|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحياة في ظل معرفة الله جل جلاله عبدالله بن عبده نعمان العواضي الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدّر فهدى، أحمده على نعم تترى، وآلاء لا أدرك لها حصرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله واحد، ورب شاهد، ونحن له مسلمون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته المهتدين، وسلم تسليماً، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].. ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الناس، اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن لكل بناء أركانًا يعتمد عليها، وأعمدة ينطلق سمُّوه منها، وقاعدة راسخة يقوم بقاؤه على رسوخها. وإن مما لا شك فيه لدى العقلاء: أن النجاة من الأضرار العاجلة والآجلة مطلب من أعظم مطالب الحياة، وهذا المطلب لا يناله الإنسان إلا إذا قام بناؤه على أركان أربعة: صلاح شأن الإنسان مع الله تعالى، وصلاح شأنه مع كتابه الذي أنزله على رسوله، وصلاح شأنه مع رسوله الذي بعث إليه، وصلاح شأنه مع الدين الذي جاء به ذلك الرسول. ونحن أمةَ محمد -عليه الصلاة والسلام- كذلك؛ فإن نجاتنا قائمة على صلاح حياتنا مع الله تعالى ربنا، ومع القرآن الكريم كتابنا، ومع محمد -عليه الصلاة والسلام- نبينا، ومع الإسلام ديننا. فهذه معاقد النجاة، وأعمدة صلاح الحياة في الدنيا والآخرة. وهذه الأصول الأربعة هي التي يجد فيها الناس البعيدون عنها الأجوبةَ الشافية عن الأسئلة الكبرى التي أوصلت بعضهم إلى الشك والحيرة، هذه الأسئلة هي: من أين جئنا؟، ولماذا جئنا؟، وإلى أين نصير؟. إن هذه الأصول الأربعة من فهمها الفهم الصحيح، وعمل بما تدعو إليه في الباطن والظاهر فإنه يظفر بسعادته ونجاته، في عاجل أمره وآجله. وهي أصول يدل بعضها على بعض، ويكمل بعضها بعضًا في تحقيق النجاة؛ إذا لا تتم النجاة إلا بها جميعًا. فالله تعالى ربنا، والقرآن كلامه، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسوله، والإسلام الذي جاء به هو دينه الذي شرعه، والقرآن يدعو إلى عبادة الله وحده، وإلى اتباع رسوله، والأخذ بالإسلام، ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام جاء بالإسلام من عند ربه، ونزل القرآن عليه من أجل الدعوة إلى توحيد الله تعالى، والإسلام معناه: الانقياد التام لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله عليه الصلاة والسلام. وبعون الله تعالى سنتحدث عن هذه الأصول الأربعة في أربع خطب متتالية، نتحدث عن هذه الأصول، وعن الحياة الصحيحة معها، وعن المطلوب منا -نحن المسلمين- نحوها. ونبتدأ اليوم - بتوفيق الله تعالى - بالحديث عن الحياة مع الله جل جلاله. أيها المسلمون، إن البشر إذا تحدثوا عن البشر ممن يحبون أو يجلِّون قادتهم الرغبةُ أو الرهبة، أو شغف المصلحة، أو إفراط المحبة إلى المبالغة في المدح والوصف، وساقوا من الذكر والثناء ما يفوق ما يستحقه ذلك الممدوح، فصار ذلك الثناء في حقيقته ذمًا؛ لأنه كشف عن نقص الإنسان، وافتقاره من تلك الصفات؛ لأن الإنسان ملازم للنقص مهما طلب الكمال، ولا يفارقه العيب مهما تنزه عن معيب الأفعال والأقوال. أما حديث الإنسان عن الخالق تبارك وتعالى حديثَ المدح والثناء فإنه يبقى حديثًا قاصراً عن إدراك كمال صفات الله، ونعوت جلاله، وجميل فعاله، وآيات جماله؛ وسبب ذلك: أن الله تعالى له الكمال المطلق في ذاته، وجميع صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى. وإنّ مديحَ الناسِ حقٌ وباطلٌ ![]() وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيسَ فيهِ كِذابُ[2] ![]() فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ![]() وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ ![]() وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ![]() وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ ![]() إذا نِلْتُ مِنكَ الوُدّ فالكلُّ هَيّنٌ ![]() وَكُلُّ الذي فَوْقَ التّرَابِ تُرَابُ[3] ![]() فمهما أثنينا على الله تعالى ووصفناه، وذكرنا كماله ومدحناه؛ فإن حديثنا عن ذلك كقطرة من بحر، أو ذرة في رمل، أو نقطة في صحراء مترامية الأطراف. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]. لو كلُّ شيء في الوجود تكلّما ![]() بجميعِ ألوانِ الثناء وأنعما ![]() وأتى بأفنانِ البلاغة كلِّها ![]() مدحًا لمن برأَ الوجودَ وأحكما ![]() لم يبلغِ المعشارَ من أوصافه ![]() مهما أجادَ من الكلام ونمنما ![]() وفي الحديث القدسي: " يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"[4]. عباد الله، إن الحديث بالثناء الصادق على الله تعالى حديث يستنهض الأرواح لتسبح في آفاق الاشتياق إلى ربها، وتسارع إلى فعل ما يرضيه في فرصة حياتها، وتسترخص كل عناء في سبيل الوصول إليه، ونيل ما لديه لمن قام بما عليه، من فعل أوامره، واجتناب زواجره، وهو حديث يستحثها أيضًا لتنفض عنها غبار الغفلة، وتَرمَّ معارج المحبة، وتنير طريقها بعد أن خفتت بعض مصابيحها، وتثير خفيات الأشواق لتجدد العهد مع الخلاّق. ماذا أقول وما يفوه لساني ![]() وتخطه في المادحين بناني ![]() ماذا أقول عن الذي أوصافه ![]() جلّت عن الإحصاء كل أوان ![]() اللهُ أجمل أحرفٍ رددتها ![]() وأجلُّ لفظ في فمي وجَناني ![]() الله أحلى كِلْمةٍ وصلتْ إلى ![]() سمعي وأعذبُ ما جرى ببياني ![]() أيها الأحباب الفضلاء، الله جل جلاله له غاية الكمال ونهايته، فهو ذو الكمال المطلق في ذاته وصفاته، وأفعاله ومقدوراته، ليس به نقص ولا عيب، ولا شين ولا ريب، سبحانه الذي تنزه عن نقصان الخلال، وتفرد بغاية الكمال، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى:11]. وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة:255]. والله عز وجل هو ذو الجلال والعظمة، فلا عظيم أعظم من الله، ولا يستحق أحد أن يعظّم كما يعظم الله تعالى، ولما كان ربنا تعالى عظيمًا عظمة مطلقة وجب على العباد تعظيمه وتوقيره في القلوب باستشعار الهيبة والقدرة، وفي الجوارح بتعظيم حرماته، والوقوف عند حدوده وتشريعاته. فمن كان الله تعالى عظيمًا في قلبه هاب أن يخالفه، ومن كان الله تعالى عظيمًا في جوارحه ساقها إلى مرضاته، وأمسكها عن امتطاء محظوراته، قال بعض الصالحين: "لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه"[5]. والله سبحانه وتعالى ذو القدرة التامة، والقوة الكاملة، فلا ضعفَ ولا عجز يعتري قوة الله تعالى وقدرته. قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر:44]. سبحانه ربنا العظيم، قدَرَ فخلق، وقدر فرزق، وقدر فعلم سرَّ عباده ونجواهم، ومحياهم ومماتهم، ومنقلبهم ومثواهم، وبعثهم من كل مكان تفرقت فيه أجسادهم. ﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة:148]. فما قدرة القادرين أمام قدرة رب العالمين، وما قوة الأقوياء إزاء قوة القوي المتين!. فأي مخلوق ظلم بقدرته فليتذكر أن الله أقدر على محاسبته، ومن غلب بقوته فليعلم أن الله أقوى على معاقبته، واسترداد الحق منه. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |