|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() السبيل إلى حج مبرور أحمد العمراني تُعَدُّ العبادات من أعظم ما يُتقرب به إلى الله -تعالى-، ومن أيسر وأوسع وأجلّ الطاعـات التي ينال بهـا العبد محـبة اللـه - سبحانه وتعالى - ومرضاته، حيث روي عن النبي الأمين قوله: إن الله- عز وجل - قال: ((مَنْ عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ حتى أحبه...)) (1). وتتجلى أهمية العبادات وعظمتها في ارتباطها بحياة المسلمين زماناً ومكاناً وأشخاصاً، فهي لم تُنتزع من كيانهم يوماً ما، كما أنها لم تغب عن حياتهم رغم ما عرفته الأمة الإسلامية من أزمات قاسية، وفترات جهل عصيبة، وتخلف فكري حاد، وركود اقتصادي مضن، وتبعية وتمزق كبيرين للأعداء. وليس هذا غريباً على أمة يحمل تابعوها دينهم في قلوبهم، ويعتقدون فيه الخلاص لمشكلاتهم؛ مهما حصل الانحراف، ومهما تقهقرت النفوس إلى الوراء، ومهما أثَّرت الغفلة. وقد سبق للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أخبر بحصول مثل هذه الفتن للأمة، تظهر على شكل هزات تقوّض أركان الدين، وتطيح بشرائعه من واقع الناس، ولكن تبقى العبادات الركن الأقوى من آخر ما يُنتقض منها، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتُقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة)) (2). وليتحقق الأثر الذي تولده العبادات، سواء الإيمانية منها أو الأخلاقية أو الاجتماعية؛ لا بد أن يؤديها العبد بذاته وصفته، ليحيا في رحابها بنفسه، ويستشعر أثناءها قدرة الخالق وجلاله وعظمته، ويتذوق حلاوة معانيها مع كل حركة أو كلمة أو خطوة أو نفقة. هكذا أراد الخالق للعبادات أن تكون؛ تُباشر بالذات، وتُسكب فيها العبرات، وتُشد إليها الرحال. والعبادات - كما هو معلوم - أنواع، منها ما هو مالي محض كالزكاة، ومنها ما هو بدني خاص كالصلاة والصيام، ومنها ما يجمع بينهما كالحج. فالحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، عبادة مقصدها الامتثال لله والوفاء بحقه - تعالى -، هو شحنة تربوية كبيرة يتزود بها المسلم لتحقيق الخشية واستنفار مشاعر الأخوّة، وإيقاظ شعلة الحماسة الدينية والغيرة على حرمات الله، والعزم على الطاعة، والندم على المعصية، والحب لله ورسوله. وهو تدريب على السلام؛ لأنه رحلة سلام في شهر سلام إلى أرض سلام، وتدريب على المساواة والوحدة، فلا طبقية هناك، بل وحدة في المشاعر والشعائر، وفي الهدف والقول والعمل. وهو فرصة للثقافة وللتعليم، قال أحدهم: "مَنْ يعش ير كثيراً"، فردَّ عليه آخر: "بل مَنْ يسافر ير أكثر". إنه السفر إلى أول بيت أقيم على الأرض لعبادة الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أول مسجد وضع للناس المسجد الحرام، ثم بيت المقدس))، فسُئل كم بينهما؟ قال: ((أربعون عاماً)) (1). عبادة عظيمة تكفَّل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لمن أدَّاها كما ينبغي بالجنة بقوله: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) (2). فهل من سبيل إلى حجة مبرورة؟ إن أول ما ينبغي أن يعلمه المسلم هو أن عبادة الحج من العبادات التي تلزم المستطيع والقادر، فهي في حقه واجبة على الفور لا على التراخي؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتكون الحاجة)) (3). وفي رواية: ((تعجَّلوا الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) (4). وهذا أمر طبيعي لأن الحج من عمل الآخرة، وأعمال الآخرة لا تُؤَدة فيها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((التؤدة في كل شيء خير، إلا في عمل الآخرة )) (5). ولمعرفة مواصفات الحجة المبرورة، وجب علينا أن نعرف معنى البر المطلوب، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بمعرفة الوافد على بيت الله قيمة المكان الذي سيفد إليه وقدره. عن ابن عمر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)) (6). بالتأكيد فالمسلم أول ما يفكر في إقامة فريضة الحج؛ يبدأ بالبحث عمن يُعلِّمه، أو يبدأ في تعلُّم مناسك الحج من حيث الأركان والواجبات والمستحبات والمكروهات والكفارات؛ لأن الله يُعبد بالعلم وليس بالجهل. وهذا أمر أتركه لجهد كل راغب في أداء هذا المنسك، وللمطبوعات الموزعة هنا وهناك، لكني سأحاول في هذه الورقات أن أبين لكل راغب في زيارة بيت الله الحرام قدسيته، وفضائل كل شعيرة تُقصد فيه للتعبد أولاً؛ لأصل فيما بعد إلى بيان طريق تحقيق الحجَّة المبرورة ثانياً. * أولاً: مكانة البيت وقيمة شعائره في الإسلام: - فضل مكة ومسجدها: فالمسلم أول ما يفكر في الحج، يضع نصب عينيه أنه سيزور مكة خير أرض الله، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكِ لخير أرض الله - عز وجل -، وأحب أرض الله إليَّ)) (7). ويصلي بمسجدها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه)) (8)، وهو فضل يغري كل راغب في الأجر وباحث عن الفضل. - الكعبة والطواف بها: وهي محل طواف حجاج البيت، حيث يطوف المتعبد بالكعبة، والطواف فرصة أمرنا الرسول الكريم بالاستمتاع بها قبل أن نُحرَمها، ولأنها قد لا تدوم طويلاً، حيث أخبر - صلى الله عليه وسلم - بضرورة استغلالها قبل فوات الأوان، فقال: ((استمتعوا بهذا البيت؛ فإنه قد هُدم مرتين ويُرفع الثالثة)) (9). ولكي يستحضر العبد رمزية هذا المكان وعظمته يجب أن يستحضر أولاً أنه سيلبي نداءَ الرحمن الذي فرض على عباده زيارة بيته، كما قال في كتابه: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران: 97]. وسيلبي نداء خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - الذي أمره الله بالنداء بقوله - تعالى -: (وَإذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 26 - 27]. ويكفي لبيان فضل الطواف به ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ طاف بهذا البيت أسبوعاً يحصيه، كُتب له بكل خطوة حسنة، وكُفِّر عنه سيئة، ورُفعت له درجة، وكان عدل عتق رقبة)) (10)، وقال: ((مَنْ طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة)) (11). يطوف طوافاً يمثل الامتثال التام، والطاعة دون سؤال، فلا يجوز الطواف بغيره، ومَنْ طاف بغيره فإنما يعبد الشيطان. - الحجر الأسود: وموقعه في ركن من أركان الكعبة الأربعة، وهو من الجنة لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((الحجر الأسود من الجنة)) (1)، وكان أبيض اللون كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم)) (2). بل هو ياقوتة من ياقوت الجنة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله ـ - عز وجل - ـ نورهما، ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب)) (3). وهو من الشهود يوم القيامة لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق)) (4). وعند ابن ماجه: ((ليأتين هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، ويشهد على من يستلمه بحق)) (5). وفي رواية: ((يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان)) (6). وأبو قبيس هو الجبل المجاور للكعبة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً)) (7). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الحجر الأسود من الجنة وما في الأرض من الجنة غيره، وكان أبيض كالمها، ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسَّه ذو عاهة إلا برئ)) (8). - ماء زمزم: وهو الماء الذي غُسل به صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين: - مرة لما كان غلاماً برفقة الغلمان، حيث جاءه جبريل - عليه السلام - وصرعه فشق قلبه، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلى مكانه.. " (9). - ومرة قبل الإسراء، حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((فُرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء...))(10). وهو خير ماء على وجه الأرض لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم. وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقبة حضرموت كرجل الجراد من الهوام، يصبح يتدفق ويمسي لا بلال فيها)) (11). وهو من الماء النافع حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ماء زمزم لما شُرب له)) (12). وفي رواية الدارقطني: ((إن شربتَه تستشفي به شفاك الله، وإن شربتَه لشبعك أشبعك الله، وإن شربتَه ليقطع ظمأك قطعه الله، وهي هزمة جبريل، وسقيا الله إسماعيل)) (13). - يوم عرفة: هو يوم عظَّم الله أمره، ورفــع على الأيام قدره، فقد أقسـم - سبحانه - به، والعظيم لا يُقْسم إلا بعظيم، في قوله -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْـمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [البروج: 1 - 3]، المشهود: يوم عرفة(14). وهو من أعظم أيام الله، وفيه يحصل لأهل الإيمان من الأجر ما لا يحصل في سواه، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً)) (15). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله - عز وجل - فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو - عز وجل - ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (16). وهو اليوم الذي يصغر فيه الشيطان، حيث روى الإمام مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغــر ولا أدحــر ولا أحقر ولا أغيظ فيه من يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام.. )) (17). - التلبية: ولها أهميتها الخاصة؛ إذ إنها تعني أن العبد جاء يلبي نداء الله، فيقول بصوت مسموع وقلب مكلوم: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، يلبي ملك الملوك دون سواه متجرداً من كل الشهوات، وحابساً إياها عما سوى الله، والتفكير في جلاله، فصوت المسلم شهادة على النفس بما يشهد له من حجر أو مدر؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ملبٍّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر؛ حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا»(1). * المسجد النبوي: وموقعه بالمدينة المنورة، وهي طابة مستقر الإيمان ومأواه، منها انتشر الدين وإليها يعود، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)) (2). وفي رواية: ((إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها)) (3). ساكنها مع الإيمان والتقوى مفضل في الحياة والممات، جاء الحث على لزوم الإقامة فيها والموت بها، ومَنْ فعل ذلك كان له النبي - صلى الله عليه وسلم - شهيداً أو شفيعاًَ يوم القيامة، حيث قال: ((مَنْ استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشهد لمن مات بها))(4). وهو مسجد أسس على التقوى من أول يوم، وأول مسجد أُذّن فيه في الإسلام، وآخر مسجد أسسه الأنبياء - عليهم السلام -، و ((الصلاة فيه خير من ألف فيما سواه)) (5). ما بين بيته ومنبره - صلى الله عليه وسلم - روضة من رياض الجنة(6)، ومنبره على حوضه(7)، وعلى ترعة من ترع الجنة(8). وفيها مسجد قباء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيه راكباً وماشياً يصلي فيه ركعتين(9)، قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة؛ كان له كأجر عمرة)) (10). ثانياً: وسائل تحقيق الحجة المبرورة: إذا عرف المسلم هذه الفضائل وهذه الخيرات، فهل يسمح لنفسه أن يضيع بعضاً من وقته فيما لا ينفع، أو يسمح للشيطان أن ينغص عليه عبادته، أو يوقعه فيما حذَّر منه الشرع الحنيف؛ مما قد يبطل حجه أو يحرمه من تحقيق الحجة المبرورة؟ بالطبع.. لا ثم ألف لا، فالمؤمن كيس فطن، وقاف متثبت، وهو ليس بالخب ولا الخب يخدعه (11). فحجه لبيت الله عمل قاصد، والهدف منه واضح وهو تحصيل الجنة، وهذا لا يتحقق إلا بحسن الفهم لهذه العبادة؛ أي فهم ما يلزمها لتنفيذه، وفهم ما يهدمها لاجتنابه. وقد ذكر بعض العلماء أن الحج المبرور هو الذي لا يُعصى فيه الله ولا بعده(12). وقيل: هو المتقبل، وعلامته أن يزداد الحاج بعده خيراً، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه. قال الحسن البصري- رحمه الله -: "الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة" (13). وقيل: الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولا رفث، ولا فسوق، ولا جدال؛ لقوله -تعالى-: (الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْـحَجِّ) [البقرة: 197]. ولكي نُحسن فهم لفظة مبرور يجدر بنا أن نبحث عن دلالتها فيما ورد من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية خصتها بالذكر والبيان، فالمبرور من البر، والبر صفة عظيمة في شرعنا، وخصلة كبيرة في ديننا، إن لم نقل هي الدين كله، ويكفي في بيانها قول الله - تعالى -: (لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْـمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْـمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ وَالْـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقُونَ) [البقرة: 177]. وفي أحاديث جامعة حدد الرسول الكريم مفهوم البر فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((البر حسن الخلق)) (1). وهو خلق عظيم شامل، أجره عظيم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن)) (2). وفي رواية: ((أكثر ما يلج الناس به الجنة حسن الخلق)) (3)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله - عز وجل -؛ لكرم ضريبته وحسن خلقه)) (4). فالمطلوب إذن من الحاج: التميز وتمثل الأخلاق الحسنة، وتجنب الأخلاق السيئة؛ من أجل تحقيق الحجة المبرورة، وهي كما يلي: 1 - الإخلاص: كل عبادة لا يمكن أن تُقبل إلا إذا توفر فيها شرطان هما: الإخلاص، والمتابعة. والإخلاص شــرط أســاس لصحة الحـج وقبــوله، قال - تعالى -: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) [الـزمـر: 2]، وقال الله - عز وجل - فيما يرويه عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ مَنْ عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (5). 2 - المتابعة: أي: معرفة الأركان والواجبات والالتزام بها دون زيادة أو نقصان؛ لأن الأصل في العبادات الامتثال، وقد علَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف نحج، فقال: ((يا أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجُّوا)). فقال رجل: أُكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم)). ثم قال: ((ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك مَنْ كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) (6). وعلَّمنا كيف نحج فقال في حجة الوداع: ((لتأخذوا عني مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أراكم بعد حجتي هذه)) (7). وأمرنا بأن لا نزيد ولا ننقص فيما أمر به الشارع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (8). ومما يؤكد هذا المبدأ؛ ما دأب عليه العلماء من الدفاع عن الدين، وإبقائه صافياً نقياً لا تشوبه شائبة، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فهذا الإمام مالك بن أنس-رحمه الله- جاءه رجل فقال: من أين أُحرم؟ فقال: من الميقات الذي وقَّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحرم منه، فقال الرجل: فإن أحرمتُ من أبعد منه؟ فقال مالك: لا أرى ذلك، فقال: ما تكره من ذلك؟ فقال مالك: أكره عليك الفتنة، قال: وأي فتنة في ازدياد الخير؟ فقال: فإن الله- تعالى - يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، وأي فتنة أعظم من أنك خُصصت بفضل لم يختص به رسول الله - صلى الله عليه وسلم –(9). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |