|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح في ضوء القرآن الكريم السيد طه أحمد الحمد لله رب العالمين. أمر بالإصلاح وأثنى على المصلحين، ونهى عن الفساد وذم المفسدين.. فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. جعل نشر الصلاح والإصلاح، ومقاومة الفساد والإفساد سببًا في دفع العقوبات، وحلول البركات فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]. وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ساومته قريش على أن يترك مهمة الإصلاح التي بعثه الله تعالى لأجلها، وأغروه بأعلى الجاه، وأوفر المال، فما قبل مساومتهم، ولم يخضع لتهديداتهم، ومضى في إصلاحه حتى أظهره الله تعالى عليهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (يا عمّ والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته). فاللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين... أما بعد. فيا أيها المؤمنون. فإن من سنن الله تعالى في البشر أن أوجد فيهم المصلحين والمفسدين، وجعل الصراع بين الفريقين إلى آخر الزمان، وحين أخبر الله تعالى أنه مستخلف بشرًا في الأرض خاف الملائكة من فساد البشر.. فقال تعالى ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ [البقرة: 30]، فأجابهم الله تعالى بقوله ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، وما يعلمه سبحانه وتعالى أن سعي المصلحين بالصلاح في الأرض فيه من المصالح ما يربو على فساد المفسدين، ويكفي المصلحين شرفًا وعزًّا أن الله تعالى نوّه بهم في أول خطابات خلق البشر، كما تدل هذه الآية على أهمية الإصلاح في الأرض، وأن كثرة المصلحين خير للبشرية كما أن وجود المفسدين شؤم عليها. وتتابعت شرائع النبيين عليهم السلام تسعى بكل أنواع الإصلاح، وتحارب الفساد في كل مجالاته فقال تعال: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56]. واجتمعت كلمة أنبياء الله تعالى عليهم السلام لأقوامهم على قولهم كما قال تعالى ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60]، ولأهمية الإصلاح في الأرض كان موضوعنا ( منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح في ضوء القرآن الكريم) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية: 1 - تعريف الصلاح والإصلاح و العلاقة بينهما. 2 - منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح. 3 - أهم صفات المصلحين. 4 - الإصلاح مهمة الجميع. 5 - آثار الإصلاح في الأرض. 6 - عاقبة ترك الإصلاح. العنصر الأول: تعريف الصلاح: - الصلاح مختص في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل في القران تارة بالفساد وتارة بالسيئة، قال تعالى ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ﴾ [التوبة: 102]، وقال أيضا ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56]. والصلاح هنا يراد به أن يكون الإنسان صالحاً في ذاته، قد بدأ بنفسه فطهرها وهذبها وأقامها على الصراط فأصبحت نفساً طيبة صالحة. يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: ( فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات ). تعريف الإصلاح: - يقول الإمام الغزالي رحمه الله بعدما وضّح واجب المسلم تجاه نفسه بتهذيبها، شرع في بيان معنى الإصلاح فقال: ( ثم يعلم ذلك أي الذي قام بتهذيب نفسه وصلاحه ثم أهل بيته و يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السواد المكثف، ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم)، وبتوافر عنصري الصلاح في النفس والإصلاح للنفس يتحقق للإنسان اكتمال فضيلة أخلاقية قرآنية ذات شقتين، يكمل احدهما الأخرى وهي (الصلاح والإصلاح ). والعلاقة بين الصلاح والإصلاح أكيدة ولا ينفكان عن بعضهما البعض، وإلاّ فما الفائدة من الصالحين؟ فالإصلاح قوام بقاء المجتمع وخيريته، لكن لا تنفك علاقته عن الصلاح، فلا صلاح بدون إصلاح، ولا إصلاح بدون صلاح، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11] وقد ورد في الأثر رَوى سُفيان بن عيينة عن سُفيان بن سعيد عن مِسْعَر قال: بَلَغَنِي أنَّ مَلَكًا أُمِر أن يَخْسِف بِقَرْيَة، فقال: يا رَبّ فيها فُلان العَابِد، فأوْحَى الله تعالى إليه أن بِـه فَابْـدَأ، فإنه لَم يَتَمَعَّر وَجْهُه فيَّ سَاعَة قَط. وقال مالك بن دينار: إن الله عز وجل أمَرَ بِقَرْيَة أن تُعَذَّب، فَضَجَّتِ الْمَلائكَة، قالت: إنَّ فِيهم عَبدك فُلانا. قال: أسْمِعُونِي ضَجِيجَه، فإنَّ وَجْهَه لَم يَتَمَعَّر غَضَبًا لِمَحَارِمِي ) (هو صالح في نفسه لكنه ليس مصلحا). فان الأمم المنتصرة على أعدائها، أمم حققت نصراً داخلياً أولاً، وحقق كل واحد من أبنائها نصراً على الصعيد الشخصي من خلال تغييره ما في نفسه. إن الاهتمام بإصلاح الدنيا من شيمة المؤمن: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105] ومهمة الصالحين هي العناية بالأرض والعمل على استقامة الحياة البشرية وأن يكون زمامها بيد الصالحين المصلحين، وكما يكونون ورثة ( الفردوس ) في الآخرة، لابد وأن يكونوا ورثة الأرض، فهل من الممكن أن يكونوا وارثين مكفوفي الأيدي؟. لا طبعا. والصلاح والإصلاح: ضد الفساد ونقيضه، وهي مصطلحات شرعية ربانيَّة، أوْرَدَها الله تعالى في كتابه المحكَم العزيز، وجاءتْ في القرآن على نحو كبيرٍ يربو على السبعين بعد المائة من آيات القرآن.. فعلى سبيل المثال لا الحصر. قال تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39]. ويقول تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146]. ويقول تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 119] وقال تعالى في النهي عن الفساد في الأرض قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11]. وقال تعالى في الإصلاح بين المتخاصمين أو المتنازعين في الأمر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ [النساء: 35]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]. وقال تعالى أيضًا: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]. وقال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. وواقع المسلمين اليوم يُنبئ عن وجود حاجةٍ وضرورة ماسَّة وملحَّة إلى الإصلاح الشامل، حيث تتجاذب الاتجاهات والأفكار، وغيرها إلى ميدان الإصلاح، وكل اتجاه يحسب أنه المصلح لهذه الأمة حتي تاهت الأمة، وضاعت معالمها، ولكي نصلح من حال أمتنا لابد من التعرف على منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح في ضوء القرآن الكريم. العنصر الثاني: منهج الأنبياء والرسل - عليهم السلام - في الإصلاح يتمثل: - وإذا أردنا النهوض بأمتنا إلى بر الأمان وإنقاذها مما هي فيه من الهوان فعلينا أن نستوعب منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح، وكيف دعوا أقوامهم إلى الفلاح بعد أن كانوا مختلفين وعن الحقيقة متفرقين، كما قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ [البقرة: 213] (.أي كانوا أمة واحدة فاختلفوا؛ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (قال ابن عباس: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين). وقال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]. لذا كان منهج الأنبياء يتثمل في المحاور الآتية: - أولاً: تحقيق التوحيد الخالص: لكي يتحقق وعد الله بالاستخلاف في الأرض، والتمكين ونشر الأمن بعد الخوف، لابد من تحقيق التوحيد الخالص، كما قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55] (ولقد بعث الله الأنبياء لمهمة واحدة، هي عبادة الله وحده لا شريك له كما جاء في كتاب الله تعالى: 1 - نوح عليه الصلاة والسلام ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 59] 2 - هود عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 65]. 3 - صالح عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 73]. 4 - إبراهيم عليه الصلاة والسلام ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 16]. 5 - شعيب عليه الصلاة والسلام ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 85]. 6 - موسى عليه الصلاة والسلام ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]. 7 - عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51] 8 - محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6] ويجب على المسلم أن يفرق بين توحيد الأنبياء وتوحيد المشركين. فالتوحيد الذي جاء به الأنبياء هو توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله بأفعال العباد. وأفعال العباد هي: الدعاء والركوع والسجود والذبح والنذر والاستغاثة والاستعانة. فلا ندعو إلا الله، ولا نركع إلا لله، ولا نسجد إلا لله، ولا نذبح إلا لله، ولا نستغيث إلا بالله، ولا نستعين إلا بالله، فمن حقق هذا التوحيد فقد حقق التوحيد الذي جاء به الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163] وأما التوحيد الذي آمن به المشركون ولم يُدخلهم في الإسلام فهو توحيد الربوبية، أي: توحيد الله بأفعاله. وأفعال الله هي: الخلق والرزق وتدبير الأمور والإحياء والإماتة. وهذا التوحيد لا يدخل به المرء في الإسلام، ولا ينفعه يوم القيامة، إلا إذا آمن بتوحيد الأنبياء؛ لأن مشركي العرب كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31] ثانياً: إصلاح الأوضاع الفاسدة: - يتمثل إصلاح الأوضاع القائمة في مرحلتين مستقلتين عن بعضهما: المرحلة الأولى: الإصلاح قبل التمكين: بعد أن دعا أنبياء الله إلى التوحيد الخالص قاموا بإصلاح ما أفسده الناس في جميع شؤون الحياة، ومن تلك الإصلاحات: إصلاح الوضع السياسي: لقد تمكن فرعون وملؤه من صد الناس عن عبادة الله بالهيمنة على الوضع السياسي القائم، إذ أجبروا مجموعة من الشبان على تعلم السحر؛ ليفرضوا سيطرتهم على المجتمع ويصدوهم عن عبادة الله تعالى. قال ابن عباس رضي الله عنه (أخذ فرعون أربعين غلاماً من بني إسرائيل، فأمر أن يُعلَّّموا السحر، وقال: علموهم تعليماً لا يعلمه أحد في الأرض)، فبعث الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى وحدانية الله، وأبطل ما كانوا عليه من السحر بالمناظرة التي انتهت بإيمان السحرة، ويتبين ذلك من قول أولئك السحرة لما آمنوا بالله تعالى إذ لم يرهبهم التهديد والوعيد، قال تعالى: ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73] فالإصلاح السياسي لابد أن يبدأ من الحاكم بإقامة دين الله وتحري العدل وأن الدعائم التي تقوم عليها الدولة هي: الشورى، والعدالة، والمساواة، ووجود القوة والهيبة للدولة، مع الاهتمام ببطانة الحاكم وموظفيه. فقام الأنبياء بإصلاح هذه الأشياء. إصلاح الوضع الاقتصادي: استطاع الملأ من أهل مدين أن يصدوا الناس عن عبادة الله وحده بالسيطرة على الوضع الاقتصادي من خلال تطفيف الكيل والميزان، فبعث الله إليهم شعيباً عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ثم أبطل ما كانوا عليه من الظلم في تطفيف الكيل، وبخس الناس أشياءهم والإفساد في الأرض، كما قال تعالى: ﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85] وقال عليه الصلاة والسلام بعد أن نهاهم عن التطفيف في الكيل والوزن ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88]. أي: ليس لي من المقاصد إلا أن تنصلح أحوالكم وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي شيء بحسب استطاعتي. وقد توعد الله تعالى هؤلاء المطففين بالويل والهلاك فقال تعالى ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 - 6]. وقام سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في علاج الأزمة الاقتصادية بوضع خطة خمس عشرية كما أخبر القرآن الكريم قال تعالى: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 46 - 49]. وقد وضع الله تعالى الحوافز الذاتية التي تجعل الإنسان يسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية من خلال المنهج الإسلامي. فهناك حوافز روحية، وذلك من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تحث علي ذلك فيقول الله تعالى ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأحقاف: 19]. ويقول تعالى: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]. ويقول تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة". رواه البخاري ومسلم. وفي مجال الحوافز الدنيوية، فقد وردت أحاديث كثيرة، فمثلاً في مجال الأعمال المخصوصة كالزراعة، جاءت أحاديث تجعل العمل الزراعي في الأراضي غير المملوكة سببًا في التملك، وهذا الحافز يتسم مع طبيعة الإنسان المجبولة على حب المال والتملك. ومن ذلك قول النبي صلى اله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وما أكلت العافية منه له به صدقة".رواه الدارمي. إصلاح الوضع الاجتماعي: كان الصراع الطبقي من الأوضاع الفاسدة في قوم نوح، وكان الملأ يرفضون الاستجابة لدعوة نوح عليه الصلاة والسلام بحجة أن أتباعه من الفقراء والمساكين، كما قال الله حكاية عنهم ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ [هود: 27]. فلما جاء نوح عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى التوحيد، ثم أنكر عليهم فعلهم ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [هود: 29] وأما الملأ من قومي عاد وثمود فقد استخدموا البنايات العظيمة ليصدوا الناس عن عبادة الله، فلما أرسل الله هوداً عليه الصلاة والسلام - إلى عاد دعاهم إلى التوحيد، ثم قال لهم: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾ [الشعراء: 128]. وكذلك ما قام به صالح عليه الصلاة والسلام من دعوة قومه إلى التوحيد، ثم قال لهم ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ [الشعراء: 149]. وقال أيضا والحسرة في قلبه على قومه: ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 79]. أي أنه: أبان عن نفسه أنه لم يأل جهداً في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |