المسلم بين الأمن والقنوط - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1074 - عددالزوار : 127199 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          عظات من الحر الشديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المشي إلى المسجد في الفجر والعشاء ينير للعبد يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          القلب الناطق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الظلم الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أدب المؤمن عند فوات النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          عن شبابه فيما أبلاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          بلقيس والهدهد وسليمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28-08-2020, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,699
الدولة : Egypt
افتراضي المسلم بين الأمن والقنوط

المسلم بين الأمن والقنوط


أحمد الجوهري عبد الجواد





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وصلِّ يا رب على خير الورى
ما صدحت قُمْريةٌ على الذرى

والآل والأزواج والأصحابِ
والتابعين من أولي الألبابِ


أما بعد، فيا أيها الإخوة..
فحياة المسلم جميعها قائمة على التوازن فلا إفراط ولا تفريط ولا شطط ولا غلو وإنما التوسط والاعتدال، وأول هذا علاقته بربه - سبحانه وتعالى - فهي قائمة على الوسطية فالمسلم لا يأمن ويركن إلى الرجاء ويترك الجد والعمل لنيل الأجر والثواب، ولا يقنط ويركن إلى اليأس من روح الله ورحمته فيترك العمل، وإنما هو وسط بين هذا وهذا ولذلك لما بحث العلماء قضية الخوف والرجاء وكيف يجمع العبد بينهما؟ منهم من قال يركن إلى الخوف في وقت وسوسة النفس الأمارة بالسوء ويركن إلى الرجاء في وقت المرض والمصائب، ومنهم من قال: يركن إلى الخوف دائماً، ومنهم من قال يركن إلى الرجاء دائماً والأول هو الصحيح اللائق المقبول فلابد للعبد من الجمع بين الخوف والرجاء والمحبة نعم فهذه الأركان الثلاثة هي طريق الوصول إلى رضا الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والفوز بجنة الله تعالى، لأن عبادة الله بالخوف وحده طريقة الخوارج؛ فهم لا يجمعون إليه الحب والرجاء؛ ولهذا لا يجدون للعبادة لذة، ولا إليها رغبة، فيجعلون الخالق بمنزلة سلطان جائر، وهذا يورث اليأس والقنوط من رحمة الله، وغايته إساءة الظن بالله، والكفر به سبحانه.

وعبادة الله بالرجاء وحده طريقة المرجئة الذين وقعوا في الغرور والأماني الباطلة، وترك العمل الصالح، وغايته الخروج من الملة.

وعبادة الله بالحب وحده طريقة غلاة الصوفية الذين يقولون: نعبد الله لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته وإنما حباً لذاته.

وهذه طريقة فاسدة، ولها آثار وخيمة، منها الأمن من مكر الله، وغايته الزندقة، والخروج من الدين، ولهذا رأيناهم يخترعون ما أسموه برفع التكاليف فلا يصلون ولا يتعبدون بحجة أنهم وصلوا إلى حد اليقين، وكذبوا فإن سيد الموقنين صلى الله عليه وسلم عبد ربه حتى آخر لحظة من حياته إلى أن لحق بالرفيق الأعلى فهذه طريقة نبيهم ما لهم عنها يرغبون؟ إلا إن كان لهم نبي آخر.

ولهذا قعد السلف رحمهم الله قاعدة للسير إلى الله سيرًا صحيحًا يضمن لمن التزمها الوصول إلى مرضاته في كلمة مشهورة وهي: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري أي خارجي، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحد".

فلا بد من جمع هذه الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة لضمان الوصول قال ابن القيم: "القلب في سيره إلى الله - عز وجل - بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر".

وقال: "السلف استحبوا أن يُقَوِّي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف".

وقال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإذا غلب الرجاء فسد.[1]

وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحب؛ فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه.

وأحب أن أنبه - أيها الإخوة - إلى أمر خطير للغاية ألا وهو شنشنة قديمة حديثة يرددها بعض من لم يفهم مراد الله ورسوله ألا وهى قولهم: إننا نعبد الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في رحمته ثم يقسمون العبادة تبعاً لهذه النظرية الفاسدة إلى أقسام فيقولون: هناك عباد يعبدون الله طلبًا للجنة فهؤلاء تجار وهذه عبادة التجار، وهناك عباد يعبدون الله تعالى خوفا من النار وهذه عبادة العبيد، وإنما من أراد أن يعبد الله خالصاً فليعبده لذاته لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته بل منهم من يقولون: "من كان يعبد الله طمعاً في جنته، أو خوفاً من ناره، فقد عبد الوثن" ونسي هؤلاء أن الله في القرآن مدح خيرة خلقه وهم الأنبياء قائلاً: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].

فهل كلام هؤلاء مقدم على كلام الله؟! وبعضهم ينسب إلى علي - رضي الله عنه - أنه يقول: "الذي يعبد الله طمعاً في جنته، عبادة التجار"فهذا - أيها الإخوة - لايصح أبدًا عن على ولا عمن مثله فى العلم والفضل على أيام الإسلام المديدة وليخبرنا هؤلاء أين وجدوا ذلك في أي كتاب، وهل هو صحيح؟ وهل يعقل أن يخالف علي - رضي الله عنه - القرآن وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المبشرين بالجنة؟ ثم إن الله تعالى ذكر وصف المؤمنين يمدحهم قائلاً: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16].

فالله يقول عن أنبيائه: إنهم كانوا يدعونه - سبحانه وتعالى - راغبين في ثوابه خائفين من عقابه، ويصف الذين يقومون في الليل بين يديه بهذا الوصف يدعون ربهم خوفًا وطمعًا. والرسول (قال هذا للأعرابي الذي جاءه وقال له يا رسول الله إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ولا أحسن دندنتك ولا دندنة "معاذ بن جبل" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حولها ندندن"[2] (يعني حول الجنة والنار) فإذا كان الرسول (يدندن حول الجنة والنار) فهل نصدق من يقول: إن عبادة من سأل الله الجنة واستعاذ به من النار هي عبادة التجار؟ كذبوا والله، بل هي عبادة سيد الأبرار الأخيار الأطهار.

يقول بعض العلماء: إن فئاماً من المسلمين إلى اليوم قد صدقوا بعض الجهال في خرافتهم وتزييفهم للحقائق من الذين يزعمون أنهم لا يعبدون الله خوف ناره فهذه في زعمهم عبادة العبيد، ولا من أجل جنته فهذه عبادة التجار، وإنما عشقوه لذاته، ولم تندفع هذه الفئام في تصديق هذا الهراء إلا لأنهم في سبات روحي عميق، وإلا فالخشية من ذي الجلال والرغبة فيما عنده من عليا مراتب الإيمان بل من شأن الرسل العظام، اقرأ إن شئت قوله تعالى في حق زكريا عليه السلام وأهل بيته: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾. ثم قال جل شأنه بعدها: ﴿ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾.

وكعادتهم ينسبون الكلام المعسول لفظاً المسموم معنى إلى المشاهير كي يدخل على ضعاف العقول من المسلمين كما نسبوا لعلى ما قدمنا وكما ينسبون لرابعة أنها قالت: اللهم إن كنت أعبدك خوفاً من نارك فاحرقني بها، وإن كنت أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمني منها، وإن كنت أعبدك لذاتك فلا تحرمني لذة قربك.

وينشدون عنها أنها كانت تقول:
أحبك حبين حب الهوى
وحباً لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى
فذكر شغلت به عن سواكا

وأما الذي أنت أهل له
فكشفك للحجب حتى أراكا

فما الحمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا


ونسبوا لعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه كان يقول: إن قوماً عبدوا الله - عز وجل - رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرون عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.

وهذا لا يصح عن رابعة ولا عن علي بن الحسين وهما منه براء، فلنحذر من ذلك كله أحبتي ولنكن على ما كان عليه النبي وسلفنا الصالح فهي الوسطية كما قدمنا: عيش لا يأمن فيه المسلم مكر الله ولا ييأس فيه من روح الله، والسؤال الآن أيها الإخوة:
ما هو المكر؟ وما معنى الأمن من مكر الله؟ وهل يصح وصف الله - عز وجل - بهذا الوصف؟ وما هي أسباب الأمن من مكر الله؟ وما خطره وما عاقبته؟

ثم ما هو القنوط من روح الله؟ وما حكمه؟ وما هي أسباب اليأس والقنوط؟ وما هو علاج اليأس والقنوط والمكر جميعًا؟

أيها الإخوة!
الأمن من مكر الله معناه: اطمئنان القلب بعدم عقوبة الله وعدم مراقبته والغفلة عنها والعبد مع هذا مقيم على معاصي الله ومساخطه فلا يحذر الله فيما هو عليه ولا يخافه فكأنه شك أو أنكر اسم القهار.

وهذا خلاف حال أهل السلامة فإن الطمأنينة من مكر الله واستدراجه لعباده يخالف كمال التوحيد الواجب ويورث المهالك، بل يجب على العبد أن يكون خائفاً من الله كما يرجوه وهذا هو حال الأنبياء والصالحين كما ذكرنا قبل قليل راغبين راهبين، إن نظر العبد إلى ذنوبه وعدل الله وشدة عقابه خاف ربه، وإن نظر إلى عفوه الشامل رجا وطمع، وإن ابتلى بمعصية رجا من ربه قبول توبته ومحوها وخشى عقابه، وعند المكاره والمصائب يرجو من الله دفعها وينتظر من الله الفرج بحلها.

وقد كان خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الحال فهذا الصديق يسمع قول الله - عز وجل -: "من يعمل سوءاً يجز به". فيقول: لو حاسبني ربي على كل ذنب لهلكت ويبكي وهو الذي يحفظ الناس أيضا قوله: لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدماي في الجنة فقد كان آدم وحواء وإبليس فيها فخرجوا، وكان يقول: "يا ليتني شعرة في صدر رجل مؤمن" مع أنه صاحب المناقب التي لا يحصيها محص ولا يعدها عادّ. وهذا الفاروق - رضي الله عنه - لما حضرته الوفاة كان ابنه عبد الله يضع رجله تحت رأسه فكان إذا أفاق قال: "يا بني ضع رأسي بالأرض" فيقول عبد الله: يا أبت وهل رجلي والأرض إلا سواء؟ فيقول: ضع رأسي بالأرض لا أم لك، عسى الله أن ينظر إليّ نظرة فيرحمني" ثم يقول: "ويل عمر إن لم يغفر الله له، وكان يقول: وددت أني أخرج منها كفافاً لا لي ولا علي والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول يوم المطلع".

مع أنه صاحب المناقب التي لا يحصيها محص ولا يعدها عاد.

وهذا عثمان - رضي الله عنه - كان إذا ذكر القبر يبكي حتى يبل لحيته فسئل في ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه. والحديث أخرجه ابن ماجة وسنده حسن في صحيح ابن ماجة.[3] يقول عثمان هذا مع أنه صاحب المناقب التي لا يحصيها محص ولا يعدها عادّ.

وغيرهم وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بل كذلك كانوا كلهم، ومن بعدهم سلفنا الصالحون من التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الناس هذا.هذا هو حال الايمان الذى مدحهم الله لأجله ونالوا به رضا الله كما قال الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 - 61]

روى الترمذي عن عائشة رضى الله عنها قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: "لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات"[4]


ومن تأمل آيات وأحاديث الشريعة وجد أن الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم قد وصفا أهل السعادة بالإحسان مع الخوف ووصفا الأشقياء بالإساءة مع الأمن

يقول ابن القيم - رحمه الله -: ومن تأمل أحوال الصحابة رضى الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن.

فهذا الصديق يقول: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن، وكان يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان يبكى كثيرًا ويقول: ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا، وكان اذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله - عز وجل -، وأتي بطائر فصار يقلبه ثم قال: ما صيد من صيد ولا قطعت من شجرة الا بما ضيعت من التسبيح، ولما احتضر قال لعائشة: يا بنية إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد فأسرعى به إلى ابن الخطاب وقد كانت أعطيت له بحكم مجلس شورى المسلمين برئاسة عمر ليستعين بها على الخلافة، قال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد، وقال قتادة: بلغني أن أبا بكر قال: ليتني خضرة تأكلني الدواب.

وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله: "إن عذاب ربك لواقع" فبكى واشتد بكاؤه حتي مرض وعادوه، وقال لابنه وهو في الموت: ويحك ضع خدي على الأرض عل أن يرحمني، ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر الله لي، ثلاثا، ثم قضى، وكان يمر بالآية في ورده بالليلفتخنقه العبارات فيبقى في البيت أيامًا ويعاد ويحسبونه مريضًا وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء وقال له ابن عباس: مصر الله بك الأمصار وفتح بك الفتوح وفعل وفعل فقال: وددت اني أنجو لا أجر ولا وزر.

وهذا عثمان بن عفان كان إذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته وقال: لو أننى بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير.

وهذا على بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبكاؤه وخوفه وكان يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوي قال فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما إتباع الهوي فيصد عن الحق ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولاحساب وغدًا حساب ولا عمل.

وهذا أبو الدرداء كان يقول: إن أشد ما أخاف على نفسى يوم القيامة أن يقال: يا أبا الدرداء! قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟ وكان يقول: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعامًا على شهوة ولا شربتم شرابًا على شهوة ولا دخلتم بيتًا تستظلون فيه ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل، وهذا عبد الله بن عباس كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.

وكان أبو ذر يقول: يا ليتني كنت شجرة تعضد وودت أني لم أخلق، وعرضت عليه النفقة فقال عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ومحرر يخدمنا وفضل عباءة وإني أخاف الحساب فيها، وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتي على هذه الآية: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [الجاثية: 21] جعل يرددها ويبكى حتي أصبح.

وقال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كبش فذبحني أهلي وأكلوا لحمي وحسوا مرقى وهذا باب يطول تتبعه.

قال البخاري في صحيحه: باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال ابراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على ايمان جبريل وميكائيل، ويذكر عن الحسن: ما خافه الا مؤمن ولا أمنه إلا منافق وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة: أنشدك الله هل سمانى لك رسول الله يعني في المنافقين؟ فيقول: لا ولا أزكى بعدك أحدًا.

فسمعت شيخنا شيخ الإسلام يقول: ليس مراده إني لا أبرئ غيرك من النفاق بل المراد: إني لا أفتح على هذا الباب فكل من سألني هل سمانى لك رسول الله فأزكيه[5]

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.78 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]