|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كيف أثبت على الطاعة؟ أ. مروة يوسف عاشور السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مُشكلتي: لا أدري هل هي مشكلة أو لا، لكنَّها تُقلقني كثيرًا؛ فلقد عشتُ في بيت لا أحدَ فيه يحثُّني على الصلاة، بل حثُّوني عليها عندما كَبِرتُ وصار عمري 15 أو 16، وأنا لم أستطعِ التعوُّد، ودائمًا أصلِّي وأترُكها بعدَ سَنة، وأرجع إلى حالتي وإلى المعاصي. أنا أحبُّ القُربَ مِن ربي، الآن بدأتُ أصلِّي وتبتُ إلى الله، وبصراحة خائِفة أن أنتكِس، والصلاة صراحة تُتعبني ولا أشعُر بالخشوعِ أو اللذَّة، وأنا لا أريد أن أتركَها أبدًا. بماذا تنصحونني أن أفعَل؟ مع العِلم أني أدْعو الله أن يُثبِّتَني على طاعته، وأهلي لا يُساعدونني على طاعة ربِّي، الكل يعيش على هواه، لا أشعُر أنَّهم يهتمُّون بالصلاة أو الدِّين. وشكرًا. الجواب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حيَّاكِ الله، ونشكُر لكِ ثناءَك العطِر، ونسعد بالتواصُلِ معكِ. مشكلتكِ بدأتْ منذ أن أعلنَ إبليسُ عداءَه الدائم لبني البشر وتوعَّدهم بقوله: {﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾؛ [الأعراف: 16 - 17]، وقال: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾؛ [الإسراء: 62]. وقد فعَل! مَن قال: إنَّ الخشوع في الصلاة والثبات على الطاعة أمرٌ سهلُ التحقُّق، يسيرُ المنال؟! لو كان الأمر بهذه السُّهولة لفاز الجميع، ولكن كما قال أحمد شوقي: وَمَا نَيْلُ الْمَطَالِبِ بِالتَّمَنِّي ![]() وَلَكِنْ تُؤْخَذُ الدُّنيَا غِلابَا ![]() ألمْ تقرئي قول الله - تعالى -: {﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾؛ [العنكبوت: 2 - 3]؟ فهذه سُنَّة الله في كونه - الابتلاء؛ ليَميزَ الله الخبيثَ من الطيب، ليظهر الصادق من الكاذِب، ولولا الابتلاءُ لادَّعَى الكلُّ الإيمان، وأحقيتَه بالجَنَّة! عندما أعدتُ قراءةَ رِسالتك تبيَّن لي أنَّ لديك رصيدًا فِطريًّا يبشِّر بكلِّ خير، وتبيَّن لي صِدقُ أحاسيسك، وخوفُك الحقيقي مِن الله؛ فعندما يَحُول الخوفُ مِن الانتكاس دون التلذُّذ بالطاعة واستشعار نِعمة الهداية، فلا يدلُّنا هذا إلا على الصِّدق في الرجوع، ويُرجَى معه ثباتٌ بإذن مصرِّف القلوب، ولكن هل نكتفي بالخوف؟ وهل نرجو أن يحميَنا خوفُنا ويقينا شرَّ كلِّ فتنة؟ ورد في الحديث: ((مَن خاف أدْلَج، ومَن أدْلَج بلَغَ المنزل، ألاَ إنَّ سِلعةَ الله غالية، ألاَ إنَّ سلعة الله الجنة))؛ رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني. لكن الخوف الذي لا يَصْحَبه عملٌ مرَضٌ. وحتَّى يكون خوفُنا إيجابيًّا، علينا أن نُحسِن توظيفه، ونستعين بالله عليه ونستغل مِن أنفسنا ذلك، ونُجاهدها وهي ما زالتْ نَضِرةً حتى تلينَ لنا، ولا ننتظر حتى تيبس؛ فيشق علينا أمرُها؛ فكما قال الشاعر: إِنَّ الغُصُونَ إِذَا قَوَّمْتَهَا اعْتَدَلَتْ ![]() وَلَنْ تَلِينَ إِذَا كَانَتْ مِنَ الخَشَبِ ![]() أولاً: عليكِ أن تتعرَّفي أكثرَ أهميةَ الصلاة في أثناء المجاهدة؛ فمتى ما عرَف الإنسان أهميةَ الشيء استطاعه، واعلمي أنَّ أضرار ترْكها والتهاون بها تبقَى ظاهرةً على الفَرْد في حياته وبعدَ مماته، ومِن أكثر ما يُعرِّفنا بأهمية الصلاة القراءة في كُتب الحديث - أبواب الصلاة، وكذلك تأمُّل كتاب الله وتدبُّر آياته الكثيرة؛ ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾؛ [التوبة: 11]. ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ﴾؛ [الأنفال: 3 - 4]، ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ [إبراهيم: 31]. آيات الصلاة في القرآن كثيرة، أنتِ بحاجةٍ لأخْذ جوْلة إيمانيَّة في كُتب التفْسير تَطلعين على ما جاء في تفسيرها، وما جاء في أحاديثِ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنها، وتتأمَّلين فيها وتُدركين أهميتَها، فيستقر في قلْبِك - بإذن الله - مِن تلك الأهمية ما يُعينك على إعطائِها ما تستحقُّ من المبادرة والمسارعة إلى تلبية النِّداء، وترْك ما دونها. ثانيًا: الدعاء؛ كان نبيُّ الله إبراهيم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَدْعو أن يُعينَه الله على المحافظة على الصلاة، ويدعو لذريته بذلك: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، فلا حولَ لنا ولا قُوَّة إلا بربنا، وعلينا أن نلجأَ إليه وأن نسألَه العونَ دائمًا، وبصدقٍ في اللجوء ورغْبة في الإنابة، والله - تعالى - لا يُخيِّب مَن يتعلَّق به، ويرجو رحمته، ويُجيب دعوةَ المضطر؛ ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]. ثالثًا: عليكِ بالجماعة؛ فإنَّما يأكل الذئبُ مِن الغَنمِ القاصيةَ، لكن مَن الجماعة التي علينا أن نكونَ معهم ونحافظ على رفقتهم؟ ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، كان بعضُ السَّلَف يقول: "إخواننا أحبُّ إلينا مِن أهلينا؛ فإخواننا يُذكِّروننا بالآخِرة، وأهلُونا يُذكِّروننا بالدنيا"، فابْحثي لكِ عن رفقةٍ صالحة وتواصلي معهنَّ، ولا تقطعِي صلتَكِ بأهل الخير؛ فالمرءُ ضعيف بنفسه قويٌّ بإخوانه. رابعًا: قال بعضُ السَّلَف: "جاهدتُ نفْسي على قيام اللَّيْل عِشرين سَنة، ثم تلذذتُ به عشرين سَنَة"، فانظري كيف أنَّ الصلاة لم تكن سهلةً عليهم، وانظري كيف كانوا يُجاهدون أنفسَهم، ويسعون للحاق برَكْب الصالحين! لم يشعرْ بالتلذُّذِ بصلاة الليل إلا بعد جهادٍ دام عشرين سَنَة، فما أسرعَ يأسَنا، وما أسهلَ انقطاعَنا! لن تستشعري الخشوعَ أو اللَّذَّة في الصلاة إلا بعدَ مجاهدة وصبر ومرابَطة وانتظار. ولعلَّ ممَّا يُعينكِ على الخشوع - بإذن الله -: 1- اختيار المكان المناسِب للصلاة؛ بعيدًا عن الضوضاء والأهل، وتخصيص مكانٍ نظيف مُريح طيب. 2- الاستعاذة عندَ الشروع في الصلاة؛ {﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]؛ جاء في "تفسيرِ السعدي": "فيقول القارِئ: "أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم" متدبِّرًا لمعناها، معتمدًا بقلْبِه على الله في صَرْفه عنه، مجتهدًا في دفْع وساوسه وأفكاره الرَّديئة، مجتهدًا على السبب الأقوى في دفْعه، وهو التحلِّي بحِليةِ الإيمان والتوكل". 3- التأمُّل في كلِّ ما تقرئينه في الصلاة؛ فتأمَّلي التسبيحَ واستحضري عظمةَ مَن تسبحينه، وعندَ قراءة الفاتحة استحضري معانيها السامية، وكذلك استشعري التذلُّلَ إلى الله أثناء الرُّكوع والقُرْب منه أثناءَ السُّجود، وهكذا. 4- المداومة على ذِكْر الله عمومًا، وترطيب اللِّسان بذِكْره، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار قبل النوم، وغيرها. 5- البُعد عن المعاصي؛ كمشاهدة التِّلفاز بما فيه من مسلسلات وأفلام تُميت القَلْب، وتُبعِده عن الله، وتُنسيه الآخِرة، وتصرِفه عن كل خير. 6- استحضار واستشعار عظمةِ الله قُبَيل الشروع في الصلاة؛ سَلِي نفسكِ وأجيبيها: مَن سأُناجي الآن؟ إنَّه الله! كان عليُّ بن الحسين إذا توضَّأ اصفرَّ لونه، فيقول له أهلُه: ما هذا الذي يَعتريك عند الوضوء؟ فيقول: "أتَدْرُون بيْن يدي مَن أقوم؟". 7- ذِكْرُ الموت في الصلاة مِن أكثرِ ما يُعين على الخشوع فيها، فالقلْبُ لا يكون أصدقَ مع الله إلا في حالة يأسِه من الدنيا وانقطاعه عنها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لرجل وهو يَعِظُه: ((إذا قُمتَ في صلاتك فصلِّ صلاة مُودِّع، ولا تَكلَّم بكلام تعتذر منه غدًا، واجمعِ الإياس ممَّا في يدي الناس))؛ رواه أحمد في المسند، وابن ماجه، وصحَّحه الألباني. خامسًا: نتوب إلى الله ثم نَرجِع إلى حالنا ونعصي الله، أليس كذلك؟! نحن بحاجة إذًا لما يُكفِّر تلك السيئات، ويَغسِلنا من هذه المعاصي؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الصلاة الخَمْس، والجُمُعة إلى الجُمُعة كفَّارةٌ لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائر))؛ رواه مسلم. فهي سلاحُكِ الذي يَسلُل سخيمةَ صَدْرك، وهي المُطهِّر الحقيقي لأنفسنا، والمخلِّص الصادق لقلوبنا من حبِّ الدنيا والتعلُّق بها. سادسًا وأخيرًا: أنصَحُك بالقراءة، فخيرُ ما يَستعين به الإنسان على فِتن الزمان ومغريات الدنيا: مرافقةُ كِتابٍ نافِع يُعين على التقرُّب إلى الله، يُقوِّي عزيمةَ النَّفْس، ويَبْعَث فيها رُوحَ الأَمَل، ويغرِس فيها سنابلَ الإيمان، ويطوف بها في حدائقَ ذات بهْجة. الكتاب مِن أحسنِ الرُّفقاء وأنفعهم. الكتاب بَهْجَةُ النفوس وراحتها. الكتاب خيرُ صَدِيق على الإطلاق، وخيرُ ناصِح في زمن قلَّ فيه المعين. اجْعَلي لكِ قدرًا من القراءة يوميًّا، وليكن نصفَ ساعة في اليوم، ولا تلتزمي بفنٍّ معيَّن، بل تنقَّلي كالنحلة، واستنشقي عبيرَ الكتب، وانتقي ما تشتهيه نفسُك من كلِّ نافع لها؛ فلن تَجِدي مَن ينصحك ككتاب رَزَقَ الله مؤلِّفَه الصِّدقَ والحِكمة، وهم كُثُر وللهِ الحمد. وقد تُعينك القراءةُ على مناصحةِ الأهل ودعوتِهم إلى الخير، وتُمكنك من حسنِ العرْض وأن تَلْقي قَبولاً عندهم، وتذكَّري قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فواللهِ لأنْ يُهدَى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك مِن حُمْر النَّعَم))؛ متفق عليه. وفَّقكِ الله، وأصلح حالكِ، وجعلكِ هاديةً مهدية، وثبَّتَنا وإياكِ على الحق، ونسعد بالتواصُل معكِ في كلِّ وقت، فلا تتردَّدي في مراسلتِنا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |