ ما ذكر الأستاذ عباس حسن، وتصنيف الدكتور تمام حسان - وهي تتَّفق مع سين التسويف في تحديد جهة الفعل بجانب ما نَقَلته عن الدكتور مالك المطلبي، هذا وباستصحاب تفسير المبرِّد له بفعل الكون، يكون تسويغ استخدام "كاد"، وعلى حدِّ اتفاق تحديد الجهة، يكون تسويغ استخدام "كاد"، وإن كنتُ لا أُنكر تنوُّع المعنى في استخدام "كاد" عن معنى سين التسويف، إلاَّ أنه تنوُّعٌ لا يؤدِّي إلى المخالفة، هذا وقد نحَّيْتُ استخدام "سيكون يضرب"؛ لعدم قَبول الذوق لها، وإن كانتْ هذه الصيغة تتَّفق وتفسير المبرِّد للجملة الأصليَّة بفِعْل الكون؛ كما ذكرتُ سابقًا. 3 - الْتَزَمت في هذه الجملة بإضافة فِعل الكون للجملة الأصليَّة؛ بناءً على تفسير المبرد. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |