من مهام " مهنة وضيعة " - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1146 - عددالزوار : 130101 )           »          الصلاة مع المنفرد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أصول العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم من أي اعتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3097 - عددالزوار : 370055 )           »          وليس من الضروري كذلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          محرومون من خيرات الحرمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 19-10-2020, 01:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,819
الدولة : Egypt
افتراضي من مهام " مهنة وضيعة "

من مهام " مهنة وضيعة "


عابدة المؤيد العظم









لقد نبَّهتني الإهانة التي تلقيتها من صديقاتي - عندما حقَّرن مهنة الأمومة - إلى شيء مُهمٍّ لم أتنبَّه إليه قبلاً؛ هو فهم الناس الخاطئ لعملية التربية، وعدم تقديرهم أبعادها الحقيقية، وغفلتهم عن أثر التربية في تغيير الأفراد، وتبديل المُجتَمَعات، وهذا الأمر حفَّزني على تبيان الوظيفة الأصلية للتربية في مجتمعاتنا.



وإن الناس يرون التربية "مِهنةً وضيعة"؛ لأنهم جعلوها كذلك! فهي ليست في مفهوم مُعظَمهم أكثر من عمل الخادمات؛ لأنها توفير للطعام واللباس والمأوى، وحماية من الأخطار، فإن زاد المربِّي على ذلك قليلاً فلقَّن ولده الصلاة والصيام، تلقينًا لا تفهيمًا، أو اهتمَّ بتدريس ولده مساهمًا في رفع درجاته المدرسية لا بتحصيله العلم النافع، كان - بذلك - مربيًا ناجحًا وأبًا متميزًا!



للتربية - إذًا - عند العامة معنى محصور محدَّد، هو رعاية الوالدَين لأبنائهما حتى يتمكَّنوا من الاعتماد على أنفسهم، وهذا ما يُمارسه كل الآباء والأمهات بدافع العاطفة والفِطرة، وإن كانوا يفعلونه بكفاءات مُتفاوتة، ويُخطئ مَن يظنُّ التربية الحقيقية كذلك؛ أي مَنحًا للعطف والحنان والطعام واللباس، ورفعًا للدرجات المدرسية، نعم، هذه بعض من جوانب التربية، ولكن يَبقى لها جوانب أخرى أعظم أهمية وأشدُّ نفعًا، غير أنها - على أهميتها - يُهملها الأكثرون؛ فالتربية تشمَل نواحي عدة؛ منها: الدينية، والاجتماعية، والخلُقية، والعقلية، والجِسمية، والنفسيَّة... فما هي التربية؟



للتربية تعاريف عديدة، أذكر منها واحدًا موجزًا: "هي فنٌّ وعلمٌ معًا يقودان الناشئ بمُساعدة العلوم وتأثير الأسوة الحسَنة والقدوة الصالحة إلى حالة يَقدِر بها على بلوغ غايات الإنسان الثلاث؛ أي: غايته الدينية، وغايته الاجتماعية، وغايته الوطنية"[1].



والتربية - بهذا المفهوم - مهمَّة مُعقَّدة صعبة، وعملية شاملة متكاملة، هدفها تقويم وتوجيه الجيل الجديد، وإيجاد الإنسان المؤمن العابد المُجاهِد الخلوق الواعي المتفهِّم القادر على العطاء والإبداع...، و"التربية" غير محدَّدة بزمان؛ فهي تبدأ بالحمل، وتظلُّ مُستمرةً حتى الموت! وللوالدَين في كل مرحلة دور مُهمٌّ، لكن الدور الأساسي والرئيس والأهم هو في السنوات الأولى؛ لأنها هي التي تحدِّد مبادئ وأفكار وأخلاق وسلوك ودِين الأطفال، وكلما كبِر الأولاد يتقلَّص دور الوالدَين، ويقلُّ تأثيرهما، وتتزايد مسؤولية الولد عن نفسه.



وبعد البلوغ تستطيع الأم أن تَكتفي بالتوجيه والمُراقبة، وتخرُج إلى العمل دون قلق أو خوف على دِين وأخلاق أولادها؛ فالتربية تقتصِر في مرحلة المُراهَقة على التذكير والمتابعة، ولا يبقى للوالدَين بعد زواج أولادهما إلا النُّصح والإرشاد، والرضا والدعاء، ومِن هنا تظهَر أهمية مهنتي وعِظَم دورها وعمق تأثيرها؛ فالتربية لا تتوقف ولا تنتهي أبدًا من ناحية، وهي تصنَع الإنسان من ناحية أخرى.



من أجل ذلك تَستوجِب "التربية" الإسلامية الصحيحة (والمَطلوبة من كل أبٍ وأمٍّ) التفرُّغ والاهتمام؛ لأن مُهمَّات المِهنة كثيرة، وواجباتها ثقيلة؛ فهي مبادئ تُلقَّن، وعقيدة تُرسَّخ، وأخلاق تُعلم، وسلوك يُصوَّب، وآداب تُهذَّب، ومهارات تُنمَّى... ولا يَخفى علينا ما يَحتاجه تلقين هذه المبادئ والمفاهيم والأخلاق من وقت وجهد من جانب الوالدَين، وأخصُّ الأم؛ لأن التربية أصبحت مسؤوليتها وحدها.



وقد أفاض كثيرون في التحدُّث عن واجبات المربِّي، وإليكم بعضًا مما ذكره الإمام ابن القيم في هذا الباب: "ومما يَحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلُقِه؛ فإنه ينشأ كما عوَّده المربِّي في صِغَره من غضب ولَجاج وعجَلة وخفَّة مع هواه، وطيش وحدَّة وجشَع، فيَصعُب عليه في كِبَره تَلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسِخة له...؛ ولهذا تجد أكثر الناس مُنحرفة أخلاقهم؛ وذلك مِن قِبَل التربية التي نشأ عليها"، وقال: "ويُعوِّده البذل والإعطاء، ويُجنِّبه الكسل والبطالة والدعة والراحة، ويُجنِّبه فضول الطعام والكلام والمنام، ومما يَنبغي أن يعتمد: حالُ الصبي وما هو مُستعِدٌّ له من الأعمال ومهيَّأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يَحمله على غيره، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه".



هذا النص - وغيره كثير - يدلُّ على أن مُهمات الأم متنوعة وعميقة وجسيمة، فهي مع كونها خادمة للطفل تُلبِّي طلباته وتقضي حاجاته (وهو الذي تُتقِنه كل الأمهات) - هي أيضًا داعية تُبعِدُه عن النار، وتهديه إلى طريق الجنة، وهي معلمة تُدرِّسه العلوم والآداب، وتُعلِّمه فضائل الأخلاق، وهي فنانة تشجعه على الإبداع، وهي شرطي يُحارب الآثام، وهي مُمرِّضة تُخفِّف الآلام، وتمسح الأحزان، وهي طبيبة نفسية تغُوص في أعماقه فتحيي الخير وتُميت الشر، وهذا بعض ما قيل عن واجباتها تلك:

"إن المربِّي الممتاز هو الذي يستطيع أن ينمِّي القابليات والمواهب الفطرية التي يَملكها الطفل بالأساليب التربوية الصالحة من جانب، ومن جانب آخر يعمل على دحر الصفات الوراثية الشرِّيرة والاتجاهات التي لا تلائم السلوك الصحيح"[2].



ولأجل أن يتَّضح مدى أثر التربية وأهميتها بالنسبة إلى الوصول إلى الكمال الإنساني اللائق به:

يقول الإمام الغزالي: "الصبي أمانة عند والدَيه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقْش وصورة، وهو قابل لكل ما نُقش، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه، وسعِد في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم، شقيَ وهلك"[3]، فالإهمال وترك التربية يقودان الأولاد إلى الشر لا محالة.



وقيل: "إن الإنسان لا يَصِل إلى الكمال اللائق به بدون التعليم والتربية، ولا يتمكَّن أن يسير بدونهما في الطريق الذي يَنبغي أن يسير فيه... لقد كان الأساس الأول هو أن يتنبَّه المربي القدير إلى جميع الاستعدادات الكامنة في الطفل، ويعمَلَ على تنميتها، مع مراعاة الموازنة بين ميوله والتوفيق بينها، وإخراجها إلى حيز الفاعلية، وهذا يتفرَّع على معرفة الإنسان ومواهبه وملكاته الكامنة والبارزة، وبعبارة أوضح: فإن التربية الصحيحة هي التي تكون مُطابقة للفِطرة الواقعية للإنسان، ولا يوفَّق المربي إلى ذلك إلا عندما يدرك جميع الميول والغرائز الطبيعية في الإنسان أولاً، والعمل على تنمية تلك الميول وإرضائها في مقام التربية ثانيًا"[4].



والتربية في مجملها معادلة صعبة تحتاج إلى موازَنة دقيقة؛ حتى لا يَطغى فيها جانب على جانب، والتربية تعديل كلي في حياة الطفل، في مواقف مُتتابعة؛ ولذلك فهي تحتاج إلى دراسة وتخطيط ومُراقَبة، ثم تنفيذ ومتابعة، وإلى ابتكار أساليب مُتنوِّعة وطرق مُتجدِّدة؛ حتى تُثمر وتنجح في الوصول إلى غايتِها وأهدافها.



وهذه بعض الاقتراحات المُفيدة: "يَستطيع الآباء والأمهات أن يستحثُّوا نموَّ أطفالهم على الوجه الأكمل من خلال طرق رئيسية ثلاثة:

1- إدراك الحاجة الأساسية للطفل.

2- تشجيع سلوك الطفل.

3- تمثيل نماذج السلوك الصحيح"[5].



فالتربية أمانة ثقيلة، ومهمَّة صعبة، وقضية عسيرة، تحتاج إلى التروِّي والتفكير والتفرُّغ، وإلى العمل الدؤوب المنظَّم.

♦ ♦ ♦ ♦




وبعد، فهذه بعض مسؤوليات الأم، وبعض مهمَّات "التربية" - أي: "المهنة الوضيعة" باختصار، فهل عرفتم - أيها الناس - شيئًا عن حقيقة مهنتي؟ وهل أدركتم أبعادها ومدى تأثيرها في الجيل القادم كله؟



فأنا لا أستطيع أن أشرح طبيعة مهنتي، ومدى تأثيري في صناعة الإنسان؛ لأنه شيء يبدو أثره جليًّا، ويَصعُب شرحه نظريًّا، ولكني حاولت أن أذكِّرَ الناس بأهمية التربية، وصعوبات هذه المِهنة.



وإنها لأعظم المِهَن وأسماها، لو قدرها الناس قدرها، وإنها لأقدرها على إصلاح المجتمع لو أعطتها الأمهاتُ حقها، فلنتفرَّغ ولنهتمَّ بتربية وتوجيه أولادِنا، واللهُ معَنا.





[1] محمود مهدي الإستانبولي: كيف نربي أطفالنا؟ (ص: 11).




[2] الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب: فاضل الحسيني الميلاني (ص: 143).




[3] محمد نور سويد: منهج التربية النبوية للطفل، (ص: 25).




[4] الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب فاضل الحسيني الميلاني (ص: 160).




[5] الموسوعة العربية العالمية (15: 595).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.72 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]