جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 544 - عددالزوار : 132777 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2794 )           »          مالٌ لا يغرق! (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 43476 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 37045 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 71454 )           »          فأنا أقسم عليك لما سقيتهم(قصة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حديث: رب أشعث مدفوع بالأبواب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          لا هادي إلا الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كل أحاديث يوم عاشوراء من صحيح الجامع.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-10-2020, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (1)
د. أيمن محمود مهدي








أدرك الصحابةُ الكرام رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرةَ بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.







والناظر في كُتُبِ العِلم يدرك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقها أن يحفظوا سُنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقُلُوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهودُ حفظَ السنة في الصدور، وفَهمها بالعقول، وتدوينَها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة.







وسأذكر أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجُهدُ الذي بذلوه من أجل خدمة السنة، والطَّريقة التي اتبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.







أولًا: الحرص على حضور مجالس النبيصلى الله عليه وسلم، مع الإنصات التام وحسن الاستيعاب:



لم يكن الصحابةُ رضوان الله عليهم متفرِّغين لحملِ السنة وحفظها تفرُّغًا تامًّا؛ بل كانت لهم وظائفهم وأشغالهم الخاصة، وكانت لهم بيوتٌ وأولاد، وكانوا يسعَون لطلب الأرزاق؛ فكان منهم التجار والصُّناع والزُّرَّاع، وقد أشار إلى هذا الأمر راوِيَةُ السُّنة أبو هريرة رضي الله عنه في مَعرِض تعليله لكثرة حديثه:



قال أبو هريرة رضي الله عنه: "يقولون: إن أبا هريرة يُكثِر الحديث، والله المَوعِد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يُحدِّثون مثلَ أحاديثه؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغَلُهم الصَّفْقُ بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عملُ أموالهم، وكنتُ امرَأً مسكينًا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى مِلءِ بطني، فأحضُر حين يغيبون، وأعي حين ينسَون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: ((لن يبسُطَ أحدٌ منكم ثوبَه حتى أقضيَ مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره، فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا))، فبسطتُ نَمِرةً ليس عليَّ ثوبٌ غيرها حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلممقالته، ثم جمعتُها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق ما نسيتُ من مقالته تلك إلى يومي هذا"[1].







ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم من سكان المدينة المنورة، والذين كانوا منها لم يكونوا متفرِّغين لسماع الحديث؛ بل كانت لهم أشغالهم الخاصة:



1- ففريقٌ منهم - وهم قليل - تفرَّغ لحمل العلم وحفظ الحديث، ولم يكن لهم دُورٌ يأوونَ إليها، ولا أهلٌ يشغلونهم؛ وإنما كانوا يقيمون في المسجد، وهم أهل الصُّفَّة[2].








يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "وأهل الصفـة أضيـافُ الإسلام، لا يأوون على أهلٍ ولا مالٍ، ولا على أحدٍ"[3].








ولذلك حينما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: "مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرة أنْ لا يسألَني عن هذا الحديث أحدٌ أولُ منك؛ لِما رأيتُ من حرصك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه، أو نفسه))[4].








وقد سبق قول أبي هريرة رضي الله عنه: "إني كنتُ امرأً مسكينًا أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مِلءِ بطني".



وقال ابن عمر رضي الله عنه لأبي هريرة رضي الله عنه: "يا أبا هريرة، أنتَ كنتَ ألْزمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفَظَنا لحديثه"[5].








وقال عبدالله بن الزبير رضي الله عنه لأبيه الزبير بن العوام رضي الله عنه: إني لا أسمعك تُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أَمَا إني لم أفارقْه؛ ولكني سمعتُه يقول صلى الله عليه وسلم: ((مَن كذب عليَّ، فليتبوَّأْ مَقعدَه من النَّار))[6].








2- وفريقٌ منهم كان يأتيه صلى الله عليه وسلم من مكانٍ بعيد، فيعيش معه فترةً من الزمن، يتعلَّم فيها أحكامَ الدين، ثم يعود إلى أهله فيُعلِّمهم ويُفقِّههم.








عن مالك بن الحويرث رضي عنه اللهقال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلمونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، فظنَّ أنَّا اشتقنا أهلَنا، وسَأَلَنا عمَّن تركنا في أهلِنا، فأخبَرْناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم، ومُرُوهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي، وإذا حضرت الصلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، ثم ليؤمَّكم أكبرُكم))[7].








3- فكان الواحد منهم إذا لم يستطع أن يُرافقَ النبي صلى الله عليه وسلم ليلًا ونهارًا لانشغاله بعمله، بحث عمَّن يتناوب معه في حضور مجالس النبي صلى الله عليه وسلم:



يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كنتُ أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النُّزولَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ينزل يومًا، وأنزل يومًا، فإذا نزلتُ جِئتُه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزلَ فعل مثل ذلك..."؛ الحديث[8].








وفي رواية: "كان لي صاحبٌ من الأنصار إذا غِبْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاني بالخبر، وإذا غاب كنتُ أنا آتيه بالخبر"[9].








ولقد بلغ من حرص الصحابة رضوان الله عليهمعلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلموسؤاله والتعلُّم منه - أن النساء جِئْنَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلموقلن له: "يا رسول الله، ذهب الرجالُ بحديثك؛ فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تُعلِّمنا ممَّا علَّمك الله عز وجل"،فقال صلى الله عليه وسلم: ((اجتَمِعْنَ في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا))، فاجْتَمَعْنَ، فأتاهن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فعلَّمهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلممما علَّمه الله[10].








ولم يكن حضورُ الصحابة رضوان الله عليهممجلسَ النبي صلى الله عليه وسلممن أجل رؤيته، والتلذُّذ بحديثه فقط؛ وإنما كانوا يسمعون حديثه، ويحفظون كلامه، ويعملون به، ويُبلِّغونه مَن وراءهم من النساء والأولاد، وكانوا إذا حضروا مجلسه يعلوهم الوقارُ، وتغشاهم السَّكينة، ويُنصِتون إنصاتًا كاملًا؛ حتى لا يفوتَهم من كلامه شيء.








وصف عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه مجلسَه صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا تكلَّم، أطرق جلساؤه صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلَّموا، لا يتنازعون عنده الحديث، ومَن تكلَّم عنده أنصتوا له حتى يفرُغ"[11].








وقال بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: "كنَّا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم نرفع رؤوسَنا إليه إعظامًا له"[12].








وقال أسامة بن شريك رضي الله عنه: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه عنده كأنَّما على رؤوسهم الطير، فسلَّمتُ وقعدت"[13].








فكانوا يحرصون على حضور مجلسهصلى الله عليه وسلم، ويُنصِتون لسماع كلامه، مع الوعي التام، ويحفظون حديثه، ويعملون به، وينقلونه لغيرهم كلامًا محفوظًا، وسلوكًا مُطبَّقًا.







[1] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الحرث والمزارعة، باب ما جاء في الغرس 5/ 34، رقم: 2350 - ومسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه 4/ 1939، رقم: 2492.



[2] الصفة: مكان مُظلَّلٌ في آخر المسجد النبوي، أُعِدَّ لنزول الغرباء من المهاجرين فيه، ممَّن لا مأوى لهم، ولا أهل؛ راجع: النهاية في غريب الحديث 3/ 35.



[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخلِّيهم عن الدنيا 11/ 286، رقم: 6452.



[4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث 1/ 233، رقم: 99.



[5] أخرجه الترمذي في سننه بلفظه، كتاب المناقب، باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه 5/ 452، رقم: 3862، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الألباني: صحيح الإسناد؛ انظر: صحيح سنن الترمذي 3/ 235، رقم: 4107، وأحمد في مسنده بنحوه 4/ 266، رقم: 4453، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.



[6] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 242، رقم: 107.



[7] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم 10/ 452، رقم: 6008 - ومسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب مَن أحق بالإمامة؟ 1/ 465، رقم: 674.



[8] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب العلم، باب التناوب في العلم 1/ 223، رقم: 89 - ومسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة، كتاب العلم، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1112، رقم: 1479.



[9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾ [التحريم: 1] ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم: 2]، 8/ 525، رقم: 4913 - ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1108، رقم: 1479؛ كلاهما بلفظه.



[10] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الرجال والنساء مما علَّمه الله ليس برأي ولا تمثيل 13/ 305، رقم: 7310.



[11] أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، المطبوع في نهاية سننه 5/ 569، رقم: 350، قلت: إسناده ضعيف فيه جميع بن عمير العجلي ضعيف، تقريب التهذيب 1/ 92، رقم: 1009، وفيه أيضًا أبو عبدالله التميمي من ولد أبي هالة، وهو مجهول 2/ 740، رقم: 8487.



[12] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم 1/ 121، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أحفظ له علة ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.




[13] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم 1/ 121 وقال: صحيح ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-10-2020, 05:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (1)

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (2)
د. أيمن محمود مهدي



أدرك الصحابة الكرام رضوان الله عليهممكانة السنَّة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسنِ ما يكون النقلُ.




والناظر في كتب العلم يدرك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقها أن يحفظوا سنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهودُ حفظ السنَّة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.




وسأذكر أبرز هذه الجهود، التي يتبين من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السنَّة، والطريقة التي اتبعوها من أجل صيانتِها والحفاظ عليها.

ثانيًا: تلقِّي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بكل الطرق الممكنة:

تلقَّى الصحابة رضوان الله عليهم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بكل الطرق الميسورة لهم في ذلك العصر، ومن أهمها:

أولًا: السماع:

كان الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصين كل الحرص على حضور مجلسه صلى الله عليه وسلم لسماع الأحاديث منه، والتزوُّد من توجيهاته السديدة، ونصائحه الكريمة، وبيانه الرشيد للقرآن المجيد، وكانت أقرب الطرق إليهم وأيسرها عندهم: أن يسمعوا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرةً، وأغلب الأحاديث التي روَوْها عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما روَوْها بهذه الطريقة، وفي السنَّة أحاديثُ - لا تكاد تحصى - صرَّح فيها الصحابة رضوان الله عليهم بسماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وبنظرةٍ واحدة في أحد كتب السنَّة تجد كثيرًا من الصحابة رضوان الله عليهم يقولون في روايتهم للحديث: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا.




ثانيًا: العَرْض:

وبجوار السماع فقد ظهرَتْ في عهده صلى الله عليه وسلم طريقةُ القراءة والعرض على الشيخ، وقد عقد البخاري في كتاب العلم بابًا بعنوان: باب القراءة والعرض على المحدِّث، وأورد فيه حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه حين جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال له: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علَيَّ في نفسك، فقال صلى الله عليه وسلم: ((سَلْ عما بدا لك))، فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم نعم))، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم نعم))، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنَّة؟ قال: ((اللهم نعم))، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقةَ مِن أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم نعم))، فقال الرجل: آمنتُ بما جئتَ به، وأنا رسولُ مَن ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر[1].




قال البخاري: واحتج بعضُهم في القراءة على العالم بحديث ضمام بن ثعلبة... ثم قال: فهذه قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه[2].




وهذه الطريقة وإن لم تكن منتشرة كسابقتها، فإن هذا الحديث يدل على اعتبارها؛ ولذلك فقد زاد الأخذُ بها في عهد الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، واعتمدها العلماء كطريقةٍ معتبرة من طرق التلقِّي.




ثالثًا: المُكاتَبة:

تفرق الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمصار المختلفة، ولم يكن ممكنًا لكل واحدٍ منهم أن يرحل إلى أخيه إذا أراد أن يسمع منه حديثًا، فاستعاضوا عن ذلك بالرحلة والمكاتبة، وتلقى عنهم التابعون هذا المنهج، وهذه الأمثلة تبين لك أن المكاتبةَ هي إحدى طرق تلقِّي الحديث عند الصحابة والتابعين:

1- قال ورَّاد مولى المغيرةِ: كتب معاوية رضي الله عنه إلى المغيرةِ بن شعبة رضي الله عنه: اكتب إليَّ ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة، فأملى عليَّ المغيرةُ، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانعَ لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))[3].

2- وقال ورَّاد أيضًا: كتب معاوية رضي الله عنه إلى المغيرةِ بن شعبة رضي الله عنه: أن اكتُبْ إليَّ بشيءٍ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعةَ المال، وكثرة السؤال))[4].

3- وعن عامر بن سعد بن أبي وقاصٍ، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة رضي الله عنه مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيءٍ سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إليَّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة، عشية رجم الأسلمي، يقول: ((لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً كلهم من قريشٍ))، وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: ((عُصَيْبَةٌ من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى، أو آل كسرى))، وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين يدي الساعة كذَّابين، فاحذَروهم))، وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أعطى الله أحدكم خيرًا، فليبدأ بنفسِه وأهلِ بيته))، وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنا الفَرَطُ على الحوض))[5].







[1] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب العلم باب ما جاء في العلم 1/ 179 رقم: 63، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب الإيمان باب السؤال عن أركان الإسلام 1/ 41 رقم: 12.



[2] صحيح البخاري 1/ 179.




[3] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب القدر باب لا مانع لما أعطى الله 11/ 521 رقم: 6615، وبنحوه أخرجه مسلم في صحيحه كتاب المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته 1/ 414 رقم: 593.



[4] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: ﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ [البقرة: 273] 3/ 398 رقم: 1477.



[5] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة باب الناس تبعٌ لقريش والخلافة في قريش 3/ 1453 رقم: 1822.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-10-2020, 05:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (3)
د. أيمن محمود مهدي






أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعَبوا النصوص الآمِرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.



والناظر في كتب العلم يدرك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غَضَّةً طريَّة، كما أرادها الله عزَّ وجلَّ، ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرتْ هذه الجهود حفظ السُّنة في الصدور، وفهمها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.



وسأذكر أبرزَ هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطَّريقة التي اتبَعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.



ثالثًا: سماع ما يفوتُهم من الحديث، وسؤال بعضهم بعضًا:

لم يكنِ الصحابة رضوان الله عليهم يكتفُون بالأحاديث التي يسمعونَها من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يَغيبون عن مجلسه أحيانًا؛ نظرًا لشواغلهم الدنيوية، وكان بعضهم أسلم متأخِّرًا، فلم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض مشاهده، فكانوا - إضافةً إلى ذلك - يسألون الصحابة الذين أسلموا قديمًا، أو رافَقوا النبي صلى الله عليه وسلم وقتًا طويلًا، أو حضروا من المشاهد ما لم يحضروه، وهذا ما يُفَسِّرُ لنا أن كثيرًا من المكثِرين من رواية الحديث كانوا من صِغار الصحابة؛ كابن عباس رضي الله عنه، وأنس بن مالك رضي الله عنه، وعبدالله بن عمر رضي الله عنه، أو ممَّن لم يلازموا النبي صلى الله عليه وسلم وقتًا طويلًا، ولكنهم سألوا أصحابه، وتعلَّموا منهم، وأضافوا ما سمِعوه منهم إلى ما سمِعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرةً؛ كأبي هريرة رضي الله عنه.



قال الحاكم: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون ما يفوتُهم سماعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمعونه من أقرانهم، وممن هو أحفظ منهم[1].



قال البراء بن عازب رضي الله عنه: ما كلُّ الحديث سمِعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يُحدِّثنا أصحابنا عنه، كانت تشغلنا عنه رِعْيَةُ الإبل[2].



وعن حُميدٍ الطويل أن أنسَ بن مالك رضي الله عنه حدَّث بحديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أنت سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضِب غضبًا شديدًا، وقال: والله ما كلُّ ما نُحدِّثُكُم به سمِعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يُحدِّث بعضُنا بعضًا، ولا يتَّهم بعضُنا بعضًا[3].



وقال الزبير بن بكار: إنْ كان ابن عمر رضي الله عنهليحفظُ ما سمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل مَن حضر إذا غاب عن قوله وفعله[4].



وروى أشعث بن سليـم عن أبيـه قال: سمعتُ أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه يُحـدِّث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: وأنت صاحب رسـول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنه قـد سمع، ولأنْ أُحدِّث عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحَبُّ إليَّ من أن أحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم[5].



ولم يكُن الصحابةُ رضوان الله عليهم يلتزمون بذكر مَن حدَّثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا ينسبون الحديث مباشرةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا ابن عباس رضي الله عنه يروي حديث: ((إنما الرِّبا في النَّسيئة))، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رُوجع فيه قال: أخبرني به أسامة بن زيد رضي الله عنه[6].



ويروي حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَزَل يُلَبِّي حتى بلغ الجَمْرة)، عن أخيه الفضل بن العباس رضي الله عنه[7].



وهذا أبو هريرة رضي الله عنهيُحَدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أدركه الفجرُ جُنُبًا، فلا يَصُمْ))، فبلغ ذلك عائشةَ وأمَّ سلمة رضي الله عنهما، فقالتا: كان النبي صلى الله عليه وسلميُصبِح جُنبًا من غير حلمٍ، ثم يصوم، فردَّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعتُ ذلك من الفضل رضي الله عنه،ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم[8].



ومَن يراجع كتب السنن وتراجم الرواة، يجد كثيرًا مِن روايات الصحابة رضوان الله عليهمبعضهم عن بعض، وهذا دليلٌ واضح على النشاط العلمي الذي كان بينهم، يتبادلون الأحاديث ويستمعون، ويُسْمَع منهم، ويروون ويُروى عنهم، كل هذا في سبيل معرفة الحق، وحفظ السُّنة المطهرة[9].



قال ابن حبان: وإنما قبِلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رَووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يُبَيِّنوا السماع في كل ما رَووا، وبيقينٍ نعلمُ أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابيٍّ آخر، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذلك الذي سمعه منه؛ لأنهم (رضي الله عنهم أجمعين) كلهم أئمةٌ سادةٌ قادةٌ عدولٌ، نزَّه الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يلزق بهم الوهن[10].



وإنك لتعجبُ حينما تعلم أن الصحابي الجليل أبا هريرة رضي الله عنه قَدِم المدينة سنة سبعٍ من الهجرة، وهو راويةُ الإسلام الأوَّل، ولكن ما يلبث هذا العجب أن يزولَ حينما تعلم أن أبا هريرة رضي الله عنه تفرَّغ طيلةَ السنوات التي قضاها مع النبي صلى الله عليه وسلم لسماعِ الحديث منه ومن كبار أصحابه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم شهِد له بالحرص على سماع الحديث، حينما سأله أبو هريرة رضي الله عنه عن أسعد الناس بشفاعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ ألا يسألَني عن هذا الحديثِ أحدٌ أول منك؛ لِما رأيتُ من حرصِك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه، أو نفسه))[11].



وسمِع الحديثَ من أصحابه أيضًا، فجمَع ما عندهم إلى ما عنده، وإنك لتجد العلماء يذكرون في شيوخه: أبا بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم؛ فكانت حصيلة ذلك التفرُّغ والدأب أحاديث كثيرة، هذا بالإضافة إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ، وعدم النسيان[12].



وكما روى الحديث عن الصحابة، فقد روى عنه صحابة كثيرون، وقد عدَّ الحاكم مَن روى عنه الحديث من أكابر الصحابة، فبلغ عددهم ثمانية وعشرين صحابيًّا[13].



وإذا راجعتَ شيوخَ ابن عباسٍ، فإنك تجد من بينهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه، وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، وأُبَي بن كعب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت رضي الله عنه، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل رضي الله عنه، وأبا سعيد الخدري رضي الله عنه، وسلمان الفارسي رضي الله عنه، وأبا هريرة رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، وغيرهم كثير، فجمع ابن عباس رضي الله عنه أحاديثَ هؤلاء وغيرهم، إلى ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح من المُكثِرين من رواية الحديث.



ولقد أدرك صغارُ الصحابة رضوان الله عليهم أنه فاتهم حديثٌ كثير، فاتَّجهوا إلى كبارِ الصحابة يسألونهم ويتعلَّمون منهم، وإنك لتدرك ذلك جليًّا في قول عبدالله بن عباس رضي الله عنه: لَمَّا تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ لرجلٍ من الأنصار: يا فلان، هلمَّ فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: وا عجبًا لك يا بن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مَن ترى؟ فترك ذلك، وأقبلتُ على المسألة، فإن كان ليبلُغُني الحديثُ عن الرجلِ فآتيه وهو قائلٌ، فأتوسَّد رِدائي على بابه، فتَسْفِي الريحُعلى وجهي الترابَ، فيخرج فيراني، فيقول: يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ ألَا أرسلتَ إليَّ فآتيَك؟ فأقول: أنا أحقُّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناسُ عليَّ، فقال: كان هذا الفتى أعقل مني[14].



وفي قولِه رضي الله عنه: إن كنتُ لأسألُ عن الأمر الواحدِ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم[15].



قال الشعبي: قيل لابن عباس رضي الله عنه: أنَّى أصبتَ هذا العلم؟ قال: بلسانٍ سؤول، وقلبٍ عقول[16].



وقال ابن عباس رضي الله عنه: طلبتُ العلمَ، فلم أجده أكثر منه في الأنصار، فكنتُ آتي الرجلَ منهم فأسأل عنه، فيُقَال لي: نائم، فأتوسَّدُ ردائي ثم أضطجع حتى يخرج إلى الظهر، فيقول: متى كنتَ هاهنا يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأقول منذ طويل، فيقول: بئس ما صنعتَ، هلا أعلمتني؟ فأقول: أردتُ أن تخرج إليَّ وقد قضيتَ حاجتك[17].



هذا ما كان عليه صغار الصحابة وكبارهم، فكانوا يسألون بعضهم عما فاتهم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.



والأدلة على هذا المعنى أكثر من أن تُحْصَى، وسأكتفي بإيراد ثلاثةٍ من الأدلة:

1- فهذا حذيفةُ بن اليمان رضي الله عنه يقول: بينا نحن جلوسٌ عند عمر رضي الله عنه إذ قال: أيُّكم يحفظ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: ((فتنةُ الرجلِ في أهله وماله وولده وجاره، يُكفِّرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))، قال: ليس عن هذا أسألُك، ولكن التي تموج كمَوْجِ البحر، فقال: ليس عليك منها بأسٌ يا أمير المؤمنين؛ إن بينك وبينها بابًا مُغْلقًا، قال عمر رضي الله عنه: أيُكسَـرُ الباب أم يُفْتَح؟ قـال: لا، بل يُكسر، قال عمر رضي الله عنه: إذًا لا يُغلق أبدًا[18].




2- وصحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نشَد الناس من سمع النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السَّقط؟ فقال المغيرة: أنا سمعتُه قضى فيه بغرة عبدٍ أو أَمَة[19].




وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: جلستُ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة، فقال: يا بن عباس، ما سمعتَ من رسول اللهصلى الله عليه وسلم، أو من أحـدٍ من أصحابـه، ما يذكر ما أمر به رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا سها المرءُ في صلاته، قلتُ: لا، أَوَ ما سمعتَ يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، فدخَل علينا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال: فيما أنتما؟ فقال عمر رضي الله عنه: سألتُه: هل سمِع رسولَ اللهصلى الله عليه وسلم أو من أحدٍ من أصحابه يذكر ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سها المرء في صلاته؟ فقال عبدالرحمن رضي الله عنه: عندي علمٌ من ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: هلمَّ؛ فأنت العدل الرضا، فقال عبدالرحمن رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا شكَّ أحدُكم في الاثنتينِ، فليجعلهما واحدة، وإذا شك في الاثنتين والثلاث، فليجعلهما اثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع، فليجعلهما ثلاثًا، ثم يتم ما بقي من صلاته، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلِّم))[20].







[1] معرفة علوم الحديث ص: 14.




[2] أخرجه أحمد في مسنده بلفظه 14/ 190، رقم: 18404، والحاكم في المستدرك بنحوه، كتاب العلم، باب فضيلة مذاكرة الحديث، 1/ 95، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 1/ 154، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.




[3] أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة 3/ 575، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 153، وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، قلت: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.




[4] الإصابة في تمييز الصحابة؛ لابن حجر العسقلاني 4/ 160.




[5] المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة 3/ 512، وسكت عنه الحاكم والذهبي، قلت: إسناده حسن، فيه سعيد بن سفيان الجحدري، صدوق يخطئ؛ تقريب التهذيب 1/ 207، رقم: 2396.




[6] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلًا بمثل، 3/ 1218، رقم: 1596.




[7] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجَمْع، 3/ 607، رقم: 1670، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاجِّ التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، 2/ 931، رقم: 1281، كلاهما بلفظه.




[8] أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه، كتاب الصيام، باب صحة صوم مَن طلع عليه الفجر وهو جنب، 2/ 779، رقم: 1109، وأخرجه البخاري في صحيحه بألفاظٍ متقاربة، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنبًا 4/ 170، رقم: 1925، 1926.




[9] أصول الحديث علومه ومصطلحه، ص: 64.




[10] مقدمة الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/ 161.




[11] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، 1/ 233، رقم: 99.




[12] أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ يُحدِّثه: ((إنه لن يبسط أحدٌ ثوبَه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبَه، إلا وعى ما أقول))، فبسطتُ نَمِرَةً عليَّ حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء"؛ كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]؛ 4/ 336 رقم: 2047.




[13] المستدرك على الصحيحين؛ للحاكم، كتاب معرفة الصحابة، 3/ 513.




[14] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه بلفظه، باب الرحلة في طلب العلم واحتمال العناء فيه، 1/ 150، رقم:570،وأخرجه بنحوه: الطبراني في المعجم الكبير 10/ 244، رقم: 10592، والحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر عبدالله بن عباس، 3/ 619، رقم: 6294، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح؛ مجمع الزوائد 9/ 277، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.




[15] سير أعلام النبلاء 3/ 344، وقال الذهبي: إسناده صحيح.




[16] البداية والنهاية 8/ 283.




[17] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب الرحلة في طلب العلم واحتمال العناء فيه، 1/ 150، رقم: 566، قلت: إسناده حسن لغيره؛ فيه حصين بن عبدالرحمن، مقبول، وقد تابعه في الرواية عن ابن عباس - بألفاظٍ مختصرة عند الدارمي 1/ 150، رقم: 567 - أبو سلمة بن عبدالرحمن، وهو ثقة؛ تقريب التهذيب، 2/ 727، رقم: 8426.




[18] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر، 13/ 52، رقم: 7096.




[19] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الديات، باب جنين المرأة، 12/ 257، رقم: 6907، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين، 3/ 1311، رقم: 1689.





[20] أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظه، كتاب السهو 1/ 324، وقال: هذا حديثٌ صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأحمد في مسنده بنحوه 2/ 301، رقم: 1656، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وأخرج المرفوع منه: الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلِّي فيشكُّ في الزيادة والنقصان، 1/ 407، رقم: 398، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح، وصحَّحه الألباني؛ انظر: صحيح سنن الترمذي 1/ 125، رقم: 326، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن شكَّ في صلاته فرجع إلى اليقين، 1/ 381، رقم: 1209.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-10-2020, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (4)
د. أيمن محمود مهدي






أدرك الصحابة الكرام رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النَّبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمِرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.



والناظر في كتبِ العلم يُدرِك بوضوحٍ أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقها أن يحفظوا سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طريَّة، كما أرادها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرَتْ هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.



وسأذكر أبرزَ هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطَّريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.



رابعًا: اختصاص بعض الصحابة ببعض أبواب العلم، وتميُّزهم فيها:

خلق الله عز وجل البشر مُتفاوتينَ في القدرات والاهتمامات، والصحابةُ رضوان الله عليهم بشرٌ؛ ولذلك فقد تنوَّعت اهتماماتهم، فبينما نجد فيهم العالم البارع في جميع أبواب العلم؛ كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وعبدالله بن عباس رضي الله عنه، وغيرهم - نجد من الصحابة مَن كان بارعًا في بابٍ مُعَيَّن من أبواب الحديث، تميَّز فيه عن غيره، وفاق فيه أقرانه، حتى أصبح مرجعًا فيه، وسأضرب لك أمثلةً على ذلك:

1- فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن أصحابه: ((أرحم أمَّتي بأمتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلَمُهم بالحلال والحرام معاذُ بن جبل، وأفرَضُهم زيد بن ثابت، وأقرَؤُهم أُبَي بن كعب، ولكلِّ أمةٍ أمينٌ، وأمين هذه الأمة أبو عُبيدة بن الجرَّاح))[1]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يذكر أن هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم تميَّزوا في هذه الأمور، وفاقوا فيها أقرانهم.




وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا، فقال:

"مَن أراد أن يسأل عن القرآن، فليأتِ أُبَي بن كعب رضي الله عنه.

ومَن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام، فليأتِ معاذ بن جبل رضي الله عنه.

ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض، فليأتِ زيد بن ثابت رضي الله عنه.

ومَن أراد أن يسأل عن المال، فليأتني؛ فإني له خازن"[2].




2- وهذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، كان مهتمًّا بأحاديث الفتن اهتمامًا كبيرًا، حتى برع في هذا الباب من العلم وصار مرجعًا فيه، وهو يقول عن نفسه: "كان الناس يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخيرِ، وكنتُ أسأله عن الشر مخافةَ أن يُدرِكني، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّا كنا في جاهليةٍ وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟"...؛ الحديث[3].




قال ابن أبي جمرة: في الحديث حكمة الله عز وجل في عباده، كيف أقام كلًّا منهم فيما شاء، فحبَّب إلى أكثر الصحابة رضوان الله عليهم السؤال عن وجوه الخير؛ ليعملوا بها، ويبلِّغوها غيرهم، وحبَّب لحذيفة رضي الله عنه السؤال عن الشر ليجتنبه، ويكون سببًا في دفعه عمَن أراد الله عز وجل له النجاة[4].




وقال ابن حجر: ويؤخذ منه أن كل مَن حُبِّبَ إليه شيء فإنه يفوق فيه غيره، ومِن ثَمَّ كان حذيفة رضي الله عنه صاحبَ السر الذي لا يعلمه غيره، حتى خُصَّ بمعرفة أسماء المنافقين، وبكثيرٍ من الأمور الآتية[5].




3- وهذا أبو هريرة رضي الله عنه، رغم تأخُّر صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلة المدة التي قضاها معه، فإن الله عز وجل وهَبه نعمة الحفظ، مع دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بذلك، فكان أحفظَ الصحابة للحديث.




قال أبو هريرة رضي الله عنه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ يُحدِّثه: ((إنه لن يبسطَ أحدٌ ثوبه حتى أقضيَ مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعىما أقول))، فبسطتُ نَمِرَةً عليَّ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء"[6].



وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه، قال: ((ابسُطْ رِدَاءَكَ))، فبسطتُه، قال: فغرف بيديه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ضُمَّه))، فضممتُه، فما نسيتُ شيئًا بعده[7].

وقد أدرك الصحابةُ والتابعون هذا الأمرَ، فالتفوا حوله يسمعون منه الأحاديث.



وحينما جاء رجلٌ إلى طلحة بن عُبيدالله رضي الله عنه - أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة - وقال له: يا أبا محمد، والله ما ندري هذا اليماني أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم، أم أنتم تقولون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟ يعني أبا هريرة رضي الله عنه، فقال طلحة: والله ما نشك أنه سمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قومًا أغنياء، لنا بيوتٌ وأهلون، كنا نأتي نبي الله صلى الله عليه وسلم طرفَي النهار، ثم نرجع، وكان أبو هريرة مسكينًا لا مال له، ولا أهل، ولا ولد، إنما كانت يدُه مع يدِ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيثما دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم، وسمع ما لم نسمع، ولم يتَّهِمْه أحدٌ منا أنه تقوَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل[8].



4- وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها مِن أفقه وأحفظ الصحابة للأحاديث التي تتعلَّق بالنساء، حتى كانت المرجعَ فيها، وكان التابعون يرجِعون إليها فيسألونها عمَّا أشكل عليهم من ذلك، كما كانت مُقدَّمة في علم الفرائض والأحكام والحلال والحرام[9].




قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: ما أشكل علينا - أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قط فسألنا عائشة رضي الله عنها، إلا وجدنا عندها منه علمًا[10].



كما كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا - وعلى رأسهن السيدة عائشة رضي الله عنها - مقصدًا لطلاب العلم يسألونهنَّ عن الأمور المتعلِّقة بحياة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، فنقلوا عنهن من ذلك الشيء الكثير.



ولا شكَّ أن هذا التعمُّق أو التخصُّص حفِظ لنا الحديث بألفاظه وحروفه، وصار الصحابي المتميِّز في بابٍ ما مِن الحديث مقصدًا للطلاب، ومرجعًا للفتوى في هذا الباب.





[1] أخرجه الترمذي في سننه بلفظه، كتاب المناقب، باب مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبي عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم، 5/ 435، رقم: 3815، وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه بنحوه: ابن ماجه في مقدمة سننه 1/ 55، رقم: 154، وصححه الألباني؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه؛ للألباني 1/ 31، رقم: 125، وأحمد في مسنده 11/ 35 رقم: 12839، وابن حبان في صحيحه، الإحسان، باب فضل الصحابة والتابعين، 9/ 187، رقم: 7208، وعبدالرزاق في مصنفه، باب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،11/ 225، رقم: 20387، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الفرائض، باب ترجيح قول زيد بن ثابت رضي الله عنه على قول غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في علم الفرائض، 6/ 210، والحديث إسناده صحيح ورجاله ثقات.




[2] أخرجه الحاكم في مستدركه بلفظه، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر مناقب أحد الفقهاء الستة من الصحابة معاذ بن جبل، 3/ 272، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى بنحوه 6/ 210، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.




[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة 13/ 38، رقم: 7084، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، 3/ 1475، رقم: 1847، كلاهما بلفظه.




[4] بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها؛ لابن أبي جمرة، 4/ 261.




[5] فتح الباري 13/ 41.




[6] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الجمعة: 10]، 4/ 336، رقم: 2047، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب فضائل الصحابة رضوان الله عليهم، باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه، 4/ 1939، رقم: 2492.




[7] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب حفظ العلم، 1/ 258، رقم: 118.




[8] أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظه، كتاب معرفة الصحابة، 3/ 511، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: على شرط مسلم، وأخرجه الترمذي في سننه بنحوه، كتاب المناقب، باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه، 5/ 453، رقم: 3863، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، وذكره الألباني في ضعيف سنن الترمذي، وقال: ضعيف الإسناد؛ ص515، رقم: 4108، قلت: إسناده ضعيف؛ فيه محمد بن إسحاق، صدوق يدلس، وقد روى بالعنعنة، ولا يُعرف الحديث إلا من طريقه.




[9] زاد المعاد 1/ 21.




[10] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب فضل عائشة، 5/ 471، رقم 3909 وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب، وصححه الألباني؛ انظر: صحيح سنن الترمذي، 3/ 243، رقم: 4152، قلت: إسناده حسن، فيه حُمَيد بن مَسْعَدَة، وخالد بن سلمة المخزومي، كلاهما صدوق؛ راجع: تقريب التهذيب، 1/ 143، رقم: 1617، 1/ 150، رقم: 1700.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-10-2020, 01:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (5)
د. أيمن محمود مهدي




أدرك الصحابة الكرام رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحبُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقَلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.

والناظر في كتبِ العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقها أن يحفَظوا سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طريَّة، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمَرَتْ هذه الجهود حِفظ السُّنة في الصدور، وفهمها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.

وسأذكر أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السنة، والطَّريقة التي اتبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.

خامسًا: اجتهادهم فيما لا نصَّ فيه، وعرض هذه الاجتهادات على النبي صلى الله عليه وسلم لبيان حكم الشرع فيها، مع الوعي العميق، والفهم الدقيق
لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم حاطِبِي ليلٍ؛ وإنما كانوا أذكى الناس عقولًا، وأطهرهم قلوبًا، دخل الإيمان قلوبَهم، وأُشْرِبوا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظهرت على ألفاظهم أنوارُ النبوة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعمل على إلغاء عقولهم، أو منع ملَكاتِهم من الظهور؛ وإنما كان يُشجِّعهم على الاجتهاد، ويُصوِّب لهم أخطاءهم، حتى صاروا بعده علماء كبارًا، وأئمة عظامًا، بفضل ما أعطاهم الله عز وجل من المواهب، ثم بفضل سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم الباهرة في تعليمهم وتدريبهم على التفكير والاجتهاد.
قال ابن القيم: وقد اجتهد الصحابة رضوان الله عليهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثيرٍ من الأحكام، ولم يُعنِّفهم[1].

وإليك هذه النماذجَ التي تُظهِر لك اجتهادَهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض هذه الاجتهادات على النبي صلى الله عليه وسلم ليبين لهم وجه الحق فيها:
1- عن أبي جُحَيفَة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمانَ رضي الله عنه وأبي الدرداء رضي الله عنه، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أمَّ الدرداء رضي الله عنها مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُكِ؟ قال: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال له: كُلْ، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُمِ الآن، فَصَلَّيا، فقال له سلمان: "إِنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِّ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"، فأَتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكَر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدَق سلمانُ))[2]، فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه ينقل للنبي صلى الله عليه وسلم اجتهاد سلمانَ رضي الله عنه، فيُقِرُّه النبي صلى الله عليه وسلم على اجتهاده، بل ويمدحه عليه.

2- وعن عمرو بن العاص رضي الله عنهقال: احتلمتُ في ليلةٍ باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلتُ أن أَهْلِكَ، فتيمَّمتُ، ثم صلَّيتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ياعمرو، صلَّيتَ بأصحابك وأنت جُنُبٌ؟))، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعتُ الله يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، فضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئًا[3].


3- وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((لَا يُصَلِّيَنَ أَحَدٌ العصرَ إلا في بني قُرَيْظَةَ))، فأدرك بعضهم العصرَ في الطريق، فقال بعضهم: لا نُصلِّي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرِدْ منا ذلك، فَذُكِرَ ذلك للنبيصلى الله عليه وسلم، فلم يُعَنِّف واحدًا من الفريقين[4].


فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجتهدون، ويَعرِضون هذه الاجتهادات على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فيُقرُّهم عليها، أو يُصوِّبها لهم، فلما تُوفِّي الرسول صلى الله عليه وسلم، وانقضى العصر الذي تمَّ فيه التشريع الإلهي في الكتاب والسُّنة، وتمَّ الأصلانِ العظيمان اللذان يُرجَعُ إليهما، وبدأ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وبدأ الفقه بالنموِّ والاتِّساع، وواجه الصحابة رضوان الله عليهم وقائعَ وأحداثًا ما كان لهم بها عهدٌ في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا بد من معرفة حكم الله عز وجل فيها.

كما أن الفتوحات الإسلامية وما ترتَّب عليها من ظهورِ قضايا ومسائل جديدة، استلزمت معرفة حكم الشرع فيها؛ لهذا قام الصحابة رضوان الله عليهم بمهمة التعرُّف على أحكام هذه المسائل والوقائع الجديدة، فاجتهَدوا واستعملوا آراءَهم على ضوء قواعد الشريعة ومبادئها العامة، ومعرفتهم بمقاصد الشريعة، وهكذا استطاع الصحابة رضوان الله عليهم أن يواكبوا تلك الأحداث والوقائع، وأن يستنبطوا لها الأحكام، وذلك بالرجوع إلى كتاب الله عز وجل وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوا فيهما الحُكمَ، تحوَّلوا إلى الاجتهاد وأعملوا ما أدَّاهم إليه اجتهادهم في ضوء قواعد الدين ونصوصه، فأخرَجوا لنا من ذلك علمًا كثيرًا.



[1] إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزية، 1/ 203.

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب مَن أقسم على أخيه ليُفْطِر في التطوُّع، ولم يَرَ عليه قضاءً إذا كان أوفق له، 4/ 246، رقم: 1978.

[3] أخرجه أبو داود في سننه، بلفظه، كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ 1/ 90، رقم: 334، وبنحوه أخرجه: أحمد في مسنده 13/ 507، رقم: 17739، والدارقطني في سُننه كتاب الطهارة، باب التيمم 1/ 178، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة، باب التيمم في السفر إذا خاف الموت أو العلة من شدة البرد، 1/ 225، قلت: إسناده صحيح لغيره؛ فيه يحيى بن أيوب الغافقي، صدوق ربما أخطأ، وتابعه في الرواية بألفاظٍ متقاربة عن يزيد بن أبي حبيبٍ عمرُو بن الحارث بن يعقوب، عند أبي داود 1/ 90، رقم: 335، وهو ثقة؛ تقريب التهذيب، 1/ 437 رقم: 5166.


[4] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، 7/ 471، رقم: 4119، ومسلم في صحيحه بألفاظٍ متقاربة، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، 3/ 1391، رقم: 1770.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-10-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (6)
د. أيمن محمود مهدي







أدرك الصحابةُ الكرام رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمِرة بتبليغ العلم، وأحبُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.



والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوحٍ أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقها أن يحفظوا سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غَضَّةً طريَّة، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يَصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرَتْ هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.



وسأذكر أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذَلوه من أجل خدمة السُّنة، والطَّريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.



سادسًا: الفهم عند التلقِّي، والسؤال عند عدم الفهم:

لم تكنِ الغايةُ من حضور الصحابة رضوان الله عليهم مجالسَ النبي صلى الله عليه وسلم - سماعَ الحديث فقط، بل فهمه، واستيعابه، وتطبيقه، ونقله إلى الآخرين؛ ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يحضرون مجالس النبي صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه، ويسألونه عمَّا لم يفهموه، أو يظنُّون أنه يُعَارِض نصًّا آخر، فلم تكن هَيْبةُ النبي صلى الله عليه وسلم وحبُّهم الشديد له تَمنعانِهم من سؤاله ومراجعته في الأمور التي يُشْكِلُ عليهم فهمُها من أجل الفهم، فيفهمون ويحفظون ويُطَبِّقون، ثم يُبلِّغون غيرهم.




وأسئلة الصحابة رضوان الله عليهم لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جدًّا، ولا شكَّ أنهم استخرَجوا بأسئلتِهم من النبي صلى الله عليه وسلم علمًاكثيرًا؛ وذلك لأن العلم خزائن، ومفاتيحها السؤال،ولا شكَّ أن الإنسان أكثر ذِكْرًا لإجابة سؤالِه من سماع العلم مطلقًا؛ ولذلك كانت هذه الأسئلة وإجابات النبي صلى الله عليه وسلم عليها تُمَثِّل ثروةً علميةً ضخمة، كانت سببًا في حفظ كثيرٍ من العلم ونقله إلى الأمة كافَّةً، وسأذكر مجموعةً من النماذج ليتَّضح منها كيف كان حرصهم على السؤال من أجل العلم والفهم، ثم العمل والتبليغ:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسٍ يُحدِّث القوم، جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَدِّث، فقال بعض القوم: سمِع ما قال فكرِه ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثَه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلَ عَنِ السَّاعَةِ؟))، قال: هأنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ))، قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ))[1].



فهذا الأعرابي يسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيُجِيبُه بعد فراغه من حديثه، فيراجعه الأعرابي ليفهم، فيوضِّح له النبي صلى الله عليه وسلم ويكشف له الغموض، والصحابةُ رضوان الله عليهم يسمعون ويحفظون.



2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجلٌ على جملٍ فأناخه في المسجد، ثم عَقَلَه، ثم قال لهم: أَيُّكم محمد صلى الله عليه وسلم؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متَّكئٌ بين ظَهْرَانَيْهِمْ، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتَّكئ، فقال له الرجل: يا بن عبدالمطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قَدْ أَجَبْتُكَ))، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنِّي سائلُك فَمُشَدِّدٌ عليك في المسألة، فلا تَجِدْ عليَّ في نفسك، فقال صلى الله عليه وسلم: ((سَلْ عمَّا بدا لك))، فقال: أسألك بربِّك ورَبِّ مَن قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلِّهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ نَعَمْ))، قال: أَنْشُدُك بالله، آلله أمَرَك أن نُصلِّي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ نَعَمْ))، قال: أَنْشُدُك بالله، آلله أمَرك أن نصوم هذا الشهر من السَّنة؟ قال: ((اللهُمَّ نَعَمْ))، قال: أَنْشُدُك بالله، آلله أمَرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائِنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ نَعَمْ))، فقال الرجل: آمنتُ بما جِئْتَ به، وأنا رسولُ مَن ورائي مِن قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر[2].




فهذا ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بلادٍ بعيدة ليسأله ويتعلَّم منه، ولم يكتفِ بالسماع من رسولِه إليهم، بل قطع الفيافي والقِفَار ليسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويتعلَّم منه.




3- عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجَّة الوداع بِمنًى للناس يسألونه، فجاءه رجلٌ، فقال: لَمْ أَشْعُر فحلقتُ قبل أن أذبح؟ فقال: ((اذْبَحْ ولا حَرَج))، فجاء آخر فقال: لَمْ أشعر فنحرتُ قبل أن أرمي؟ قال: ((ارْمِ ولا حَرَج))، فما سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّرَ، إلا قال: ((افعَلْ ولا حَرَج))[3].




وها هم الصحابة رضوان الله عليهم يُوقِفونه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ويسألونه عما يعرِض لهم، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم.



4- عن أبي رفاعة قال: انتهيتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، قال: فقلتُ: يا رسول الله، رجلٌ غريبٌ جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينُه، قال: فأقبل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إليَّ، فأُتِي بكرسيٍّ، حسبتُ قوائمه حديدًا، قال: فقعَد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يُعلِّمني مما علَّمه الله، ثم أتى خطبته، فأتمَّ آخرها[4].




فهذا الصحابي يدخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فلا ينتظر حتى يُكْمِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم خطبته، فيسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فينزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر، ويقطع خطبته ويُجيبه، ويُعلِّمه، ثم يأتي الخطبة فيتمها.



ولم يكُن هذا الأمر قاصرًا على الرجال فقط، بل كان النساء يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّا يَحْتَجن إليه، فيُجِيبهن عنه:

فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهقال: خرج رسول اللهصلى الله عليه وسلم في أضحى - أو في فطر - إلى المصلَّى، فمرَّ على النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر النساء، تصدَّقْنَ؛ فإني أُريتُكنَّ أكثر أهل النار))، فقلن: وبمَ يا رسول الله؟ قال: ((تُكثِرن اللعن، وتكفُرنَ العشير، ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن))، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل))، قلن: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: ((فذلك من نقصانِ عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟))، قلن: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: ((فذلك من نقصان دينها))[5].




بل كان النساءُ يسألن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يَحْتَجن إليه من أمر دينهنَّ، ولم يمنعهنَّ الحياءُ من ذلك، حتى قالتِ السيدةُ عائشة رضي الله عنها: نِعْمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ؛ لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقَّهْنَ في الدين[6].




وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سُلَيم رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يَسْتَحْيِي من الحق، فهل على المرأة من غسلٍ إذا احتَلَمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأتِ الماءَ))، فغطَّت أمُّ سلمة - تعني وجهَها - وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: ((نَعَم، ترِبَتْ يمينُكِ، ففيمَ يشبهُها ولدها؟))[7].



بل إن الصحابي كان يعرض له السؤالُ، فلا يكتفي بسؤال مَن قرُب منه من الصحابة، بل يرحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله:

عن عبدالله بن أبي مُلَيكة أن عقبة بن الحارث رضي الله عنه تزوَّج ابنةً لأبي إهاب بن عُزَيز، فأَتَتْه امرأةٌ، فقالت: إني قد أرضعتُ عُقبة والتي تزوَّج، فقال لها عقبة رضي الله عنه: ما أعلم أنكِ أرضعتِني ولا أخبرتِني، فركب[8] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف وقد قيل؟))، ففارَقَها عقبةُ، ونكَحَت زوجًا غيره[9].



بل إن الصحابي كان يُراجِع رسول اللهصلى الله عليه وسلم فيما لم يفهمه؛ حتى يفهم، ولقد صحَّ عن السيدة عائشةَ رضي الله عنها أنها كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعَتْ فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن حُوسِب عُذِّب))، قالت عائشة: فقلتُ: أوَ لَيس يقول الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]؟قالت: فقالصلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك العرضُ، ولكن مَن نُوقِش الحساب يَهْلِك))[10].



ولم يكن هذا الأمر قاصرًا على السيدة عائشة رضي الله عنها؛ وإنما كان غيرها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه يراجعونه فيما لم يفهموه؛ حتى يتَّضِح لهم الحق:

عن أم مبشر رضي الله عنها أنها سمعَتِ النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها: ((لا يدخلُ النارَ، إن شاء الله، من أصحابِ الشجرةِ أحد، الذين بايعوا تحتَها))، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهَرها، فقالت حفصةُ رضي الله عنها: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد قال الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]))[11].




بل إن الصحابي الكريم كانَتْ تعرض له المسألة فيتحرَّج أن يسأل فيها رسول اللهصلى الله عليه وسلم لسببٍ ما، فلا يمنعه ذلك أن يُرسِل غيره ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُخبِره بالجواب:

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنتُ رجلًا مذَّاءً[12]، وكنت أستحيي أن أسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمكان ابنتِه، فأمرتُ المِقْدادَ بن الأسود رضي الله عنه، فسأله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((منه الوُضوء))[13].




فلم يكنِ الصحابةُ رضوان الله عليهم يكتَفون بمجرد السماع، بل كانوا يسألون؛ لأنهم يعلمون أن العلم خزائن وأن مفاتيحها السؤال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجهَّم في وجوهِهم، ولا ينهَرُهم إذا سألوا، بل كان يترفَّق بهم، ويجيبهم بما ينفعهم، وكانوا يراجعون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويستفسرون منه عما لم يفهموه، دون تعنُّت أو إلحاح؛ وإنما كانوا يسألونه من أجل المعرفة، وبأحسن الأساليب؛ ولذلك فقد حازوا الفضل، وحصلوا العلم، رضي الله عنهم وأرضاهم.

ولا شك أن السؤال والمراجعة كان لهما دور كبير في فهم الحديث، وكشف غموضه.






[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من سُئِل علمًا وهو مشتغلٌ في حديثه، فأتم الحديث ثم أجاب السائل، 1/ 171، رقم: 59.




[2] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، 1/ 179، رقم: 63، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام، 1/ 41، رقم: 12.




[3] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب العلم، باب الفتيا وهو واقفٌ على الدابة وغيرها، 1/ 217، رقم: 83، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، 2/ 948، رقم: 1306.




[4] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب حديث التعليم في الخطبة، 2/ 597، رقم: 876.




[5] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، 1/ 483، رقم: 304، ومسلم في صحيحه بألفاظٍ متقاربة، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله؛ ككفر النعمة والحقوق، 1/ 86، رقم: 79.




[6] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم، 1/ 261، رقم: 332.




[7] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحياء في العلم، 1/ 276، رقم: 130.




[8] أي: من مكة؛ لأنها كانت دار إقامته؛ انظر: فتح الباري 1/ 223.




[9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، 1/ 222، رقم: 88.




[10] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرفه، 1/ 237، رقم: 103.




[11] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم، 4/ 1942، رقم: 2496.




[12] مذَّاءً - بتثقيل الذال المعجمة والمد - أي: كثير المَذْي، وهو بإسكان الذال المعجمة، وتخفيف الياء: الماء الذي يخرج من الرجل عند ملاعبة النساء، ولا يجب فيه الغسل، وهو نجس يجب غسله، وينقض الوضوء؛ انظر: النهاية في غريب الحديث، 4/ 267.





[13] أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه، كتاب الحيض، باب المذي، 1/ 247، رقم: 303، والبخاري في صحيحه بنحوه، كتاب العلم، باب مَن استحيا فأمر غيره بالسؤال، 1/ 277، رقم: 132.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-10-2020, 11:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (7)
د. أيمن محمود مهدي




أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.

والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّة طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهود ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتَها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.

وسأذكرُ أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.

سابعًا: الرحلة في طلب الحديث
علِم الصحابة رضوان الله عليهم فضلَ طلب العلم من خلال نصوص الكتاب والسُّنة؛ ولذلك حرَصوا على طلبه، ولم يمنَعْهم من ذلك شيءٌ، فطلبوه من القريب، ورحلوا مِن أجل طلبه من البعيد، وضربوا في ذلك أروع الأمثلة، يحدوهم في ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))[1].


وسأذكر لك ثلاثةَ أمثلة تدلُّك بوضوح على ما بذله الصحابة رضوان الله عليهم من جهد في تحصيل العلم، واستهانتهم في سبيل ذلك بكل غالٍ وثمين:
1- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: بلغني حديثٌ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمِعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القِصاص ولم أسمَعْه، فابتعتُ بعيرًا، فشددتُ رَحْلي عليه، ثم سرتُ شهرًا، حتى قدِمتُ مصرَ، فأتيت عبدالله بن أُنَيس رضي الله عنه، فقلت للبوَّاب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبدالله؟ قلت: نعم، فأتاه فأخبره، فقام يطأ ثوبه حتى خرج إليَّ، فاعتنقني واعتنقته، فقلت له: حديثٌ بلغني عنك سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمعه في القصاص، فخشيتُ أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحشرُ اللهُ العبادَ - أو قال: الناس - عُراةً غُرْلًا بُهْمًا))، قال: قلنا: ما بُهْمًا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس معهم شيء، فيُناديهم بصوتٍ يسمعه مَن بعُدَ، كما يسمَعُه مَن قرب...))؛ الحديث[2].

2- عن عطاء بن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب رضي الله عنه إلى عقبةَ بن عامر رضي الله عنه وهو بمصر؛ يسأله عن حديث سمِعَه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبقَ أحدٌ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرُه وغير عقبة رضي الله عنه، فلما قدِم أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري - وهو أمير مصر - فأخبر به، فعجل، فخرج إليه فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديثٌ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة رضي الله عنه، فابعث مَن يدلني على منزله، قال: فبعث معه مَن يدله على منزل عقبة رضي الله عنه، فأخبر عقبة رضي الله عنه به، فعجل، فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديثٌ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبقَ أحدٌ سمِعه غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن ستر مؤمنًا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة))، فقال له أبو أيوب رضي الله عنه: صدقتَ، ثم انصرف أبو أيوب رضي الله عنه إلى راحلته فركبها راجعًا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر[3].

3- عن عبدالله بن بريدة أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فَضالة بن عُبيد رضي الله عنه، وهو بمصر، فقدم عليه، فقال: أمَا إني لم آتِك زائرًا، ولكني سمعتُ أنا وأنت حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجوتُ أن يكون عندك منه علمٌ، قال: وما هو؟ قال: كذا وكذا، قال: فما لي أراك شعثًا وأنت أمير الأرض؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه[4]، قال: فما لي لا أرى عليك حذاءً؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحيانًا[5].


[1] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، 4/ 2074، رقم: 2699.

[2] أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم المؤمن، 2/ 437، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه بنحوه: أحمد في مسنده 12/ 427، رقم: 15984، والبخاري في الأدب المفرد، باب المعانقة، 1/ 344، رقم: 973، وحسَّنه الألباني؛ انظر: صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، ص371، رقم 746، وعلَّقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، فقال: ورحل جابر بن عبدالله مسيرة شهر إلى عبدالله بن أُنَيْس في حديثٍ واحد؛ كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، 1/ 208، وقال ابن حجر: وإسناده صالح؛ فتح الباري 1/ 209، وقال: الإسناد حسنٌ وقد اعتضد؛ فتح الباري 1/ 210، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله، ص130، رقم: 421، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله وُثِّقوا؛ مجمع الزوائد، 10/ 345، وقال الحافظ المنذري: رواه أحمد بإسنادٍ حسن؛ الترغيب والترهيب 4/ 202، قلت: إسناده حسن؛ فيه القاسم بن عبدالواحد المكي، مقبول؛ تقريب التهذيب، 2/ 481، رقم: 5659، وعبدالله بن محمد بن عقيل، صدوق، في حديثه لين؛ تقريب التهذيب 1/ 312، رقم: 3687.

[3] أخرجه الحميدي في مسنده بلفظه، 1/ 189، رقم: 384، وأحمد في مسنده مختصرًا، 13/ 359، رقم: 17324، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص 7، 8، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر الرحلة في طلب الحديث، ص131، رقم: 423، وقال ابن حجر: سنده منقطع؛ فتح الباري 2/ 210، وقال الهيثمي: رواه أحمد، منقطع الإسناد؛ مجمع الزوائد 1/ 134، قلت: إسناده ضعيف؛ لأنه منقطع، ولمتن الحديث شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ أخرجه بنحوه: البخاري في صحيحـه، كتاب المظالـم، باب لا يظلـم المسلم المسلم ولا يُسلمه، 5/ 116، رقم: 2442، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم 4/ 1996، رقم: 2580، وشاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب بشارة من ستر الله عليه في الدنيا بأن يستر عليه في الآخرة، 4/ 2002، رقم: 2590.

[4] الإرفاه هو كثرة التدهُّن والتنعُّم، وقيل هو: التوسُّع في المشرب والمطعم، وهو من الرِّفْه: وِرْد الإبل، وذاك أن تَرِدَ الماء متى شاءت، أراد: ترك التنعُّم والدَّعة ولين العيش أحيانًا؛ لأنه مِن زي العجم وأرباب الدنيا؛ النهاية في غريب الحديث 2/ 225.


[5] أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الترجُّل، 4/ 73، رقم: 4160، وأخرجه بنحوه: النسائي في سننه، كتاب الزينة، باب الترجُّل غبًّا، 8/ 132، وأحمد في مسنده 17/ 186، رقم: 23851، والدارمي في مقدمة سننه، باب الرحلة في طلب العلم واحتمال العناء فيه، 1/ 151، رقم: 571 قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-10-2020, 02:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (8)
د. أيمن محمود مهدي






أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.


والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهود ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتَها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة.

وسأذكرُ أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.


ثامنًا: حفظ الحديث:
لم يكُن الصحابةُ رضوان الله عليهم يكتفون بمجرَّد سماع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما كانوا يحرِصون على فهمه، وحفظه، والعمل به، وقد استخدم الصحابةُ رضوان الله عليهم وسائلَ عديدة تُساعدهم على حفظ الحديث؛ من أهمِّها:
1- مذاكرة الحديث فيما بينهم، فإن الاكتفاءَ بسماع الحديث لا يكفي؛ لأن السامع مهما كان ذكاؤه وقوَّة حفظه، من الممكن أن ينسى الحديث إذا لم يذاكره مع غيره، ويُكثِر مِن ترديده؛ فهذا أبو هريرة رضي الله عنه راويةُ الإسلام الأول، يقول عن نفسه: "جزَّأت الليل ثلاثة أجزاء: ثُلثًا أصلِّي، وثلثًا أنام، وثلثًا أذاكر فيه حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم"[1]، بل إنه كان يستغلُّ وجودَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليذاكر معهم الحديث، فيذكر لهم ما عنده، ويستفيد مما عندهم.

وعن محمد بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلسٍ فيه أبو هريرة رضي الله عنه يُحدِّثهم عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ينكره بعضهم ويعرفه البعض، حتى فعل ذلك مرارًا، قال: فعرَفتُ يومئذٍ أن أبا هريرة رضي الله عنه أحفظُ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[2].

وعن الحسن البصري أن سمرة بن جُندب وعمران بن حصين رضي الله عنهما تذاكَرَا، فحدَّث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه حفِظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتينِ: سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، فحفِظ ذلك سمرة رضي الله عنه، وأنكر عليه عمرانُ بن حصين رضي الله عنه، فكتبا في ذلك إلى أُبي بن كعب رضي الله عنه، وكان في كتابه إليهما - أو في ردِّه عليهما -: أن سمرة قد حفِظ[3].


ولم يكتفِ الصحابة رضي الله عنهم بمجرد مذاكرة الحديث فيما بينهم، بل كانوا يُوصُون تلاميذهم بذلك:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تذاكَروا الحديث؛ فإنكم إلا تفعلوا يندَرِسْ[4].
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: تذاكَروا الحديث؛ فإن ذكر الحديث حياته[5].
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: تذاكَروا الحديث؛ فإن الحديثَ يهيج الحديث[6].
وقال ابن عباس رضي الله عنه لتلاميذه: تذاكَروا هذا الحديث، لا ينفلت منكم؛ فإنه ليس مثل القرآن مجموعٌ محفوظ، وإنكم إن لم تُذاكِروا هذا الحديث ينفَلِت منكم، ولا يقولنَّ أحدكم: حدَّثتُ أمسِ، فلا أُحدِّثُ اليوم، بل حدِّث أمسِ، ولتُحدِّث اليوم، ولتُحدِّث غدًا[7].
وقال عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: إذا أراد أحدُكم أن يروي حديثًا، فليُردِّده ثلاثًا[8].


2- العمل بالحديث، فكانوا يعملون بالحديث، ويُسَارِعون في تطبيقه؛ لأنهم يعلمون أن أفضل الطرقِ لحفظ الحديث هي العمل به، ولقد بلغ الصحابةُ رضوان الله عليهم في ذلك شأوًا بعيدًا، حتى وجدنا نافعًا مولى ابن عمر يقول: لو رأيتَ ابن عمر رضي الله عنه يتبع آثارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقلتَ: هذا مجنون[9].

وقال الزبير بن بكار: إِنْ كان ابن عمر رضي الله عنه ليحفظ ما سمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل مَن حضر إذا غاب عن قوله وفعله، وكان يتبع آثارَه في كل مسجدٍ صلَّى فيه، وكان يعترض براحلته في طريقٍ رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عرض ناقته، وكان لا يترك الحج، وكان إذا وقف بعرفةٍ يقف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم[10].
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كان الرجل منا إذا تعلَّم عشرَ آيات، لم يُجاوِزْهن حتى يعرف معانيَهن، والعمل بهن[11].

وقال أبو عبدالرحمن السلمي التابعي عن الصحابة: حدَّثنا مَن كان يُقرِئُنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلمِ والعمل[12].


وهذا وإن كان واردًا في حفظ القرآن، إلا أنه يكشف لنا منهج الصحابة في تلقِّي العلم، ولا شكَّ أن مذاكرة الحديث والعمل به يؤدِّيانِ إلى حفظ السُّنة، وحمايتها من النسيان أو التحريف.


[1] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب العمل بالعلم وحسن النية فيه، 1/ 94، رقم: 264، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، 2/ 264.

[2] المستدرك للحاكم، كتاب معرفة الصحابة، 3/ 511، والتاريخ الكبير للبخاري 1/ 186، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/ 45، قلت: إسناده حسن، فيه إسماعيل بن أبي أويس، صدوق؛ راجع: تقريب التهذيب 1/ 52، رقم: 496، 1/ 335، رقم: 3970.

[3] أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب السكتة عند الافتتاح، 1/ 204، رقم: 779، وأخرجه بنحوه: الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في السكتتين في الصلاة، 1/ 287، رقم: 251، وقال: حديث سمرة حديثٌ حسن، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسُّنة فيها، باب في سكتَتَي الإمام، 1/ 275، رقم: 844، وحكَم عليه الألباني بالضعف؛ انظر: ضعيف سنن الترمذي، ص29، رقم: 42، وضعيف سنن ابن ماجه، ص65، رقم: 180، قلت: الحديث صحيح، ورواته ثقات، حسنه الترمذي، وضعفه الألباني للخلاف الواقع بين العلماء في صحة سماع الحسن البصري من سمرة، والصحيح أنه سمع منه؛ كما ثبت في صحيح البخاري، ففيه عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة، فسألته فقال: من سمرة بن جندب؛ كتاب العقيقة، باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، 9/ 504، رقم: 5472.

[4] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم، باب فضيلة مذاكرة الحديث، 1/ 95، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[5] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم، باب فضيلة مذاكرة الحديث، 1/ 95، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[6] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب مذاكرة العلم، 1/ 155، رقم: 595، والحاكم في المستدرك، كتاب العلم، باب مذاكرة الحديث 1/ 94، والمعنى: تذاكَروا الحديث؛ فإنه يُذَكِّرُ بَعْضُهُ بعضًا، قلتُ: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[7] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب مذاكرة العلم، 1/ 155، رقم: 600، وإسناده حسن؛ فيه يعقوب بن عبدالله القمي، وجعفر بن أبي المغيرة، كلاهما صدوق؛ تقريب التهذيب، 2/ 680، رقم: 8101، 1/ 91، رقم: 1003.

[8] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب مذاكرة العلم، 1/ 156، رقم: 609، وإسناده حسن، فيه حُنَين بن أبي حكيم، صدوق؛ تقريب التهذيب، 1/ 145، رقم: 1647.

[9] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر عبدالله بن عمر، 3/ 561، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 310، قلت: إسناده حسن؛ فيه عبدالصمد بن حسان، صدوق؛ ميزان الاعتدال 2/ 620، رقم: 5071.

[10] الإصابة 4/ 160.


[11] ابن جرير الطبري في تفسيره، 1/ 180، وأشار إلى صحته 1/ 188، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات؛ راجع: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 3.

[12] أحمد في مسنده 17/ 10 رقم: 23374، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-10-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (10)
د. أيمن محمود مهدي




أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.

والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهود ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتَها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة.

وسأذكرُ أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهدُ الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.

عاشرًا: التقليل من الرواية خشية الوقوع في الخطأ
ومع حرصِ الصحابة رضوان الله عليهم على تبليغ الحديث بكل الطرق الممكنة إلى مَن جاء بعدهم، فإنهم كانوا حريصين على أمرين:
الأول: التقليل من الرواية:
التقليل من الرواية خشية الوقوع في الخطأ مِن حيث لا يشعرون، وحتى لا يتَّسع الناس في الرواية ويدخلها الشوبُ، أو يقع فيها الغلط، فضلًا عن قصدهم أن يتفرَّغ الناس لحفظ القرآن ولا ينشغلوا عنه بشيء، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنه ليمنعني أن أُحدِّثكم حديثًا كثيرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تعمَّد عليَّ كذبًا، فليتبوَّأ مقعده من النار))[1].


وعن عبدالله بن الزُّبير رضي الله عنه قال: قلتُ للزبير رضي الله عنه: إني لا أسمعُك تُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدِّث فلان وفلان، قال: أمَا إني لم أفارقه، ولكن سمعتُه صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن كذب عليَّ، فليتبوأ مقعده من النار))[2].


وعن مجاهد قال: صحبتُ ابن عمر رضي الله عنهما إلى المدينة، فلم أسمَعْه يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا[3].


وقال الشعبي: جالستُ ابن عمر رضي الله عنهما سَنةً، فما سمِعتُه يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا[4].
قال ابن حجر: فيه ما كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم عليه مِن توقي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند الحاجة؛ خشيةَ الزيادة والنقصان، وهذه كانت طريقة ابن عمر رضي الله عنه ووالده عمر رضي الله عنه، وجماعة، وإنما كثرتْ أحاديث ابن عمر رضي الله عنه مع ذلك؛ لكثرة مَن كان يسأله ويستفتيه[5].


وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: قلنا لزيدِ بن أرقم رضي الله عنه: حدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كبِرْنا ونسينا، والحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدٌ[6].


وعن السائب بن يزيد قال: صحِبتُ سعد بن مالك رضي الله عنه من المدينة إلى مكة، فما سمعتُه يُحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديثٍ واحد[7].


وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: ‏أَيْ‏ ‏مطرفُ،‏ ‏والله ‏إن كنت لأرى أني لو شئت حدَّثتُ عن نبي الله صلى الله عليه وسلم‏ ‏يومينِ متتابعين، لا أعيد حديثًا، ثم لقد زادني بطئًا عن ذلك وكراهيةً له أن رجالًا من ‏ ‏أصحاب محمد‏ صلى الله عليه وسلم،‏ ‏أو من بعض ‏أصحاب محمد‏ صلى الله عليه وسلم ‏شهِدتُ كما شهِدوا، وسمِعتُ كما سمِعوا، يُحدِّثون أحاديث ما هي كما يقولون، ولقد علمت أنهم لا يألُون عن الخير، فأخاف أن يشبَّهَ لي كما شبِّه[8].
قال ابن قتيبة عقب هذا الكلام: فأعلَمَك أنهم كانوا يغلطون، لا أنهم كانوا يتعمدون[9].


وقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان ينهَى الصحابة رضوان الله عليهم عن الإكثار من الحديث؛ فعن قرظة بن كعب رضي الله عنه قال: بعَثنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة وشيعنا، فمشَى معنا إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لمَ مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحقِّ صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديثٍ أردتُ أن أحدِّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تَقدَمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيزٌ كهزيز المِرجَل، فإذا رأوكم مدُّوا إليكم أعناقهم وقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فأقِلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنا شريككم، فلما قدِم قرظة قالوا: حدِّثنا، قال: نهانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه[10].


قال ابن كثير معقبًا على ذلك: وهذا محمولٌ من عمر رضي الله عنهعلى أنه خشي من الأحاديث التي قد يضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتَّكِلون على ما فيها من أحاديث الرُّخَص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعضُ الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه، أو نحو ذلك[11].


فمقصود عمر بن الخطاب هو عدم التجاسر على الإكثار من الرواية؛ خشيةَ أن تزل القدمُ، وتنسى الذاكرة، فيقع الناس في شبهة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن قتيبة: وكان كثير من جِلَّة الصحابة رضوان الله عليهم، وأهل الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأبي بكر، والزبير، وأبي عُبيدة، والعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهم - يقِلُّون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئًا؛ كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة[12].


الثاني: عدم التحديث بكل ما سمِعوا:
فإن الإكثار من التحديث مَظِنَّة الوقوع في الخطأ، والعاقل ينتقي مما يسمع ما يناسب المستمع، فليس كلُّ ما يُعرف يُقال، ولا كل ما يقال حضَر أهله، ولا كل مَن حضر أهله حضر وقته، وهذا منهج نبوي؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمِع))[13].


وصح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهأنهما قالا: بحسب المرء من الكذب أن يُحدِّث بكل ما سمِع[14].


[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، 1/ 243، رقم: 108، ومسلم في مقدمة صحيحه، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/ 10، رقم: 2، كلاهما بلفظه.

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، 1/ 242، رقم: 107.

[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الفهم في العلم، 1/ 198، رقم: 72.

[4] أخرجه ابن ماجه في مقدمة سننه، باب التوقِّي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/ 11، رقم: 26، وصححه الألباني؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 10، رقم: 24، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[5] فتح الباري 1/ 199.

[6] أخرجه ابن ماجه في مقدمة سننه، باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/ 11، رقم: 25، وصححه الألباني انظر: صحيح سنن ابن ماجه 1/ 10، رقم: 23، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[7] أخرجه ابن ماجه في مقدمة سننه، باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/ 12، رقم: 29، وصححه الألباني؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه 1/ 11، رقم: 27، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[8] مسند أحمد 15/ 67، رقم: 19779، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات، ولا شَكَّ أنه أراد بذلك أنهم يغلطون لا أنهم يتعمَّدون الكذب، وأن الصحابة الآخرين يُصَوِّبُون لهم ويراجعونهم إذا أخطؤوا.

[9] تأويل مختلف الحديث؛ لابن قتيبة، صـ: 40.

[10] أخرجه ابن ماجه في مقدمة سننه بلفظه، باب التوقِّي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/ 12، رقم: 28، وصححه الألباني؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 11، رقم: 26، والحاكم في المستدرك بنحوه، كتاب العلم 1/ 102، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.


[11] البداية والنهاية 8/ 102.

[12] تأويل مختلف الحديث؛ لابن قتيبة صـ: 40.

[13] أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع 1/ 10، رقم: 5.

[14] أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع 1/ 11.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-10-2020, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (11)
د. أيمن محمود مهدي





أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.


والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهود ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتَها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة.


وسأذكرُ أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهدُ الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.
الحادي عشر: وضع وسائل مُتَنَوِّعة للتأكُّد مِن صدق الراوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم
الصحابة رضوان الله عليهم كلُّهم عدولٌ كما أسلفنا، وهم فيما بينهم محلُّ ثقةٍ وتقدير، ولم يكن يُكذِّب بعضُهم بعضًا في الرواية، بل كانوا يَسْمَعون الحديث مِن النبي صلى الله عليه وسلم تارةً، ويَسْمعونه من أصحابه تارةً أخرى، فيروونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا ابنُ عباس رضي الله عنه يروي حديث: ((الرِّبا في النَّسِيئَة))، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رُوجِع فيه، قال: أخبرني به أسامة بن زيد رضي الله عنه.[1]
ويروي ابنُ عباس رضي الله عنهحديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الجَمْرَةَ)، عن أخيه الفضل بن العباس رضي الله عنه.[2]


وهذا أبو هريرة رضي الله عنهيَقُصُّ يقول في قصصه: (مَنْ أَدْرَكَهُ الفَجْرُ جُنُبًا، فَلَا يَصُمْ)، فبلغ ذلك عائشةَ وأمَّ سلمة رضي الله عنهما، فكلتاهما قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ ثُمَّ يَصُومُ)، فلما بلغ ذلك أبا هريرة رضي الله عنه قال: أهما قالتَاه؟ هما أعلم، ثم رَدَّ أبو هريرة رضي الله عنه ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس رضي الله عنه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعتُ ذلك مِن الفضل رضي الله عنه، ولم أسمَعْه من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فرجع أبو هريرة رضي الله عنه عما كان يقول في ذلك.[3]


والأمثلة على هذا كثيرةٌ، ولكن هذا لم يمنَعْهم من التثبُّت في قَبول الأخبار؛ حرصًا على الضبط والإتقان حين التحديث، وخشيةَ وقوع الراوي في الخطأ أو النسيان، وقد وضعوا لذلك وسائل عديدة؛ من أشهرها:
1- استحلاف الراوي على صدق روايته:
قال الذهبي في ترجمةِ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان إمامًا عالِمًا مُتَحَرِّيًا في الأخذ؛ بحيث إنه يستحلف مَن يحدِّثه بالحديث.[4]
ثم نقل عنه أنه قال: كنتُ رجلًا إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدَّثني أحدٌ من أصحابه استحلفتُه، فإذا حلف لي صدَّقتُه...، الحديث.[5]
قال ابن قتيبة: أفما ترى تشديد القوم في الحديث، وتوقِّي مَن أمسك؛ كراهية التحريف، أو الزيادة في الرواية أو النقصان.[6]
قلت: لم يكن الاستحلاف عامًّا عند الصحابة، بل كان لزيادة التوقِّي والتأكُّد في بعض الأوقات، ومن بعض الأشخاص.


2- طلب شاهد على الرواية:
وهذه أمثلة على ذلك:
أ‌- قال الذهبي: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أوَّلَ مَن احتاط في قَبول الأخبار.[7]
روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذُؤيب قال: جاءت الجدَّةُ إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها، فقال: ما لكِ في كتاب الله تعالى شيءٌ، وما علمتُ لكِ في سُنة نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فارجِعي حتى أسأل الناس، فسأل الناسَ، فقال المغيرةُ بن شُعبة رضي الله عنه: حضرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السُّدُسَ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هل معك غيرُك؟ فقام محمد بن مَسْلمة رضي الله عنه، فقال مثلَ ما قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه؛ فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.[8]
ولم يكن ذلك شكًّا في المغيرة رضي الله عنه ولا ردًّا لخبره، بل توقُّفٌ حتى يأتيَه ما يُؤيِّد هذا الخبرَ ويشهد له؛ زيادةً في التثبُّت والاحتياط.


ب‌- وعن أبي سعيدٍ الخدْري رضي الله عنه قال: كنتُ في مجلسٍ من مجالس الأنصار؛ إذ جاء أبو موسى رضي الله عنه كأنه مذعورٌ، فقال: استأذنتُ على عمر رضي الله عنه ثلاثًا، فلم يُؤْذَن لي، فرجَعتُ، فقال: ما منعك؟ قلتُ: استأذنتُ ثلاثًا، فلم يُؤذَنْ لي فرجَعتُ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا استَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ))، فقال: والله لتُقيمَنَّ عليه بيِّنة، أمنكم أحدٌ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟فقال أُبَي بن كعب رضي الله عنه: واللهِ لا يقوم معك إلا أصغرُ القوم، فكنتُ أصغر القوم، فقمتُ معه، فأخبرتُ عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.[9]
ولم يكن ذلك شكًّا في أبي موسى رضي الله عنه ولا ردًّا لخبره، بل توقُّفٌ حتى يأتيَه ما يؤيِّد هذا الخبر ويشهد له؛ زيادةً في التثبُّت والاحتياط.
ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خَفِيَ عَلَيَّ هذا مِن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألهاني عنه الصَّفْقُ بالأسواق.[10]
وقال أُبَي بن كعب رضي الله عنه له: يا بن الخطاب، لا تكوننَّ عذابًا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: سبحان الله! إنما سمعتُ شيئًا فأحببتُ أن أتثبَّت.[11]


ج- عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب الزهري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ))، قال مالك: قال ابن شهاب: ففحص عن ذلك عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ))، فأجلى يهودَ خيبر.[12]

وإنما كان هذا من أبي بكرٍ رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه؛ لإشعار الناس بخطورة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لئلَّا يستهينوا بها، ولئلَّا يجترئ غيرُ الصحابة رضوان الله عليهم، فيقولوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ويُدْخِلُوا في حديثه صلى الله عليه وسلم ما ليس منه؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى رضي الله عنه: أَمَا إنِّي لم أَتَّهِمْك، ولكن خشيتُ أن يتقوَّل الناسُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم[13].

ولقد اشتَهَر منهج عمر رضي الله عنه في التثبُّت والاحتياط في نقل السُّنة بين الصحابة والتابعين، حتى قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: إيَّاكم وأحاديث إلا حديثًا كان في عهد عمر رضي الله عنه؛ فإن عمر رضي الله عنه كان يُخيف الناس في الله عز وجل.[14]


3- التأكُّد من حفظ الراوي بطلب سماع الحديث منه مرةً أخرى، أو بسؤاله، أو بمراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ للتأكُّد من ضبطه:
فقد يسمع الصحابيُّ الحديثَ من صحابيٍّ مثله، فيستغرب معناه، أو يستغرب مِن حفظه، أو من شيءٍ آخر، فيسأله بعد فترةٍ من الزمن؛ ليتأكَّد من حفظه للحديث، وهذه أمثلة على ذلك:
1- عن عروة بن الزبير قال: قالَتْ لي عائشة رضي الله عنها: يا بن أختي، إن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه مارٌّ بنا إلى الحج، فالقه، فاسأله؛ فإنه حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا، قال: فلقيتُه، فساءلتُه عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عروة: فكان فيما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا ينتزِعُ العلمَ مِن الناس انتزاعًا، ولكن يقبِضُ العلماء، فيرفع العلم معهم، ويُبقِي في الناس رؤوسًا جُهَّالًا، يفتونهم بغير علم، فيَضِلُّون ويُضِلُّون)).
قال عروة: فلما حدَّثتُ عائشة رضي الله عنها بذلك، أَعْظَمَتْ ذلك، وأنكرَتْه، قالت: أَحَدَّثَكَ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابِلٌ، قالت له: إن ابن عمرو رضي الله عنه قد قَدِم فالقه، ثم فَاتِحْهُ حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيتُه، فساءلتُه، فذكره لي نحو ما حدَّثني به في المرة الأولى، قال عروة: فلمَّا أخبرتُها بذلك قالت: ما أحسبه إلَّا قد صدق، أراه لم يزِدْ فيه شيئًا، ولم ينقص.[15]
وليس معنى هذا أنها اتَّهمَتْه في روايته للحديث، لكنها خافت أن يكون اشتبه عليه، أو قرأه من كتب الحكمة، فتوهَّمه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كرَّره مرةً أخرى وثبت عليه، غلب على ظنها أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم[16].


2- وحدَّث عمرو بن عبَسَة رضي الله عنهيومًا بحديثٍ طويلٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: يا عمرو بن عَبَسَة، انظر ما تقول، في مقامٍ واحدٍ يُعْطَى هذا الرجل؟ فقال عمرو رضي الله عنه: يا أبا أمامة، لقد كبِرَتْ سِنِّي، ورقَّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجةٌ أن أكذب على الله عز وجل، ولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرَّةً أو مرَّتين أو ثلاثًا حتى عدَّ سبع مرات، ما حدَّثتُ به أبدًا، ولكني سمعتُه أكثر من ذلك[17].

وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال له رجلٌ من بني ليث: إن أبا سعيد الخدري رضي الله عنهيأثِرُ هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عبدالله رضي الله عنه، ونافعٌ معه، حتى دخل على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،فقال: إن هذا أخبرني أنك تُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الوَرِق بالوَرِق إلا مِثلًا بمِثل، وعن بيع الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، فأشار أبو سعيد رضي الله عنهبإصبعيه إلى عينيه وأذنيه، فقال: أبصَرَتْ عيناي، وسمِعَتْ أذناي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تبيعوا الذَّهبَ بالذهب، ولا تبيعوا الوَرِقَ بالوَرِقِ، إلا مثلًا بمثل، ولا تُشِفُّوا[18] بعضه على بعض، ولا تبيعوا شيئًا غائبًا منه بناجزٍ، إلا يدًا بيدٍ))[19].


3- أراد مروان بن الحكم - والي المدينة - أن يختبر قوَّةَ حفظ أبي هريرة رضي الله عنه؛ نظرًا لكثرة الأحاديث التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل ما حدَّث به أبو الزُّعَيْزِعَة كاتب مروان، قال: دعا مروان بن الحكم أبا هريرة رضي الله عنه، فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلتُ أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحولِ، دعا به فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر.[20]
ولهذا قال الإمام الذهبي مُعَلِّقًا على هذه القصة: هكذا فليَكُنِ الحفظُ.[21]

4- عن سِماك رضي الله عنه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ كَذَّابِينَ))، قال: فقلتُ له: أنت سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.[22]

5- لَمَّا قدِم عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن ببُدْنِ النبي صلى الله عليه وسلم، وجد فاطمة رضي الله عنها ممن حلَّ، ولبِسَتْ ثيابًا صبيغًا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا، قال: فكان عليٌّ رضي الله عنه يقول بالعراق: فذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا على فاطمة رضي الله عنها للذي صَنَعَتْ، مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرَتْ عنه، فأخبرتُه أني أنكرتُ ذلك عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((صَدَقَتْ، صَدَقَتْ)).[23] [24]


وهذا لا يعني أنهم كانوا يشترطون هذه الشروط في كل الروايات، بل كانوا يَقبَلون الحديث إذا رواه واحدٌ، إذا لم يعلموا معارِضًا له، وثبت عندهم أن راويَه حافظٌ، وأن معناه مشهورٌ بينهم، وهذا موجودٌ في معظم السُّنن؛ ولذلك كانوا يَقبَلون الأحاديث من هذا النوع، دون الحاجة إلى شيء من ذلك، وما رُوي عنهم بخلاف ذلك إنما كان لمصلحةٍ اقتضَتْه، ولم يكن منهجًا عامًّا دائمًا في كل الروايات.
والأمثلة التي ذكرتُها تدلُّ دلالةً بيِّنة على تحرِّي الصحابة رضوان الله عليهم، وتُظْهِرُ ما كانوا عليه من التثبُّت والتدقيق في قَبول الأخبار؛ صونًا لها من التحريف، وصيانةً لها من التبديل، وليس في تمحيصهم للرواية وتشدُّدهم في قَبولها ما يُفيد أنهم كانوا يُكَذِّبون ناقلَ الحديث، بل كانوا يَخْشَون الخطأَ في النقل، والغلطَ في الحفظ، والوهمَ في الضبط، فلا يُؤدَّى الحديثُ على وجهه الصحيح.


[1] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مِثلًا بمِثل، 3/ 1217، رقم: 1596.

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجَمْع، 3/ 607، رقم: 1670، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب إدامةِ الحاجِّ التلبيةَ حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، 2/ 931، رقم: 1281، كلاهما بلفظه.

[3] أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جُنُب، 2/ 779، رقم: 1109، وأخرجه بنحوه: البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنبًا، 4/ 170، رقم: 1925، 1926.

[4] تذكرة الحفاظ؛ للذهبي 1/ 10.

[5] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، 2/ 87، رقم: 1521، والترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب من سورة آل عمران 5/ 10، رقم: 3017، كلاهما بلفظه، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 33، رقم: 2404، وأحمد في مسنده بنحوه 1/ 165، رقم: 2، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال ابن حجر: هذا الحديث جيد الإسناد؛ تهذيب التهذيب 1/ 284، قلت: إسناده حسن؛ فيه أسماء بن الحكم الفزاري، صدوق، ومدار الحديث عليه، وباقي رجاله ثقات؛ تقريب التهذيب 1/ 47، رقم: 441.

[6] تأويل مختلف الحديث؛ لابن قتيبة صـ: 40.

[7] تذكرة الحفاظ 1/ 2.

[8] أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الفرائض، باب في الجدة، 3/ 121، رقم: 2894، وأخرجه بنحوه: الترمذي في سننه، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة، 4/ 32، رقم: 2107، 2108، وابن ماجه في سننه، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، 2/ 909، رقم: 2724، ومالك في الموطأ، كتاب الفرائض، باب في ميراث الجدة صـ: 407، وأورده الألباني في ضعيف سنن أبي داود، رقم: 617، وضعيف سنن الترمذي صـ: 237، رقم: 370، وضعيف سنن ابن ماجه صـ: 218، رقم: 595، قلت: إسناده ضعيف؛ لأنه منقطع؛ لأن قبيصة لم يُدرِك أبا بكر رضي الله عنه.

[9] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الاستئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثًا، 11/ 28، رقم: 6245، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب الآداب، باب الاستئذان، 3/ 1694، رقم: 2153.

[10] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب الاستئذان، 3/ 1696، رقم: 2153.

[11] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب الاستئذان، 3/ 1696، رقم: 2153.

[12] أخرجه مالك في الموطأ مرسلًا بلفظه، كتاب الجامع، باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة صـ: 680، والحديث في الصحيحين من رواية ابن عباس رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 6/ 312، رقم: 3168، ومسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، 3/ 1257، رقم: 1637، كلاهما بلفظ: ((أخرِجُوا المشركين من جزيرة العرب)).

[13] أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان صـ: 734 وإسناده منقطع؛ لأنه من رواية ربيعة بن عبدالرحمن عن غير واحد من العلماء، وقد وصله الشيخان من طريق عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير بدون الجملة الأخيرة؛ انظر تخريج الحديث في الصفحة السابقة.

[14] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، 2/ 718، رقم: 1037.

[15] أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، 4/ 2059، رقم: 2673، والبخاري في صحيحه بنحوه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنة، باب ما يُذكر من ذمِّ الرأي وتكلُّف القياس 13/ 295، رقم: 7307.

[16] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 225.

[17] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه، 1/ 569، رقم: 832.

[18] أي لا تُفَضِّلوا، والشَّفُّ: النُّقصان أيضًا؛ فهو من الأضداد، يقال: شَفَّ الدِّرهمُ يَشِفُّ، إذا زَادَ وإذا نَقَص، وأشَفَّه غيره يُشِفُّه؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 435.

[19] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الربا، 3/ 1208، رقم: 1584.

[20] أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبي هريرة رضي الله عنه، 3/ 510، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.

[21] سير أعلام النبلاء، 2/ 598.

[22] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، 4/ 2239، رقم: 2923.


[23] أصل التحريش: الإغراء، والمراد به هنا: أن يظهر له ما يقتضي عتابها؛ راجع: النهاية في غريب الحديث 1/ 354.

[24] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، 2/ 888، رقم: 1218.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 257.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 251.42 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]