|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عذرا.. لا أستطيع شريفة الغامدي هاتفتْني جارةٌ لي قديمة كنتُ قد التقيت بها مرَّتين أو ثلاثًا ثم افترقْنا، اتَّصلت مبدية رغبتَها في أن نلتقي، والحقُّ أنَّ اتصالها كان مفاجئًا؛ لأنَّه لا يجمعني بها كثيرُ صلة؛ فالاتِّصالات بيننا نادرةٌ جدًّا فقد تمرُّ السَّنة دون أيِّ اتصال بيننا كما أنَّنا لم نلتقِ إلا مرات قليلة، ولكنَّها أبدتْ حاجتها في أن نلتقي سريعًا خلالَ ذلك الأسبوع. عندما اتَّصلتْ كنتُ في السيارة في طريقي عائدةً مِن سفر، ولأنَّ مكالماتنا نادرة ظننتُ بأنَّ هناك أمرًا مهمًّا أو مشكلة تريد أن نلتقي لأجلِها، وما ذاك والله سوء ظنٍّ بها وإنَّما لأنَّ الناس لا يتَّصلون غالبًا ويطلبون رؤيتَنا إلا عندَ الأزمات والمشكلات، فلا أحدَ يتَّصل راغبًا في لقائك على وجه السرعة فقط ليخبرَك أنَّه بخير. قلت لها: لا مانعَ، حيَّاك الله بمنزلي في أيِّ وقت ترغبين. ردَّتْ: وأريد أن تزوريني أنتِ أيضًا. فأجبتُها بأنَّه غدًا سيبدأ الدوام، وأنا خلالَ الأسبوع لا أستطيع، ففي العصر أذهبُ إلى عملي وأبنائي في المدرسة وأحْرِص أن يناموا مبكِّرًا، ولكن إذا أردتِ الحضورَ أنتِ فحيَّاك الله. • حسنًا لنلتقي عدَّةَ مرَّات! • أشعُر بمللٍ شديد وضجَر. وأرْغَب في الخروج. • لا بأسَ تعالي إلى منزلي. • لا، أنا أقصِدُ أن نلتقي بعيدًا عن المنزل. في أيٍّ من الأماكن المخصَّصة للعائلات، في أحدِ المنتزهات مثلاً. أو أيِّ مكان به ألعاب كهربائية للكبار، أريد أن ألعبَ ألعابًا خَطِرة، أرجو أن تكوني مغامرةً مِثلي. • في الواقِع أنا عكسك تمامًا، لا أميل لهذه الأشياء أبدًا. • هل تعرفين متنزهًا للعائلاتِ فقط. • نعمْ، أعرف واحدًا ولكن لم يسبقْ لي زيارته، فليس لديَّ أي تفاصيل عنه، ولكنَّه بعيد. وأخْشى ألاَّ يسمح لأبنائي بالدخول، فبعض هذه المتنزهات أحيانا تشترط سِنًّا أو طولاً معينًا. • لا بأسَ دَعينا نذهب إليه وسنعرِف إذا وصلْنا. • المشكلة هي أنَّ والدَه سيذهب إلى عملِه، ولا يمكنه البقاء معه إذا لم يسمحْ له. • سنحاول ونتحدَّث إليهم لعلَّهم يَقْبلون بتمريره والسماح له بالدُّخول. "في الواقع أنا لا أحبُّ الاستجداءَ مهما كانتِ الأسباب، وأحب اتِّباع الأنظمة، فهذا يُريحني ويجنبني الوقوعَ في أيِّ حرَج". أجبتُها بأنني سأرى وأردُّ لها خبرًا. وأنهتِ المكالمة بسعادة مُؤمِّلة نفسَها بتلك النزهة. بينما أثقلتْني بهمٍّ عظيم، وضيقٍ شديد. فقدْ منَعَني حيائي منها من ردِّها والاعتذار عن لقائها. كان ذلك الأسبوعُ طويلاً ومرهقًا لي. بقيت طوالَه أُفكِّر؛ ماذا أقول لها؟ وأحاول إقناعَ نفسي بأنَّ الأمر بسيطٌ، وأنَّ يومًا واحدًا مرهقًا لن يُفقدني الكثيرَ، بينما أُدْخِل السرور عليها، ولكنَّ شيئًا في داخلي يرفُض الانصياع لفِكرة القَبول بأمر لا أرغب فيه البتة، وسيكلفني الكثيرَ مِن الفوضى في جدول أُسرتي مِن أجْلِ إرضاء تلك الجارة المتضايقة، والتي ترغب في بعضِ الترفيه الذي لا يسمح وقتي ولا ظروفي به حاليًّا، كما أني لا ميلَ لي نحوه. كنتُ أرقب هاتفي كلَّ لحظة مترقبة اتصالها الذي كنتُ أرجو ألاَّ يجيء في وسط الأسبوع، حتى إنَّ "بطارية" هاتفي فرغت فانطفأ ولم أجد جهازَ الشحن الخاص به، فقد كنتُ في سفر قَدِمتُ منه توًّا، وما زالت بعضُ أشيائنا في حقائبها فبعثرتُ كلَّ الحقائب بحثًا عنه؛ خوفًا من أن تتصل فتجده مُغلَّقًا فتظن بأنَّني تعمدتُ إغلاقَه. كم مِن الإرهاق النفسي يُلحِقه بنا الآخرون دون أن يَشْعروا! وفي نهاية الأسبوع، عاودَت الجارة الاتصالَ بي لتجديدِ الموعد. وكنت قد اتخذتُ قراري بأني لن أذهبَ. وحاولتُ فعلاً التملُّصَ منها، ولكني كلما اعتذرتُ بأمر أوجدتْ له حلاًّ. أنهيتُ المكالمةَ المرهِقة، وقلت بصوت عالٍ غاضبٍ: "لا أُريد الذهاب"، "ولن أذهَب". أمضيتُ الليل وأنا في صِراع مع خَجَلي من ردِّها، وخوفي مِن كسْر نفسِها. ثم أجبتُ نفسي اللائمة بأنَّ الخجل لم يمنعْها هي من الضغط عليَّ، وقد أبديتُ لها عِدَّة أعذار كافية لتفهمَ أني لا أُريد ذلك. ثم إنَّ كسْرَ نفسِها لن يكونَ بحجم كسْر نفوسِ أبنائي، الذين سيَصِلون إلى مدخلِ المنتزه ثم يُمنعون مِن دخولِه. ثم إني لن أكونَ مرتاحة أبدًا وأبنائي ليسوا معي، فلمْ أعتدْ ترْكَهم عندَ أيّ أحد كان إلا للضرورة، وما هذه بضرورة؟! ولأنِّي مِن الأشخاص الذين لا يُحبُّون الابتعادَ عن منازلهم، فلا أرتاد الأماكنَ البعيدة، ولا أحبُّ الذَّهاب إليها، ولا قضاء وقتٍ طويلٍ بالخارج، فإنَّ فكرة مرافقتها كانتْ تُوتِّرني جدًّا. لذا قررتُ أخيرًا أن أرفضَ ما أرهقني أسبوعًا كاملاً وأرَّقني. فجمعتُ قواي وأرسلتُ لها. "السلام عليكم، معذرة يا عزيزتي. لا أستطيعُ الخروج معكِ اليوم. أوْضاعي لا تَسْمح. • ليس لديَّ مَن يَنقُلني للمكان. • والمكان بعيدٌ جدًّا عن منزلي. • وأظنُّهم لن يسمحوا لأبنائي بالدُّخول. • كما أنَّ الجوَّ باردٌ جدًّا في هذا الوقت وأخْشَى على ابني الصغير. • وبِصِدْق أنا لا أَميل كثيرًا لهذه الأماكن. هذه أسبابي. وأرجو قَبولَ اعتذاري". لم يكن الأمرُ يَتطلَّب أكثرَ مِن عبارة "عذرًا لا أستطيع"، ولكنَّنا نستحيي أن نقولها. والحقُّ أنِّي شَعُرتُ بعدها براحةٍ كبيرة، وكأنَّ حِملاً قد أُزيح عن ظهري، وليتني أزحتُه منذ أن طرحتْ فكرتَها عليَّ لما كنتُ قضيتُ هذا الأسبوعَ في ضيقٍ وهمٍّ. وبالرغم من أنِّي أظنُّها قد تضايقتْ، فقد أرسلتْ إليَّ ما أشعرني بذاك، إلا أني أشعُرْ بأنَّ ما فعلتُه كان صوابًا، فالمجاملة لا يجب أن تُكلِّف الإنسانَ فوق طاقته. ومِن الأنانية أن نُفكِّر بأنفسنا، ونجبر الآخرين على مجاملتِنا عن غيرِ رغبة منهم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |