|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شؤم المعصية السيد طه أحمد الحمد لله رب العالمين.. أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكاً بطاعته، والملوك عبيداً بمعصيته، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل في معصيته، فقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير.. حذر من آثار الذنوب فقال تعالى ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]. وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم،حذر من الذنوب صغيرها وكبيرها، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه. رواه أحمد. فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..... أما بعد.. فيا أيها المؤمنون: لقد خلق الله تعالى الناس جميعا لغاية عظيمة ومهمة جليلة فقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]. وأرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل فقال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]. وقال تعالى أيضا ﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. الكون كله من حولنا لهو يسبح بحمد الله عز وجل.. الأنهار والبحار.. النجوم والكواكب.. الذرات والرمال.. الحيوانات والطيور.. ما ندركه وما لاندركه.. مانبصره ومالا نبصره.. قال سبحانه: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]. والمؤمن ينسجم مع الكون فى تسبيحه وتحميده لله رب العالمين: تلك الحلاوة التى يجدها المؤمن فى صدره وفي توفيق الله عز وجل له فى الدنيا إنما هو انسجام بين المؤمن والكون الذى يسبح الله عز وجل ولا يعصيه، لأن الكون يسعد بالمؤمن فهو يعبد الله كما يعبده، ويعظم الله كما يعظمه فهما ينتظمان فى حبه وطاعته سبحانه وتعالى. هذا الانسجام مع الكون نراه فى قول النبى صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم حجراً بمكة كان يسلم على حين بعثت" (الطبراني والبزار). ولكن سرعان ما ينسي الناس هذه الغاية وتلك المهمة وهذا الطريق فينحرفوا عن الطريق المستقيم فتزل أقدامهم في المعصية مما يؤدي بهم إلي الوقوع في مستنقع الرذيلة وظلام المعصية والهلاك الذي يعم الفرد والمجتمع. فما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها. لذلك كان حديثنا عن (شؤم المعصية) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية... 1- الهدف من الحديث عن شؤم المعصية. 2- أقسام الذنوب. 3- حال السلف مع المعصية. 4- أثر المعصية علي الفرد. 5- أثر المعصية علي المجتمعات والشعوب. 6- علاج الذنوب والمعاصي. العنصر الأول: الهدف من الحديث عن شؤم المعصية:- المقصود من الحديث عن شؤم المعصية هو التحذير من مغبة الاسترسال فيها وإطلاق العنان للخوض في حدود الله، وهو من باب قول القائل قديماً: عرفتُ الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشرّ من الخير يقع فيـه. وهذا كان حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا يسألون دائما عن الشر مخافة الوقوع فيه. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: " نَعَم "، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: " نَعَم وفيه دَخَن "، قلتُ: وما دخنه؟ قال: " قوم يَهدونَ بِغيرِ هَديي، تعرِفُ وَتُنكِرُ "، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نَعَم، دُعاة على أبواب جهنم، مَن أجابَهُم إليها قذفوهُ فيها "، قل يا رسول الله صِفهُم لنا، قال: " هُم مِن جِلدَتِنا ويَتَكَلَّمون بألسِنَتِنا "، قلت: فما تأمُرني إن أدركني ذلك، قال: " تلزم جماعة المُسلِمين وإمامَهم "، قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام، قال: " فاعتزل تلك الفِرَق كُلّها، ولو أن تَعَضّ بأصلِ شَجَرة حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك (رواه الثلاثة). العنصر الثاني: أقسام الذنوب:- الذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر، ولقد سمى نبينا الكبائر بالموبقات والمهلكات، وكل ذنب توعد الله مرتكبه بعذاب أو لعن أو حد في الدنيا، ولقد ذكر لنا نبينا أصناف العذاب المختلفة التي يلقاها مرتكبو الكبائر، كشاربي الخمر ومن يزني ويسرق ويتكبر على الخلق ويعرض عن كتاب الله ودينه. أما الصغائر فقد حذر منها نبينا إذ يقول (إياكم ومُحَقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقّرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه) رواه أحمد. ومن رحمة الله تعالى بنا أنه من اجتنب الكبائر غفر له الصغائر، يقول الله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء:31]. ولكن من يستطيع أن يقول: إنه من أهل هذه الآية؟! فالكذب كبيرة، وكذلك الغيبة، والإصرار على الصغائر والمداومة على فعلها كبيرة. العنصر الثالث: حال السلف مع المعصية:- كان السلف الصالح يتعاملون مع المعصية بحذر شديد، فعن عبد الله بن مسعود قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا - أي بيده - فذبه عنه أما المعصية والعياذ بالله فهى شؤم على صاحبها.. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنعدها على زمن رسول الله من الموبقات). فكانوا يعلمون علم اليقين شؤم المعصية على القلب والبدن.. لذلك كان الواحد منهم إذا نزل بهم بلاء أو شكوى رجع إلي نفسه وعاد باللائمة عليها، وقال لابد أني قد أذنبت ذنبا، ولابد أني قصرت في حق الله تعالى، لابد أني فرطت في جنب الله، ظلمت عبدا من عباد الله ضيعت فريضة من فرائض الله، انتهكت حرمة من حرمات الله تعالى فسرعان ما يرجع إلي ربه، ويقرع باب التوبة مستغفرا يقول ما قاله أبونا آدم وأمنا حواء حينما أخرجا من الجنة قالي تعالى: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]. هذا شأن المؤمن إذا أصابه خير رد الفضل إلي الله وقال الحمد لله الذي بنعمته الذي تتم الصالحات، وإذا أصابه شر لم يلم إلا نفسه ولم يتهم إلا نفسه قال تعالى ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79]. هكذا كان شعورهم، وهكذا ديدنهم،هذا شأن المؤمن أن يرجع كل فضل إلي الله تعالى فهو صاحب الفضل والنعمة ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]. وكان ابن المبارك يقول إني لأري شؤم معصيتي في سوء خلق امرأتي ودابتي، يعني إذا نكدت عليه امرأته أو حرنت عليه دابته يقول لابد أني قد ارتكبت معصية من المعاصي، لأن الطائع لربه يرى الكون مُسخرًا له، يَشعُر بتكريم الله له، وتفضيله إيَّاه على خَلْقه. فالمعصية أثرها خطير وشرها وبيل علي الفرد والمجتمع فالحذر كل الحذر من شؤم المعصية. العنصر الرابع: أثر المعصية علي الفرد:- إنه ما من شر ولا بلاء ينزل بالناس أفراداً كانوا أو جماعات، إلا وسببه الذنوب والمعاصي،وإن للمعصية آثارًا عظيمة ومخاطر كبيرة علي الفرد منها:- 1- حرمان العلم والهداية:- إن من شؤم المعصية علي صاحبها، نسيان العلم وذهاب الحفظ، ويا لها من عقوبة ما أقساها على أهل العلم وطلبته، وذلك أن العلم نور يقذفه الله في القلوب العامرة بطاعته المنيبة إليه سبحانه، والمعصية ظلمة قد علاها قُتار الشهوات الهوجاء، وأنّى للنور أن يأنس بالظلام؟! ولذلك روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية. والشافعي رحمه الله هو القائل في الأبيات التي سارت بين طلبة العلم مسير الشمس: شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ![]() فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي ![]() وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ ![]() ونورُ الله لا يهدى لعاصي ![]() وقد يتساءل إنسان فيقول: إن فلاناً من الناس قد أُعطيَ حفظا واستحضاراً على فجوره الذي عُرف به في الناس فكيف ذلك؟! فنقول: اقرأ كتابَ الله تعالى تجد الجواب واضحاً، يقول الله عز وجل: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ [الأعراف: 175، 176]. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله معلقاً: "ففي الآية دليل على أنه ليس كل من آتاه الله العلم فقد رفعه به، إنما الرفعة بالعلم درجة فوق مجرد إتيانه". كم من فاجر كان حظه من العلم قيل وقالوا، ليكون ذلك حجةً عليه عند الله، دون حقيقة العلم التي تورث الخشية والإنابة. فيا معشر طلبة العلم، لنتقِ الله في أعز أيام العمر التي صُرفت في الحفظ والركض وراء عرائس العلم، أن تذهب بها غوائل المعاصي الجامحة، واعلموا - رحمكم الله - أن سوط العقاب بالمرصاد. وحرمان الهداية من الله تعالى قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146]. 2- الوحشة بين العبد وبين الله تعالى:- من أعظم آثار المعاصي وأخطرها على العبد الوحشةُ التي تحدثها المعاصي بين العبد وربه، واستثقال الطاعات، واستمراء الفواحش، واعتيادٍ لها، ويا لها من سكرة ما أشد عماها على القلب إن لم يُمدّ صاحبها بنفحة من نفحات الرحمة والهداية، فإنه واقع في حُفرة من حفر الشقاء والعذاب الواصِب لا محالة. إن حياة المرء الحقيقية إنما هي حياة الطاعة، وشعور العبد أنه خلع عنه ربقة العبودية للخلق، وآوى إلى ظلال العبودية الحقة التي ترفعه عن الطين وجواذبه، ليحط رحال القلب في ساحات العبودية لله رب العالمين. ولهذا جعل الله الكافر ميتاً غير حي فقال تعالى: ﴿ أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾ [النحل:21]. وتأملوا بالمقابل في قول بعض الصالحين المخبتين الذين وجدوا برد الطاعة والإنابة إذ يقول: "إنه لتمرّ بالقلب لحظات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم". إنّ في الدنيا جنة لا يدخل جنة الآخرة من لم يدخلها، إنها جنة الطاعة والعبودية التي يُحرم منها العصاة الفجرة. إذا ابتلى العبد بالمعاصي، استوحش قلبه، وضعفت همته وعزمه، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته، وقسا قلبه، ووهن بدنه، وضعف حفظه واستيعابه، وذهب حياؤه وغيرته، وضعف في قلبه تعظيم ووقار الرب. وقد أخبر الله عز وجل عن حال قوم فرعون حين أغرقهم، قائلاً: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ [الدخان: 29]. إن من قارف المعاصي ولازمها تولد في قلبه الاستئناس بها وقبولها، ولا يزال كذلك حتى يذهب عنه استقباحها، ثم يبدأ بالمجاهرة بها وإعلانها وغالب هؤلاء لا يعافون، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر الله عليه)) رواه مسلم. وهذه المجاهرة موجودة بيننا ولها صور وأشكال. فمن المجاهرة، أن يتحدث التاجر إلى رفاقه بغشه في السلع ويعد ذلك مهارة وكياسة. ومن المجاهرة أن يذكر الماجن مجونه وينشر الفاسق فسوقه، ومن المجاهرة، تلك الصور الفاضحة وتلك الكلمات الخادشة للشرف والفضيلة. وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الناس. وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الناس). وقال جل وعز: ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾ [النور:40]. قال تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾[المطففين: 14]. 3- المعصية تورث الذل: إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه، فتورثه الذل لا محالة، فإن العز كل العز في طاعة الله قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8] أي فليطلبها بطاعة الله، ومن دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك، وقال الحسن: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. المعاصي تهون العبد على ربه، فيرفع مهابته من قلوب خلقه قال تعالى: ﴿ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ﴾ [الحج:18]. يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: رأيت الذنوب تميت القلوبَ ![]() وقد يورثُ الذلَّ إدمانُها ![]() وتركُ الذنوب حياةُ القلوبِ ![]() وخيرٌ لنفسك عصيانها ![]() وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ ![]() وأحبارُ سوءٍ ورهبانها ![]() ونجد أن المعصية تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، ولهذا كان النبي أغير الخلق على الأمة والله سبحانه أشد غيرة منه قال (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني) [رواه البخاري ومسلم]. ومن استحى من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من الله تعالى من معصيته لم يستح الله من عقوبته. والذنوب تدخل صاحبها تحت لعنة الرسول فإنه لعن على معاصي كثيرة. وتؤدي إلي حرمان دعوة الرسول ودعوة الملائكة، فإن الله أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات. 4- حرمان الرزق ومحق العمر:- المعاصي تمحق بركة العمر، فإذا أعرض العبد عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول: (يا ليتني قدمت لحياتي) فعمر الإنسان هو مدة حياته ولا حياة له إلا بإقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]. وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 65، 66] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر و إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). أخرجه الحاكم فى المستدرك. وتؤدي إلي ضنك العيش فى الدنيا والعمى والحسرة يوم القيامة: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾ [طه: 124، 125] العنصر الخامس: أثر المعصية علي المجتمعات والشعوب:- 1- هلاك الأمم والشعوب:- لو تأملنا تاريخ الأمم والشعوب لوجدنا أن المعصية سبب كل بلاء حل بالأمم، فإن الأمة كالفرد إذا صح إيمانها وابتغت صراط ربها.. أنعم الله عليها.. قال تعالى: " ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12]. وأما إذا اتبعت الأمة شهواتها وعتت عن أمر ربها فقد جنت على نفسها، فكانت العاقبة حسب الترتيب الإلهي: كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [الزخرف:55]. فالله عز وجل لم يهلكهم مرة واحدة وإنما لابد أن تتحقق السنن الكونية في هلاك الأمم الظالمة وهي تتمثل في الآتي:- الإملاء - التزيين - الاستدراج - الأخذ. الإملاء: فقال تعالى: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾[الأعراف: 183]. التزيين: فقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: 8]. الاستدراج: فقال تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182]. الأخذ: فقال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد). رواه البخاري. قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |