باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 544 - عددالزوار : 133122 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2805 )           »          مالٌ لا يغرق! (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 43525 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 37087 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 71536 )           »          فأنا أقسم عليك لما سقيتهم(قصة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حديث: رب أشعث مدفوع بالأبواب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          لا هادي إلا الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كل أحاديث يوم عاشوراء من صحيح الجامع.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-10-2020, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها

باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1)
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح









وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً بِلَحْمٍ. فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ. فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ. وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ، وَمَا لاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ. فَيَأْتُونَ آدَمَ. فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ. خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ. وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِي. نَفْسِي. اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي. اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُل إِلَى الأَرْضِ. وَسَمَّاكَ الله عَبْداً شَكُوراً. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي. نَفْسِي. نَفْسِي. اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ كذبَاتِهِ. نَفْسِي. نَفْسِي. اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَىٰ. فَيَأْتُونَ مُوسَىٰ فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَىٰ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ. فَضَّلَكَ الله، بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلَى النَّاسِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَىٰ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا. نَفْسِي. نَفْسِي. اذْهَبُوا إِلَى عِيسىٰ. فَيَأْتُونَ عِيسىٰ فَيَقُولُونَ: يَا عِيسىٰ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ. فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسىٰ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْباً. نَفْسِي. نَفْسِي. اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي. اذهبوا إِلَى مُحَمَّدٍ. فَيَأْتُونّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ. وَغَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي. ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي. ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ. سَلْ تُعْطَهْ. اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ، مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ، منَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ. وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ. فِيمَا سِوَى ذٰلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ. أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى".



وجاء هذا الحديث في الصحيحين من حديث أنس أيضاً وفيه من الزيادات:

"ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رأْسكَ. وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ. وَسَلْ تُعْطَهْ. وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: رَبِّ أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ. ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ. وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ. وَسَلْ تُعْطَهْ. وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ. ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ. ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ. وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ. وَسَلْ تُعْطَهْ. وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ".

وفيه: "ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ. ثُمَّ أُخِرُّ لَهُ سَاجِداً. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسُكَ. وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ. وَسَلْ تُعْطَ. وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. "فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ وَلٰكِنْ، وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله".



وفيه: وَذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ "فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ. أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ". وعند البخاري معلقا: "ثم تلا الآية: ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، قال: وهذا المقامُ المحمودُ الذي وُعِدَهُ نَبيكم صلى الله عليه وسلم".

وفي حديث أبي هريرة وحذيفة: "فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً. فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ. وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ. فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِيناً وَشِمَالاً. فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ...".

وللبخاري من حديث ابن عمرَ رضيَ الله عنهما: "إنَّ الناسَ يَصيرونَ يومَ القيامةِ جُثاً، كل أمةٍ تَتبَعُ نبيّها. يقولون: يا فلانُ اشفَعْ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذلكَ يومَ يَبعثُهُ اللَّهُ المقامَ المحمود".



ترجمة رواة الأحاديث:

أبو هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.

وأنس رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الثالث من كتاب الإيمان.

وحذيفة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الثالث والسبعين من كتاب الإيمان.

وابن عمر رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث السادس من كتاب الإيمان.



تخريج الأحاديث:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم حديث " 194"، وأخرجه البخاري في " كتاب أحاديث الأنبياء" " باب قول الله تعالى ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ ﴾ حديث "3340"، وأخرجه الترمذي في " كتاب الزهد" " باب ما جاء في الشفاعة " حديث " 2434"، وأخرجه ابن ماجه في " كتاب الأطعمة " " باب أطايب اللحم " مختصراً حديث " حديث " 3307"

وأما حديث أنس رضي الله عنه فأخرجه مسلم حديث "193"، وأخرجه البخاري في " كتاب التوحيد " " باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم " حديث " 7510"

وأما حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما فأخرجه مسلم حديث 195"، وانفرد به عن البخاري، وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فأخرجه البخاري في كتاب التفسير " باب قوله تعالى ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ الإسراء: 79 " حديث " 4718"، وانفرد به عن مسلم.



شرح ألفاظ الأحاديث:

" فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ": كانت تعجبه الذراع وهي يد الحيوان لنضجها ولذتها، وفائدة ذكر الراوي لهذا الوصف زيادة توثيق الرواية.

" فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ": أكثر الرواة رووه بالسين، ووقع في بعض الروايات بالشين وكلاهما بمعنى واحد، أي أخذ بأطراف اسنانه، وقيل: النهس الأخذ بأطراف البنان، والنهش بالأضراس.

" أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ": قال القاضي عياض رحمه الله:" قيل السيد الذي يفوق قومه، والذي يفرغ إليه عند الشدائد، والنبي صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والآخرة وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيها" [شرح النووي لمسلم 3 / 62].

" فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ": الصعيد الأرض الواسعة المستوية.

" فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ": بضم الياء وكسر الميم: أي يصل صوت الداعي إليهم جميعاً بقوة ووضوح.

"وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ": بفتح الياء وضم الفاء والذال، أي يدركهم البصر لأن الأرض تكون سطحاً واحداً بخلاف الآن فهي مكورة، قال القرطبي رحمه الله:" معناه: أنهم مجتمعون مهتمون بماهم فيه، لا يخفى منهم أحد، بحيث إن دعاهم داعٍ سمعوه، وإن نظر إليهم ناظر أدركهم، ويحتمل أن يكون الداعي هو الذي يدعوهم إلى العرض والحساب أو أمر آخر كقوله تعالى: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إلى شيء نُّكُرٍ ﴾ [القمر:6].

" أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟": أي ألا ترى إلى ما وصل إلينا من الكرب والشدة؟

" وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي ": يريد قوله ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح:26]، وفي حديث أنس رضي الله عنه أن نوحاً ذكر خطيئته وخطيئته أنه سئل ما ليس له به علم قال: ﴿ قَالَ رَبّ إِنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أَسْأَلك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإِلَّا تَغْفِر لِي وَتَرْحَمنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [نوح:47].

" وَذَكَرَ كذبَاتِهِ ": وهي قوله في الكوكب: ﴿ هـذا رَبّي ﴾ ومنها قوله لآلهتهم: ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا ﴾ ومنها قوله: ﴿ إِنِّي سَقِيْمٌ ﴾ ومنها ما جاء في الحديث المتفق عليه أن إبراهيم عليه السلام قالعن زوجه سارة حين دخل أرض الجبار فسئل عنها قال "إنها أختي" أي أختي في الإسلام، قال القرطبي:"(وذكر كذباته) قد فسرها في الرواية الأخرى بما ليس كذباً في التحقيق.....وعلى الجملة فأوجه هذه الأمور واضحة" [المفهم 1 / 432] أي ليست كذباً على الحقيقة وإنما تعريضاً، قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" وهي ليست كذباً لأنها تورية، لكن من شدة تعظيمه لله جعلها بمنزلة الكذبات" [التعليق على مسلم 1 / 680].

"إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ ": المصراعان بكسر الميم جانبا الباب

" لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ. أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى": الشك من الراوي في أي اللفظتين جاء ويحتمل أن يكون تنويعاً منه صلى الله عليه وسلم. [انظر المفهم 1 / 439].

قال النووي رحمه الله:" هجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة في بلاد البحرين... وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث "إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر تلك قرية من قرى المدينة... وأما بصرى فبضم الباء، وهي مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل، وهي مدينة حوران وبينها وبين مكة شهر" [شرح النووي لمسلم 3 / 64].

" وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ": من الشفاعة أي اشفع تقبل شفاعتك.

" حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ": واحدة البر أو الشعير.

" فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ": قال القرطبي رحمه الله:" تنبيه: في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن المحامد كانت بعد السجود، وفي حديث أنس قبل السجود في حالة القيام، وذلك يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أكثر من التحميد والثناء في هذا المقام كله في قيامه وسجوده إلى أن أُسْعِفَ في طلبته" [المفهم 1 / 436].

" مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ ": جاء في الحديث تفسير هذه اللفظة من قول قتادة رحمه الله كما في بعض الروايات قال: "أي وجب عليه الخلود " والمعنى أنه لم يبق إلا من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار".

" جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ ": أي جانباه.

"إنَّ الناسَ يَصيرونَ يومَ القيامةِ جُثاً " جثاً جمع جاثٍ وهو الذي يجلس على ركبتيه. [انظر النهاية لابن الأثير مادة (جثا) ص (138)].



من فوائد الأحاديث:

الفائدة الأولى: الأحاديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأفضل المرسلين، لقوله صلى الله عليه وسلم:" أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فإن قيل لماذا خص يوم القيامة بالسؤدد، ولم يذكر فضيلته وسؤدده في الدنيا؟

فالجواب: قال القاضي عياض رحمه الله:" وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيها، وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع أبنائه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ لِلَّـهِ الواحِدِ القَهّارِ ﴾ [غافر:16] أي انقطعت دعاوى الملك في ذلك اليوم والله أعلم " [شرح النووي لمسلم 3 / 62].



الفائدة الثانية: الأحاديث دليل على إثبات الحشر يوم القيامة، لقوله "يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد" والحشر ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ اَلأَوَّلِينَ وَاَلأَخِرِيْنَ * لَمَجْمُوْعُوْنَ إِلَى مِيْقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُوْمٍ[الواقعة: ٤٩ - ٥٠].

ومن السنة: أحاديث الباب، وحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقُرْصة النقي ليس فيها علم لأحد " متفق عليه. [عفراء: هي بيضاء المائلة إلى حمرة، والنقي: هو الدقيق] وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.

حتى البهائم تحشر يوم القيامة



دل على ذلك الكتاب والسنة.

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا اَلْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾ [التكوير: ٥]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيْرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَافَرَّطْنَا فِي اَلْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: ٣٨].

ومن السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " رواه مسلم. [والجلحاء هي التي لا قرن لها].

قال النووي: " هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه دعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة... قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب، وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة... " [انظر شرح النووي لمسلم المجلد (16) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم].

وأيضاً هو قصاص يبيَّن مدى العدل التام في ذلك اليوم حتى بين البهائم وأنه كما قال الله تعالى: ﴿ لاَ ظُلْمَ اَلْيَوْم ﴾.



يحشر الناس عراة حفاة غرلا.

لحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قالت: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ".

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنكم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيْدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِيْنَ ﴾، وأول من يُكسى إبراهيم " متفق عليه.

حفاة: أي غير منتعلين، عراة: أي ليس عليهم أثواب كما ولدتهم أمهاتهم، غرلاً: أي غير مختونين.

وإذا احُشر الناس كان في ذلك الجمع –كما في حديث الباب- هم وغم وكرب ودنو للشمس من الناس مقدار ميل كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سليم بن عامر عن المقداد مرفوعاً: " تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم مقدار ميل " قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض، أم الميل الذي تُكحل به العين ".



الفائدة الثالثة: الأحاديث دليل على إثبات الشفاعة:

والكلام على الشفاعة من عدة وجوه:

أولاً: معنى الشفاعة

الشفاعة لغة: من الشفع ضد الوتر، وهو ضم الشيء إلى مثيله.

واصطلاحاً: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.



ثانياً: للشفاعة من حيث ثبوتها نوعان:

1- شفاعة شرعية (شفاعة مثبتة)

وهي الشفاعة المقبولة، ويدخل تحتها أنواع سيأتي بيانها، وهذه الشفاعة لا بد فيها من توفر شرطين:

الأول: الإذن للشافع أن يشفع. والثاني: الرضا عن المشفوع له.

ويدل عليهما: قوله تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي اَلْسَّمَواتِ لاَتُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اَللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: ٢٦]، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا اَلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: ٢٥٥].

2- شفاعة شركية (شفاعة منفية)

وهي الشفاعة للكافرين فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة، كما قال المصنف: ( ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين ).

ويدل على ذلك: قوله تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ اَلْشَّافِعِيْنَ ﴾ [المدثر: ٤٨].



ثالثاً: أنواع الشفاعة الشرعية

1- الشفاعة العظمى:

وهي شفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي شفاعة يكون بها إراحة من هول الموقف كما دلَّ عليها حديث أبي هريرة وحديث أنس في الباب، ففي حديث أنس يقول الناس:" لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا" وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أئتوا آدم..." الحديث، وفيه يأتون آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، وكل واحد منهم يقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، وآخرهم عيسى عز وجل فيقول:" اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله علي، ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي...."الحديث، فيشفع صلى الله عليه وسلم لأمته.



2- شفاعته صلى الله عليه وسلم بدخول أهل الجنة الجنة:

دلَّ عليها حديث أنس رضي الله عنه – وسيأتي قريبا- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعاً " وفي رواية:" فأستفتح فيقول الخازن من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك " رواه مسلم.



3– شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب بأن يخفف عنه العذاب:

وذلك لأن أبا طالب مات كافراً فلا يخرج من النار ولكن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يخفف عنه من العذاب.

ويدل على ذلك: حديث أبي سعيدرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال:" لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه " وفي رواية: "ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار " متفق عليه.

وهذه الأنواع الثلاثة السابقة خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.



4- الشفاعة في خروج الموحدين من النار:

دلَّ عليها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي قال صلى الله عليه وسلم:" يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّة من خير، ويخرج من النار مَنْ قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير " متفق عليه، وكذا لفظ حديث أنس في الباب.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه – وسيأتي قريباً - قال: قال رسول الله:" لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجَّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " رواه مسلم.

وحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " رواه أحمد وأبو داود والترمذي والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

والخوارج والمعتزلة ينكرون هذا النوع من الشفاعة لأنه كما تقدم من مذهبهم أن صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان فالسارق والزاني وغيرهما من أهل الكبائر عندهم خرجوا من الإيمان فلا تنفعهم الشفاعة، وقولهم قول باطل مردود بالأدلة الكثيرة التي تخالف معتقدهم.



5- الشفاعة فيمن استحق النار ألا يدخلها:

وهذه من أنواع الشفاعة التي يذكرها أهل العلم، وقد يستدل لها بحديث ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه" رواه مسلم.



6- الشفاعة في رفع درجات أقوام من أهل الجنة:

وهذه قد تكون بفضل ما جعله الله من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض، كما في حديث أم سلمة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين توفي فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهدين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه " رواه مسلم.

وهذه الأنواع الثلاثة ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل لسائر الأنبياء والصديقين والمؤمنين.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-10-2020, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها



7- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوم من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب:

كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعكاشة بن محصن أن يجعله من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين.

ومن أهل العلم من يزيد نوعاً ثامناً وهي الشفاعة فيمن استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم أهل الأعراف.

وكما ذكر المصنف وتقدم بيانه أن هناك من الشفاعة من يشفع فيها الأنبياء والمؤمنون والشهداء والصالحون والملائكة على قدر مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم، فالشهيد مثلاً يشفع في سبعين من أهل بيته كما ورد عند أبي داود وابن حبان.



رابعاً: من الأعمال التي ينال بها المسلم الشفاعة ما يلي:-

1- قول " لا إله إلا الله " خالصة من القلب:

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله مَنْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: " لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوَّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: " لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" رواه البخاري.

2- قول الذكر الوارد بعد الأذان:

وهو ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة " رواه البخاري.

3- الصبر على شدة المدينة ولأواءها لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً " رواه مسلم، والمقصود بـ (لأواءها) أي شدتها وضيق العيش فيها.

4- الموت في المدينة:

لحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.



فائدة: هناك من الأعمال ما تمنع العبد أن يكون شفيعاً لأحد يوم القيامة ومن ذلك من يكثر اللعن فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة " قال النووي: " وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء، فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار، ولا شهداء، فيه ثلاثة أقوال: أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات، والثاني: لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم، والثالث: لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله " [انظر شرح مسلم للنووي المجلد (16) كتاب البر والصلة، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها].



الفائدة الرابعة: في الأحاديث بيان بعض فضائل وخصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذكر اعتذارهم وفي ذلك فوائد منه ما يلي:

أولاً: آدم عليه السلام:

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول الناس:" يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ. خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ"

اختلف في سبب اختيار هؤلاء الأنبياء في الاستشفاع دون غيرهم، وتأهلهم لهذا المقام العظيم، وكان الاستشفاع بآدم عليه السلام أولاً لكونه أبو البشر، وتوجه الإنسان لأبيه في الشدائد أمر طبيعي، وأما بقية الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد فلأنهم والله أعلم أولوا العزم من الرسل، وأولوا العزم أفضل الرسل، وقيل اختصوا بهذا لأنهم أصحاب رسالات أرسلوا لأقوامهم.

فإن قيل ما الحكمة من إلهام الناس أن يسألوا أولاً: آدم ومن بعده من الرسل، ولم يسألوا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أول مرة.

فالجواب: قال النووي رحمه الله:" هي والله أعلم إظهار فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم لو سألوه ابتداءً لكان يحتمل أن غيره يقدر على هذا ويحصله، وأما إذا سألوا غيره من رسل الله تعالى وأصفيائه فامتنعوا، ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإدلال والأنس" [شرح النووي لمسلم 3 / 54].

قوله في آدم " خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ" قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، والعلم عند الله، أما بقية الخلائق فخلقوا بالكلمة: كن فيكون.

وقوله " وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ" ليس المراد أن الله نفخ فيه من روحه هو نفسه، وذلك لأن هذه الروح مخلوقة، وصفات الله عز وتعالى غير مخلوقة، لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله عز وجل تكريماً وتشريفاً كما في قوله تعالى: ﴿ وَطَهِّر بَيتِيَ لِلطّائِفينَ [سورة الحج:26]، وكما في قوله تعالى:﴿ وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَساجِدَ اللَّـهِ أَن يُذكَرَ فيهَا اسمُهُ وَسَعى في خَرابِها ﴾ [سورة البقرة: 114]، وكقوله تعالى: ﴿ ناقَةَ اللَّـهِ وَسُقياها ﴾ [الشمس: 13]، فهي روح مخلوقة أضيفت إلى الله من باب التشريف والتكريم" [التعليق على مسلم 1 / 672].

النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإذلال والأنس" [شرح النووي لمسلم 3 / 54].

ذكر آدم عليه السلام اعتذار بمعصية وهي الأكل من الشجرة التي نهاه الله تعالى عنه بقوله:﴿ وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ ﴾[سورة الأعراف:19]، لكن آدم وحواء أكلا منها بعد وسوسة الشيطان لهما فاعتذر آدم بهذه المعصية عن الشفاعة.



ثانياً: نوح عليه السلام:

أول رسول بدلالة الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ[سورة النساء:163]، ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب " يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُل إِلَى الأَرْضِ. وَسَمَّاكَ الله عَبْداً شَكُوراً. "أما آدم عليه السلام فهو أول نبي ولم يرسل إلى قوم.

نوح عليه السلام اعتذر للناس بقوله " وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي " ودعوته قوله ﴿ وَقالَ نوحٌ رَبِّ لا تَذَر عَلَى الأَرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيَّارًا ، وفي حديث أنس رضي الله عنه" فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها " وخطيئته أنه سأل الله ما ليس له به علم قال ﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ وتقدم بيان ذلك.

سمى الله نوحاً ﴿ عَبدًا شَكورًا في قوله تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا[سورة الإسراء: 3]، قال ابن عباس:" ومعنى كون نوح عبداً أنه معترف لله بالعبودية غير متكبر بالإشراك، وكونه شكوراً أي بامتثال أوامره، وروي أنه كان يكثر حمد الله، والاقتداء بصالح الآباء مجبولة عليه النفوس ومحل تنافس الأمم بحيث يعد خلاف ذلك كمثير للشك في صحة الأنساب" [التحرير والتنوير 15 / 27].



ثالثاً: إبراهيم عليه السلام:

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول للناس:" أَنْتَ نَبِيُّ اللّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ".

للمحبة درجات أعلاها وأخصها درجة الخلة، وإبراهيم عليه السلام اتخذه الله خليلاً قال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبراهيمَ خَليلًا ﴾ [سورة النساء: 125]، وذلك لأنه أراد ذبح ابنه الذي هو أحب البشر إليه من أجل أن ينال رضا الله ومحبته فأثابه الله بدرجة الخلة، والله تعالى هكذا يفعل بعباده يجازيهم بأحسن مما عملوا ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه".



ولقد نال مرتبة الخلة مع إبراهيم عليه السلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم من حديث جندب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً"

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" وبه نعرف أن وصفنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بخليل الله أبلغ من وصفنا إياه بحبيب الله؛ المحبة أدنى من الخلة" [التعليق على مسلم 1 / 679].

تقدم في شرح الألفاظ الكلام على قوله " وَذَكَرَ كذبَاتِهِ " وأنها ليست بكذب صريح وإنما هي من معاريض الكلام، ولكن أطلق عليها كذبات لشدة تعظيمه لله تعالى أنزلها منزلة الكذب الصريح.



رابعاً: موسى عليه السلام

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول الناس:" فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَىٰ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ. فَضَّلَكَ الله، بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلَى النَّاسِ ".

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" وليس معنى تكليم الله تعالى له اختصاصه بذلك: أي أن الله لم يكلم أحداً غيره، بل كلّم الله تعالى غيره ممن هو أعلى منه وأقل منه، فقد كلم الله آدم عليه الصلاة والسلام، وكلم الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم، وليس اختصاص موسى عليه السلام بالكلام والله أعلم أنه أوحى إليه بالكلام مباشرة، ولكن لأن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى سوى موسى أول ما أرسلهم كان عن طريق جبريل عليه السلام، بينما اختص موسى عليه السلام بكون إعلامه بالرسالة بكلام الرب جل وعلا" [التعليق على مسلم 1 / 681].



قول موسى عليه السلام في اعتذاره" وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا " المراد به قتله القبطي الذي رآه مع الإسرائيلي حين إستغاثه الإسرائيلي فوكز موسى عليه السلام القبطي مرة واحدة فقضى عليه؛ لأن موسى عليه السلام كان قوياً. قال تعالى:﴿ فَاستَغاثَهُ الَّذي مِن شيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِن عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ موسى فَقَضى عَلَيهِ قالَ هـذا مِن عَمَلِ الشَّيطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبينٌ[سورة القصص: 15].

قوله "فَضَّلَكَ الله، بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلَى النَّاسِ "إشارة إلى قوله تعالى:﴿ إِنِّي اصطَفَيتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلامي فَخُذ ما آتَيتُكَ وَكُن مِنَ الشّاكِرينَ[سورة الأعراف: 144].

خامساً: عيسى عليه السلام

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول الناس" يَا عيسى أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْه".

قوله " وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ " أي صغيراً في الحال التي يُمهد فيها، إشارة إلى قوله تعالى:﴿ قالوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ فِي المَهدِ صَبِيًّا[سورة مريم:29].

قوله " وَكَلِمَةٌ مِنْهُ " قال القرطبي رحمه الله:" قال ابن عباس رضي الله عنه: سماه كلمة؛ لأنه كان بكلمة " كن " من غير أن يتقلب في أطوار الخلق كما يتقلب غيره" [المفهم 1 / 434].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ولكن المعنى من قول الله عز وجل ﴿ إِنَّمَا المَسيحُ عيسَى ابنُ مَريَمَ رَسولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقاها إِلى مَريَمَ وَروحٌ مِنهُ ﴾ [سورة النساء: 171]، فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى عليه السلام بكن" [درء تعارض العقل والنقل 4 / 9].



قوله "وَرُوحٌ مِنْه" اختلف في معناها على أقوال أشهرها قولان:

قيل: لأنه سبحانه وتعالى خلق فيه الروح من غير واسطة أب.

قيل: لأنه روح مخلوقة من عند الله تعالى كسائر الأرواح، والأظهر القول الأول لأنه الأوفق في كونها خصيصة لعيسى u.

عيسى عليه السلام اعتذر عن الشفاعة كما اعتذر الأنبياء قبله لكنه لم يذكر ذنباً، وإنما أحال الناس على محمد صلى الله عليه وسلم وأحقيته عليهم ولو لم يكن عند الأنبياء ما يعتذر به، فالنبي صلى الله عليه وسلم أحقهم بالشفاعة وهي من خصوصياته بخلاف أنواع الشفاعة الأخرى فقد يشترك فيها معه غيره.



سادساً: محمد صلى الله عليه وسلم

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول الناس:" يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ. وَغَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ".

دل الكتاب والسنة على أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبين، قال تعالى:﴿ ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجالِكُم وَلـكِن رَسولَ اللَّـهِ وَخاتَمَ النَّبِيّينَ وَكانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا [سورة الأحزاب: 40].

قوله " وَغَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" إشارة لقوله تعالى: ﴿ لِيَغفِرَ لَكَ اللَّـهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ وَيَهدِيَكَ صِراطًا مُستَقيمًا [سورة الفتح:2]، وهل يقع من الأنبياء ذنب أم لهم عصمة من الذنوب؟

قال القرطبي رحمه الله:" اختلف الناس في عصمة الأنبياء اختلافاً كثيراً، والذي ينبغي أن يقال: إن الأنبياء معصومون مما يناقض مدلول المعجزة عقلاً، كالكفر بالله تعالى، والكذب عليه، والتحريف في التبليغ، والخطأ فيه، ومعصومون من الكبائر، وعن الصغائر التي تزري بفاعلها، وتحط منزلته، وتسقط مروءته إجماعاً... واختلف أئمتنا في وقوع الصغائر منهم، فمن قائل: بالوقوع، ومن قائل: يمنع ذلك، والقول الوسط في ذلك: أن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم، وتنصلوا منها، واستغفروا، وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا تقبل التأويلات بجملتها، وإن قبل ذلك أحادها، لكن ينبغي أن يقال: إن الذي أضيف إليهم من الذنوب ليس من قبيل الكبائر، ولا مما يزري بمناصبهم على ما تقدم، ولا كثر منهم وقوع ذلك" [المفهم (1 / 434-435)].



وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله عن تفسير قوله تعالى: ﴿ وَوَضَعنا عَنكَ وِزرَكَ ﴾ [سورة الشرح: 2] فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يذنب، فهل النبي صلى الله عليه وسلم يذنب؟ فالجواب: نعم، ولا يمكن أن نردّ النصوص لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وسلم ونحن لا نقول الشأن ألا يذنب الإنسان، بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما ألا يقع منه الذنب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " لابد من خطيئة لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل الكذب والخيانة، فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالتهم وهذا شيء مستحيل، وسفاسف الأخلاق من الزنا وشبه هذا أيضاً ممتنع لأنه ينافي أصل الرسالة، فالرسالة إنما وجدت لتتميم مكارم الأخلاق" [انظر تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين طبعة دار النجاح المصرية (10 / 473)].



وفي الحديث من الفوائد التي تؤخذ مما جرى بين الناس والأنبياء: شدة هول الموقف وبلوغ الهم والكرب مبلغه من الناس ودنو الشمس حتى يجثو الناس على ركبهم وأيديهم ولذا جاءت تسميته في القرآن بيوم الفرار ويوم التغابن ويوم الفصل ويوم الوعيد ويوم عقيم لأنه لا يوم بعده، وفيه ما عليه الأنبياء من الخوف من معصية الله تعالى فكلهم يقول "إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْباً. نَفْسِي "وفيه ما كان عليه الأنبياء من الإيمان والتقوى بتذكر ما وقع من ذنب مع ما غفر لهم إلا أنهم رأوا أنهم يستحون بسببها أن يقدموا على الشفاعة، وفيه ما كان عليه الأنبياء من التواضع والاعتراف بالفضل لغيرهم فكل واحد يحيل على من بعده ويذكر ماله من الفضل والخصوصية، وفيه دلالتهم للناس على مكان الخير بإحالتهم إلى من عنده الشفاعة وفيه حسن التقديم للمسئول بأحسن صفاته ثم سؤاله وهذا ما فعله الناس مع كل نبي، وفيه تقديم ذوي الأسنان والآباء على الأبناء في الأمور التي لها بال فقد بدأوا بأبيهم آدم عليه السلام، وفيه أن المسؤول إذا لم يستطع على تحصيل ما سئل ينبغي أن يعتذر بما يقبل منه، وفيه تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقين، وفيه مشروعية التحدث بنعمة الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم" أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وفيه حسن التعليم بالاستفهام لشدة الانتباه لقوله صلى الله عليه وسلم" وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟"، وفيه احتمال ذهول الناس عما علموه في الدنيا، لأن في السائلين من سمع هذا الحديث في الدنيا ومع ذلك لم يستحضر أحد منهم خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الشفاعة وهذا المقام المحمود الذي وعده النبي صلى الله عليه وسلم واختص به كما وقع في رواية البخاري، إذ لو استحضروا لسئلوا النبي صلى الله عليه وسلم من أول وهلة دون الرجوع إلى من قبله من الأنبياء، وفيه فضيلة السجود حيث انطلق النبي صلى الله عليه وسلم فخر ساجداً لله تعالى، وفيه الثناء على الله تعالى قبل الدعاء وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث أثنى على الله تعالى قبل السجود حال قيامه وبعد السجود وكثرة الثناء من حسن الطلب، وفيه أن الله تعالى يكرم عباده بفتح من عنده حيث فتح على نبينا صلى الله عليه وسلم بحسن الحمد والثناء والإكثار فيه ما لم يكن يعرفه من قبل، وفتح الله تعالى على العبد غير محدود فهو الكريم، وهو الفتاح العليم، إذا علم من عبد حسن لجئ إليه فتح عليه بما أحب العبد من العبادة ومن العلم كما فتح على الأئمة والزهاد وفتح عليه من الأرزاق ونحوها مما يرجوه العبد ويطلبه، وفيه إثبات العرش، وعرش الرحمن مخلوق عظيم له قوائم تحمله الملائكة، وهو أعظم المخلوقات فهو سقف العالم لأنه محيط بالمخلوقات خلقه الله عز وجل ثم استوى عليه، ولم يبين الله تعالى مما خلق هذا العرش ولا دليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين فالله أعلم به، وفيه عظمة الله تعالى وكرمه على عباده، وفيه فضل من يدخل الجنة بلا حساب، وفيه إثبات الجنة والنار والإيمان بهما، وعظم أبواب الجنة وسعتها، وفيه حب النبي صلى الله عليه وسلم للذراع حيث رفعت له لأنها تعجبه وفي هذا أن العجب يطلق ويراد به المحبة ومنه قول عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم" كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله" متفق عليه أي يحب التيامن في التنعل والترجل، وفيه عظمة الله تعالى وسعة كرمه بإخراج من كان في قلبه إيمان ولو قل حتى يخرج من قال " لا إله إلا الله" ولا يبقى إلا من وجب عليه الخلود، وهم الكفار، وفي هذا ردّ على الخوارج القائلين بتخليد صاحب الكبيرة في النار، والله أعلم.



الفائدة الخامسة: في الأحاديث إثبات عدة صفات لله تعالى كصفة الكلام، وصفة اليد لقوله " يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ. خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ" وتقدم الكلام بالتفصيل في الأحاديث القريبة التي سبقت عن هاتين الصفتين، وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الكلام وصفة اليد لله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وفي الأحاديث إثبات صفة الغضب لله تعالى، لقول الأنبياء "إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله" وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الغضب لله تعالى إثباتاً يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وهي من الصفات الفعلية فمتى شاء سبحانه غضب، وهذه الصفات ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.

من الكتاب: قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلَّذِيْنَ ءَامَنُواْ لاَتَتَوَلَّواْ قَوْماً غَضِبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: ١٣].

ومن السنة: حديث الباب، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: "إن رحمتي تغلب غضبي" متفق عليه

وأجمع السلف رحمهم الله على إثبات صفة الغضب لله تعالى كما يليق به سبحانه.

المخالفون لأهل السنة

المخالفون لأهل السنة والجماعة من المعطلة كالأشاعرة وغيرهم يؤولون صفة الغضب بالانتقام.

والرد عليهم:

1- أن هذا مخالف لطريقة السلف رحمهم الله.

2- أنه مخالف لظاهر النصوص الدالة على هذه الصفات، ولا دليل على هذا التأويل.

3- أنكم بتأويلكم هذا لم تفرقوا بين الصفة وثمرتها ونتيجتها، فالغضب نتيجته الانتقام، وتأويلكم هذا جعل النتائج هي الصفات، ولاشك أن هناك فرقاً بينهما.

4- أن الله عز وجل فرّق بين صفة الغضب والانتقام، فقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ءاَسَفُوْنَا انْتَقَمْنَا مِنْهُم ﴾ ءاسفونا أي أغضبونا، ومن هذه الآية نثبت صفة الغضب وصفة الانتقام لله تعالى كما يليق به سبحانه.



فائدة: قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا ءاَسَفُوْنَا انْتَقَمْنَا مِنْهُم ﴾ قوله (ءاسفونا) أخذ منه صفة (الأسف) لله تعالى التي هي الغضب، فالأسف في هذا الآية هو الغضب كما نقل ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس ومجاهد وقتادة و السدي.

والأسف في اللغة على معنيين: يأتي بمعنى شدة الحزن، ويأتي بمعنى شدة الغضب والمعنى الثاني هو المراد في الآية وهو الذي نثبته لله تعالى بخلاف الأول فهو ممتنع بالنسبة لله تعالى.

[انظر تهذيب اللغة (13 / 96) وانظر شرح الواسطية للهَّراس ص (111)].

قال ابن القيم: " إن ما وصف الله سبحانه به نفسه من المحبة والرضا والفرح والغضب والبغض والسخط من أعظم صفات الكمال " [انظر الصواعق المراسلة (4 / 1451)].



الفائدة السادسة: في حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما إثبات الصراط وتقدم الكلام على الصراط بالتفصيل قبل حديثين وفيه مرور الناس بحسب أعمالهم الصالحة.

الفائدة السابعة: في حديث أبي هريرة وحذيفة دلالة على عظم منزلة صلة الرحم والأمانة وإرسالهما على جانبي الصراط يميناً وشمالاً لإحقاق الحق فيهما.

قال النووي رحمه الله:" وأما إرسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما وكثير موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى، قال صاحب التحرير: في الكلام اختصار، لفهم السامع له، أي أنهما تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما" [شرح النووي لمسلم (3 / 67)].



ولصة الرحم فضائل عديدة وردت في نصوص ستأتي في مظانها وسنبسط مباحثها هناك ومن تلك النصوص حديث عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خَلَق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأوا إن شئتم ﴿ فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعوا أَرحامَكُم أُولـئِكَ الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمى أَبصارَهُم ﴾" متفق عليه.



وللبخاري قال الله تعالى: "من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته".

وعن أنس رضي الله عنه:" من أحب "وفي رواية للبخاري:" من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" متفق عليه.

وللأمانة فضائل ومباحث ووعيد تقدم ذكرها في شرح حديث حذيفة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" وتقدم الكلام على معناها وأهميتها ومجالاتها وعواقب تضيعها وبيان أن ذهابها من علامات الساعة في مباحث يحسن الرجوع إليها، والله أعلم.

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-10-2020, 12:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها

باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (2)
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح







عن الْمُغِيْرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَىٰ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ فَيُقُولَ: لَكَ ذَلَكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ فَيَقُولُ: هذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ قَالَ: رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي. وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عز وجل: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17] رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا. رَجُلٌ يُؤْتَىٰ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا. فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبَهِ. فَيُقَالَ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا. وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ. لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ. وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هٰهُنَا". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. رواه مسلم.
ولمسلم أيضا من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى الله. فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلاَ تُعِدْنِي فِيهَا. فَيُنْجِيهِ الله مِنْهَا".

وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله يُخْرِجُ قَوْماً مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ؟"
زاد البخاري: "كأنهمُ الثعارير" قلت: وما الثعاريرُ؟ قال: الضغابيس. وكان قد سقطَ فمهُ.
وللبخاري أيضا عن أنسُ بن مالك عنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرُج قوم منَ النار بعدما مسَّهُم منها سَفعٌ، فيدخُلون الجنة، فيُسمِّيهم أهلُ الجنة: الجهنميين".
وجاءت تسمية الجهنميين عند مسلم من حديث جابر.

ترجمة رواة الأحاديث:
المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي رضي الله عنه يكنى أبا عبد الله وقيل: أبو عيسى، أسلم عام الخندق، وشهد الحديبية، وكان موصوفاً بالدهاء، قال الشعبي: ودهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد" ولاه عمر البصرة ثم ولاه الكوفة حتى قتل عمر رضي الله عنه فأقره عثمان رضي الله عنه عليها ثم عزله، شهد اليمامة، وفتوح الشام، وذهبت عينه باليرموك، وشهد القادسية، وشهد فتح نهاوند، واعتزل الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وهو أول من وضع ديوان البصرة، وتوفي بالكوفة سنة خمسين رضي الله عنه وأرضاه.[ انظر أسد الغابة 5 / 247].
أما أبو ذر رضي الله عنه فتقدمت ترجمته في الحديث الثاني والأربعين من كتاب الإيمان.
وأما أنس رضي الله عنه فتقدمت ترجمته في الحديث الثالث من كتاب الإيمان.
وأما جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقد تقدمت ترجمته في الحديث الخامس من كتاب الإيمان.

تخريج الأحاديث:
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أخرجه مسلم حديث "189" وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في " كتاب التفسير " " باب ومن تفسير سورة السجدة " حديث "3198".
وأما حديث أبي ذر فأخرجه مسلم حديث"190" وانفرد به عن البخاري أيضاً، وأخرجه الترمذي في كتاب "صفة جهنم" "باب ما جاء أن للنار نفسين" حديث"2596".
وأما حديث أنس "يخرج من النار أربعة" فأخرجه مسلم حديث"192" وانفرد به.
وأما حديث جابر فأخرجه مسلم حديث"191"، وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق " باب صفة الجنة والنار" حديث"3514".
وأما حديث أنس رضي الله عنه "يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع...." فأخرجه البخاري في " كتاب الرقاق " " باب صفة الجنة والنار " حديث " 2515" وانفرد به عن مسلم"

شرح ألفاظ الأحاديث:
" سَأَلَ مُوسَى": النبي موسى عليه السلام، رسول بني إسرائيل.
" أَيْ رَبِّ كَيْفَ؟": يارب كيف أدخل الجنة ولا مكان فيها والناس نزلوا منازلهم.
" وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمِ؟": أي أماكنهم.
" رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ ": أي فما حال أعلى أهل الجنة منزلة؟
" أُولٰئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ ": أي اخترت واصطفيت.
" غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي" وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ": قال النووي: ومعناه اصطفيتهم وتوليتهم، فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير" [شرح النووي 3/ 45].
" وَمِصْدَاقُهُ": أي دليله وما يصدقه.
"كأنهمُ الثعارير" قلت: وما الثعاريرُ؟ قال: الضغابيس": قال ابن الأثير رحمه الله:" الثعارير هي القثاء الصغار، شبهوا بها لأن القثاء ينمي سريعاً، وقيل هي رؤوس الطراثيث تكون بيضاً، شبهوا ببياضها، واحدتها طُرثوث وهو نبت يؤكل" [النهاية/ مادة (ث ع ر) ص 123].
وقال عن الضغاييس: وهي صغار القثاء واحدة ضغبوس، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يُسلق بالخل والزيت ويؤكل" [النهاية، مادة (ض غ ب س) ص 545].
" وكان قد سقطَ فمهُ ": أي سقطت أسنانه
"سَفعٌ": أي سواد فيه زرقة، يقال سفعته النار أي لفتحه النار فغيرت لون بشرته. [الفتح 11/ 429]
" الجهنميين ": جمع جهنمي نسبة إلى جهنم، والمراد أنهم عتقاء الله.

من فوائد الأحاديث:
الفائدة الأولى: الأحاديث فيها بيان أدنى أهل الجنة منزلة وآخرها دخولاً، وآخر أهل النار خروجاً وأن له أضعاف ملك الدنيا وله ما اشتهت نفسه ولذة عينه مع ما هو فيه من دنو المنزلة. وفي هذا بيان الفضل العميم من الله تعالى عليه من صغار الذنوب بأيامها وهو معترف لا يخفى عليه منها شيء بل شأنه الإقرار بها.
وأما الستر فهو لكبار ذنوبه التي أشفق من كشفها وإقراره بها بعدما أقرَّ بصغار ذنوبه فإذا الله يسترها ويغفرها.
وأما الإبدال فهي لكل سيئة بحسنة، فما أعظمها من مغفرة وستر وفضل مع هذا الأدنى فكيف بمن علاه منزلة؟

الفائدة الثانية: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيه بيان أعلى أهل الجنة منزلة وأن الله عزو جل تولاهم واصطفاهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير حيث تولى كرامتهم فغرسها بيده من غير توسط ملك من الملائكة زيادة في إكرامهم، وختم على هذه الكرامة لئلا يراها غيرهم فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر نعيمهم كما قال تعالى: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُوْنَ ﴾.
قال ابن كثير رحمه الله:" فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله تعالى لهم في الجنان من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقاً، فإن الجزاء من جنس العمل، قال الحسن البصري رحمه الله: أخفى القوم عملهم فأخفى الله تعالى لهم مالم تر عين ولم يخطر على قلب بشر" [تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/ 367].

الفائدة الثالثة: حديث المغيرة رضي الله عنه فيه دلالة على أن الجنة درجات بعضها فوق بعض، وأهلها متفاضلون فيها بحسب منازلهم فيها، كما قال تعالى: ﴿ اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" فبيَّن الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتهم أكبر من درجات الدنيا وقد بين أن تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين" [الفتاوى 11/ 188].
الفائدة الرابعة: حديث المغيرة رضي الله عنه فيه دلالة على أن من صفات أهل الجنة الرضا لقول الرجل الذي هو أدنى أهل الجنة منزلة بعدما أنعم الله عليه " رَضِيتُ، رَبِّ " والرضا عام في جميع أهل الجنة ففي حديث أبي سعيد المتفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".
والرضا أيضاً هي من صفة الله تعالى كما تقدم الكلام عليها قريباً بل هي من أعلى درجات النعيم في الجنة.

الفائدة الخامسة: حديث المغيرة رضي الله عنه فيه إثبات صفة من صفات الله تعالى الخبرية وهي صفة اليد لقوله" غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي "والكلام على صفة اليد من عدة مباحث:
المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في هذه الصفة
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة اليدين لله تعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، من غير تكييف
ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية الخبرية.
المبحث الثاني: صفة اليدين ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع
فمن الكتاب: قول الله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوْطَتَانِ ﴾ [المائدة: ٦٤].
ومن السنة: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " رواه مسلم.
وحديث أبي سعيد رضي الله عنهم مرفوعاً:" إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك وسعديك، والخير في يديك " متفق عليه.
ومن الإجماع، قال أبو الحسن الأشعري:" وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين " [انظر رسالته إلى أهل الثغر ص (225)].

المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة
المخالفون لأهل السنة والجماعة من المعطلة كالجهمية والمعتزلة يؤولون صفة اليدين ويقولون المراد بها: القدرة أو النعمة أو القدرة والنعمة، وتقدم أن من أوّل صفة من الصفات فقد عطلها عن معناها الحقيقي، ولذا نقول هم معطلة أيضاً، وهذا أشهر تأويلاتهم أن المراد باليدين النعمة والقدرة، وهناك تأويلات أخرى لهم فيؤولونها بـ (القوة، والملك، والسلطان، والرزق، والخزائن، والبركة، والكرامة، والعناية).
ولكن كما تقدم أن أشهر تأويلاتهم النعمة والقدرة، فهذا قول الجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة، ويسمون (الأشاعرة المحضة) بخلاف متقدمي الأشاعرة فهم يثبتون صفة اليدين ولا يؤولونها.

والرد عليهم من وجوه:
1- أن تفسير اليد بالقدرة والنعمة مخالف لظاهر لفظ الآية، ولا دليل على هذا التأويل.
2- أنه مخالف لإجماع السلف، فلا يعرف أحد أولها بالقدرة والنعمة.
3- أن تأويلها بالقدرة والنعمة ممتنع في بعض الآيات.
مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: ٧٥] اليد جاءت بالتثنية وتأويلها بالنعمة يلزم أن تكون النعمة نعمتين فقط وهذا ممتنع لأن نعم الله لا تحصى قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوْهَا ﴾ وأيضاً تأويلها بالقدرة يستلزم أن يكون له سبحانه قدرتان ولا يجوز أن يكون له سبحانه قدرتان بإجماع العلماء فهذا لا يقوله أحد وكذلك في قوله: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ [المائدة: 64] يلزم أن يكون له قدرتان تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
4- أن الله عز وجل يقول: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: ٧٥] ولو كان المراد القدرة، لم يكن لآدم فضل على غيره لأن الخلق كلهم خلقوا بقدرة الله، بل لم يكن لآدم فضل على إبليس في هذه الآية فإبليس خلق بقدرة الله تعالى والله عز وجل في الآية أمره بالسجود لآدم ذاكراً مزية لآدم أنه خلق بيديه سبحانه وتعالى.
5- أن اليد التي أثبتها الله لنفسه جاءت في الأدلة مقرونة بأمور كثيرة تدل على أنها يد حقيقية فجاءت على وجوه يمتنع تأويلها بالقدرة والنعمة فجاءت مقرونة بالطي، والقبض والبسط واليمين.
قال ابن القيم:" ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً، متصرفاً فيه، مقروناً بما يدل على أنها يدٌ حقيقية، من الإمساك، والطي، والقبض، والبسط، والمصافحة، والحثيات، والنضح باليد، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، وتخمير طينة آدم بيده، ووقوف العبد بين يديه، وكون المقسطين عن يمينه، وقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة عن يمينه، وتخيير آدم بين ما في يديه، فقال:" اخترت يمين ربي " وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها، وكتابته بيده على نفسه: أن رحمته تغلب غضبه، وأنه مسح ظهر آدم بيده، ثم قال له – ويداه مقبوضتان – " اختر " فقال:" " اخترت يمين ربي " وكلتا يديه يمين مباركة، وأن يمينه ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وبيده الأخرى القسط، يرفع ويخفض، وأنه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، وأنه يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يطوي الأرض باليد الأخرى، وأنه خط الألواح التي كتبها لموسى بيده " [انظر مختصر الصواعق المرسلة " ص (348)].
وردَّ ابن القيم على من يؤول اليد بالنعمة والقدرة من وجوه عديدة تصل إلى عشرين وجهاً.

المبحث الرابع: أهل السنة والجماعة يثبتون أن لله يدين اثنتين
يعتقد أهل السنة والجماعة أن لله يدين اثنتين كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، وهذا بإجماع السلف رحمهم الله، ويدل على ذلك:
1- قول الله تعالى: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ[المائدة: 64].
2- قول الله تعالى: ﴿ قالَ يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِما خَلَقتُ بِيَدَيَّ [ص: 75].
فإن قيل: كيف نجمع بين معتقد أهل السنة والجماعة بأن لله يدين اثنتين، وبين ما ورد في بعض الآيات من ورود اليد بلفظ المفرد كقوله تعالى: ﴿ تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ[الملك: ١] ورودها بلفظ الجمع كقوله تعالى: ﴿ أَوَلَم يَرَوا أَنّا خَلَقنا لَهُم مِمّا عَمِلَت أَيدينا أَنعامًا فَهُم لَها مالِكونَ ﴾ [يس: ٧١].
فالجواب كما يلي:-
الجواب عن لفظ المفرد بثلاثة أجوبة:
الأول: أنه لم يُسَق اللفظ لبيان العدد، وإنما لبيان الجنس، ولبيان الجنس يكفي لفظ المفرد لأن اسم الواحد يدل على الجنس المراد.
الثاني: أن لفظ المفرد في الآية جاء مضافاً فقوله تعالى: ﴿ تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ[الملك: ١] ( بيده) اليد مضاف والهاء في محل جر مضاف إليه، وكذلك في الآيات الأخرى كقوله: ﴿ يَدُ اَللَّهِ فَوَقَ أَيْدِيْهِم ﴾ [الفتح: ١٠] فلفظ اليد مضاف ولفظ (الله) عز وجل إعرابه مضاف إليه، ومعلوم أن المفرد المضاف يفيد العموم، فيعم كل ما ثبت لله تعالى من يد والثابت لله تعالى يدان.
الثالث: أن الله قال لبيان سعة عطائه وكثرة جوده: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ [المائدة: 64] فبيَّن أن كثرة العطاء وسعة الجود وبسط النعمة باليدين كلتيهما، راداً به على اليهود الذين قالوا: ﴿ يَدُ اَللِّهِ مَغْلُوْلَةٌ ﴾ أفردوها لأن اليد الواحدة أقل من عطاء الاثنتين ووصفوها بأنها مغلولة أي قليلة العطاء ولو كانت يداً واحدة لرد عليهم ببيان أن البسط والجود في اليد الواحدة ولو كانت أكثر من اثنتين لذكرها الله عز وجل لأن المقام يقتضي بيان كثرة العطاء بجميع ما له من يد سبحانه، فقال تعالى: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ[المائدة: 64] ليبين سبحانه أن كل ما لديه من يد فهي مبسوطة وهما اثنتان.

الجواب عن لفظ الجمع بثلاثة أجوبة:
الأول: أن المراد بالجمع هنا ليس بيان العدد وإنما للتعظيم، وليس المراد أن لله أكثر من اثنتين.
الثاني: أن من لغة العرب استعمال لفظ الجمع في الاثنتين، ويدل على ذلك قول الله تعالى: ﴿ إِنْ تَتُوْبَا إِلَى اَللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوْبَكُمَا ﴾ والمقصود عائشة وحفصة رضي الله عنهم ا وهما اثنتان والمتبادر إلى الذهن أن يقال (قلباكما) لأن المقصود قلبان لعائشة وحفصة رضي الله عنهم ا ومع ذلك جاء بصيغة الجمع (قلوبكما) وهذا دليل على أن استعمال لفظ الجمع يكون للاثنين في لسان العرب.
الثالث: أن في لسان العرب أن المثنى إذا أضيف إلى ضمير الجمع يجوز جمعه من أجل خفة اللفظ، وهنا المثنى أضيف إلى ضمير الجمع (نا) فجاز جمعه (أيدينا) بدل (يَدَيْنَا) لخفة النطق.
وبما سبق يزول الإشكال في ورود لفظ اليد مفرداً ومجموعاً.

المبحث الخامس: هل توصف إحدى يدي الله تعالى بالشمال
هذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم – رفع الله قدرهم – على قولين، وقبل ذكر القولين لابد من معرفة أنهم متفقون على أن يديَّ الله تعالى يمين في البذل والعطاء، وأن إحداهما يمين في الاسم، واختلفوا في اسم اليد الأخرى على قولين:
القول الأول: أن الأخرى توصف بالشمال
واختار هذا القول الدارمي، وأبو يعلى والشيخ محمد بن عبدالوهاب في آخر كتاب التوحيد والشيخ عبدالله الغنيمان
[انظر إبطال التأويلات لأبي يعلى الفراء ص (176) وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب المسألة السادسة وشرح الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري المجلد الأول]..
واستدلوا:
1- بحديث ابن عمر رضي الله عنهم مرفوعاً: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول......" الحديث رواه مسلم.
2- الأحاديث الواردة بإثبات اليمين لله كحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً " يمين الله ملأى " متفق عليه، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً مرفوعاً:" ويطوي السماء بيمينه " متفق عليه وغيرها من الأدلة التي جاءت بوصف إحدى اليدين يمين، وهذا يقتضي أن إحدى اليدين ليست يميناً فتكون شمالاً.
ووصفها أيضاً الدارمي باليسار والشمال واستدل بحديث أبي الدرداء عند أحمد وفيه " أن الله عز وجل قال للتي في يساره (أي في يده اليسار ): إلى النار و لا أبالي "
القول الثاني: أن كلتا يدي الله يمين لا شمال ولا يسار فيهما
واختار هذا القول الإمام ابن خزيمة (في كتاب التوحيد) والإمام أحمد والبيهقي والألباني. [انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة (1 / 159) وطبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 313)].

واستدلوا:
1- بحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم مرفوعاً:" إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين " رواه مسلم.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم "اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة".

وناقشوا أدلة القول الأول: بأن حديث ابن عمر رضي الله عنه وفيه لفظة (الشمال) هي لفظة شاذة تفرد بها عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر، والحديث عند البخاري من طريق عبيدالله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم من طريق عبيدالله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشمال )، وأيضاً الحديث رواه أبو داود وقال بدل (بشماله )،(بيده الأخرى) وهذا هو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم " وكلتا يديه يمين ".

وأما استدلالهم الثاني فليس بصريح لأنه لا يمنع أن تكون اليد الأخرى يميناً أيضاً. وعليه فالاستدلال الأول ليس بصحيح والثاني ليس بصريح، وناقش أصحاب القول الأول أدلة أصحاب القول الثاني: بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (كلتا يديه يمين) لا يمنع أن تكون إحدى يديه شمالاً في الاسم وهي يمين في الخير والبركة والعطاء.
والأظهر والله أعلم أن يقال: أن صفات الله تعالى توقيفية، فنقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلتا يديه يمين " حتى يصح عندنا خبر أن يده الأخرى تسمى شمالاً أو يسارا فنقول بهذا الوصف. [انظر كتاب صفات الله لعلوي السقاف ص (379)].
الفائدة السادسة: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيه إثبات الشفاعة لأقوام يخرجهم الله تعالى من النار وفي هذا ردّ على المعتزلة الذين أنكروا هذه الشفاعة، وردّ على الخوارج في إنكار إخراج أهل الكبائر من النار.

الفائدة السابعة: في حديث أنس رضي الله عنه دلالة على فضل الله تعالى على أقوام يخرجون من النار بعدما غيرتهم النار، وجاء في حديثي أبي هريرة وأبي سعيد قريباً أنهم يلقون في نهر يقال له نهر الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، وجاء في حديث جابر رضي الله عنه كأنهم الثعارير أو الضغابيس وفي رواية مسلم كالقراطيس وكل هذه التشبيهات لبيان عودتهم على أحسن هيئة في البياض والصفاء بعدما غيرتهم النار وسوّدت وجوههم وبشرتهم، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين أي الذين أعتقهم الله من جهنم، وجاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي تقدم قريباً وفيه" فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله".


مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 157.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 155.17 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]