|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() القرآن الكريم الشيخ أحمد الفقيهي فيا عبادَ الله: كانتِ البشريةُ تعيش في ظلام دامس، وليلٍ بهيم، لعبتْ بعقولها الانحرافات والخُرافات، حتى أكرمها الله وأنزل عليها القرآن، لِيُخرجَها من الظلمات إلى النور، ومن الخضوع للأوثان والأصنام إلى الخضوع الكامل للواحد الديَّان، وإنَّ المتطلِّعَ اليوم في واقع كثير من الناس وسْطَ أجواء المتغيِّرات المتكاثرة، والرُّكام الهائل من المصائب والبلايا، يلحظُ بوضوح حاجةَ النفوس إلى تحصيل ما يُثبِّت قلوبَها، ويطفئ ظمأَها، ويجلو صدَأها، وذلك كلُّه موجود في كتاب الله - عزَّ وجلَّ - ذلكم الكتاب الذي جعله الله - سبحانه - عُمدةَ المِلَّة، وآية الرِّسالة، لا طريق إلى الله سواه، ولا سبيلَ إلى النجاة بغيره، فهو سلوةُ الطائعين، ودليلُ السالكين، ولذَّة قلوب المتقين، كيف لا وهو كلام ربِّ العالمين، المنزل على سيِّد المرسلين، بلِسانٍ عربيٍّ مبين، ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]؟! أيها المسلمون: إذا كان الأنبياء السابقون - عليهم السلام - قد أُوتوا من المعجزات ما آمَنَ عليه البشرُ في وقتهم، ثم انتهتْ تلك المعجزات بموتهم وفناءِ أقوامهم، فإنَّ الذي أوتيَه محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان وسيظلُّ معجزةً يُدرِكها اللاَّحقون بعد السابقين، ويراها المتأخِّرون كما يراها المتقدِّمون، يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من الأنبياء نبيٌّ إلاَّ وأُعطِي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنَّما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعًا يومَ القيامة))؛ أخرجه مسلم. القرآن عباد الله، هو المِصباحُ الذي لا تنطفئ مصابيحُه، والمنهاج الذي لا يضلُّ ناهِجُه، والعزُّ الذي لا يُهزَم أنصارُه، أنزله الله في أمَّة تتباهى بالفصاحة والبيان، وتتفاخر بالبلاغة وجزْل الكلام، فتحدَّاهم الله جميعًا إنسهَم وجِنَّهم، فقال – سبحانه -: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]. عباد الله: لقد حاول الأعداءُ قديمًا وحديثًا العبثَ بالقرآن، والتشويش في صِدقه، شكَّكوا في تنزيله، وطَعَنوا في جَمْعه وتدوينه، ونالوا من قراءته وحروفه، ثم رجعوا في النهاية خائبين، إذْ أذعن لفصاحتِه بُلغاؤُهم، وانقاد لحكمِه حكماؤُهم، وأُبْهِر بأسراره علماؤُهم، أَرسلتْ قريش أحسنَ رجالاتها؛ ليُكلِّم النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجاء الوليد بن عتبة، وكلَّم النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كثيرًا وهو منصت، فقرأ عليه مطلعَ سورة (فصلت) حتى بلغ قولَه – تعالى -: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13]، فأمسك عتبةُ على فيه، وناشدَه الرحم، ثم رجع إلى أهله، واعتزل قريش فترة، فلمَّا جاء قريشًا قال بعضهم لبعض: لقد جاءكم أبو الوليد بغَيْر الوجه الذي ذَهَب به، فلمَّا جلس إليهم، قالوا: ما وراءَك؟ قال: ورائي أنِّي سمعتُ قولاً، والله ما سمعتُ مثله قطُّ، والله ما هو بالسِّحْر، ولا بالشِّعْر، ولا بالكهانة، قالوا: سَحَرك يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بَدَا لكم. أَتَى بِكِتَابٍ أَعْجَزَ الْخَلْقَ لَفْظُهُ ![]() فَكُلُّ بَلِيغٍ عُذْرُهُ صَارَ أَبْكَمَا ![]() تَحَدَّى بِهِ أَهْلَ الْبَلاَغَةِ كُلَّهُمْ ![]() فَلَمْ يَفْتَحُوا فِيمَا يُعَارِضُهُ فَمَا ![]() حَوَى كُلَّ بُرْهَانٍ عَلَى كُلِّ مَطْلَبٍ ![]() وَيَعْرِفُ هَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَفْهَمَا ![]() أيها المسلمون: إنَّ صِلةَ الكثير من الناس بكتاب ربِّهم يكتنفها شيءٌ من الهجران والعقوق، سواء في تلاوتِه، أو تدبُّره، أو في العمل به، والله - سبحانه وتعالى - لم يُنزل كتابَه لِيُتلَى باللسان تلاوةً مجرَّدة عن التدبُّر والفَهْم، منفصلة عن العِلم والعمل، ولا ليكتبَ على لوحات وملصقات تُزيَّن بها الجدرانُ ومداخل البيوت ومجالسها، ولم ينزله - سبحانه - ليكتبَ في حجب وحِرْز وتمائم، تُعلَّق على الأكتاف وفي الرِّقاب؛ لتُدفعَ بها العَيْن، ويُردَّ بها البلاء، وما أنزل القرآنَ ليُقرأَ على الموتى والأضرحة، أو في المناحات باسمِ العزاء، وما أنزل القرآن لتُفتتحَ بها الإذاعاتُ والقنوات، ثم يتلوه العزْفُ والطبل والغناء! لقد أنزل الله القرآنَ لِيُقرأَ وليتدبَّر، ولِيَتذكَّر به مَن يتذكَّر: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. أيها المسلمون: إنَّ الله - سبحانه - امتدح مَن يتلون كتابَه، ووعَدَهم بالمزيد من فضله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29 - 30]، فلا تبخلوا بالأوقات على كتاب الله - تعالى - فهو خيرٌ لكم من حُطامِ الدنيا التي يتنافسُ البعضُ عليها. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَيُحبُّ أحدُكم إذا رجع إلى أهله أن يَجِد ثلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمان؟)) فقالوا: نعم، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فثلاثُ آيات يَقرأ بهنَّ أحدُكم في صلاته خيرٌ من ثلاث خَلِفات عظامٍ سِمان))؛ أخرجه مسلم، وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا القرآن، فإنَّكم تُؤجَرون عليه، وكلُّ حَرْف عشرُ حسنات، أمَا إنِّي لا أقول: (ألم) حَرْف، ولكن أَلِف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون))؛ أخرجه الخطيب. يا أهل القرآن: ها هي سِيَر بعضِ سَلفِكم وحالُهم مع القرآن، يقول عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه -: لو طَهُرتْ قلوبكم ما شَبِعْتم من كلام الله، وها هو أبو حنيفة النعمان يُصلِّي صلاة العشاء خلفَ الإمام، فيقرأ الإمام: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 1]، فلمَّا قضى الإمامُ الصلاة وخرج الناس، نظر المؤذِّن إلى أبى حنيفة وهو جالس يُفكِّر، فقلت: أقول: لا يشتغل قلبُه بي، فلمَّا خرجت أنزلت القنديل، ولم يكن فيه إلاَّ زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجرُ وهو قائم قد أخَذَ بلحية نفسه، وهو يقول: يا مَن يَجزِي بمثقال ذرَّةِ خيرٍ خيرًا، ويا مَن يجزي بمثقال ذرَّة شرٍّ شرًّا، أَجِرِ النُّعمانَ عبدَك من النار، وما يُقرِّب منها من السُّوء، وأدخِلْه في سَعةِ رحمتك، قال: فأذَّنْتُ، فلما دخلت قال: تريد أن تأخذَ القنديل، قلت: قد أذَّنْتُ لصلاة الغداة، قال: اكتُم عليَّ ما رأيت، وركع ركعتي الفَجْر، وجلس حتى أقمتُ الصلاة، وصلَّى معنا الغداةَ على وضوء أوَّل اللَّيْل. يُروَى أنَّ بعضَ فقهاء مصر دخلوا على الشافعي - رحمه الله - وهو في المسجد، وبين يديه المصحف، فقال لهم الشافعيُّ: شَغَلَكم الفِقهُ عن القرآن، وإنِّي لأصلِّي العتمةَ، وأضع المصحف بين يدي، فما أطبقه حتى الصبح. عباد الله: إنَّه بقدر ما تَكشِف هذه النصوصُ عن قدر القرآن وقيمته، وصَرْف الهِمم له عندَ هؤلاء الأخيار، فهي تكشِف أيضًا عن جَلدِهم وطول مكثِهم في تلاوته وتدبُّره، كيف لا والمشغول بالقرآن يُعطَى أفضلَ ما يُعطَى السائلون؟! يَا حَامِلَ الْقُرْآنِ إِنْ تَكُ هَكَذَا ![]() فَلَكَ الْهَنَاءُ بِفَوْزِ عُقْبَى الدَّارِ ![]() وَمَتَى أَضَعْتَ حُدُودَهُ لَنْ تَنْتَفِعْ ![]() بِحُرُوفِهِ وَسَكَنْتَ دَارَ بَوَارِ ![]() الخطبة الثانية فيا عباد الله: إنَّ الموعظةَ بالقرآن لا تقتصر على جِيل دون جِيل، ولا على فِئة من الناس دون أخرى، وإنَّ الله جعَل القرآنَ مَأدُبتَه الأخيرة من السَّماء، لم يُنزلْه جملةً كغيره من الكتب، بل نجومًا متفرِّقة مرتَّلة ما بين الآية، والاثنتين والآيات، والسُّورة والقِصَّة، في مدة زادتْ على عشرين سَنَة؛ وذلك لتتلقاه الأمَّة بالحِفظ، وليستويَ في تلقُّفه في هذه الصورة الكليلُ والفَطِن، والبليدُ والذَّكي، والفارغ والمشغول، والأُمِّيُّ وغيرُ الأُمِّي، فيكون لِمَن بعدهم فيهم أُسوة في نقْل كتاب الله حفظًا، قرنًا بعدَ قرن، وخَلَفًا بعد سَلَف. أيها المسلمون: لقد كانتِ المنازلُ في السابق يُعرفُ أهلُها بقراءتهم لكتاب الله، يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لأَعرِفُ أصواتَ الأشعريِّين باللَّيْل حين يدخلون، وأعرِف منازلَهم من أصواتهم بالقرآن باللَّيل، وإن كنت لم أرَ منازلَهم حين نزلوا بالنَّهار))؛ رواه المسلم. يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: "البيتُ الذي يُتلَى فيه كتابُ الله كَثُر خيرُه، وحضَرَتْه الملائكة، وخرَجتْ منه الشياطين، والبيت الذي لا يُتلَى فيه كتابُ الله ضاق بأهلِه، وقلَّ خيرُه، وحضرتْه الشياطين، وخرجتْ منه الملائكة". أيها المسلمون: آهٍ على بيوت المسلمين حين تعجُّ بالأصوات المنكَرة، والصور الفاضحة، وترى فيها كلَّ شيء إلاَّ القرآن، أو تَرَى القرآن ولكن لا ترى عليه أثرًا للقِراءة، وكأنَّ البركة تَكْفي لوجوده، ولو كان مهجورًا!! كم مِن أناس في هذا الزمن تولَّعوا بالغِناء والمعازِف، حتى لا تفارِقَ مسامعَهم، هَجروا كتابَ الله فلا يقرؤونه، بل ولا يُطيقون سماعَه أحيانًا. بيوت يحيا ليلُها ويُقضَى نهارُها بسماع الغناء والمعازف، حتى إنَّ أصواتَها لتنبعثُ من وراء الجُدران؛ مبالغةً في الجَهْر بالعصيان. كم مِن بيوت خَلَت من ذِكْر الرحمن، وعلا ضجيجُها بمزمار الشيطان، فانتشرتِ الشياطين في أرجائها، وتربَّعت في أركانها، وجالتْ في قلوب أصحابها، فحرَّفتهم إلى سبيل الغي والفساد، فكثُرت فيهم الأمراضُ النفسيَّة، والأحلام المزعجة. مساكين مَن يُمضُون في قراءة الجرائد ونحوها كلَّ يومٍ أضعافَ ما يمضونه لقراءة القرآن. مساكين مَن يقفون على أقدامهم، أو يَجلِسون على الأرائك بأحاديثَ لا منفعةَ من ورائها، ثم تراهم يَتضايقون حين يجلسون دقائقَ معدودةً لقراءة القرآن. عباد الله: عَظِّموا كتابَ ربكم، واستشفوا به من أدوائكم، واطْلُبوا به النصرَ على أعدائكم، ومَيِّزوا به بين أعدائكم وأصدقائكم. ثم صلُّوا على نبيِّكم كما أمَرَكم الله بذلك في كتابه.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |