|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التورق والتورق المصرفي د. مرضي بن مشوح العنزي المبحث الأول: التورق المطلب الأول: تعريف التورق التورق في اللغة مأخوذ من الوَرَق، والوَرَقُ يطلق على المال عمومًا[1]،و يقال رجل ورّاق أي كثير المال، والمُسْتَورِق: الذي يطلب الورق[2]. والتورق في الاصطلاح هو: "أن يشتري سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها به؛ ليحصل بذلك على النقد"[3]. ومصطلح التورق خاص بالمذهب الحنبلي[4]، أما المذاهب الفقهية الأخرى فيذكرون صورة التورق أثناء كلامهم عن العينة[5]. المطلب الثاني: حكم التورق اختلف الفقهاء في حكم بيع التورق على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن بيع التورق جائز. وهو مذهب الحنفية[6]، والمشهور عند المالكية[7]، ومذهب الشافعية[8]، والحنابلة[9]. القول الثاني: أن بيع التورق مكروه. وهو قول عند الحنفية[10]، وقول عند المالكية[11]، ورواية عند الحنابلة[12]، اختارها ابن تيميه في أحد قوليه[13]. القول الثالث: أن بيع التورق محرم. وهو رواية عند الحنابلة[14]، اختارها ابن تيمية في أشهر قوليه[15]، واختارها ابن القيم[16]. أدلة القول الأول: الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾[17]. وجه الدلالة من الآية: دلت الآية على أن الأصل في البيع الإباحة، إلا ما قام الدليل على منعه، والتورق داخل في عموم البيع، ولم يقم دليل على منعه[18]. نوقش: بأن الأصل في المعاملات الحل، يقابله أن الأصل في الحيل التحريم، وهو أخص من الأصل الأول، والخاص مقدم على العام، ولا نزاع في أن التورق حيلة للحصول على النقد، فهو محرم حتى يثبت الدليل على خلاف ذلك[19]. أجيب: بأن الحيل المحرمة هي الموصلة للمحظور، أما الحيل للفرار من المحظور، والحصول على المباح فليست محرمة، كما في حديث «بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»[20]، والحصول على النقد لا يعد محظورًا؛ فالنبيصلى الله عليه وسلم أرشد الرجل أن يبيع التمر الرديء ليحصل على الجيد، وكذلك الذي يبيع بالسلم، أو غيرها من البيوع يريد النقد، فالحيلة في التورق ليست محرمة فهي للفرار من المحظور، والحصول على مباح[21]. الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه[22]. وجه الدلالة من الحديث: أن الرجل في هذا الحديث يريد بيع التمر الرديء للحصول على الدراهم، وهو لا يريدها إنما يريد الخروج من مبادلة التمر الرديء بالتمر الجيد، وهذا لا يقدح في صحة البيع ما دام أنه باع التمر الرديء على غير الشخص الذي اشترى منه التمر الجيد، فكذلك المتورق يشتري السلعة للحصول على المال، وهو لا يريد السلعة إنما يريد الخروج من مبادلة المال بالمال، وهذا لا يقدح في صحة البيع ما دام أنه باع السلعة لغير بائعها الأول[23]. نوقش: بأن هذا الحديث يستدل به على جميع صور العينة الثنائية، والثلاثية، والتورق، وجمهور المجيزين للتورق لا يجيزون بقية صور العينة، فما كان جوابًا لهم عن هذا الحديث فهو جواب للمانعين منها مطلقًا[24]. أجيب: بأن العينة الثنائية والثلاثية فيها التواطؤ على عود السلعة للبائع، فهي حيلة للتوصل للربا، لذلك هي محرمة، أما التورق فليس فيه شيء من ذلك[25]، وإنما فيه تملك للمبيع تملكًا حقيقيًا، غنمًا وغرمًا، فبين الصورتين فرق واضح. الدليل الثالث: أن الحاجة ماسة للتعامل بالتورق[26]؛ "لأن المحتاج في الأغلب لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض، فحينئذ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه "[27]. نوقش: بأن مجرد الحاجة لا يكفي لاستباحة المحرم، ورفع الحرج لا ريب فيه، لكنه يستلزم سد أبواب الربا؛ لأن الربا من أعظم مصادر الحرج، وفي أنواع المبادلات النافعة غنية عن الحرام[28]. أجيب: بأن التورق معاملة جائزة؛ "لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها، وكلاهما غرض صحيح"[29]، وهو مخرج شرعي عن التعامل بالربا[30]، ولا يثبت دليل على تحريمه. الدليل الرابع: قال ابن تيمية:" المشتري الذي غرضه التجارة أو غرضه الانتفاع أو القنية فهذا يجوز شراؤه إلى أجل بالاتفاق"[31]فكما يجوز للتاجر أن يشتري السلعة ليحصل على المال، فكذلك المحتاج يجوز له أن يشتري السلعة ليحصل على المال، بل هو أولى، فالتاجر يريد تكثير ماله، وهذا يريد دفع حاجته. نوقش: بأن هذا قياس للشيء على ضده، فالتاجر مقصوده الربح، والمتورق مقصوده الخسارة، فالتاجر يبيع ليربح، والمتورق يبيع ليحصل على النقدالحاضر، ولا يمكن حصوله عليه إلا بخسارته، فكيف يقاس هذا على هذا؟[32]. يجاب: بأن بيع المتورق للسلعة لا خسارة فيه فهو يبيعها بثمنها الحاضر، أما الزيادة في السلعة عند البائع الأول فهو في مقابلة الأجل، فثمن السلعة مؤجلة يزيد على ثمنها في الحاضر، كما أنه في السلم يبيع المسلم فيه المؤجل بثمن أقل حاضرًا، فلا ظلم على المتورق، ولا خسارة عليه. أدلة القول الثاني والثالث: أدلة القائلين بالكراهة، والقائلين بالتحريم، واحدة، فابن تيمية ذكر نفس الأدلة في اختياره لرواية الكراهة[33]، واختياره لرواية التحريم[34]. الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: « نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمعَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ» رواه أبو داود وغيره[35]. وجه الدلالة من الحديث: أن النبي رضي الله عنه نهى عن بيع المضطر، والمتورق مضطر لبيع السلعة فيدخل في النهي[36]. نوقش: بأن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة[37]، والذي يشتري السلعة ثم يبيعها بغرض الحصول على النقد، قد لا يكون مضطرًا على كل حال، بل قد يكون غرضه للنقد لأمر حاجي، أو أمر تكميلي، كما هو مشاهد من حال المتعاملين بالتورق، فلا يصح اطراد حكم بيع المضطر على بيع التورق[38]. الدليل الثاني: عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم، قال:"سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود وغيره[39]. وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العينة، والتورق شقيقة العينة، وصورة من صورها، وهذا يستلزم ذم التورق شرعًا[40]. نوقش: بأن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به[41]، وهناك فرق بين التورق والعينة، من جهة أن المشتري للسلعة غير البائع الأول؛ قال ابن القيم:"فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة وإن باعها من غيره فهي التورق"[42]. ومن جهة أن البيع مقصود في التورق، وقصد المتورق في شراء السلعة قد لا يكون معلومًا عند البائع، بعكس العينة التي تتم بالاتفاق بين البائع والمشتري على عود السلعة للبائع[43]، فهي دراهم بدراهم بينهما سلعة، والبيع غير مقصود. الدليل الثالث: ما رواه عبدالرزاق في مصنفه عن ابن عباس قال:"إذا استقمت بنقد، وبعت بنقد، فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة، فلا، إنما ذلك ورق بورق"[44]. وجه الدلالة من الأثر: أن كلام ابن عباس يصدق على المتورق فهو يقوم السلعة بنقد ويبتاعها بنسيئة فمقصوده دراهم بدراهم، يقوم السلعة في الحال ثم يشتريها إلى أجل بأكثر من ذلك[45]. يناقش: بأن هذا المعنى غير مراد بهذا الأثر؛ لأن تفسيره على هذا المعنى سيمنع البيع إلى أجل بثمن أكثر، وقد نقل ابن تيمية الإجماع على جوازه[46]، والمعنى المراد من الأثر هو ما قاله أبو عبيد[47]:"أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين ثم يقول: بعه بها فما زدت عليها فلك، فإن باعه بأكثر من ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة بأكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود لا يجوز"[48]، ويؤيد هذا المعنى للأثر الرواية الأخرى له عن ابن عباس رضي الله عنه:"أنه كان لا يرى بأسًا أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا فما زدت فهو لك"[49]. وقد أورد عبدالرزاق الأثر في مصنفه تحت باب "الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك، وكيف إن باعه بدين؟"[50]، وهذا المعنى لا يصدق على التورق. الدليل الرابع: أن المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود في التورق؛ فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في التورق، وإنما الأعمال بالنيات[51]. نوقش: بأن هذا تعليل بالحكمة، والحكمة لا تنضبط، ولا تدور مع الحكم وجودًا وعدمًا[52]، وقصد المتورق للدراهم لا يوجب تحريم التورق؛ "لأن مقصود التجار غالبًا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة، فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا"[53]، وما ذكرتم من الضرر على المحتاج بزيادة الثمن عليه الذي كان من البائع الأول، وأنه أكل للمال بالباطل، موجود فيمن اشترى السلعة للتجارة، أو للقنية[54]، ومع ذلك لا تقولون بتحريمها[55]، وهذه الزيادة في الثمن لا ضرر فيها، ولا أكل للمال بالباطل، لأنها بمقابلة الأجل، فثمن السلعة مؤجلة يزيد على ثمنها في الحاضر، كما أنه في السلم يبيع المسلم فيه المؤجل بثمن أقل حاضرًا، والبيع الثاني الذي يتم لغير البائع يكون بسعر السلعة الحاضر، فلا ضرر، ولا ظلم فيه على المتورق. الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي -والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل أن بيع التورق جائز؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الصحة والجواز، وللمصلحة التي يحققها التورق لجمهور الناس، وأدلة المانعين لا تقوى على المنع كما تبين في مناقشتها. المبحث الثاني: التورق المصرفي المطلب الأول: تعريف التورق المصرفي سبق تعريف التورق لغة واصطلاحًا، أما التورق المصرفي فقد جاء تعريفه في المجمع الفقهي الإسلامي بأنه:"قيـام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف – إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة– بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق"[56]. وعرف أيضًا بأنه:"قيام البائع(المصرف) بترتيب عملية التورق للمشتري؛ بحيث يبيع سلعة على المتورق بثمن آجل، ثم ينوب البائع عن المشتري ببيع السلعة نقدًا على طرف آخر"[57]. والتعريفان متقاربان إلا أن التعريف الأول أدق وأضبط؛ لأنه نص على إن العمل الذي يقوم به المصرف في ترتيب بيع السلعة نمطي، وإن السلعة التي يتم بيعها ليست من الذهب أو الفضة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |