منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 21865 )           »          الفرق بين الفقه وأصول الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هل يقتضي النهي فساد المنهي عنه (الاتجاهات، المآخذ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 24 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 53 - عددالزوار : 40983 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 69007 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 34437 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14646 - عددالزوار : 868364 )           »          شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 617 - عددالزوار : 199899 )           »          كبر الهمَّة في العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          علماء الحديث مهرة متقنون/ الإمام البخاري وشيخه أبو نعيم نموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-01-2020, 01:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,489
الدولة : Egypt
افتراضي منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة

منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة (1)؛
أ.د. محمد جبر الألفي



الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أردت أن أكتب بحثاً يجمع بين الفقه والفلك، لبيان منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة، يمكن الاستهداء به – وبغيره – في اتخاذ قرار طالما انتظره المسلمون المقيمون خارج بلاد الإسلام، ليقيموا على هديه شعائر دينهم الحنيف، وبخاصة صوم شهر رمضان واستقبال عيد الفطر. فلاقت هذه الدعوة قبولاً، وانشرح صدري لبحث هذا الموضوع الذي كثر فيه الخلاف، وتشعبت بصدده الآراء، ويتكرر ذلك مع اقتراب شهر رمضان في كل عام.
واختلاف الآراء لا يفسد ما بين المسلمين من ود ومحبة واتحاد، ولا يعكر عليهم صفو عباداتهم، طالما نتج عن اجتهاد صحيح قد استجمع شروطه وضوابطه، وبني على أدلة منقولة ومعقولة، ففي البخاري ومسلم: قال رسول الله r يوم الأحزاب: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"[1]، فأدركهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي ؛ لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي r، فلم يعنف واحداً منهم.
والخطة المنهجية لدراسة هذا الموضوع تتضمن أربعة مباحث:
المبحث الأول: اختلاف المطالع.
المبحث الثاني: رؤية الهلال.
المبحث الثالث: اعتماد الحساب في إثبات الأهلة.
المبحث الرابع: قرارات المجامع الفقهية.

والله أسال أن يعين على إتمامه، وأن يجنبني الزلل، وأن ينفع به، إنه سميع مجيب.

المبحث الأول: اختـلاف المطالـع
يراد بالمطالع: مكان طلوع القمر بطرفه الهلالي المنير على أهل الأرض، عند الغروب أو إثره، في أول ليلة من الشهر القمري[2]. ونبحث هذه المسألة في ثلاثة مطالب:
نخصص أولها لتحقيق القول في الخلاف العلمي حول اعتبار اختلاف المطالع أو عدم اعتباره.
ونبين في الثاني أثر الحدود السياسية في تحديد المطالع.
أما الثالث فيحاول تفسير السنن الكونية في توالي الشهور كاملة أو ناقصة.
المطلب الأول: تحقيق القول في الخلاف العلمي حول اعتبار اختلاف المطالع أو عدم اعتباره
ينقسم هذا المطلب إلى فرعين:
الفرع الأول: اختلاف المطالع من الناحية الفلكية.
الفرع الثاني: اختلاف المطالع من الناحية الفقهية.
الفرع الأول: اختلاف المطالع من الناحية الفلكية[3]
أسهب علماء الفلك قديماً وحديثاً في الحديث عن الأهلة وشروط وعوامل اختلاف مطالعها، وخلاصة ما ذكروه في هذه المسألة:
(1) ظاهرة ميلاد الهلال الجديد، والتي يقصد بها فلكياً أول انتقال القمر عن وضعية المحاق وانزياحه عن الاجتماع بالشمس (انسلاخ مركز قرصه عن مركز قرص الشمس كما يبدو من الأرض)، هذه الظاهرة حدث كوني مطلق – أي يحدث في لحظة واحدة بالنسبة لجميع الأرض – ويمكن تحديد توقيته بدقة عالية لعدة سنوات مقبلة، كما يمكن أن تصادف على جزء معين من الأرض، أي ساعة في ليل أو نهار، حسب موضعه النسبي من الشمس، وأما بالنسبة للأرض كلها فتصادف بالطبع جميع ساعات الليل والنهار.
(2) تخضع رؤية هذا الهلال الجديد لعدة عوامل، أهمها:
أ- المسافة الزاوية بين الشمس والقمر عند الأرض، وتلك تحدد مساحة الجزء المضيء من سطح القمر (قوس النور)، وبالتالي شدة الضوء الذي يصلنا منه، كما أنها السبب المباشر لظهور أطواره المختلفة.
ب- الفترة الزمنية التي يمكثها القمر فوق الأفق بعد غروب الشمس (قوس المكث).
جـ- شدة إضاءة الأفق الغربي بالنسبة للحافة المضيئة (قوس النور) وخلو هذا الأفق مما يمنع الرؤية من السحب والشوائب العالقة في الجو.
(3) هناك خط يمثل كافة الأماكن التي تشترك – في سبق غيرها – في رؤية الهلال بعيد ولادته، فتتمكن من رؤيته في ساعة واحدة إبان أول ظهور له بعد انمحاقه، ولا يشترط أن تتطابق مواقع هذه الأماكن مع أحد خطوط الطول الجغرافية على الأرض. وبسبب دوران الأرض حول نفسها باتجاه الغرب تتمكن الجهات الواقعة غرب هذا الخط المفترض أن تشاهد الهلال الجديد إلا لعارض خارجي يتعلق بالجو، أو لعارض داخلي يتعلق بالراصد، بخلاف الجهات الواقعة إلى الشرق من هذا الخط.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الخط ليس ثابتاً، بل يتغير من شهر لآخر، وهو في كل مرة يكاد يقسم الأرض إلى قسمين: يضم أحدهما الأماكن الواقعة شرقي هذا الخط، ويستحيل فيها رؤية الهلال الجديد. ويضم القسم الآخر كافة البقاع الواقعة غربي هذا الخط، والتي تتمكن من رؤية الهلال الجديد عادة، وبينهما منطقة ممكنة الرؤية بعسر عند حافة القسم الأول وبعسر عند حافة القسم الثاني، وهذا يؤدي إلى أن رؤية القسم الأول ستتأخر عن الثاني بفارق أدناه (12) ساعة، وأقصاه (24) ساعة. فإذا تم ميلاد الهلال الجديد بعد غروب الشمس (أي ليلاً) في منطقة ما فلن تكون رؤيته ممكنة إلا في أقصى الآفاق غرباً منها، حيث يتجاوز عمره بضع عشرة ساعة عند غروب الشمس في تلك الآفاق – حسب بعدها – ويستحيل أن يرى في الأماكن التي تغرب فيها الشمس بعيد ساعات قليلة من ولادته، بينما سيكون من اليسير رؤيته إذا تم ميلاده في أول النهار، في بقعة ما، حيث يتجاوز عمره (14) ساعة عند غروب الشمس في تلك البقعة، في الوقت الذي يستغرق مكثه بعد الغروب أكثر من (12) دقيقة فيها.
(4) ما يرى من ظاهرة نسبية رؤية الهلال، بمعنى اختلافها من محل لآخر، يعود بشكل رئيسي إلى الاختلاف في غروب الشمس نظراً لارتباط رؤية الهلال بوقت الغروب كما هو المعتاد والمتعارف عليه في سائر البلاد، ومن هنا اكتسبت الرؤية هذه الصفة، أي الإضافة إلى الغروب. وأما من حيث الحقيقة فالأرض كلها تشترك في أول يوم من الشهر القمري، ولكن بداية هذا اليوم (وبالطبع بداية الشهر تبعاً لها) هي التي ستختلف على وجه الدقة تبعاً لغروب الشمس، كما هو عرف المسلمين في تحديد بداية اليوم.
(5) لا ينطبق مفهوم خط اتحاد المطالع – كما هو مصطلح عليه فلكياً – على مفهومه الفقهي، الذي يقصد به اختلاف أول الشهر القمري تبعاً لتباعد البلدان، لأن الأول لا معنى له ؛ لأنه لن يتميز بالحكم عما سواه، بل ستشترك معه جميع المناطق الواقعة إلى الغرب من أول خط تتحد فيه مغارب القمر، ويمكن رؤية هلاله فيها وإن تأخرت قليلاً.
الفرع الثاني: اختلاف المطالع من الناحية الفقهية:
اتفق الفقهاء من مختلف المذاهب على وجوب صيام شهر رمضان برؤية الهلال[4] لقوله تعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}[5] ولقول النبي r :"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"[6].
وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا رئي الهلال في بلد ولم ير في بلد آخر، وجملة أقوالهم في ذلك تعود إلى أربعة:
القول الأول:
إذا رئي الهلال في بلد لزم جميع البلاد العمل بهذه الرؤية ،والصيام بموجبها، وهو رأي الحنفية، والحنابلة، واختاره الليث بن سعد، وهذه بعض نصوصهم:
في المذهب الحنفي:
جاء في فتح القدير: "وإذا ثبت في مصر لزم سائر الناس، فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، في ظاهر المذهب"[7] وزاد ابن عابدين قوله: "وهو المعتمد عندنا"[8].
وفي المذهب الحنبلي:
جاء في الإنصاف: "قوله: وإذا رأى الهلال أهل بلد، لزم الناس كلهم الصوم، لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه، وأما من لم يره : إن كانت المطالع متفقة لزمهم الصوم أيضاً، وإن اختلفت المطالع فالصحيح من المذهب لزوم الصوم أيضاً"[9]. وفي المغني:"وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم، وهذا قول الليث"[10].
وينضم إلى هذا الرأي بعض المالكية وبعض الشافعية: ففي المنتقي: "وإذا رأى أهل البصرة هلال رمضان، ثم بلغ ذلك أهل الكوفة والمدينة واليمن، فالذي رواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك: لزمهم الصيام، أو القضاء إن فات الأداء"[11].
وفي طرح التثريب للعراقي: "وقال آخرون: إذا رئي ببلد لزم أهل جميع البلاد الصوم .. وإليه ذهب القاضي أبو الطيب، والروياني وقال: إنه ظاهر المذهب، واختاره جميع أصحابنا، وحكاه البغوي عن الشافعي نفسه"[12].
أدلة هذا القول: الكتاب – السنة – المعقول:
(1) من الكتاب: قوله تعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}[13]. فهذه الآية دليل على وجوب الصيام متى ثبت دخول الشهر بالرؤية، فإذا ثبتت برؤية في بلد لزم الجميع الأخذ بها.
ويؤخذ على هذا الاستدلال: أن الآية عامة، ومعناها – كما قال الطبري -:"من دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله:[14].
(2) من السنة: عن أبي هريرة أن النبي r قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين"[15]. جاء في كشاف القناع: أن هذا خطاب للأمة كافة، فمتى ثبتت رؤية الهلال في بلد لزم جميع البلدان الأخذ بهذه الرؤية[16].
ويؤخذ على هذا الاستدلال أن الخطاب موجه لأهل كل بلد، فمتى ثبتت الرؤية في بلد لزم جميع من في البلد الصوم، ولا يلزم جميع البلاد[17].
(3) من المعقول: الشهر اسم لما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام، فيجب صيامه بالنص والإجماع[18]. وما دام قد ثبت أن هذا اليوم من رمضان بشهادة الثقات عندهم، فكذلك في كل مكان، إذ التفرقة تحكم يحتاج إلى دليل، وليس ثمة دليل يوجب التخصيص[19].
القول الثاني:
وهو المعتمد في المذهب المالكي، ومضمونه أن الهلال إذا رئي في بلد لزم الصوم البلاد القريبة والبعيدة، أما البلاد البعيدة جداً فلا يلزمهم الأخذ بهذه الرؤية.
واستدلوا بما سبق من أدلة الرأي الأول، واستثنوا البلاد البعيدة جداً للإجماع[20].
جاء في مواهب الجليل ما خلاصته أن الحكم بثبوت رمضان يعم كل من نقل إليه، إذا نقل بشهادة عدلين، أو نقل باستفاضة. وأجمعوا على عدم لحوق رؤيته ما بَعُد، كالأندلس من خراسان[21].
ودعوى الإجماع غير مسلمة، لا بالمعنى الأصولي، ولا بإجماع المذهب، لوجود المخالفين في المذهب المالكي، والمخالفين في المذاهب الأخرى – كما تقدم -.
القول الثالث:
إذا رئي الهلال في بلد لزم الصوم ما قرب من البلدان دون ما بعد. وهذا قول جمهور الشافعية، وقول عند الحنابلة، وقال به بعض الحنفية وبعض المالكية. وهذه بعض نصُوصهم:
في المذهب الشافعي:
ورد في المجموع إذا رأوا الهلال في رمضان في بلد ولم يروه في غيره، فإن تقارب البلدان فحكمهما حكم بلد واحد، ويلزم أهل البلد الآخر الصوم بلا خلاف. وإن تباعدا فوجهان مشهوران في الطريقتين، أصحهما: لا يجب الصوم على أهل البلد الأخرى)[22].
في المذهب الحنبلي:
في الإنصافوإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم، لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه، وأما من لم يره: إن كانت المطالع متفقة لزمهم الصوم أيضاً، وإن اختلفت المطالع فالصحيح من المذهب لزوم الصوم أيضاً ... وقيل: تلزم من قارب مطلعهم، اختاره شيخنا – يعني به الشيخ تقي الدين -. وقال في الفروع: وقال شيخنا – يعني به الشيخ تقي الدين -: تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة، فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا)[23].

في المذهب الحنفي:
قال الزيلعيولا عبرة باختلاف المطالع، وقيل: يعتبر .. والأشبه أنه يعتبر، لأن كل قوم مخاطبون بما عندهم، وانفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار)[24].

في المذهب المالكي:
ذكر ابن عبدالبر أن بعض العلماء قال باعتبار اختلاف المطالع، وأن بعضهم قال بعدم اعتباره، ثم قالإلى القول الأول أذهب، لأن فيه أثراً مرفوعاً، وهو حديث حسن تلزم به الحجة، وهو قول صاحب كبير لا مخالف له من الصحابة، وقول طائفة من التابعين، ومع هذا: إن النظر يدل عليه عندي)[25].

أدلة هذا القول:
عمدة الاستدلال للقول الثالث حديث كُرَيْب، الذي رواه مسلم [26]، وأن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام. قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل عليّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال ؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته ؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله r.

وجه الاستدلال:
أن ابن عباس وأهل المدينة لم يعتدوا برؤية أهل الشام، وقول ابن عباس:”هكذا أمرنا رسول الله r) يدل على أن هذا ليس من اجتهاده، وإنما هو امتثال لما أمر به النبي r، ويكون هذا الحديث حجة في عدم اعتبار رؤية البلدان المتباعدة، وأن لأهل كل بلد رؤيتهم[27].
ناقش المخالفون حديث كريب من وجهين:
(1) يحمل الحديث على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده، بل لابد من شهادة رجلين أو استفاضة.
(2) الحجة إنما تكون في المرفوع من رواية ابن عباس، وليس في اجتهاده، وهذا المرفوع يخالفه حديث صحيح – تقوم به الحجة – وهو ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أهل السنن بلفظ "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"[28]. وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم[29].
القول الرابع:
وقال به عكرمة – مولى ابن عباس -، والقاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، وإسحاق بن راهويه: أن لكل بلد رؤيته الخاصة به، ولا يلزم برؤية غيره. واستدلوا على ذلك بحديث كريب المتقدم[30].
خلاصة وترجيح:
يمكن رد الأقوال الفقهية في مسألة المطالع إلى اتجاهين:
أولهما: لا يعتد باختلاف المطالع، فإذا رئي الهلال في بلد لزم جميع البلاد العمل بهذه الرؤية، وهذا هو المشهور عند الحنفية والحنابلة، واختاره الليث بن سعد. وحكاه البغوي عن الشافعي، وإليه ذهب القاضي أبو الطيب، والروياني وقال: إنه ظاهر المذهب واختاره جميع أصحابنا. وهو ما رواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك، ويمكن أن نقول: إنه رأي المالكية، بعد أن نقلنا عدم ثبوت ما ادعوه من الإجماع على عدم لحوق رؤية الهلال ما بعد من البلاد، كالأندلس من خراسان.
والاتجاه الآخر: يعتد باختلاف المطالع، فلا يلتزم أهل البلد الذي لم ير الهلال برؤية غيرهم، إلا إذا كان بين البلدين تقارب، حدده البعض بحسب مطالع الشمس والقمر، وحدده البعض الآخر بحسب الأقاليم، ورأي بعضهم تحديده بمسافة القصر. وهذا الاتجاه يمثل قول جمهور الشافعية، وهو قول عند الحنابلة، وأخذ به بعض الحنفية وبعض المالكية، ويمكن أن نضم إليه ما نقل عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق.
وبناء على ذلك نقول: إن مسألة اعتبار اختلاف المطالع أو عدم اعتباره من المسائل الاجتهادية التي يسوغ الخلاف فيها، ولا يرجح الدليل أحد الاتجاهين على الآخر لتقارب الأدلة. ومع ذلك فإني أميل إلى الاتجاه الذي يعتبر اختلاف المطالع لأنه يضم ابن عباس – حبر الأمة وترجمان القرآن – وعكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وهو قول جمهور الشافعية، وقول في المذهب الحنبلي، وبه قال بعض الحنفية – منهم الزيلعي – وبعض المالكية – منهم ابن عبدالبر -. وهذا هو المتبادر إلى الفهم من قول الرسول r :"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين"، ذلك أن الهلال لا يظهر – في نفس الوقت – لكل أهل الأرض، ولا يحجبه الغيم عن كل أهل الأرض، فتكون لكل بلد رؤيته، وفق الضوابط الآتية:[31]
(1) أن الشمس والقمر وسائر الكواكب إذا طلعت على بلد واقع على أحد خطوط الطول – ممتدا من الشمال إلى الجنوب – كانت مشرقة على جميع البلدان الواقعة على هذا الخط.
(2) كل البلاد الواقعة غربي هذا الخط يكون الهلال ثابتاً عندها – مهما اختلفت المطالع – وكلما كانت البلاد أشد بعداً من جهة الغرب كان الهلال أظهر.
(3) متى ابتدأت رؤية الهلال على خط من خطوط الطول، فجميع البلاد التي تقع شرقه لا يكون الهلال ظاهراً فيها ولا يرى إلا في الليلة التالية. وعلى هذا يفسر حديث كريب، حيث رأى الهلال في دمشق (45 درجة – خط الطول الشرقي من جرينتش) ليلة الجمعة، ورآه أهل المدينة (50 درجة – خط الطول الشرقي) ليلة السبت.
(4) لا اختلاف بين أهل الأرض قاطبة في رؤية الهلال إلا بليلة واحدة فقط، لأن الهلال إذا ظهر في بلدة ولم يظهر فيما قبلها فإنه يتم دورته بعد أربع وعشرين ساعة، فيراه جميع سكان المعمورة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-01-2020, 01:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,489
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة

منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة (1)؛
أ.د. محمد جبر الألفي






المطلب الثاني: أثر الحدود السياسية فـي اختلاف المطالع
لم يفكر أحد من فقهاء المذاهب الذين اعتبروا اختلاف المطالع في رؤية الهلال، في أن للحدود السياسية أو للاختلافات المذهبية أو الطائفية أثراً – قل أو كثر – في هذه المسألة، وإنما كان الأساس في بناء رأيهم هو حديث كُريب الذي رأى الهلال في دمشق ليلة الجمعة بينما رآه أهل المدينة ليلة السبت، ومعلوم أن الوحدة السياسية كانت تجمع بين الشام والحجاز.
واجتهد العلماء – بعد ذلك – في وضع ضابط يحدد الزمان أو المكان الذي يدخل في مجال الرؤية أو يخرج عنها، فرأى بعضهم أنه يعتبر بحسب مطالع الشمس والقمر، ورأى بعض آخر اعتبار القرب والبعد بحسب الأقاليم الجغرافية – وليس الحدود السياسية – ورأى غيرهم اعتبار مسافة القصر بين الإقليمين (وهذه المسافة مختلف في تقديرها). هذا الضابط الاجتهادي بني على ما كان متاحاً لدى الفقهاء من معرفة وتقدير، فإذا تطورت هذه المعرفة بتطور الأسباب والأجهزة والوسائل، فلا يوجد ما يمنع من تغير الاجتهاد، ووضع ضابط يخضع لثوابت العلم والمعرفة، وقديماً قال الفقهاءلا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)[32].
نقول هذا بمناسبة ما نراه في العالم الإسلامي المعاصر من تشرذم وتناحر وتباعد عن تعاليم الإسلام، وما اعترى المسلمين – أفراداً وحكومات وفرقاً – من قلة الوازع الديني لديهم، وتحكم الأغراض الدنيوية والسياسية في سلوكهم وأهدافهم، وانعكس ذلك على قرارات الهيئات المخولة بإثبات رؤية الهلال، فتصدر الفتوى بلزوم العمل برؤية هذه الدولة الصديقة، وعدم اعتبار الرؤية في دولة غير صديقة، حتى ولو كانت جميع الضوابط التي وضعها الفقهاء وقررها العلم تجمع هذه الدول على رؤية واحدة، من غير اعتبار للحق ولا تحر للصواب، والله الهادي إلى سواء الصراط[33].
المطلب الثالث: السنن الكونية فـي الشهور القمرية
يقول الله تعالى:{يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج}[34]، (يعني: في صومهم وإفطارهم، وآجالهم في تصرفاتهم، ومنافع كثيرة لهم)[35].
ويقول تعالى:{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم}[36]، ولم يختلف الناس في أن الأشهر الحرم معتبرة بالأهلة[37]، مصداق ذلك: ما ورد في الصحيحين عن أبي بكرة، أن النبي r قال:"إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان"[38].
هل هناك سنن كونية في توالي الشهور القمرية كاملة أو ناقصة ؟
المعروف المشاهد للناس أن الشهر القمري يكون تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً، وفي هذا يروي ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا – وعقد الإبهام في الثالثة – والشهر هكذا وهكذا وهكذا – يعني تمام الثلاثين"[39]. وتفسير ذلك – علمياً – أن السنة القمرية هي المدة التي يكمل القمر فيها دورته في منازله كل سنة اثنتا عشرة مرة، وقدرها (354) يوماً وبعض يوم، خمس أو سدس [40]. ومدة الشهر – عند الفلكيين – مقدرة بمقدار واحد، هو (29 يوماً) و(12 ساعة) و(44 دقيقة)، لان الشهر يبتدئ عندهم حين لحظة مفارقة القمر وضع الاقتران، أي وقوع القمر بين الأرض والشمس تماماً على خط مستقيم، وهو ما يسمى بالمحاق، وفي هذه الحالة لا يرى القمر [41]. أما عند الفقهاء فلا يبتدئ الشهر إلا برؤية الهلال بعد الغروب في أول مفارقته وضع الاقتران، وهذا محل إجماع أهل العلم[42]. وينبني على ذلك: أن الشهر يبتدئ – عند الفلكيين – بتقدير خروجه، وليس بخروجه فعلاً، سواء تم الاقتران أو الانفصال ليلاً أو نهاراً. أما في الفقه: فالمعتبر الرؤية بعد الغروب، بحيث لو رئي نهاراً – بعد الزوال – فهو لليلة المقبلة، ولو رئي نهاراً – قبل الزوال – فالجمهور على عدم الاعتداد بذلك، ويكون لليلة المقبلة[43]. وهذا ما يفرق بين ميلاد الهلال وإمكانية رؤيته.
المبحث الثاني: أحـكام رؤيـة الهـلال
يتناول هذا المبحث الحديث عن الأحكام الشرعية المتعلقة برؤية الهلال، ونجملها في أربعة مطالب:
المطلب الأول: هل يجب على المسلمين ترائي الهلال في كل بلدة ؟
المطلب الثاني: رؤية الواحد ... ورؤية المرأة.
المطلب الثالث: كيفية ترائي الهلال.
المطلب الرابع: ترائي الهلال في المملكة العربية السعودية واعتماده على الأسس العلمية.

المطلب الأول: هل يجب الترائي فـي كل بلدة
روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي r قالأحصوا هلال شعبان لرمضان)[44]. وعن عائشة رضي الله عنها قالتكان r يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم برؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)[45].
من ذلك ينبغي للناس في كل بلد – وخاصة من كان عدلاً ورزقه الله بصراً ثاقباً يرى به ما لا يراه غيره – التماس الهلال وتحريه في مظانه زماناً ومكاناً وصفة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتراءون هلال رمضان وهلال شوال، ويقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في ذلكتراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي r أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه)[46]. واستمر الأمر هكذا في الأعصار وفي الأقطار وتناوله العلماء في كتبهم.
ففي المذهب الحنفي:
يقول الزيلعيوينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان)[47].
وفي المذهب المالكي:
يقول الدسوقيوعلى عدل رأى الهلال أو مرجو رفع رؤيته للحاكم)[48].
وفي المذهب الشافعي:
يقول الرمليوثبوت رؤيته – أي هلال رمضان – يحصل بعدل، وإن كانت السماء مصحية)[49].
وفي المذهب الحنبلي:
يقول ابن قدامةيستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، وتطلبه ليحتاطوا بذلك لصيامهم ويسلموا من الاختلاف)[50].
ومن تتبع عبارات الفقهاء يمكن القول إن جمهور الفقهاء من الحنفية[51] والمالكية[52] والشافعية[53] يرون أن التماس الأهلة واجب كفائي على المسلمين، ويتأكد الوجوب على الإمام أو نائبه أن يقيم من يثق به ليبحث عن الأهلة – سيما رمضان وشوال وذا الحجة [54] حتى إن بعضهم اعتبر ذلك فرض عين[55]. أما الحنابلة فقد انفردوا بالقول إن ترائي الهلال مستحب[56]. والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مراعاة لقاعدة الاحتياط، فصوم رمضان واجب، وهو ركن من أركان الإسلام، وقد علق على رؤية الهلال، فينبغي التماس هلاله، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والله أعلم.

المطلب الثاني: رؤية الواحد ورؤية المرأة
يرجع اختلاف وجهات النظر الفقهية فيما يتعلق بنصاب الرؤية إلى أمرين: حالة السماء من صحو أو غيم في ليلة الرؤية. والتكييف الفقهي لواقعة الرؤية، هل هي شهادة أو رواية أو خبر شبيه بالشهادة والرواية.
أولاً: المذهب الحنفي:
إذا كانت السماء صحوا فلابد من رؤية الجم الغفير[57] لإثبات هلال رمضان، لأنه يبعد أن يلتمس الناس الهلال، وأبصارهم صحيحة، ولا يوجد مانع من الرؤية، فلا يراه إلا واحد أو اثنان[58]. أما إذا كان في السماء علة – كغيم – فقد اتفقوا على ثبوت رؤيته بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ، رجلاً كان أو امرأة، لأنه أمر ديني فأشبه رواية الأخبار[59].
ثانياً: المذهب المالكي:
يكفي شهادة عدلين في تحقيق ثبوت هلال رمضان ووجوب صومه، لا فرق بين أن تكون السماء صحوا أو غائمة[60]، وإلى هذا الرأي ذهب بعض الحنفية[61]، وبعض الشافعية[62].
ثالثاً ورابعاً – الشافعية[63] والحنابلة[64]:
يثبت هلال رمضان ويجب صيامه على الناس برؤية واحد عدل، سواء كانت السماء صحوا أو بها علة من غيم أو غبار أو مطر ؛ لأن المتعلق بهلال رمضان محض حق الله – وهو الصوم – فيكفي أن يخبر بدخول وقته واحد عدل، كالإخبار عن دخول وقت الصلاة[65].
ويعد هذا العرض الموجز لأقوال الفقهاء من مختلف المذاهب نقول: إن المشهور من مذهب الحنفية قبول شهادة الواحد بالرؤية إذا كانت السماء غائمة، والمشهور عند المالكية عدم قبولها، وعند الشافعية والحنابلة تقبل شهادة الواحد العدل برؤية هلال رمضان.
أما شهادة المرأة برؤية هلال رمضان فقد انقسم الرأي بشأنها إلى قولين:
(1) ذهب الحنفية[66] والحنابلة[67] والشافعية – في أحد الوجهين –[68] إلى أن خبر المرأة مقبول في ثبوت هلال رمضان ؛ لأنه خبر ديني مثل رواية الأحاديث وجهة القبلة ودخول وقت الصلاة، ولذلك يلزم الصوم على من سمع هذا الخبر.
(2) وذهب المالكية[69] والشافعية – في الوجه الثاني –[70] إلى عدم قبول خبر المرأة في ثبوت هلال رمضان ؛ لأن طريقه طريق الشهادة.

المطلب الثالث: كيفية ترائي الهلال
تكلم عدد من الفقهاء الذين لهم دراية بعلم الفلك والهيئة عن الرؤية المعتبرة شرعاً، فقال القرافي: إنها رؤية الهلال خارجاً عن شعاع الشمس[71]. وقال ابن رشد: إن المعني بها هو الرؤية أول ظهور القمر بعد السواد[72]. وفي العذب الزلاِّلمن المعلوم أن الرؤية المعتبرة في تحديد بدء الصوم وانتهائه هي الرؤية البصرية الواقعة عشية بعد اجتماع القمر بالشمس وخروجه من شعاعها)[73]. وعلى ذلك، يكاد فقهاء المذاهب الأربعة يتفقون على أنه لا اعتبار لرؤية الهلال نهاراً، سواء رئي قبل الزوال أو بعده، لأنه حينئذ يكون لليلة المقبلة[74]، إلا ما حكي عن أبي يوسف وغيره من أن الرؤية قبل الزوال تكون لليلة الماضية ويثبت الشهر بها، وأن الرؤية بعد الزوال تكون لليلة المقبلة[75].
وعلى ذلك ينبغي – في الرؤية الشرعية – مراعاة الأمور الآتية:
(1) يكون التماس هلال رمضان أو شوال عقيب غروب الشمس لليوم التاسع والعشرين من الشهر القمري ؛ لأنه لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ولا يزيد عن ثلاثين[76].
(2) الغالب في رؤية الهلال أول الشهر أن تكون قبيل شروق الشمس أو بعيد غروبها، لأن أشعة الشمس حينئذ لا تكون من القوة بحيث تحول دون رؤية الهلال الذي لم ينزح بعد عن قرص الشمس إلا قليلاً[77].
(3) المعتمد في الرؤية الشرعية هو الرؤية بالبصر من على سطح الأرض، فلا اعتبار للرؤية من الطائرة لأنها ترتفع مسافات عن الأرض[78]، ولا عبرة بالرؤية عبر الأقمار الصناعية لأنها تتجاوز الغلاف الجوي للأرض[79].
(4) يدخل ضمن الرؤية البصرية النظر من خلال الأجهزة المقربة أو المكبرة ونقل الصور – من خلالها – عبر وسائل المشاهدة من تلفاز وحاسوب وهاتف مرئي وغيرها، وقد نص على ذلك قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 108 وتاريخ 2/11/1403هـ بشأن إنشاء مراصد يستعان بها عند رؤية الهلال[80].
(5) يكون التماس الرؤية – عشية – باتجاه الغرب، حيث يغرب الهلال إلى الشمال من موضع غروب الشمس إذا كان الميل الاستوائي للقمر أكبر منه للشمس، وإذا كان العكس سيكون موضع غروب الهلال إلى الجنوب من موضع غروب الشمس، وهذا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويراعى عكسه في النصف الجنوبي[81].
(6) أجمع المراقبون لحالة الهلال على إنارة حافته الغربية وميلان جهة التقعر فيه نحو الأعلى عموماً في أول الشهر، أما في آخر الشهر فتكون الحافة الشرقية هي المضاءة وجهة التقعر تميل نحو الأسفل، وهذا – أيضاً – يكون في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويراعى عكسه في النصف الجنوبي[82].

المطلب الرابع: ترائي الهلال في المملكة العربية السعودية
تخضع طريقة العمل بالأهلة في المملكة العربية السعودية لأحكام (لائحة تحرير رؤية هلال أوائل الشهور العربية) التي أصدرتها وزارة العدل، وسوف نعرض فيما يلي أهم هذه الأحكام وبعض تطبيقاتها القضائية:
(1) ترائي الهلال وتحريه حق لجميع المسلمين.
(2) المعتمد في دخول الشهر وخروجه الرؤية الشرعية، حسب ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء.
(3) تقوم وزارة العدل بتكوين لجنة أو أكثر في المناطق التي تكون معتادة لرؤية الهلال ومناسبة للرؤية، وتسمى هذه اللجنة (لجنة تحري أو ترائي الهلال)، ويتم تكوينها على النحو الآتي:
أ- رئيس المحكمة أو أحد القضاة فيها. رئيساً
ب- مندوب من المحافظة أو المركز. نائباً للرئيس
جـ- واحد أو أكثر ممن هو معروف بحدة البصر. عضواً
د – مندوب من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، أو غيرها ممن تخوله الدولة لذلك، بشرط أن يكون مشاركاً في الاحتساب للرؤية، سواء بالعين المجردة أو بأي وسيلة بصرية. عضواً
(4) تتبع اللجان في مواعيد تحريها وترائيها ما يصدر عن مجلس القضاء الأعلى من إعلانات طلب التحري.
(5) تختار كل لجنة أنسب الأماكن لتحري الرؤية، وفي حالة وجود مراصد فإنه يستعان بها لغرض الرصد، وتؤمن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية – عند الحاجة – مراصد متنقلة ومناظير مكبرة في الأماكن التي لا تتوافر فيها مراصد ثابتة[83].
(6) تقوم الإمارة بإيصال شاهد الرؤية إلى أقرب بلد فيها قاض لإثبات الشهادة.
(7) ترفع المحاكم الشرعية شهادة الشاهد – أو الشهود – إلى مجلس القضاء الأعلى لاعتماده، ثم يرفع بعده إلى المقام السامي.
تطبيقات قضائية:
(1) رؤية هلال رمضان: لديّ أنا قاضي محكمة حوطة سدير حضر أمامي (..) ومعروف لدينا، وشهد بقوله: أشهد بالله العظيم لقد تراءيت هلال شهر رمضان المبارك لعام 1407هـ مساء يوم الاثنين الموافق 29/8/1407هـ، حسب التقويم، ورأيته بعد غروب الشمس مباشرة، واستمرت رؤيتي له مدة أربع دقائق – تقريباً – ثم اختفى عني في سحاب، وحال رؤيتي له قد استنار أسفله ولم أتمكن من رؤية طرفيه لوجود غبار في الأفق وهو على أيسر الشمس للناظر. وقد عدل الشاهد المذكور من قبل (..) و(..) وهما معروفان لدينا.
(2) رؤية هلال شوال: في يوم الجمعة 29/9/1425هـ، حضر لديّ أنا (..) قاضي محكمة حوطة سدير (..) و(..) فشهدا بالله تعالى قائلين: لقد تراءينا الهلال لشهر شوال يوم الجمعة / ليلة السبت الموافق 29/9/1425هـ، ورأيناه بعد غروب الشمس بدقيقة واحدة ومدة الرؤية ثلاث دقائق، يسار الشمس، فتحته للأعلى تميل لليسار. هكذا شهدا، وهما معروفان لدينا، ظاهرهما العدالة.
(3) رؤية هلال ذي الحجة: حضر أمامي (..) وشهد بالله قائلاً: لقد تراءيت القمر صباح يوم الأربعاء الموافق 29/11/1419هـ، فرايته قد خرج قبل الشمس، وكانت رؤيتي له مدة ست وعشرين دقيقة قبل شروق الشمس، ثم تراءيته مساء الأربعاء المذكور وبعد أن غربت الشمس الساعة السادسة وثمان دقائق، رأيته الساعة السادسة وتسع دقائق، ثم استمرت رؤيتي له حتى الساعة السادسة وأربع عشرة دقيقة، وكانت فتحته إلى أعلى ويقع جنوب الشمس، هكذا أشهد. والشاهد ظاهره العدالة ولذا جرى إثبات شهادته.




[1] البخاري ( 946 ، 4119 ) ، ومسلم (1770) ، عن عبدالله بن محمد بن أسماء عن نافع عن ابن عمر.

[2] محمد فتحي الدريني ، الفقه الإسلامي المقارن مع المذاهب ، جامعة دمشق: 1411هـ ، ص 551.

[3] إحسان ميرعلي ، إثبات الأهلة ، رسالة ماجستير ( غير منشورة ) مقدمة إلى كلية الشريعة بجامعة دمشق: 1414هـ - 1993م ، ص 250 – 251. ولمزيد من التفاصيل: الفلك العام ، هربرت جونز ، جـ1 ص13. ورسالة الهلال للشيخ طنطاوي جوهري ، مطبعة جورجي: 1333هـ. والعذب الزلال في مباحث رؤية الهلال للحاج محمد بن عبدالوهاب الأندلسي ثم الفارسي ثم المراكشي ، بتحقيق عبدالله بن إبراهيم الأنصاري ، دون ناشر ودون تاريخ.

[4] المرداوي ، الأنصاف بتحقيق التركي: 1419هـ - 1998م ، جـ7 ص 335 ( لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه ).

[5] سورة البقرة: جزء من الآية 185.

[6] رواه مسلم ، في باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ، من كتاب الصيام: 2/759.

[7] ابن الهمام ، فتح القدير ، ط 1397هـ 1977م ، جـ2/243.

[8] ابن عابدين ، حاشية رد المحتار: 2/393.

[9] المرداوي ، الإنصاف: 7/335 – 336.

[10] ابن قدامة ، المغني بتحقيق التركي والحلو: 1417هـ - 1997م ، جـ4 ص 328.

[11] الباجي ، المنتقى شرح الموطأ ، ط. دار الكتاب الإسلامي: 2/37.

[12] العراقي ، طرح التثريب ، ط. دار الفكر العربي: 4/116.

[13]سورة البقرة: جزء من الآية 185.

[14] الطبري ، جامع البيان: 2/146.

[15] البخاري مع الفتح: 4/119. ومسلم بشرح النووي: 7/193.

[16] البهوتي ، كشاف القناع: 2/303.

[17] ابن حجر ، فتح الباري: 4/123.

[18] ابن قدامة ، المغني: 4/329.

[19]الدريني ، الفقه الإسلامي المقارن ، ص 572.

[20] ابن جزي ، القوانين الفقهية ، ص 89.

[21] الحطاب ، مواهب الجليل: 3/284.

[22] النووي ، المجموع: 6/280 – 281.

[23] المرداوي ، الإنصاف: 7/335 – 336.

[24] الزيلعي ، تبيين الحقائق: 1/321. وفي شرح فتح القدير مثل ذلك: 2/213.

[25] ابن عبدالبر ، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، ط. الفاروق الحديثة: 1422هـ: 7/159 – 160. ومثل ذلك في المنتقى: 2/37.

[26] صحيح مسلم ، كتاب الصيام (ح 1087). ومسلم بشرح النووي ، (7/197) ، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم الهلال.

[27] القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن: 2/295.

[28] البخاري مع الفتح: 4/119 – 120. مسلم بشرح النووي: 7/189 – 194.

[29] الشوكاني ، نيل الأوطار: 4/195.

[30] ابن قدامة ، المغني: 4/328.

[31] أحمد الفريح ، أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها ، غير منشور ، الرياض: 1426هـ، ص 179 – 180 ، نقلاً عن رسالة الهلال لطنطاوي جوهري ، ص 38 – 40.
32- الزيلعي ، تبيين الحقائق: 5/125. القرافي ، الفروق: 1/176 ، ابن حجر ، فتح الباري: 4/321. ابن القيم ، إعلام الموقعين: 3/1. وانظر المادة (39) من مجلة الأحكام العدلية وشروحها.

[32]

[33]عبدالله بن حميد ، تبيان الأدلة في إثبات الأهلة ، دار البخاري ، ص 50 – 51

[34] سورة البقرة: من الآية 189.

[35] ابن العربي ، أحكام القرآن ، ط. دار الفكر: 1/140.

[36] سورة التوبة: من الآية 36.

[37] ابن قدامة ، المغني: 8/84.

[38] البخاري ، حديث 3025 . ومسلم ، حديث 1679.

[39] البخاري ، حديث 1814 . ومسلم ، حديث 1080.

[40] ابن تيمية ، رؤية الهلال والحساب الفلكي ، دار طيبة ، ص 50 – 51.

[41] أحمد الفريح ، المرجع السابق ، ص 40 والمراجع التي ذكرها.

[42] بكر أبو زيد ، حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤية ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، العدد 3 ، الجزء 2 ، ص 837.

[43] المرجع السابق ، ص 838.

[44] الترمذي ، السنن ، إحياء التراث / بيروت: 3/71 ، قال الترمذي: حديث أبي هريرة لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية ، والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين ). وأخرجه الدار قطني في سننه: كتاب الصيام: 2/162.

[45] أخرجه الإمام أحمد في المسند: 6/149 . والحاكم في المستدرك: 1/585 ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين

[46] أبو داود ، السنن: 2/302.

[47] الزيلعي ، نصب الراية: 2/531. وانظر: العناية: 2/313 ، وشرح فتح القدير: 2/313.

[48] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: 1/511.

[49] الرملي ، نهاية المحتاج: 2/151.

[50] ابن قدامة ، المغني: 4/325.

[51] الموصلي ، الاختيار لتعليل المختار: 1/128.

[52] محمد بن عبدالوهاب ، العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال ، نقلاً عن كبار فقهاء المالكية ، ص 258 – 548.

[53] ابن حجر الهيتمي ، الفتاوى الكبرى: 2/61.

[54] المرجع نفسه.

[55] العذب الزلال ، ص 258.

[56] ابن قدامة ، المغني: 4/325.

[57] المراد من الجم الغفير: عدد يقع العلم بخبرهم ويحكم العقل بعدم تواطئهم على الكذب: عند أبي يوسف خمسون رجلاً كعدد القسامة ، وعند محمد يفوض العدد إلى رأي الإمام ، رسائل ابن عابدين: 1/234.

[58] الجصاص ، أحكام القرآن: 1/280.

[59]الجصاص ، الموضع نفسه. ابن عابدين ، حاشية: 2/387. ابن نجيم ، البحر الرائق: 2/268. ابن الهمام ، فتح القدير: 2/324.

[60] الحطاب ، مواهب الجليل: 2/381. القرافي ، الفروق: 2/92. ابن جزي ، القوانين الفقهية: ص 123.

[61] ابن عابدين ، رسائل: 1/236.

[62] النووي ، المجموع: 6/275.

[63] النووي ، المجموع: 6/275 و 282. الرملي ، نهاية المحتاج: 3/151. الشربيني ، مغني المحتاج: 1/420.

[64] البهوتي ، كشاف القناع: 2/302. المرداوي ، الإنصاف: 3/274.

[65] الرملي ، نهاية المحتاج: 3/151 "وثبوت رؤيته يحصل بعدل ، وإن كانت السماء مصحية". شمس الدين ابن قدامة ، الشرح الكبير على متن المقنع تحقيق التركي (1419هـ): 7/338 "المشهور عن أحمد أنه يقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ، ويلزم الناس الصوم بقوله".

[66] المرغيناني ، الهداية: 2/323 "وإذا كان بالسماء علة ، قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال ، رجلاً كان أو امرأة ، حراً كان أو عبداً ، لأنه خبر ديني ، فأشبه رواية الأخبار".

[67] البهوتي ، كشاف القناع: 2/304 "يقبل فيه المرأة والعدل ، كسائر الأخبار".

[68] النووي ، المجموع: 6/275 "فهل يقبل من العبد والمرأة ؟ فيه وجهان ، أحدهما: يقبل ... والثاني: لا يقبل ، وهو الصحيح".

[69] الخرشي على خليل: 2/234 "فلا يصام برؤية عدل ، ولا عدل وامرأة ، ولا عدل وامرأتين".

[70] ينظر ما نقل عن النووي في حاشية (68).

[71] القرافي ، الفروق: 2/178.

[72] ابن رشد ، بداية المجتهد: 1/207.

[73] العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال ، ص7.

[74] الكاساني ، بدائع الصنائع: 2/82. ابن عبدالبر ، التمهيد: 7/177. النووي ، المجموع: 6/279 – 280. المقنع والشرح الكبير والإنصاف ، تحقيق التركي: 7/334 – 335.

[75] الرازي الجصاص ، أحكام القرآن: 1/285. ابن قدامة ، الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف: 7/334 – 335.

[76] انظر فيما سبق الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: حاشية رقم (39) ، وما سبق أن أوردناه من أن دورة القمر بالنسبة إلى الشمس – من محاق إلى مثله – تساوي في المتوسط 52059 و 29 يوماً.

[77] إحسان ميرعلي ، إثبات الأهلة ، مرجع سابق ، ص 165.

[78] أحمد الفريح ، المرجع المتقدم ، ص 82 – 85.

[79] المرجع نفسه ، ص 86 – 88 ، وفي ص 87/ 88 نص فتوى الشيخ محمد العثيمين في هذه المسألة.

[80] ومما جاء في هذا القرار:
ïپ· إذا رئي الهلال بالعين المجردة فالعمل بهذه الرؤية وإن لم ير بالمرصد.
ïپ· إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية ولو لم ير بالعين المجردة.
ïپ· يطلب من المراصد ، من قبل الجهة المختصة عن إثبات الهلال ، تحري رؤية الهلال في ليلة مظنته ، بغض النظر عن احتمال وجود الهلال بالحساب من عدمه.

[81] إحسان ميرعلي ، إثبات الأهلة ، ص 192.

[82] المرجع المتقدم ، الموضع نفسه.

[83] تم اختيار عدة مواقع بهدف رصد الأهلة نذكر منها:


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-01-2020, 01:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,489
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة

منهجية إثبات الأهلة في ظل المتغيرات المعاصرة (2)؛



أ.د. محمد جبر الألفي

المبحث الثالث: اعتماد الحساب فـي إثبات الأهلة
لبيان اعتماد الحساب أو عدم اعتماده في إثبات الأهلة، ولتوضيح ما يتعلق بهذا الموضوع من مسائل، نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب:
المطلب الأول: تحقيق القول في الحساب بين القطعية والظنية.
المطلب الثاني: مدى مشروعية الاعتداد بالحساب.
المطلب الثالث: خصوصية الجاليات الإسلامية وأثرها في اعتماد الحساب.
المطلب الرابع: الفرق بين العمل بالحساب في الصلاة وفي الصيام.

المطلب الأول: تحقيق القول في الحساب بين القطع والظن[84]
المراد من العمل بالحساب: حساب سير القمر في منازله لتثبيت وقت اجتماعه بالشمس ووقت انفصاله عنها، ووقت إمكانية الرؤية وعدمها، والبعد بين النيرين، ووقت مكث الهلال في الأفق وغير ذلك، حتى يمكن أن يعرف به متى يرى الهلال في أوائل الشهور القمرية.
وكانت الطريقة الحسابية (القديمة) تعتمد على الأجهزة المتوافرة في تلك العصور وعلى ما توصل إليه علماء الفلك والرياضيات، أما في العصر الحديث فقد تطورت هذه الأجهزة ومعطيات العلوم تطوراً مذهلاً، ولذا يحسن إيراد كلمة موجزة عن كل من الطريقتين.
الطريقة الحسابية القديمة:
اعتمدت هذه الطريقة – أساساً – على استقراء كمية كبيرة من الأرصاد، ومن ثم استخراج متوسطها، ومن أشهر الآلات التي استخدمت في ذلك ( الاسطرلاب )، وقد تم التوصل به إلى معرفة مقادير حركة الكواكب وأبعاد بعضها عن بعض، بالإضافة إلى تعيين مواضعها بالحس والمشاهدة، فتأسست بذلك مجموعة من "الأزياج"[85]، وهي جداول مثبت فيها مواقع الأجرام السماوية ومقادير حركاتها في الأزمنة المختلفة، اعتماداً على نتائج الرصد والمراقبة، وأمكن عن طريق ملاحظة كثير من الظواهر الفلكية التعبير عنها بعدد من العلاقات الحسابية والمثلثية.
وكان معروفاً لدى الأقدمين التفاوت في حركة القمر، بسب اختلاف مداره المركزي، وكذلك التغير في مستوى مداره، وتراجع خط العقدتين، وعوامل اضطراب حركة القمر، فكان من الطبيعي لديهم اختلاف مطالع الشمس والقمر ومغاربهما تبعاً للزمان والمكان.
ويمكن القول – بصفة عامة – أن الأقدمين قد توصلوا إلى وصف حركة القمر بشكل قريب مما هو معروف الآن، وكانت نتائجهم – في الغالب – متوافقة مع الواقع ولا تشذ عنه إلا نادراً، وكان مشهوراً عندهم أن الشهر الحقيقي هو المدة من الاجتماع إلى الاجتماع، فإذا وقع الاجتماع قبل الغروب كانت تلك الليلة من الشهر الآتي وإن لم تمكن الرؤية فيها، ومتى تأخر الاجتماع عن الغروب كانت هي واليوم الذي بعدها من الشهر الماضي (وهذا هو الشهر الحقيقي في اصطلاح الفلكيين). وقد فحص المتأخرون هذه الطرق فوجدوها في غاية الصحة والموافقة[86].
وقد حكم كثير من الفقهاء – الذين لهم قدم في علم الفلك والهيئة والحساب[87] – على الطريقة الحسابية القديمة بقطعية مقدماتها واستنادها إلى المحسوس. قال في العذب الزلال:"والحاصل: أن كل من أدرك طرفاً من فن الهيئة والتعديل، علم بالضرورة أن حسابات الأهلة وغيرها قطعية من غير فرق بين مسلم وأوربي ويهودي وغيرهم، حتى من أنكر ذلك يعد من أجهل الجهال عند سائر الأمم"[88].
الطريقة الحسابية الحديثة:
بدأت الطريقة الحديثة من حيث انتهت سابقتها، فاستفادت من أرصادها ونتائجها وجداولها، ثم طورت أجهزتها بدقة فائقة وسرعة مذهلة، واعتمدت على القوانين العلمية التي تصف حركة القمر، وتربط بين سرعته والمسافة التي يقطعها، ومدى تأثير قوى التجاذب بين الكواكب، وقوى التنافر ( الطرد المركزي ) الناجمة عن حركتها الدورانية المركبة، وصياغة كل ذلك في قوالب رياضية بمساعدة قوانين الميكانيكا السماوية، مما كان له كبير الأثر على علم الفلك، فأثمر نجاحاً باهراً في إطلاق الصواريخ وارتياد معالم الفضاء، حتى وضع الإنسان قدمه على سطح القمر عام 1963م. وقد توصلت هذه الطريقة إلى تحديد الموقع الفعلي للقمر في أية لحظة وبشكل دقيق لا يتجاوز فيه الخطأ مجال الثواني، و"أمكن الحساب المسبق لمكان القمر في مداره لبضع سنين، وبدقة تصل إلى 2كم"[89].
وقد تم – مؤخراً – ترجمة كل ذلك إلى برامج بالغة الدقة، ما أن يتم إدخالها إلى الحاسوب حتى يقوم – فوراً – بإعطاء النتائج الصحيحة، حسب درجة الدقة المطلوبة، وبالتالي: التوصل إلى تحديد زمن بداية الشهر القمري ونهايته، ولحظة ولادة هلاله.
فالطريقة الحديثة تحدد – بشكل علمي موثوق به – مكان القمر في أية لحظة مستقبلية وعلى مدى عدة سنين، كما أنها تحدد البعد المطلق بين مسقط القمر على الكرة السماوية ومثيله الشمسي، وبالتالي: تحديد أول الشهر القمري بالتحقق من كافة الشروط الاعتبارية المتعلقة برؤية هلاله، وتتكفل المراصد الحديثة – فائقة التكبير – من تصحيح الإحداثيات كل بضع سنين، وتحديث القيم المرجعية اللازمة في الحساب بشكل يضمن الموثوقية في النتائج[90].

المطلب الثاني: مدى مشروعية الاعتداد بالحساب
اختلف الفقهاء في حكم العمل بالحساب ومدى مشروعية الاعتداد به – نفياً وإثباتاً، أو نفياً فقط – منذ أواخر القرن الأول الهجري، عندما نسب القول به إلى مطرف بن عبدالله الشخير[91]، وتبعه البعض وعارضه الجمهور، ويمكن تلخيص هذا الخلاف في اتجاهين[92]:
الاتجاه الأول:
المنع من العمل بالحساب وعدم الاعتبار به، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم، حيث اعتبروا دخول الشهر برؤية الهلال، وعند عدمها بإكمال العدة ثلاثين يوماً ،وهذا هو ما أناط الشرع به الحكم، فلا مدخل لغير ذلك في دخول الشهر. وهذه بعض أقوالهم في المسألة.
في المذهب الحنفي:
جاء في رسالة تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان:"قد صرح علماؤنا وغيرهم بوجوب التماس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، فإن رأوه صاموا وإلا أكملوا العدة، فاعتبروا الرؤية أو إكمال العدة إتباعاً للأحاديث الآمرة بذلك، دون الحساب والتنجيم. وقد اتفقت عبارات المتون وغيرها من كتب علمائنا الحنفية على قولهم: يثبت رمضان برؤية هلاله وبعدّ شعبان ثلاثين، ومن المعلوم أن مفاهيم الكتب معتبرة، فيفهم منها أنه لا يثبت بغير هذين"[93].
في المذهب المالكي:
قال في الفواكه:"يفهم من تعبير المصنف وغيره ( برؤية ) أنه لا يعول على قول أهل الميقات: إنه موجود ولكن لا يرى، لأن الشارع إنما يعول على الرؤية لا على الوجود"[94].
في المذهب الشافعي:
ورد في المجموع:"قال الجمهور: ومن قال بتقديره تحت السحاب فهو منابذ لصريح باقي الروايات، وقوله مردود. ومن قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله r: "إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا" الحديث [95]. قالوا: ولأن الناس لو كلفوا بذلك ضاق عليهم، لأنه لا يعرف الحساب إلا أفراد من الناس في البلدان الكبار. والصواب: ما قاله الجمهور، وما سواه فاسد مردود بصرائح الأحاديث السابقة"[96].
في المذهب الحنبلي:
في المغني:"لو بنى – أي نية صوم رمضان – على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب، فوافق الصواب، لم يصح صومه، وإن كثرت إصابتهم، لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه ولا العمل به، فكان وجوده كعدمه. قال النبي r :"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"، وفي رواية: "لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه" – رواه أبو داود –"[97].
الاتجاه الثاني:
اعتبار العمل بالحساب والأخذ بنتائجه، على خلاف بين أنصار هذا الاتجاه في اعتباره مطلقاً، أو في اعتباره بالنسبة للحاسب وحده، أو له ولمن صدقه. وعلى خلاف آخر في العمل بالحساب حال الصحو والغيم، أو حال الغيم وحده، وهل يعمل بالحساب نفياً وإثباتاً، أو نفياً فقط، كالقطع باستحالة الرؤية في زمن معين أو القطع بإمكانها، ونحو ذلك مما له تعلق بالحساب.
وأنصار هذا الاتجاه هم من أتباع المذاهب الفقهية المختلفة: فمن المذهب الحنفي: محمد بن مقاتل الرازي – من أصحاب محمد بن الحسن –[98] والقاضي عبدالجبار، وصاحب جمع العلوم[99]، والمرجاني ( أو الترجماني ) في ناظورة الحق[100] كما رأى العمل بالحساب وركن إليه بعض البغداديين من المالكية[101]، وذكر ابن بزبزة رواية ذلك عن مالك[102]، وحكى مثله ابن رشد عن الداودي[103]، وقد قال القرافي:"حساب الأهلة والخسوف والكسوف قطعي" وكذلك ابن البناء وغيره من المالكية[104]. وأكثر من قال باعتبار الحساب في إثبات الأهلة هم من الفقهاء الشافعية، لما نسب من القول به إلى الإمام الشافعي في القديم[105]، منهم: ابن سريج[106]، والقفال الشاشي[107]، وأبو الطيب الطبري[108]، والسبكي[109]، وابن دقيق العيد[110]، والعبادي[111]، وغيرهم. ورأس هؤلاء نص عليه القرطبي بقوله:"وقد ذهب مطرف بن عبدالله الشخير، وهو من كبار التابعين، وابن قتيبة من اللغويين فقالا: يعول على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان، حتى إنه لو كان صحوا لرئي، لقوله عليه السلام:"فإن أغمي عليكم فاقدروا له" أي: استدلوا عليه بمنازله ،وقدروا إتمام الشهر لحسابه"[112].
ويميل إلى اعتبار العمل بالحساب والأخذ بنتائجه عدد من العلماء المعاصرين، منهم: الشيخ محمد بخيت المطيعي[113]، والشيخ محمد رشيد رضا[114]، والشيخ طنطاوي جوهري[115] والشيخ المراغي[116]، والشيخ أحمد محمد شاكر[117] وغيرهم.

المطلب الثالث: أثر خصوصية الجاليات الإسلامية فـي اعتماد الحساب
أوردنا فيما سبق قولين للفقهاء، يرى أولهما أن الهلال إذا رئي في بلد لزم جميع البلاد العمل بهذه الرؤية والصيام بموجبها، ووفقاً لهذا الرأي: إذا ثبتت رؤية هلال رمضان في أي بلد إسلامي لزم الجاليات الإسلامية المنتشرة في كل أرجاء المعمورة الصوم، وإذا ثبتت رؤية هلال شوال لزمها الفطر، ولا ترد مسألة اعتماد الحساب في هذه الحالة.
ويرى القول الآخر أن لكل بلد مطلعه، وعلى هذا القول يجب كفائياً – أو يستحب – أن تخصص كل جالية إسلامية بعض من رزقهم الله حدة البصر وتعلموا كيفية الرؤية وشروطها لالتماس رؤية الهلال، وهذا يشكل مناسبة تدخل البهجة والسرور على أبناء الجالية. وقد لمست أثر ذلك عندما كنت مفتي المسلمين في فرنسا – منذ أكثر من ثلاثين عاماً – وكان المعمول به إيفاد عدلين لكل منطقة مرتفعة في باريس: منارة مسجد باريس وبرج إيفل وقمة مومارتر ... الخ لالتماس الهلال وتحريه في مظانه، بعد استطلاع مخرجات الأرصاد فيما يخص الموضوع، وفي نفس الوقت تتابع لجنة الرؤية إذاعات الدول العربية، فإذا ثبتت الرؤية تم إبلاغ هيئة الإذاعة والتلفزيون لإعلان ذلك، وكلف بعض الموظفين بالرد على المكالمات الهاتفية التي ترد إلى مسجد باريس من كل أنحاء فرنسا طوال الليل.
وأشير في هذا الصدد إلى أن خصوصية الجاليات الإسلامية في الغرب تعتبر مسوغاً لاعتماد الحساب في إثبات أوائل الشهور القمرية، بما لا يخل بمعطيات الرؤية الشرعية. ذلك أن الحسابات الدقيقة التي تقوم بها هيئات علمية موثوقة لا يمكن أن تتعارض مع نتائج الرؤية الشرعية المؤيدة بالمراصد الحديثة. وإذا حدث هذا التعارض فإنما يعود إلى اختلال في الحساب، أو كلل في البصر، أو قصور في الأجهزة المستعملة ... والله أعلم.

المطلب الرابع: الفرق بين العمل بالحساب فـي الصلاة والصيام
فرض الله تعالى على المسلمين خمس صلوات موزعة على مدار اليوم، ونصب زوال الشمس سبباً لوجوب الظهر، وغروبها سبباً لوجوب المغرب، وطلوع الفجر سبباً لوجوب الصبح، وأرسل جبريل بعلامات محددة تبين وقت العصر ووقت العشاء. قال تعالى:{ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر }[118]، وقال عز من قائل:{فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون}[119]، قال المفسرون: هذا خبر معناه الأمر بالصلوات الخمس في هذه الأوقات، حين تمسون: المغرب والعشاء، وحين تصبحون: الصبح، وعشيا: العصر، وحين تظهرون: الظهر. والصلاة تسمى: سبحة ؛ فالآية أمر بإيقاع الصلوات في أوقاتها، وجاءت السنة العملية بتأكيد هذه الأوقات وتوضيحها، مما يدل على أن نفس الوقت سبب، فمن علم السبب بأي طريق كان، لزمه حكمه، فلذلك اعتمد المسلمون الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات، امتثالاً لقول الله عز وجل:{وجعلنا الليل والنهار آيتين، فمحونا آية الليل، وجعلنا آية النهار مبصرة، لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب}[120].
وفرض الله تعالى على المسلمين صوم شهر رمضان، ونصب رؤية الهلال سبباً لشهود الشهر ووجوب الصوم، وجاءت السنة العملية بتأكيد سبب الصوم، وهو رؤية الهلال خارجاً عن شعاع الشمس، فقال r: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، ولم يقل: صوموا وأفطروا لنفس خروج الهلال عن شعاع الشمس، فخروج الهلال عن شعاع الشمس ليس هو سبب الصوم، كما في الصلاة التي جعل سببها "دلوك الشمس"، فإن خفيت الرؤية – "فإن غم عليكم – فأكملوا العدة ثلاثين"، وفي رواية:"فاقدروا له"، فنصب الشارع الحكيم رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين سبباً لوجوب الصوم، ولم يتعرض لخروج الهلال عن شعاع الشمس[121].
وبهذا التقرير يتبين الفرق بين العمل بالحساب في الصلاة – التي جعل سبب وجوبها نفس الوقت – وبين العمل بالحساب في الصوم – الذي جعل سبب وجوبه الرؤية، وليس نفس الوقت – والله أعلم.

المبحث الرابع: المجامع الفقهية وقضية إثبات الأهلة
منذ أضاء نور الإسلام، وانتشرت هدايته في شتى البقاع، وجمعت بلاده وحدة دينية وسياسية، والمسلمون في كل إقليم يصومون لرؤية الهلال ويفطرون لرؤيته متى ثبتت هذه الرؤية لديهم، ولم نسمع أن أحداً أطلق صيحات استنكار بسبب اختلاف المسلمين في صومهم وفطرهم تبعاً لاختلاف المطالع عندهم.
فلما أصاب المسلمين داء الشقاق والتشرذم، وانضووا تحت كيانات مستقلة مصطنعة، وتمكن الهوى من أفئدتهم وسيطر على تصرفاتهم، فخالفوا أقرب جيرانهم في مواقيت أعيادهم نتيجة الاختلاف معهم في الاتجاه المذهبي أو السياسي، حينئذ عمت فوضى الاجتهاد، وادعى من لا خلاق لهم رؤية الهلال – مع استحالة رؤيته علمياً – وصادفت دعواهم هوى في نفوس بعض المسئولين ليزيدوا من شقة الخلاف، حتى أعلنت بعض البلدان الإسلامية الصوم والفطر بفارق يومين أو ثلاثة عن بلدان تشترك معها في المطالع أو في جزء من الليل، مما يستحيل تصوره عقلاً.
لهذا – ولغيره من الأسباب – دعا بعض الحكماء من أصحاب الغيرة على هذا الدين وأهله إلى محاولة جمع شمل المسلمين، وإخضاع الفتوى لاجتهاد جماعي، يلتقي فيه العالم الفقيه مع العالم في الاجتماع أو الاقتصاد أو الطب أو الفلك أو غير ذلك من العلوم والفنون، يبحثون النازلة بتجرد وموضوعية في ظل التطور المذهل الذي تشهده كافة ميادين العلم والمعرفة، وتنقله وسائل الاتصال – لحظة وقوعه – إلى كل أرجاء المعمورة.
وقد انعكس شيء من ذلك على موضوع هذا البحث فانعقدت عدة مؤتمرات وندوات لبحث قضية إثبات الأهلة، نذكر منها على سبيل المثال:

مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: 1386هـ - 1966م، وكذلك قرار اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر برئاسة الشيخ محمود شلتوت: 1979م.
مؤتمر توحيد أوائل الشهور العربية: ماليزيا 1389هـ.
لجنة التقويم الهجري الموحد، الدورة السادسة: استنبول 1398هـ - 1978م.
المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة: 1400هـ ( بيان توحيد الأهلة من عدمه )، 1401هـ ( القرار ).
مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي:
جدة 1406هـ - 1985م.
عمان 1407هـ - 1986م، وفي هذه الجلسة قدم فريق علماء جامعة الملك عبدالعزيز – قسم علوم الفلك تقريراً علمياً – فقهياً.

ندوة إثبات الأهلة: الكويت 1409هـ.
وفي هذا الإطار يمكن طرح عدة تساؤلات:
أولاً: ما مدى إلزام قرارات المجامع الفقهية بالنسبة للعامة ؟
والجواب: أن قرارات المجامع الفقهية تمثل نوعاً من الاجتهاد الجماعي، بني على بحوث علمية جادة تعتمد المناهج الصحيحة للبحث ومقارنة الأدلة، وعرضت للنقاش في جلسات علنية، ثم اتخذ القرار بناء على الرأي الذي رجحته الأكثرية.
ولا نزعم أن هذا الاجتهاد ملزم للعامة أو لغيرهم، إلا إذا حكم ولي الأمر بالعمل به، فمن المقرر شرعاً: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في المسائل الاجتهادية.
ثانياً: ما الحكم عند اختلاف قرارات المجامع في موضوع معين ؟
والجواب: أن كل واحد من هذه المجامع تعرض للمسألة المطروحة للنقاش ببحوث أعدها علماؤه، وتمت دراستها وترجيح ما رآه الأكثرية مقارباً للدليل ومحققاً للمصلحة.
ولا مانع – شرعاً – من اختلاف هذه القرارات في نفس القضية، فمجال الاجتهاد واسع، وبابه مفتوح لكل من استجمع شروطه، والمجتهد مثاب على اجتهاده في حالتي الصواب والخطأ. وما لم يأمر ولي الأمر بتنفيذ رأي محدد صادر عن أحد هذه المجامع، يظل الاجتهاد الفردي قائماً، ويعمل غير المجتهد بما تطمئن إليه نفسه من هذه القرارات.
ثالثاً: موقف المخالف لما اجتمع عليه الناس أو سوادهم الأعظم.
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تترى في الحث على إتباع سبيل المؤمنين، والاجتهاد الجماعي يكون – غالباً – أقرب إلى الصواب، لأن كل فرد يبرز رأيه ويحاور غيره، إضافة إلى أن الاجتهاد الجماعي يضم – إلى جانب الفقهاء – عدداً من المتخصصين في علوم شتى، بحيث يكمل بعضهم البعض الآخر، وفي الأثر:" ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن".
ومع ذلك: فإذا اجتمع سواد الناس على أمر معين فإنه لا يعني إنكار الاجتهاد الفردي بحال من الأحوال، ويظل حق الأفراد في الاجتهاد ثابتاً، مادام القائم به قد استجمع الشروط المقررة للاجتهاد، وكان لرأيه مسـوغ مقبول.




[84] لمزيد من البحث المفصل في هذا الموضوع ، يراجع: إحسان ميرعلي ، إثبات الأهلة ، مرجع سابق ، ص 113 – 120 وص 319 – 378 وما أشار إليه من مراجع ، وبخاصة: ابن تيمية ، رؤية الهلال والحساب الفلكي. حسين كمال الدين ، دورتا الشمس والقمر وتعيين أوائل الشهور العربية باستعمال الحساب. السبكي ، العلم المنشور في إثبات الشهور. طنطاوي جوهري ، رسالة الهلال فايجرت وتسومرمان ، الموسوعة الفلكية ، ترجمة عبدالقوي عياد ومحمد جمال الدين الفندي. محمد فريد وجدي ، دائرة معارف القرن العشرين. هربرت سبنسر ، الفلك العام ، ترجمة عبدالحميد سماحة وآخرين.

[85] من أشهر تلك الأزياج: الصابي للبتاني، والكبير لابن الشاطر ، والحاكمي لابن يونس ، والشامل لأبي الوفاء ، والشاهي للطوسي ، والموافق لابن عزور ، وتاج الأزياج لابن أبي الشكر. وقد تولى علماء أمريكيون وإيطاليون وفرنسيون تحقيق أفضلها ونشره.

[86] محمد بن عبدالوهاب المراكشي ، العذب الزلال ، ص 468 نقلاً عن ابن البناء في المنهاج ، ومثله في ص 749.

[87] كالقرافي المالكي ، والسبكي الشافعي ، والمطيعي الحنفي.

[88] المراكشي ، العذب الزلال ، ص 469.

[89] أ. فايجرت وهـ. تسومرمان ، الموسوعة الفلكية ، ترجمة: عبدالقوي عياد ومحمد جمال الدين الفندي ، ص 157.

[90] إحسان ميرعلي ، إثبات الأهلة ، ص 327.

[91] زاهد من كبار التابعين ، روى عن عثمان وعلي وغيرهما من الصحابة ، توفي سنة 87هـ (ابن سعد ، الطبقات: 7/141 – 146 (

[92] بسط النووي هذا الخلاف في المجموع: 6/290 قائلاً:"فحصل في المسألة خمسة أوجه: أصحها: لا يلزم الحاسب ولا المنجم ولا غيرهما بذلك ، ولكن يجوز لهما دون غيرهما ، ولا يجزئهما عن فرضهما. والثاني: يجوز لهما ويجزئهما. والثالث: يجوز للحاسب ولا يجوز للمنجم. والرابع: يجوز لهما ، ويجوز لغيرهما تقليدهما. والخامس: يجوز لهما ، ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم.

[93] ابن عابدين ، مجموع رسائل: 1/222 – 223.

[94] النفراوي ، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: 1/352.

[95] سبق ذكر الحديث وتخريجه في الحاشية رقم (39).

[96] النووي ، المجموع: 6/276.

[97] ابن قدامة ، المغني بتحقيق التركي: 4/338.

[98] السبكي ، العلم المنشور ، ص 10.

[99] حاشية ابن عابدين: 2/92 نقلاً عن القنية. ورسائله: 1/223.

[100] نهاد صالح طوسون ، ثبوت الأهلة ، ص 106 ، 108.

[101] ابن دقيق العيد، الإحكام شرح عمدة الأحكام: 2/8.

[102] نفس الموضع السابق.

[103] العذب الزلال ، ص 471.

[104] ابن رشد ، بداية المجتهد: 1/284 ، فقد نقل عن ابن سريج قول الشافعي:"من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ، ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي – قد غم – فإن له أن يعقد الصوم ويجزئه".

[105] النووي ، المجموع: 6/279. السبكي ، العلم المنشور: ص12.

[106] النووي ، المجموع: 6/280.

[107] الموضع المتقدم نفسه.

[108] الموضع المتقدم نفسه.

[109] السبكي ، العلم المنشور في إثبات الشهور: ص 12 ، 23 – 24.

[110] ابن دقيق العيد ، الإحكام شرح عمدة الأحكام: 2/8. وابن دقيق العيد هو محمد بن علي القشيري المنفلوطي ، اشتغل بمذهب مالك وأتقنه ، ثم اشتغل بمذهب الشافعي ، وأفتى في المذهبين ، توفي سنة 702هـ.

[111] قليوبي وعميرة ، حاشيتان على شرح المحلي على المنهاج: 2/63 ، وجاء فيهما:"قال العلامة العبادي إنه إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤيته ، لم يقبل قول العدل برؤيته ، وترد شهادتهم بها ، وهو ظاهر جلي ، ولا يجوز الصوم حينئذ، ومخالفة ذلك معاندة ومكابرة".

[112] القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن: 2/293

[113] محمد بخيت المطيعي ، إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة ، ص 81/82.

[114] محمد رشيد رضا ، تفسير المنار: 2/151 "والحساب المعروف في عصرنا هذا يفيد العلم القطعي .. ويمكن للأئمة المسلمين وأمرائهم الذين يثبت عندهم أن يصدروا حكماً بالعمل به فيصير حجة على الجمهور".

[115] طنطاوي جوهري ، رسالة الهلال ، ص47.

[116] أحمد محمد شاكر ، أوائل الشهور العربية ، مكتبة ابن تيمية ، ص15.

[117] المرجع السابق ، الموضع ذاته.

[118] سورة الإسراء: من الآية 78.

[119] سورة الروم: الآيتان 17 ، 18.

[120] سورة الإسراء: من الآية 12.

[121] القرافي ، الفروق: 2/179.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 131.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.97 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]