|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الثقافة الإسلامية في السودان قبل القرن الحاضر أ. محمود عبد الله بُرات إن حقبة دول التعريب بين (1319 - 1898) أحدثت المناخ الفكري الذي علَّم الفتاة المسلمة السودانية علمها ومنهاج قيمها، وسوف نُلمِّح إلى النمو الثقافي بالقدر الذي يمكننا من رؤية تنشئة الفتاة المسلمة السودانية في ذلك الزمان. دخل السودان على أسرة الدول الإسلامية كآخر بلد، وكان مثقلًا باندراس الدين وانحطاط وتخلف مجتمع السودانيين، وكانت الدول الإسلامية التي دخل عليها السودان قريبة منه حالًا، فقد قيد التقليد عقول العلماء وشاع التصوف جميع أطراف الحياة، وأصبحت العبادة بالطبول والبخور والقباب الشامخات تشهر وتخلد القبور. وأما ما دخل على السودان من العلماء الوافدين، فخير ما في جَعبة السودان، فمنهم علام الله بن عائد اليمني الركابي، وحسن المعرك، والبندراوي الشامي، وحمد ود زروق الحضرمي، ومحمد القناوي المصري، ومحمد بن علي الكيماني المصري، وعبدالكافي المغربي، وحسن ود حسونة، وسعد ود حمد شوشاي، وقد كان لهؤلاء تلاميذ كثر ساروا على نهجهم. والوافدون وطلابهم فتحوا الطريق إلى الدراسة في الحرم المكي الشريف والأزهر، وقد ارتادت الأزهر جمهرة كبيرة من أبناء السودان، ومنهم من أصبحوا من أعلام العلماء، وروَّاد الثقافة الإسلامية، نذكر منهم للمثال لا للحصر إبراهيم ود جابر البولاد وشقيقيه إسماعيل ود جابر، وعبدالرحمن ود جابر، ولم تذهب للأزهر شقيقتهم الحافظة للقرآن الكريم فاطمة بنت جابر، ومن الأزهريين السودانيين محمود العركي. وقد أثر الوافدون وطلابهم من الأزهريين ومن غير الأزهريين ومن طلاب الأزهريين من أبناء السودان - أثرًا كبيرًا على توعية السودان، وقد ظهر أثرهم على مسالك العامة، ومن هؤلاء المتخرجين في السودان الشيخ إدريس ود الأرباب، والشيخ أبو عاقلة الكشيف، والشيخ الزين بن الشيخ صغيرون، الشيخ إبراهيم بن عبودي، والشيخ أبو سنينة، والشيخ أرباب بن علي الخشن، المشهور بأرباب العقائد، والشيخ خوجلي بن عبدالرحمن المشهور بخوجلي أبو الجاز، والشيخ بان النقا الضرير، والشيخ حمد بن عبدالله الأغبش، والشيخ حمد النجلان، ود. الترابي، والشيخ دوشين قاضي العدالة، والشيخ صغيرون المشهور بصاحب قوز العلم، والشيخ فرح ود تكتوك، والشيخ محمد الهميم راجب المندرة، والشيخ موسى أبو قصيصة، والشيخ نعيم البطحاني، والشيخ نعيم الفادني، ومئات آخرون. إن الأتراك العثمانيين أمدوا الثقافة والتعليم الإسلامي بمدد كبير للغاية، حتى حفروا قبورهم بحوافرهم، فالصراع العنيف الذي قاده محمد بك الدفتردار ضد الجعليين لقتلهم إسماعيل باشا - جمَّد الحياة في السودان، وقد رفضوا دفع أي ضريبة للحكومة، ورفعوا شعارهم المشهور: "عشرة في تربية ولا ريال في طلبة"، وقد طالت حقبة الجمود، فقرر محمد علي باشا لكي يحل مشكل التجميد أن يحضر للسودان، فاسترضاهم وطيَّب خواطرهم، ثم قابله بقية أعيان السودان في الخرطوم فأرضاهم، وطيب خواطرهم، ووعدهم خيرًا، وكانت رحلة محمد علي باشا للسودان بداية استقرارهم للحكم المصري التركي، وقد نصح المستشارون الباشا بأن يوسع للسودانيين في المجالات الدينية، وبذلك يكسب قلوب مشايخهم وأعيانهم، وبذلك يضمن ولاء العامة، فأمر محمد علي باشا بألا تؤخذ من شيوخ "الخلاوي" - أي كتاتيب القرآن - أي نوع من الأتاوات في شخوصهم (الدقنية)، ولا في مزارعهم، ولا في مواشيهم، ولا في أي شيء يتعلق بهم، ثم أمر بالسماح بزيادة الخلاوي لمن يريد أن يفتح خلوة جديدة، وينبغي أن يعامل معاملة أرباب الخلاوي، وأمر أن يمنح الشيوخ الإعانات النقدية والعينية، وفرض التغذية لجميع الطلاب في جميع الخلاوي وسماها الجراية، وأخذ في هجرة الوعاظ والعلماء للسودان بالإغراءات، ثم أسس في القاهرة مساكن للسودانيين القادمين للأزهر، وقد سمى المساكن المعدة للسودانيين بالرواق السناري، فلم يعد للسودان مجال للعلم الديني إلا أصبح ميسرًا، وأصبح المناخ الحضاري في السودان مُتخمًا بالعلوم الدينية، وقد زاد محمد علي باشا الكبير الدفع الديني بإدخال مؤثرات دينية رسمية، فقد أنشأ هيكل الإفتاء الديني، وثار الأخذ والرد في الفتاوى، حتى أصبح نوعًا من التثقيف الرسمي، كما أنشأ الهيكل الديني الثاني وهو القضاء الشرعي الذي تمدد في الهرم الاجتماعي من قاعدته إلى قمته، ثم أنشأ الوعظ والإرشاد الرسمي، وكان يستمر في المساجد طول العام، ثم يخرج للساحات العامة في المواسم والأعياد الدينية. أما المهدية فقد خلقت مناخًا دينيًّا لم تسبق إليه في السودان، ولم يأت مثيله بعدها أبدًا، فقد أخذت المهدية الإسلام من جحوره الرسمية وغير الرسمية، ودفعته لحياة الناس العامة، وعلمت أهل السودان - وللمرة الأولى - أن الدين الإسلامي منهاج حياة، يولد الإنسان ويربَّى ويتعلم ويأكل ويشرب، ويقاضي ويجاهد، ويمارس كل حياته في ظل الإسلام، وأشاعت الإسلام في جميع مرافق الحياة، وعمقت الإسلام في نفوس أهل السودان، وهذا التعمق قليل من الكثير الذي جعل الإمام محمد أحمد المهدي المجدد الأوحد بين مسلمي أهل السودان من معركة رمات الحدق إلى يوم الناس هذا..، وهذه فائدة عارضة كما يقول أسلافنا. من بحث منشور في المؤتمر الأول لجماعة الفكر والثقافة الإسلامية الخرطوم، السودان -29 محرم - 2 صفر 1403هـ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |